#1
|
||||||||||
|
||||||||||
![]() تمر علينا ذكرى الغدير، تلك الذكرى الخالدة التي أرست فيها السماء مبادئ العدل وركّز الرسول صلى الله عليه وآله قيم الاحترام للقانون بين الإنسان وأخيه الإنسان، بل بين الإنسان والحيوان والطبيعة. الغدير مظهر العدالة. إنّ ذكرى الغدير ليست ذكرى عابرة، وإنما هي فارق جوهري بين مبدأين، مبدأ يدعو إلى العدل والاحترام من الإنسان لأخيه الإنسان، ويرتكز على التطبيق الدقيق للقانون. ومبدأ آخر يراعي المصلحة ويركز على المصالح للفئة أو للشخص، من هنا نجد أنّ النبي صلى الله عليه وآله أبان الاختلاف بين علي عليه السلام وغيره عندما قال: ‹‹عليٌ مع الحق، والحقُ مع علي يدور معه حيثما دار››، فعلي عليه السلام نبراس للحق وميزان للعدالة. سيرة الإمام علي عليه السلام تحقيق العدالة. أينما تنظر في سيرة علي عليه السلام تجده لم يدخر وسعاً في تحقيق العدل، حتى على حساب شخصه، فكان الكثير من الناس حتى من حوارييه عليه السلام يعتقدون أنّ أهم ما ينبغي للوالي والحاكم هو تركيز وتثبيت دعائم حكمه، بينما كانت نظرة الإمام عليه السلام هي أنّ أهم ما ينبغي للوالي أن يقوم به هو تركيز وتثبيت دعائم العدالة والحرية واحترام الإنسان لأخيه الإنسان وتطبيق القانون على كل الناس، باعتبارهم سواسية كأسنان المشط عنده عليه السلام، فلا يهمه المنصب أو الجاه والقبيلة التي ينتمي إليها ذلك الشخص، وقد كان رائد علي عليه السلام هو التطبيق الدقيق لما يريده الله تبارك وتعالى. الإمام علي عليه السلام في عدله وواقع البشرية. إنّ القرآن الكريم أبان أنّ الهدف من بعث الرسل والأنبياء هو تحقيق العدالة والقَوامة بالقسط بين الناس والتطبيق للقانون على الجميع دون اختلاف بين الناس في مشاربهم واتجاهاتهم وانتماءاتهم، ويوضح الله تعالى هذه الحقيقة بجلاء في قوله: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ}، أي، بالعلائم الواضحة التي لا يشوبها غموض، ويقول أيضاً: {وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ}، والهدف من كل ذلك، {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}، ومع أنّ القرآن الكريم أبان بشكلٍ واضح ذلك الهدف إلا أنّ المجتمع الذي عاش فيه علي عليه السلام لم يعِ هذه الحقيقة، فلا زالت البشرية تحتاج إلى قطع أشواط طويلة لتفهم أنّ العدل هو الميزان السليم، والطريق القويم الذي ينبغي للإنسانية أن تسير عليه، فالبشرية تُقدس الظلم وتتعامل مع المحسوبية، وتنبذ الحق، وتعبد الباطل بحجج وذرائع شتى خصوصاً إذا كان الباطل ينتمي إلى بعض أنماط وأنواع الهوى الذي يتفق مع ميول الإنسان وشهواته، كما إذا كان الحق يخالف القبيلة التي ينتمي إليها و المبدأ الذي يعتقده، فتجده يُقَدِم صنوف الذرائع التي لا تنتهي كي يُبرر عدوله عن الحق إلى الباطل. بينما نجد أنّ لإمامنا أمير المؤمنين عليه السلام نظرته الخاصة تجاه مبدأ العدل، والتي شرحها في كلماته المملوءة بتقديس العدالة ونبذ الباطل وشجب الظلم، وضرورة الانصياع للقانون، والاحترام المتبادل بين الإنسان وأخيه الإنسان، ولذا، يقول عليه السلام: ‹‹وأنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس شيء أخفى من الحق››، فالحق يصبح خفياً عندما تتعدد الوسائل التي تبرز وتظهر الباطل. المائز بين منهج الإمام عليه السلام ومنهج غيره. قال أمير المؤمنين عليه السلام: ‹‹الحاكم والد، والناس أبناؤه››، أي ليس من حق الحاكم عندما يصل إلى السلطة أن يستأثر بها أو يهمش دور الرعية، بل عليه أن يكون جاداً في تطبيق موازين السماء، وتحكيم شرع الله