#1
|
||||||||||
|
||||||||||
![]() أبو طالب عمّ الرسول المُصطفى صلى الله عليه وآله مؤمن بني هاشم الحمد لله على فواضل آلائه وسوابغ نِعَمِه ، وله الشكر على مزيد إحسانه وجزيل كرمه ، وصلوات الله وتسليماته على رسوله محمّدٍ الداعي إلى رضوانه ، وعلى آله الطيّبين الطاهرين وصفوة صحبه وأعوانه . (أمّا بعد) : فإنّ شيخ الأباطح أبا طالب بن عبد المطلب - رضي الله تعالى عنهما - وإن تحقّق إسلامه ، وثبت إيمانه بنبوّة محمّدٍ صلى الله عليه وآله وسلّم بالأدلّة الصحيحة ، والشواهد الصريحة ، وانعقد عليه إجماع أهل الحقّ قاطبةً - تبعاً للخلفاء الراشدين ، والأئمّة الهادين ، صلوات الله عليهم أبد الآبدين - إلّا أنّ جمهور مخالفينا قطعوا عليه بالكفر ، ورَمَوه بالموت على الشّرك - والعِياذ بالله - فاختلقوا لذلك حديثَ الضَّحضاح ، ونَظَموه في سِلْك المسلّمات الصحاح . ولَعَمْر الله إنّهم ما فعلوا ذلك إلّا تحامُلاً على وَلده أمير المؤمنين ، ومحاولةً لإخمال سيّد الوصيّين صلوات الله وسلامه عليه (1) { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ الله بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى الله إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ } . فَسنَحَ لي أن أتكلّم على هذا الحديث بما يُظهر من علله القوادح ، ويُبين ما فيه من الأمور الفَوادح ، فجمعتُ هذا الجُزءَ (الوضّاح ، لاختلاق حديث الضَّحْضاح) عسى الله أن ينفع به عبادَه الذين يستمعون القولَ فيتّبعون أحسنَه ، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه ، لا ربَّ غيرُه ، ولا خَيْرَ إلّا خيرُه . ثمّ اعلم أنّ هذا الحديث قد رَوَوْهُ عن العبّاس بن عبد المطّلب ، وأبيسعيدٍ الخُدريّ ، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ ، والنُّعمان بن بَشيرٍ ، وابن عبّاسٍ ، وأبيهُريرة ؛ مرفوعاً . ورواه عُبيد بن عُمير بن قَتادة اللّيثيّ الجُنْدَعيّ ، والشَّعبيّ ، ويزيد الرقاشيّ ؛ مُرسلاً (2) . ( فصل ) : فأمّا حديث العبّاس بن عبد المطّلب ؛ فقد أخرجه أحمد في مسنده (3) ، قال : حدّثنا وكيع ، حدّثنا سفيان ، عن عبد الملك بن عُمَيْرٍ ، عن عبد الله بن الحارث ، عن العبّاس بن عبد المطّلب أنّه قال : يا رسول الله ، عمّك أبو طالبٍ كان يحُوطك ويفعل ؟ قال : إنّه في ضَحْضاحٍ من النار (4) ، ولولا أنا لكان في الدَّرْك الأسفل . ورواه ابن أبي شَيْبة أيضاً في (مصنَّفه) (5) عن وكيعٍ ، به . وفي إسناده : وكيع بن الجرّاح بن مليحٍ الرؤاسيّ ، وقد اشتهر عنه شرب النَّبيذ المسكر وملازمته له (6) ، قال نعيم بن حمّادٍ : تعشَّيْنا عند وكيعٍ - أو قال : تَغَدَّيْنا - فقال : أيّ شيءٍ أجيئكم به ، نبيذ الشيوخ أو نبيذ الفتيان ؟ قال : قلت : تتكلّم بهذا ؟! قال : هو عندي أحلّ من ماء الفرات (7) . وقال يعقوب بن سفيان : سُئل أحمد إذا اختلف وكيعٌ وعبد الرحمن ، بقول مَن نأخذ ؟ فقال : عبد الرحمن موافق ، ويَسْلَم عليه السَّلَف ، ويجتنب شربَ النبيذ (8) . وحكى عبد الله بن أحمد بن حنبلٍ ، عن أبيه ، قال : ابن مهديٍّ أكثر تصحيفاً من وكيعٍ ، ووكيع أكثر خطأً منه . وقال أيضاً : أخطأ وكيعٌ في خمسمائة حديثٍ (9) . وفي إسناده أيضاً : سفيان بن سعيدٍ الثوريّ ، وقد كان يدلّس عن الضعفاء ، وقيل : كان يدلّس ويكتب عن الكذّابين (10) ، وذكر ابن حِبّان أنّه كان إذا حدّث عن الصَّلْت بن دينارٍ الأزديّ البصريّ - أبي شُعيبٍ المجنون - يقول : حدّثنا أبو شُعيبٍ ولا يسمّيه ، وكان أبو شعيبٍ ينتقص عليّاً عليه السلام وينال منه ؛ على كثرة المناكير في روايته (11) . وقال ابن المبارك : تحدّث سفيان بحديثٍ فجئته وهو يدلّسه ، فلمّا رآني استحيى ، وقال : نرويه عنك (12) . وقال يحيى بن سعيدٍ القطّان : جَهَدَ الثوريّ أن يدلّس عليَّ رجلاً ضعيفاً فما أمكنه ، قال مرّةً : حدّثنا أبو سهلٍ عن الشَّعْبيّ ، فقلت له : أبو سهلٍ محمّد بن سالمٍ ؟ فقال : يا يحيى ، ما رأيت مثلَك ، لا يذهب عليك شيء!! (13) . وقال الخطيب البغداديّ : كان الأعمش وسفيان الثوريّ يدلّسان تدليسَ التَّسْوية ، وهو شرّ أنواع التدليس وأقبحه - كما قال الحافظ العلائيَّ . وقال الحافظ ابن حجرٍ : لا شكّ أنّه جَرْحٌ وإن وُصِفَ به الثوريُّ والأعمش ، فلا اعتذار أنّهما لا يفعلانه إلّا في حقّ مَن يكون ثقةً عندهما ، ضعيفاً عند غيرهما (14) . على أنّ سفيان قد عنعن في حديثه هذا ولم يذكر سَماعاً ، والمدلِّس لا يُقبل من حديثه إلّا ما صرّح فيه بالسَّماع . وأخرج أحمد أيضاً في (مسنده) (15) قال : حدّثنا عفّان ، حدّثنا أبو عَوَانَة ، حدّثنا عبد الملك بن عُميرٍ ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفلٍ ، عن عبّاس بن عبد المطّلب قال : قلت : يا رسول الله ، هل نفعتَ أبا طالبٍ بشيءٍ ، فإنّه كان يحوطك ويغضب لك ؟ قال : نعم ، هو في ضَحْضاحٍ من النار ، ولولا ذلك (16) لكان في الدَّرْك الأسفل من النار . وأخرجه البخاريّ في (صحيحه) عن موسى بن إسماعيل (17) ومُسَدَّدٍ (18) ، ومسلمٌ أيضاً في (صحيحه) عن عُبيد الله بن عمر القواريريّ ومحمّد بن أبي بكرٍ المقدّميّ ومحمّد بن عبد الملك الأمويّ (19) ، كلّهم عن أبي عَوَانَة الوضّاح بن عبد الله الواسطيّ . وأخرج أحمد في (مسنده) عن يحيى بن سعيدٍ ، والبخاريّ في (صحيحه) (20) عن مسدَّدٍ ، عن يحيى ، عن سفيان ، حدّثني عبد الملك بن عُميرٍ ، حدّثنا عبد الله بن الحارث ، حدّثنا العبّاس ، قال : قلت للنبيّ صلى الله عليه وآله : ما أَغْنيتَ عن عمّك ، فقد كان يحوطك ويغضب لك ؟ قال : هو في ضَحْضاحٍ ، ولولا أنا لكان في الدَّرْك الأسفل من النار . ورواه عبد الرزّاق في (مصنّفه) (21) عن سفيان الثوريّ ، وقد مرّ الكلام عليه آنفاً . وأخرج مسلم في (صحيحه) (22) قال : حدّثنا ابن أبي عمر ، حدّثنا سفيان ، عن عبد الملك بن عُميرٍ ، عن عبد الله بن الحارث ، قال : سمعتُ العبّاس يقول : قلت : يا رسول الله ، إنّ أبا طالبٍ كان يحوطك وينصرك ويغضب لك ، فهل نفعه ذلك ؟ قال : نعم ، وجدته في غمراتٍ من النار فأخرجته إلى ضَحْضاحٍ . قال مسلم : وحدّثنيه محمّد بن حاتمٍ (23) ، حدّثنا يحيى بن سعيدٍ ، عن سفيان ، قال : حدّثني عبد الملك بن عُميرٍ ، قال : حدّثني عبد الله بن الحارث ، قال : أخبرني العبّاس بن عبد المطّلب . (ح) وحدّثناه أبو بكر بن أبي شَيْبة ، حدّثنا وكيعٌ ، عن سفيان بهذا الإسناد عن النبيّ صلى الله عليه وآله بنحو حديث أبي عَوَانة (اهـ) . قلت : سفيان إن كان هو الثوريّ فقد تبيّن لك حاله فيما سلف . وإن كان ابن عُيَيْنة بن ميمونٍ الهلاليّ (24) فقد كان يدلّس - كما بترجمته في «ميزان الاعتدال» (25)- وصرّح الترمذيّ بتدليسه في حديث : اقتدوا باللَّذَيْن من بعدي أبي بكرٍ وعمر (26) . وأخرج ابن مَنْدَة حديثَ الباب في كتاب (الإيمان) (27) نحو حديث أبي عَوانة ؛ بإسنادَيْن ينتهيان إلى عبد الملك بن عُميرٍ اللَّخميّ الكوفيّ . وقد عرفت ممّا مرّ أنّ حديث عبد الله بن الحارث بن نوفلٍ عن عمّ جدّه العبّاس بن عبد المطّلب قد تفرّد به ابن عُميرٍ ، ومَدارُه عليه (28) ، وهو ممّن تكلّم فيه أئمّة الجرح والتعديل ونياقدة الرجال ، وطعنوا في حديثه . قال الإمام أحمد : ضعيف يغلط ، وقال ابن خراش : كان شعبة لا يرضاه ، وقال إسحاق بن منصور : ضعّفه أحمد جدّاً ، وقال عليّ بن الحسن الهَسَنجْانيّ عن أحمد : عبد الملك مضطرب الحديث جدّاً مع قلّة روايته ، وما أرى له خمسمائة حديثٍ ، وقد غلط في كثيرٍ منها ، وقال إسحاق بن منصور عن ابن مَعينٍ : مخلِّط ، وقال ابن حِبّان : كان مدلِّساً (29) (اهـ) . قلت : قال شعبة : التدليس أخو الكذب ، وقال أيضاً : لئن أزني أحبّ إليَّ من أن أُدلِّس (30) (اهـ) . وقال الشيخ الإمام المجدِّد أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النُّعمان المفيد رحمه الله تعالى في (الإفصاح) (31) : عبد الملك بن عُميرٍ من أبناء الشام وأجلاف محاربي أمير المؤمنينعليه السلام حتّى قلّدوه القضاء ، وكان يقبل فيه الرِّشا ، ويحكم بالجَوْر والعدوان ، وكان متجاهراً بالفجور والعَبَث بالنساء . فمن ذلك أنّ الوليد بن سريعٍ خاصم أخته كَلْثَم بنت سريعٍ إليه في أموالٍ وعقارٍ، وكانت كَلْثَم من أحسن نساء وقتها وأجملهنّ ؛ فأعجبته ، فوجّه القضاء على أخيها تقرّباً إليها ، وطمعاً فيها ، فظهر ذلك واستفاض عنه ، فقال فيه هُذَيْل الأشجعيّ : أتاه وليدٌ بالشُّهود يقودهم على ما ادّعى من صامت المال والخَوَلْ يسوق إليه كَلْثَماً وكلامها شفاء من الداء المخامر والخَبَلْ فما بَرِحَتْ تومي إليه بِطَرْفِها وتومض (32) أحياناً إذا خصمها غَفَلْ وكان لها دَلٌّ وعينٌ كحيلة فأدلت بحُسن الدلّ منها وبالكَحَلْ فأَفْتَنَتِ القِبْطيَّ حتّى قضى لها بغير قضاء الله في المال والطَّوَلْ فلو كان مَن في القصر يعلم علمه لما استعمل القِبْطيَّ فينا على عَمَلْ له حين يقضي للنساء تخاوصٌ (33) وكان وما منه التخاوص والحَوَلْ إذا ذات دَلٍّ كلّمته بحاجةٍ فَهَمَّ بأن يقضي تَنَحْنَحَ أو سَعَلْ وبَرَّقَ عينيه ولاكَ لسانَه يرى كلَّ شيءٍ ما خلا سخطها خَبَلْ وقال الشيخ الإمام أبو جعفرٍ محمّد بن الحسن الطوسيّ رحمه الله تعالى في (تلخيص الشافي) (34) : كان عبد الملك بن عُميرٍ فاسقاً جريئاً على الله ، وهو الذي قتل عبد الله