#1
|
|||||||||
|
|||||||||
المرض بلاءٌ وعذاب أم خيرٌ وثواب؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}. صدق الله العظيم. قد يكون من الطبيعيّ أن ينظر الإنسان إلى المرض نظرة سلبيّة، فالمرض يحمل في طيّاته الألم والمعاناة، وقد يتسبّب بما هو أبعد من ذلك، بالموت. هل في المرض خير؟! ولكنّ الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة، أرادت أن نرى في المرض صورة أخرى، أنّ المرض وإن كان ظاهره الألم والمعاناة، إلّا أنّه يحمل في طيّاته خيراً ومنحة. فعند كلّ مرض، منح ربانيّة وهدايا وثمرات، وهي إن وعاها الإنسان، ساعدته على تخطّي الألم الذي يحصل له والمعاناة التي تنتج منه. فقد ورد في الحديث: “المريض تحاتُّ خطاياه كما يتحاتُّ ورق الشّجر”. وفي الحديث: “ما يصيب المؤمن من نصب (تعب) ولا وصب (وجع وألم) ولا همّ ولا حزن، ولا أذى ولا غمّ، حتى الشَّوكة يشاكّها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه”. ولننظر إلى هذا الحديث الذي يظهر مدى رحمة الله لعباده ومحبّته لهم: “إذا مرض المؤمن، أوحى الله عزّ وجلّ إلى صاحب الشّمال: لا تكتب على عبدي، ما دام في حبسي ووثاقي، ذنباً، ويوحي إلى صاحب اليمين أن اكتب لعبدي ما كنت تكتبه في صحّته من الحسنات”. وفي الحديث: “سهرُ ليلةٍ من مرض أو وجعٍ أفضلُ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ من عبادة سنة”. وهذا الأثر يكبر عندما يصبر الإنسان على وجعه ويكتمه عن النّاس رعايةً لمشاعرهم.. وقد بشَّر الله الصّابرين بقوله: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. وفي الحديث: “أربعٌ من كنوز الجنّة: كتمان الفاقة، وكتمان الصّدقة، وكتمان المصيبة، وكتمان الوجع”. إيجابيّات المرض أما الأثر الإيجابيّ الثّاني للمرض، فهو أنَّ المرض يؤدّي إلى عودة الإنسان إلى الله وإلى توثيق العلاقة به، فالكثير من النّاس تراهم بعيدين عن الله، لا يتواصلون معه، ولا يحسبون له حساباً، لكنّهم بمجرَّد ما إن يدبّ فيهم المرض، حتى تراهم يتوجّهون إليه، ويقرّرون عندها إصلاح تقصيرهم معه وإساءتهم إليه. وإلى هذا أشار الله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}. أمّا الأثر الإيجابي الثّالث للمرض، فهو أنّه ينزع من داخل الإنسان التكبّر الذي قد يكون تسلَّل إليه عند امتلاكه الصحّة. فالمرض يعيد إلى الإنسان تواضعه، ويقول له إنّك مهما علوت، فإنّ فيروساً أو جرثومةً أو مكروباً قادر على أن يقلب حياتك رأساً على عقب، فلا تغترّ بنفسك. أمّا الأثر الإيجابي الرابع، فهو أنّ المرض يجعل الإنسان يعيد النظر في أسلوب تعامله مع صحّته التي قد يكون أهملها واستهتر بها، ولم يجعلها كما أراد الله سبحانه وتعالى من أولويّاته. لذا تراه عند المرض يعيد النظر بنظافته، وبنوعيّة طعامه وشرابه، ويتوقّى كلّ ما قد يسيء إليها. أمّا الأثر الإيجابيّ الخامس، فهو أنّ المرض واحد من رسل الموت، فهو بمثابة إنذار للإنسان حتى يستعدّ للقاء الله، ويعيد النظر في كلّ ماضيه، حتّى لا يستمرّ في غيّه وضلاله وانحرافه. والأثر الإيجابيّ للمرض لا يقف عند المريض، بل يتعدّى إلى عوّاده. فقد ورد في حديث قدسي: “يا بن آدم، مرضت فلم تعدني، قال: يا ربّ، كيف أعودك وأنت ربّ العالمين؟ قال: أما علمت أنّ عبدي فلانًا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنّك لو عدته لوجدتني عنده؟!”. وفي الحديث: “إنّ عائد المريض يخوض في الرّحمة”. وفي حديث آخر: “من عاد مريضاً، شيّعه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يرجع”. لكنّ الحديث عن إيجابيّات المرض، لا يعني أبداً كما قد يعتقد البعض، أنّنا ندعو المؤمن إليه، فمن واجب الإنسان المؤمن أن يسعى لبلوغ العافية وأن يحافظ عليها، ولا يجوز له التفريط بها وعدم القيام بواجبه في حقها. ولذلك، كان رسول الله (ص) يدعو: “اللّهمّ إني أسألك العفو والعافية في الدّنيا”. وكان (ص) يقول: “سلوا الله العفو والمعافاة، فما أوتي أحد بعد اليقين خيراً من المعافاة”. سنَّةٌ من سنن الله لكنّ المرض واحد من سنن الله، لم يسلم منه بشر، ولم ينج منه أحد حتى الأنبياء والأولياء، فإن حصل، فلا بدّ أن يحوّله الإنسان إلى فرصة تجعله يهتمّ أكثر بوقاية نفسه منها. وهذه الآثار الإيجابيّة للمرض هي الّتي دعت الإمام زين العابدين (ع) أن يحمد الله على نعمة المرض في دعائه الذي قال فيه: “اللّهمّ لك الحمد على ما لم أزل أتصرّف فيه من سلامة بدني، ولك الحمد على ما أحدثت بي من علّة في جسدي. فما أدري، يا إلهي، أيّ الحالين أحقّ بالشّكر لك، وأيّ الوقتين أولى بالحمد لك؛ أوقت الصحة التي هنّأتني فيها طيّبات رزقك، ونشّطتني بها لابتغاء مرضاتك وفضلك، وقوّيتني معها على ما وفّقتني له من طاعتك، أم وقت العلّة التي محصتني بها، والنّعم التي أتحفتني بها، تخفيفاً لما ثقل على ظهري من الخطيئات، وتطهيراً لما انغمست فيه من السيّئات، وتنبيهاً لتناول التّوبة، وتذكيراً لمحو الحوبة بقديم النّعمة؟ وفي خلال ذلك، ما كتب لي الكاتبان من زكي الأعمال، ما لا قلب فكّر فيه، ولا لسان نطق به، ولا جارحة تكلّفته، بل إفضالاً منك عليّ، وإحساناً من صنيعك إليّ. اللّهمّ فصلِّ على محمّد وآله، وحبِّب إليَّ ما رضيت لي، ويسّر لي ما أحللت بي، وطهّرني من دنس ما أسلفت، وامح عنّي شرّ ما قدّمت، وأوجدني حلاوة العافية”. قيمة البلاء أيّها الأحبّة: قيمة البلاء أنّه يشير إلى العناصر الإيجابيَّة الّتي يتحلّى بها المؤمن ويظهر جوهره، وإلى هذا أشار الحديث: “عجباً لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له”.. نسأل الله أن نكون من أولئك الذين لا يسقطهم البلاء، ولا يهزم إيمانهم وعلاقتهم بربهم، فيشكرونه فيكتبون من الشّاكرين، ويصبرون عند البلاء فيكتبون في لائحة الصّابرين. اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|
|
|
|