تبارك وتعالى، وهذا خلاف ما صدر من بعض خلفاء الدولة الأموية حينما قال: (الأرض لله وأنا خليفة الله فما آخذ من الله فهو لي، وما تركته منه كان جائزاً لي)، أي لا قانون ولا حساب في الأخذ والعطاء؛ بل جميع الأشياء تخضع لسلطانه وإرادته وجبروته وقوته، وكنموذج يقف زياد ابن أبيه على المنبر ويقول: (لآخِذَنَّ البريء بالسقيم والصحيح بالسليم). إنّ زياد بن أبيه يريد أن يزرع في الناس الخوف بمنطقه هذا، ليمنع الناس عن محاسبة الأمير الذي يحكم بالظلم، فقوله: (لآخِذَنَّ البريء بالسقيم)، أي، إنّ الإنسان البريء والذي ارتكب جانحة أو اقترف جرماً سواسية عندي، فكلاهما يخضع للتعذيب والسجن، (والصحيح بالسليم) فالذي لا ارتياب في شخصيته ويمثل القداسة والطُّهر يمكن أن يجعله قرباناً، لأنّ غير مستقيمي السليقة إذا رآه يأخذ الصحيح بالسليم ارتدع وخاف، وهذا ما يجعل الناس يعيشون الخوف والإرهاب تحت نفوذه. ومقالة زياد لها شبيه في كلام مروان عندما قال ![]() منهج الإمام عليه السلام في محاربة الفقر. يصعب على الإنسان أن يبين للآخرين الفارق الجوهري بين نهج العدل والتقديس لحقوق الإنسان - بغض النظر عن انتمائه حتى إذا لم يكن منتمياً إلى إسلامنا الحنيف - وبين تقديس الطغاة والاحترام الجم لِعُبّاد الهوى الذين تمكنوا من رقاب الناس، أما منهاج علي عليه السلام في محاربة الفقر والتأكيد على إنشاء مبدأ العدالة في الجانب الاقتصادي فهو عليه السلام كان يُذكِّر الناس ليلَ نهار، صباحَ مساء بأهمية أن يعيش الإنسان حالة من الاحترام بتوافر الفرص لديه والقوت والملبس والمسكن عنده، يقول علي عليه السلام في نبذه للفقر، ‹‹الفقير غريب في بلده››، أي هو غريب حتى إذا كان في بلده ما دام لا يجد ما يلبس، وما يأكل، والمسكن اللائق بحاله، ولهذا قال عليه السلام في كلمة أخرى، ‹‹لو كان الفقر رجلاً لقتلته››، فمنهاج علي عليه السلام بينٌ واضحٌ، وهو نفس ما أراده محمداً صلى الله عليه وآله، وجاء به الأنبياء والرسل وضحى من أجله المخلصون طوال التاريخ البشري. قانون العدالة يمنح الحريات. إنّ العيش في هذه الدنيا على ضوء القانون والاحترام للعدل، يملأ الإنسان بالصدق فيجعله حراً كما قال عليه السلام، فالدنيا عنده دار صدق لمن صدقها، والذي يسير على وفق العدالة ويحترم القانون ويقدس المبادئ وينبذ العنف فهو صادق مع نفسه صادق مع مجتمعه، ولا يريد عليه السلام للمجتمع إلا الخير والرفاه، قال عليه السلام في أُناس اجتمعوا عند الطغاة وعبدوا المال ولا يَعْون حقيقة وأهمية العدالة: ‹‹ولا تكن عبدَ غيرك وقد جعلك الله حراً››، فمع أنّ الله خلق الناس أحراراً، وهم سواسية عند القانون، إلا أنّ بعض الناس يُقدس الجبابرة والطغاة، فينسى حريته، وينسى قيم الإنسانية، فبدلاً من أن يُنزه الحق تبارك وتعالى يُقَدِس الجبارين ويُنزه الطغاة. مبدأ المساءلة والشفافية. قال عليه السلام في عهده لمالك الأشتر إيضاحاً لمبدأ المساءلة والشفافية بين كل الناس لإيصالهم إلى المستوى المطلوب والذي يريده الله، ‹‹ثم تَفَقد أمورهم ما يتفقده الوالدان من ولدهما››، فلابد للحاكم أن يسأل عن رعيته ويتفقدهم ليعي كل تصرف وليطلع على كل مفردة من المفردات. هذه بعض المبادئ التي جسدها إمامنا أمير المؤمنين عليه السلام وشكلت معلماً هاماً من معالم شخصيته التي مازال الناس إلى يومنا هذا بحاجة إلى دراسات معمقة ليعوا بأنّ الحق أحق بالإتباع، وأنّ الباطل أولى بالاجتناب، وأنّ العدل مبدأ سماوي لابد أن يُؤخذ به، فعلي عليه السلام هو التجسيد الكامل لعدالة السماء. تحياتي العطرة نورجهان ![]() |
|
|
|