أكملُ الخلق

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ..

بلغ العلا بكماله .. كشف الدجى بجماله
حسنت جميع خصاله .. صلوا عليه وآله ..

احترتُ أي قلمٍ أُمسك وبأي حبر أخط وأي حروف ألتقط ، أرى أن أشجار الأرض ومياه المحيطات والحروف التي أبدت لغات العالم لا تفي الكلام فيمن جعله الله أكمل خلقه وأجمل خليقته ..

الفكر يعجز وإن حوى معارف الدنيا وعلومها أن يصيغ جملاً تُبدي سيرة رجلٍ وطأ بساط القدرة الإلهية وكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى ، أما القلم فليس له طاقة وإن اتخذ مياه الأرض مداداً وأشجارها أقلامها وسطحها قرطاساً أن يخط جملاً عظيمة تذكر سيرة من تتفجر الحكمة في صمته والجمال في منطقه وصفات الكمال في حركته وسكونه ..

ليس لذي فكر محدود أن يخوض في محيط من قال فيه العظيم وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ 4 سورة القلم ، وليس لذي ذنوب كبيرة ومعاصي عظيمة ان يتجرأ في الحديث عن نور تجلى قبل أن يخلق الله الوجود ، وكيف لمن هداه الله إلى الإيمان به من خلال رسالة قومت عقول البشر وانتشلت أمة من أوحال الضلال وأخرجتها من ظلمة الجهل أن يُبدي حروفاً هزيلة في صاحب تلك الرسالة التي بها يُظهر الله في آخر الزمان دينه على الدين كله ولو كره الكافرون ..

حقاً مثلي ليس له طاقة أن يُمسك قلماً ويُصيغ جملاً تحوي جمال وكمال سيرة أول من سجد لله وبرسالته وهدي أوصيائه تمت الكلمة وعظمت النعمة وائتلفت الفرقة وبالولاء له ولأهل بيته تُقبل الطاعة المفترضة ومن له ولعترته المودة الواجبة والدرجات الرفيعة والمقام المحمود والمكان المعلوم عند الله والجاه العظيم والشأن الكبير والشفاعة المقبولة ..

رسول الله معجزة الوجود في خلقه وفي حمله وفي ولادته وفي نشأته ، فلقد خلقه الله نوراً ساجداً لعظمته ، ومات أبوه وهو حملاً في بطن أمه ، وصار يتيم الأبوين وهو في الثامنة من عمره ، آواه الله وتكفل بتعليمه ورعايته حتى عُرف بصفات الكمال وهو بعدُ لم يبلغ الحلم وعُرف بالصادق الأمين عند قومه ، وظهرت منه المعاجز المذهلة للعقول والمظهرة لعظيم شأنه ، جذبت صفاته ومعجزاته ذوي الألباب السليمة كالسيدة خديجة عليها السلام ، ذات النسب والحسب والمال والجاه ، حتى اتخذته بعلاً لها وفضلته على الأثرياء من رجال قومها ، فسعد بذلك حظها وارتفع شأنها عند ربها وقد بان ذلك جلياً عند وفاتها حيث أنزل الله من الجنة كفنها وبلَّغ رسول الله سلامه عليها من خلال الروح الأمين ..

بُعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمة كانت على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام ، تشرب الطرق وتأكل القد والورق ، بأفراد أذلة خاسئين يخافون أن يتخطفهم الناس من حولهم كما أخبرت بذلك ابنته الزهراء عليها السلام في خطبتها الفدكية بعد أن بينت كيف استطاع أبوها المصطفى صلى الله عليه وآله أن يرتقي بهم ويُضيئ عقولهم ويسمو بأرواحهم ليكونوا خير أمة أخرجت للناس ، في قولها: وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله وسماه قبل أن اجتباه واصطفاه قبل أن ابتعثه إذ الخلائق بالغيب مكنونة وبستر الأهاويل مصونة وبنهاية العدم مقرونة علما من الله تعالى بمآيل الأمور وإحاطة بحوادث الدهور ومعرفة بمواقع الأمور ابتعثه الله إتماما لأمره وعزيمة على إمضاء حكمه وإنفاذا لمقادير رحمته فرأى الأمم فرقا في أديانها عكفا على نيرانها عابدة لأوثانها منكرة لله مع عرفانها فأنار الله بأبي محمد ص ظلمها وكشف عن القلوب بهمها وجلى عن الأبصار غممها وقام في الناس بالهداية فأنقذهم من الغواية وبصرهم من العماية وهداهم إلى الدين القويم ودعاهم إلى الطريق المستقيم ..

أعتذر لاقتباس جزءاً من خطاب الزهراء في وصف حبيب الله فرسول الله عظيم ولا يصف العظيم إلا العظيم والزهراء عليها السلام بضعته وروحه التي بين جنبيه ونورها من نوره العظيم ، وأبارك للأمة تجلي نوره في هذه الحياة بميلاده المبارك ، وأبارك لكم أيها الأحبة هذه المناسبة العظيمة والتي بها طابت الحياة وسعدت ..

صــ آل محمد ــداح (النجــ احمد ــار)