في قصر الإمارة لمّا رجع ابن زياد من معسكره بالنّخيلة ودخل قصر الإمارة ووضع أمامه الرأس المقدّس ، سالت الحيطان دماً وخرجت نار من بعض نواحي القصر وقصدت سرير ابن زياد فولّى هارباً منها ودخل بعض بيوت القصر فتكلّم الرأس الأزهر بصوت جهوري ـ سمعه ابن زيد وبعض مَن حضر ـ : (( إلى أين تهرب فإنْ لَم تنلك في الدنيا فهي في الآخرة مثواك )) ، ولَم يسكت حتّى ذهبت النّار . واُدهش مَن في القصر لهذا الحادث الذي لَم يشاهد مثله ولَم يرتدع ابن زياد لهذا الحادث بل أذِن للنّاس إذناً عامّاً ، وأمر بإدخال السّبايا مجلسه ، فاُدخلت عليه حرم رسول الله بحالة تقشعّر لها الجلود .
ووضع رأس الحسين (عليه السّلام) بين يدَيه ، وجعل ينكت بالقضيب ثناياه ساعة ، فقال له زيد بن أرقم : ارفع القضيب عن هاتين الشفتين ؛ فوالله الذي لا إله إلاّ هو لقد رأيت شفتي رسول الله على هاتين الشفتين يقبّلهما . ثمّ بكى ، فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك ، فوالله لَولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك . فخرج زيد من المجلس وهو يقول : ملك عبد عُبُداً فاتخذهم تلداً ، أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة ، وأمّرتم ابن مرجانة ، يقتل خياركم ويستعبد شراركم ، فرضيتم بالذلّ فبُعداً لمَن رضي بالذل.