بن يَقْطر رسولَ الحسين بن عليٍعليهما السلام إلى مسلم بن عقيلٍ ، حيث رمى به ابن زيادٍ من فوق القصر - وبه رَمَق - فأَجْهَزَ عليه ، فلمّا عُوتب على ذلك قال : إنّما أردتُ أن أُريحه - استهزاءً بالقتل ، وقلّة مبالاةٍ - وكان يتولّى القضاء لبني أُميّة ، وكان مروانيّاً شديدَ النَّصْب والانحراف عن أهل البيت عليهم السلام ومَن هذه صورته لا تُقبل روايته (اهـ) . فليت شِعْري ، كيف احتجّ به أحمد والشيخان وغيرهم ، وأدخلوا حديثه في (الصحيح) وهذه حاله لا تكاد تخفى عليهم ؟! وما يُدريك ، فلعلّهم كانوا يتساهلون في مثل هذه الأحاديث ، ويتلقَّوْنَها بالقبول والتسليم ، ويودِعونها كتبهم من دون تحرّجٍ ولا خَشْية تأثيم ، فلا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم . ثمّ إنّ حديث العبّاس بن عبد المطّلب هذا يعارضه ويناقضه حديثه الآخَر الذي أخرجه ابن سعدٍ في (الطبقات) (35) عن عفّان بن مسلمٍ ، قال : أخبرنا حمّاد بن سَلَمة ، عن ثابتٍ ، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث ، قال : قال العبّاس : يا رسولَ الله ، أترجو لأبي طالبٍ ؟ قال : كلَّ الخير أرجو من ربّي . ورواه زيد بن الحبّاب ، عن حمّادٍ ، به (36) . فلولا عِلْم النبيّ صلى الله عليه وآله بإيمان عمّه أبي طالبٍ لَما كان يرجو له كلَّ الخير من ربّه تعالى ، مع ما أخبره الله جلّ ذِكره من خلود الكفّار في النار ، وحرمان الله تعالى لهم الخيرات ، وتأبيدهم في العذاب على وجه الاستحقاق والهوان (37) . وقال العلّامة البرزنجيّ الشافعيّ : رجاؤه صلى الله عليه وآله محقَّقٌ ، ولا يرجو كلَّ الخيرَ إلّا لمؤمنٍ ، ولا يجوز أن يُراد بهذا ما حصل له من تخفيف العذاب ، فإنّه ليس خيراً ، فضلاً عن أن يكون كلَّ الخير ، وإنّما تخفيف العذاب تخفيف الشرّ ، وبعض الشرّ أهون من بعضٍ ، وحصول كلّ الخير إنّما يكون بدخول الجنّة (38) (اهـ) . وأخرج الإمام شمس الدين ابن مَعَدٍّ رحمه الله بإسناده عن عِكْرِمة ، عن ابن عبّاسٍ ، قال : أخبَرني العبّاس بن عبد المطّلب أنّ أبا طالبٍ شهد عند الموت أنْ لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله (39) . وأخرج الشيخ الصدوق أبو جعفر بن بابويه القمّي رحمه الله في (الأمالي) (40) بإسناده عن الأعمش ، عن عباية بن رِبْعيٍّ ، عن عبد الله بن عبّاسٍ ، عن أبيه ، قال : قال أبو طالبٍ لرسول الله صلى الله عليه وآله : ياابن أخي ، الله أرسلك ؟ قال : نعم ، قال : فأَرِني آيةً ، قال : ادْعُ لي تلك الشجرة ، فدعاها فأَقْبَلتْ حتّى سجدت بين يديه ، ثمّ انصرف ، فقال أبو طالبٍ : أشهد أنّك صادقٌ ، يا عليُّ صَلِّ جناح ابن عمّك . وأخرج البيهقيّ في (دلائل النبوّة) (41) قال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار ، قال : حدّثنا يونس بن بُكَيْرٍ ، عن ابن إسحاق ، قال : حدّثني العبّاس بن عبد الله بن مَعْبِدٍ ، عن بعض أهله ، عن ابن عبّاسٍ ، قال : لمّا أتى رسولُ الله صلى الله عليه وآله أبا طالبٍ في مرضه قال له : يا عمّ ، قل : لا إله إلّا الله ، كلمة أستحلّ بها لك الشفاعة