وهي من جلائل خُطبه عليه السلام :
روى مسعدة بن صدقة عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الخطبة على منبر الكوفة، وذلك أن رجلاً أتاه فقال له: يا أمير المؤمنين! صف لنا ربّنا مثلما نراه عيانا لنزداد له حبّاً وبه معرفة، فغضب ونادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس حتّى غصّ المسجد بأهله.
فصعد المنبر وهو مغضب متغيّر اللون، فحمد الله وأثني عليه وصلّى على النبي صلى الله عليه وآله، ثمّ قال:
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لاَ يَفِرُهُ الْمَنْعُ وَالْجُمُودُ، وَلاَ يُكْدِيهِ الْإِعْطَاءُ وَالْجُودُ، إِذْ كُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقِصٌ سِوَاهُ، وَكُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ مَا خَلاَهُ،
الأول الّذي لم يكن له قَبْلٌ، الأول بلا أول كان قبله،
والآخر الّذي ليس له بَعْدٌ، والآخر بلا آخر يكون بعده،
الأول الّذي ليس لأوليته ابتداء، والآخر الّذي ليس لآخريته انقضاء،
ولا كان في مكان، ولا خلا منه مكان، وَإِنْهُ لَبِكُلِّ مَكَانٍ، ولا يجري عليه السّكون والحركة.
بديع السّموات والأرض
الّذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله
الّذي أنشأت الأشياء من غير سنخ، وصوّرت ما صوّرت من غير مثال، وابتدعت المبتدعات بلا احتذاء,
الَّذِي ابْتَدَعَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ امْتَثَلَهُ، وَلاَ مِقْدَارٍ احْتَذَى عَلَيْهِ، مِنْ خَالِقٍ مَعْبُودٍ كَانَ قَبْلَهُ،
وأرانا من ملكوت قدرته...
ما دلّنا باضطرار قيام الحجّة له على معرفته... فصار كلّ ما خلق حجّة له ودليلا عليه.
وَأَرَانَا مِنْ مَلَكُوتِ قُدْرَتِهِ، وَعَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثارُ حِكْمَتِهِ، وَاعْتِرَافِ الْحَاجَةِ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى أَنْ يُقِيمَهَا بِمِسَاكِ قُوَّتِهِ، مَا دَلَّنا بِاضْطِرَارِ قِيَامِ الْحُجَّةِ لَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ،