#1
|
||||||||||
|
||||||||||
![]() شواهِد حول الحريم الرضويّ
عوارض طبيعيّة على مَرّ السنوات والعقود والقرون تُمحى كثير من الآثار التي يخلّفها الإنسان أو الأقوام والأمم، حتّى اندثرت قبورٌ وقصور ومدن وقلاع، لم يَبقَ منها إلاّ أحجار تحت أنقاض الرمال، أو صفحات تُنقل إلى كتب التاريخ تشير إلى قصص وحكايات وقَعَت هنا لا يُدرى مدى صحّتها ووثاقتها. وأهل البيت النبويّ الشريف، رغم تعاقب العقود والقرون الزمنيّة، بل ورغم محاولات مرضى القلوب في طمس آثارهم، ورغم العوارض الطبيعيّة العاصفة والجارفة.. بقيت مزاراتهم راسخة تتحدّب عليها قباب ذهبيّة زاهية، وتضمّها جدرانٌ شاهقة وأواوين خاشعة، وتَهبِط عليها مع أملاك الرحمان أنوار إلهيّة مقدَّسة. ليجعلَ الله تبارك وتعالى ذلك سبباً في خلود ذِكْرهم جيلاً بعد جيل، فلا تنقطع زيارةُ الناس لهم دهراً بعد دهر، بل تزداد على مَرّ الأيّام، ويزدحم الزائرون عند قبورهم ولو لم تكن إلاّ آثاراً تشير إليها أحجار، فترى الزائرين يقفون بخشوع يأتي بهم الشوق، ويُوقِفهمُ الجلال، ويُفصح الولاء أو المحبّة عن زياراتٍ تترنّم بها القلوب. والضريح المبارك للإمام عليّ بن موسى الرضا صَلواتُ الله عليه كان من بين تلك البيوت القُدسيّة التي أذِن اللهُ تعالى أن تُرفَعَ ويُذكَرَ فيها آسمُه، حيث بَقيَ محفوظاً وسط أكبر حَرِم يدفع اللهُ عنه كلَّ عاتية تحاول مَحْوَه. سَيل ينسحب • قال أبو عليّ محمّد بن أحمد المَعاذيّ: سمعتُ أبا النصر المودِّب يقول: امتدّ السيلُ يوماً بسناباد، وكان الوادي أعلى من المشهد ( أي الرضويّ )، فأقبل السيل.. حتّى إذا قَرُب من المشهد خِفْنا على المشهد منه، فارتفع ـ بإذن الله ـ ووقع في قناةٍ أعلى من الوادي ولم يقع في المشهد منه شيء (1). جيش ينهزم تسلّط أسد الأبدالي الأفغاني سنة 1130 هجريّة على مدينة « هراة » وقُراها، ثمّ أخذه الطمع إلى السيطرة على مدينة مشهد الرضا عليه السّلام، فحاصر هذه المدينة المقدّسة خمسةً وثلاثين يوماً، انتهت هذه الفترة بهزيمته.. ما السبب في ذلك ؟! رأى رجلٌ في منامه الإمامَ الرضا عليه السّلام فقال له: اذهب إلى هذا الملعون وقل له: تَنَحَّ عن هذا البلد وإلاّ يُعذَّب جميع عسكرك، وعلامة العذاب أن يُورم وجوههم وأيدي أكثرهم. وكان الأمر كذلك، فقد أُخِذ منهم فيما بعدُ أسيرٌ فحكى: أنّهم عزموا على الرجوع بعد الغد؛ لأنّ الملعون رأى في المنام كأنّه يصعد على الدرج التي وضعها على القلعة، فأتى الإمام أبو الحسن الرضا عليه السّلام وضرب بالدرج على رأس ذلك الصاعد فخرج دماغُه ودماغ أكثر عسكره من أُنوفهم. قال ذلك الأسير: وأظنّ أن أكثرهم رأوا هذه الرؤيا، وشاع المرضُ بينهم وهلك منهم جمعٌ كثير. ورأى في الليلة الأخرى أنّ ثعباناً حمل عليهم، فغَفَر فاه ( أي فَتَح فمه ) وأراد أن يبلعهم، وانتبه وقد استولى الجبنُ على جميعهم، فانهزموا والقدورُ على أثافيها (2). المَلاذ • قال أبو الفضل محمّد بن أحمد بن إسماعيل السَّليطيّ: سمعتُ الحاكم الرازي صاحب أبي جعفر العَتبيّ يقول: بعثني أبو جعفر العتبي رسولاً