يوم القيامة ، قال : ياابن أخي ، والله لولا أنْ تكون سُبّة عَليَّ وعلى أهلي من بعدي ، يَرَون أنّي قلتها جَزَعاً عند الموت ؛ لقلتها ، لا أقولها إلّا لأُسِرَّك بها ، فلمّا ثقُل أبو طالبٍ رُؤي يُحرِّك شَفَتَيْه ، فأصغى إليه العبّاس فسمع قولَه ، فرفع رأسه عنه فقال : قد قال - والله - الكَلِمَ التي سأله عنها . فظهر بذلك أنّ حديث الضَّحْضاح ممّا ولَّده الوضّاعون المقبوحون ، وافتعله الأفّاكون المفضوحون ، مع ما سيأتي من الوجوه الأخرى الدالّة على بطلان هذا الحديث واختلاقه ، وبالله تعالى التوفيق . ( فصل ) : وأمّا حديث أبي سعيدٍ الخُدْريّ رضى الله عنه فقد أخرجه أحمد في (مسنده) (42) قال : حدّثنا هارون بن معروفٍ ، حدّثنا ابن وَهْبٍ ، قال حَيْوَة : حدّثني ابن الهاد أنّ عبد الله بن خبّابٍ حدّثهم عن أبي سعيد الخدريّ رضى الله عنه أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله - وذُكر عنده عمّه أبو طالبٍ - فقال : لعلّه أن تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيُجعل في ضَحْضاحٍ من النار يبلغ كعبَيْه ، يغلي منه دِماغه . قلت : قال ابن سعدٍ : عبد الله بن وَهْبٍ كان كثير العلم ، ثقةً فيما قال (حدّثنا) وكان يدلّس (43) (اهـ) . وهو هنا لم يصرّح بالتحديث كما ترى . ورواه أحمد أيضاً ومسلم (44) عن قتيبة بن سعيدٍ ، عن اللَّيث بن سعدٍ ، عن يزيد ابن الهاد ، به . والبخاريُّ عن عبد الله بن يوسف التِّنِّيسيّ ، عن الليث ، به (45) . وعن إبراهيم بن حمزة، عن ابن أبي حازمٍ (46) والدراورديّ (47) عن ابن الهاد (48)، به. وبعض هذه الطرق وإن لم يكن في ظاهره علّةٌ قادحة عند القوم ، إلّا أنّ هذا الحديث سيأتي بيان بطلانه من وجوهٍ أُخرى إن شاء الله تعالى ، إذ مجرّد صحّة الطريق لا يكفي في الأخذ بالحديث ، بل لابدّ من ثبوت متنه وصحّته أيضاً ، فكم من حديثٍ باطلِ المتن رُويَ بإسنادٍ صحيحٍ كالشمس ، لا مَغْمَزَ فيه عندهم - كما لايخفى على الدَّارب في هذا العلم - فتنبّه . وأخرج مسلم في (صحيحه) (49) قال : حدّثنا أبو بكر بن أبي شَيْبة ، حدّثنا يحيى بن أبي بُكَيْرٍ ، حدّثنا زُهَيْر بن محمّدٍ ، عن سهيل بن أبي صالحٍ ، عن النُّعمان بن أبي عيّاشٍ ، عن أبي سعيدٍ الخُدْريّ رضى الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إنّ أدنى أهل النار عذاباً ينتعل بنعلين من نارٍ يغلي دِماغه من حرارة نعلَيْهِ . قلت : المراد بأهون أهل النار عذاباً - عند هؤلاء القوم - أبو طالبٍ رضي الله تعالى عنه وأرضاه ، بل قد وقع التصريح بذلك في حديث ابن عبّاسٍ عند مسلمٍ ، وحديث الشَّعْبيّ عند ابن جَريرٍ - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - ولذلك ذكرنا هذا الحديث وما يأتي بعده - ممّا هو قريبٌ من لفظه - في جملة أحاديث الباب . وفي إسناد هذا الحديث : زهير بن محمّدٍ التميميّ أبو منذرٍ الخراسانيّ المَرْوَزيّ ، قال ابن مَعينٍ والنسائيّ : ضعيف ، وذكره أبو زُرْعة في (أسامي الضُّعفاء) وقال أبو حاتمٍ : في حفظه سوءٌ ، وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق لسوء حفظه ، فما حدّث به من حِفْظه ففيه أغاليط ، وقال عثمان الدارميّ : له أغاليطُ كثيرة ، وقال النسائيّ : ليس بالقويّ ، وقال الحاكم أبو أحمد : في حديثه بعض المناكير ، وقال ابن حِبّان : يُخطئ ويخالف ، وقال الساجيّ : مُنكَر الحديث (50) . وفي إسناده أيضاً : سهيل بن أبي صالح السمّان أبو يزيد المدنيّ ، قال ابن مَعينٍ : سهيل بن أبي صالحٍ والعلاء بن عبد الرحمن حديثهما قريبٌ من السَّواء ، وليس حديثهما بحجّةٍ ، وقال أبو حاتمٍ : يكتب حديثه ولا يُحتجّ به ، وقال ابن حِبّان يُخطئ ، وذكر ابن أبي خَيْثَمة في (تاريخه) عن يحيى بن مَعينٍ قال : لم يزل أهل الحديث يتَّقون حديثَه ، وقال ابن مَعينٍ أيضاً : فيه لِيْنٌ ، وقال أيضاً : ضعيفٌ ، ليس بذاك (51) . وأخرج أحمد والبزّار في (مسنَدَيْهما) (52) والحاكم في (المستدرك) (53) بأسانيدهم عن حمّاد بن سَلَمة ، عن سعيدٍ الجريريّ ، عن أبي نَضْرَة ، عن أبي سعيدٍ الخُدْريّ رضى الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال : إنّ أهون أهل النار عذاباً يومَ القيامة رجلٌ مُنْتَعِلٌ بنعلَيْن من نارٍ يغلي منهما دِماغه - الحديث . وفي إسناده : حمّاد بن سَلَمة البصريّ ، وسيأتي الكلام عليه عند الكلام على حديث ابن عبّاسٍ إن شاء الله تعالى . وفيه أيضاً : أبو نَضْرَة المنذر بن مالك بن قُطَعَة العبديّ ، قال ابن سعدٍ : كان ثقةً إن شاء الله ، كثيرَ الحديث ، وليس كلّ أحدٍ يُحتجّ به (54) ، وأورده العُقَيْليُّ في (الضُّعَفاء) وابن عَدِيٍّ في (الكامل) . قال الحافظ ابن حجر في (التهذيب) (55) : وأظنّ ذلك لِما أشار إليه ابن سعدٍ ، ولهذا لم يحتجّ به البخاري (اهـ) . ( فصل ) : وأمّا حديث جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله عنه فقد أخرجه البزّار في (مسنده) (56) - وتفرّد به كما قال ابن كثير - قال : حدّثنا عمرو (57) - هو ابن إسماعيل ابن مُجالد - حدّثنا أبي ، عن مُجالدٍ ، عن الشَّعبيّ ، عن جابر قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله - أو قيل له - هل نفعتَ أبا طالبٍ؟ قال : أخرجته من النّار إلى ضَحْضاحٍ منها . قلت : وهذا الإسناد أيضاً ممّا لا يحتجُّ به ، ولا يثبت به حديث ، فإنّ عمر بن إسماعيل قال فيه أبو حاتم : ضعيف الحديث ، وقال النسائيّ : ليس بثقةٍ ، متروك الحديث ، وقال الدّارقطنيّ : ضعيف ، وقال في موضعٍ آخر : متروك (58) . وأمّا إسماعيل بن مُجالدٍ ؛ فقد قال النسائيّ والعِجْليّ : ليس بالقويّ ، وروى الحاكم عن الدارَقُطنيّ : ليس فيه شكٌّ أنّه ضعيفٌ ، وقال الأزديّ : غير حُجّة (59) . وأمّا مُجالد بن سعيدٍ الهمدانيّ؛ فقد قال البخاريّ : كان يحيى بن سعيدٍ يضعّفه ، وكان ابن المهديّ لا يروي عنه ، وكان أحمد بن حنبلٍ لا يراه شيئاً ، وقال ابن مَعينٍ : لا يحتجّ بحديثه ، وقال أيضاً : ضعيف ، واهي الحديث ، وقال ابن سعيدٍ : كان ضعيفاً في الحديث ، وقال ابن حِبّان : لا يجوز الاحتجاج به (60) . وأمّا الشَّعبيُّ؛ فسيأتي الكلام عليه فيما بعدُ إن شاء الله تعالى . ![]() |
|
|
|