إلى أبي منصور بن عبدالرزّاق، فلمّا كان يوم الخميس استأذنتُه في زيارة الإمام الرضا عليه السّلام، فقال: اسمَعْ منّي ما أحدّثك به في أمر هذا المشهد: كنتُ في أيّام شبابي أتصعّب على أهل هذا المشهد، وأتعرّض للزوّار في الطريق وأسلب ثيابهم ونفقاتهم ومرقّعاتهم، فخرجتُ متصيّداً ذات يوم وأرسلت فهْداً (3) على غزال، فما زال يتبعُه حتّى ألجأه إلى حائط المشهد ( الرضويّ )، فوقف الغزال.. ووقف الفهد مقابله لا يدنو منه! فَجَهِدنا كلَّ الجهد بالفهد أن يدنوَ مِن الغزال فلم ينبعث، وكان متى فارق الغزالُ موضعه يَتبَعْه الفهد، فإذا التجأ إلى الحائط رجع الفهد عنه. ثمّ دخل الغزال حَجَراً (4) في حائط المشهد، فدخلتُ الرباط فقلت لأبي النصر المقري: أين الغزال الذي دخل ها هنا الآن ؟! فقال: لم أرَه! فدخلت المكان الذي دخله، فرأيت بَعْرَ الغزال وأثرَ البول ولم أرَ الغزال، وفقَدْتُه! فنذرتُ لله تعالى أن لا أُوذيَ الزوّار بعد ذلك ولا أتعرّضَ لهم إلاّ بسبيل الخير. وكنتُ متى ما دَهَمني أمرٌ فزعتُ إلى هذا المشهد، فزرته وسألت اللهَ تعالى فيه حاجتي فيقضيها لي. ولقد سألتُ الله تعالى أن يرزقني ولداً ذكراً، فرزقني آبناً، حتّى إذا بلغ وقُتِل عُدت إلى مكاني من المشهد وسألت الله تعالى أن يرزقني ولداً ذكراً، فرزقني آبناً آخَر، ولم أسأل الله تعالى هناك حاجةً إلاّ قضاها لي.. فهذا ما ظهر لي من بركة هذا المشهد على ساكنه السلام (5). منقذٌ لزوّاره • عن الحكيم حسنا أحد خُدّام الحرم الرضويّ الشريف.. قال: كنتُ نائماً في دار الحفّاظ (6) في نوبتي، فرأيت ( أي في المنام ) باب الحرم قد انفتح بنفسه والإمام أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام قد خرج وقال لي: قُمْ وقل يشعلوا فوق المنارة مشعلة؛ فإنّ جماعةً من زوّار البحرين قصدوا زيارتي فتاهوا عن الطريق في جهة « طُرُق » (7) ويمطر عليهم الثلج، فلعلّهم يهلكون، واذهَبْ إلى ميرزا شاه تقي المتولّي وقل له أن يشعل مشاعل، وَيخرجَ مع جماعة ويطلبهم ويُدخلهم في البلد. قال: فانتبهتُ وقلت لرئيس الحرس ما رأيت فتعجّب، وخرجت معه من الحضرة الشريفة، فرأينا السماء تمطر ثلجاً كثيفاً، فأمر صاحبَ المشاعل أن يصعد بمشعلةٍ فوق المنارة، وذهبتُ معه في جماعةٍ من الخدّام إلى بيت المتولّي فقَصَصنا عليه ما رأيت، فخرج مع جماعةٍ ومشاعل وقَصَدنا نحو « طُرُق »، فلمّا قَرُبنا منها رأينا جماعةً من أهل البحرين، فأتينا بهم إلى بيت المتولّي وسألناهم عن أحوالهم فقالوا: عَزَمنا على الزيارة فلَحِقَنا في هذه الليلة ثلج عظيم، فتِهْنا عن الطريق.. وكلّما طلبناه لم نجده، حتّى فَتَرَت أيدينا وأرجُلُنا من شدّة البرد، فعزمنا على استقبال الموت، ونزلنا عن الدوابّ وتجمّعنا في موضع واحد وطَرَحنا فُرشَنا على أنفسنا. وكان الثلج يهطل علينا، فبكينا وتضرّعنا، وكان بيننا رجلٌ صالح من طلبة العلم، فغَلَبه النوم.. فرأى الإمامَ أبا الحسن الرضا عليه السّلام في المنام فقال عليه السّلام له: ـ قوموا؛ فقد أمَرتُ أن يجعلوا المشعل فوق المنارة، فاقصدوا نحو المشعل تُصادِفوا المتولّي. فانتبه.. وقَصّ علينا رؤياه، فقمنا فرأينا ضوء المشعل، فسِرنا نحوه فوجدناكم في الطريق (8). يرسل إليه نفقته • عن الشيخ محمّد رفيع من سَدَنة تلك الروضة الرضوية العليّة ( أي من خَدَمتها )، عن شمس الدين محمّد البهاري من قُرى طوس، قال: رأيت الإمامَ الرضا عليه السّلام في المنام فقال لي:ـ ـ يا شمس الدين، هذا الواقف قُدّامَنا زائرُنا، وقد نَفَدت نفقتُه للرجوع، أعطِهِ اثني عشر ديناراً. فلمّا انتبهتُ أيقظتُ زوجتي وأخذت منها المبلغ، وقصدتُ طوسَ فإذا الباب مغلق! فصبرتُ حتّى فُتح، فدخلت إلى الروضة المقدّسة، وانتظرت الرجل إلى طلوع الشمس.. فلم يظهر منه أثر، فأتيتُ إلى الصحن وقصدت سوق الصبّاغين، فلمّا وصلت بإزاء السلسلة المعلّقة رأيت الرجل فسلّمتُ عليه، ودخلتُ معه الروضة.. فلمّا فرغ من زيارته وصلاته أتيتُه فقلت له: ـ أنت من أهل « تويسركان »، واسمك محمّد، وقد أتيتَ للزيارة وتريد الرجوع ؟! وذكرتُ له تمام العلامات التي أخبرني بها الإمام الرضا عليه السّلام في الرؤيا، فقال الرجل: نعم! فقلت له: ـ إنّ الإمام عليه السّلام قد بعث إليك بنفقة. ووضعتُ الدنانير بين يديه، فتغيّر الرجل، ونهض متوجّهاً إلى المرقد الطاهر وقال مخاطباً المولى: ـ لا أُفارقك أبداً (9). ضامن آهو ( كافل الغزال وحاميه ) كان للسلطان « سنجر » ـ أو لأحد وزرائه وَلَدٌ أُصيب بالدِّقّ (10)، فأرشده الأطبّاء إلى التفرّج والاشتغال بالصيد، فكان مِن أمره أن خرج يوماً مع بعض غِلمانه وحاشيته في طلب الصيد، فبينما هو كذلك إذا هو بغزال مارق ( خارج شارد ) مِن بين يديه، فأرسل فرسه في طلبه وجَدّ في العَدْو خلفه، فالتجأ الغزال إلى قبر الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام. وصل ابن الملك إلى ذلك المقام المنيع والمأمن الرفيع الذي مَن دخَلَه كان آمناً، وحاول صيد الغزال فلم تَجْسُر خيلُه على الإقدام عليه، فتحيّروا من ذلك! فأمر ابنُ الملك غلمانه وحاشيته بالنزول عن خيولهم، ونزل هو معهم، ثمّ مشى حافياً في كمال الأدب نحو المرقد الشريف، وألقى نفسَه على الضريح المبارك آخِذاً في الابتهال، إلى الله ذي الجلال، يسأله شفاءَ علّته ببركة صاحب المرقد ( المولى الرؤوف، والإمام العطوف، عليّ الرضا عليه الصلاة والسّلام ). وفجأةً عُوفي ابن الملك سنجر، فأخذ الجميعَ فَرَحٌ وسرور، وبشّروا أباه الملك بما لاقاه ولدُه من الصحّة والعافية ببركة صاحب المرقد، وأخبروه قائلين: إنّ ابنك مقيمٌ على الضريح لا يتحوّل عنه حتّى يَصِل البنّاؤون فيشيّدوا عليه قُبّة، ويستحدثوا حوله بلداً عامراً؛ ليبقى بعده تذكاراً. ولمّا بلغ السلطانَ ذلك الخبر سجد لله تعالى شكراً. ومِن حينه وجّه المعماريّين ليبنوا على البقعة المباركة قبّةً، ويشيّدوا حولها سوراً يدور حول البلد (11). ويبقى كتاب الكرامات الرضويّة باسطاً صفحتَيه يُخبر كلَّ يوم بمعجزاتٍ تحكي عن ألطاف الإمام الرضا عليه السّلام، وعظمته وفضله عند الله تبارك وتعالى، ورأفته بزائريه واللاّئذين بحماه والراجين عطفه وعنايته. ![]() |
|
|
|