#1
|
|||||||||
|
|||||||||
عيد الغدير الأغر والسر الإلهي
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته منذ ذلك اليوم انغرست في قلوب شيعة علي(عليه السلام) شجرة الولاية، وصار الغدير سقياً مقدساً لها في كل العصور.. وتحوَّلت تلك القلوب في صحراء قريش المقفرة، إلى حدائق غنّاء مفعمة بثمار العقيدة وأزهار المحبة، وصار صاحب يوم الغدير، وبيعة يوم الغدير، وخطبة النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير، حجة الثابتين على عهدهم، وأنشودة الأوفياء لنبيهم في كل جيل.. لا حجة لمن أنكر ولايتك يا أمير المؤمنين, و يا سيد الوصيين. فمن يطلع على الدلائل والحجج والبراهين التي جاءت مع بيعة الغدير يخرس صوته ويتلعثم لسانه ويزول شكه ويزداد يقينه بأن الامر فيك إلهي ولا جدال في ذلك. ولكثرة الدلائل سنقتصر على ذكر أهمها: دلائل الأمر الإلهي • نزل أمين الوحي جبرئيل على رسول الله(صلى الله عليه وآله) في منطقة تدعى «غدير خم» وخاطبه بالآية الآتية: (يا أيُّها الرَّسُولُ بَلَّغ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ وإن لم تَفعَل فَما بَلَّغتَ رِسالَتهُ والله يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ)(المائدة/67). إنّ لسان الآية وظاهرها يكشف عن أن الله تعالى ألقى على عاتق النبيّ(صلى الله عليه وآله) مسؤولية القيام بمهمّة خطيرة، وأيّ امر اكثر خطورة من أن ينصّب علياً(عليه السلام) لمقام الخلافة من بعده على مرأى ومسمع مئة ألف شاهد؟ • أراد المولى عزّ وجلّ أن يبقى حديث الغدير غضّاً طرياً على مرّ الأجيال لا يُكدّر صفاء حقيقته الناصعة تطاول الاحقاب وكرّ الأزمان وانصرام الاعوام، وتتحقق هذه الغاية بامور ثلاثة: اولها أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قد هتف به في مزدحم غفير قوامه عشرات الآلاف عند انصرافه من الحج الاكبر، فنهض بالدعوة والاعلان، وحوله جموع من وجوه الصحابة وأعيان الامّة، وأمر بتبليغ الشاهد الغائب ليكونوا كافّة على علم وخبر بما تمّ إبلاغه. وثانيها: أنّ الله سبحانه قد أنزل في تلك المناسبة آيات تلفت نظر المسلم الى الواقعة عندما يتلوها في كتاب الله، واول هذه الآيات قوله تعالى: (يا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغ مَا أنزِلَ إِليَكَ مِن رَبِّكَ وإن لم تَفعَل فَما بَلَّغتَ رِسالَتهُ والله يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ)(المائدة / 67). وقد ذكر نزولها في واقعة الغدير لفيف من المفسّرين يربو عددهم على الثلاثين، وقد ذكر العلاّمة البحّاثة المحقق الأميني في كتاب «الغدير» نصوص عبارات هؤلاء، فمن أراد الاطلاع عليها، فليرجع إليه. ومن هذه الآيات قوله تعالى: (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينكُم وَأَتممَتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلامَ دِيناً)(المائدة / 3) وقد نقل نزول الآية ما يزيد على ستة عشر من المفسرين. ومن الآيات قوله تعالى: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلكَافِرِينَ لَيسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللهِ ذِي المَعارِج)(المعارج / 1 -3) وقد ذكر أيضاً نزول هذه الآية جماعة من المفسّرين ينوف على الثلاثين، أضف الى ذلك أنّ الشيعة عن بكرة أبيهم متّفقون على نزول هذه الآيات الثلاث في شأن هذه الواقعة (راجع كتاب الغدير في شأن نزول هذه الآيات ج 1 ص 214 و217.). وثالث الامور التي تبقي حديث الغدير خالدا هو: انّ الحديث منذ صدوره من منبع الوحي تسابقت الشعراء والأدباء الى نظمه في ابيات وقصائد امتدّت رقعتها منذ عصر انبثاق ذلك النص في تلك المناسبة الى عصرنا هذا باللغات والثقافات المختلفة. • ويعدّ حديث الغدير من الأحاديث التاريخية المهمة والمصيرية لأنه قد أدلى به رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) في السنة الأخيرة من حياته المباركة. • ثم إن حديث الغدير حديث متواتر رواه المحدثون عن أصحاب النبي(صلَّى الله عليه وآله) وعن التابعين بصيغٍ مختلفة، تؤكد جميعها على إمامة الإمام أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، لكون الجوهر الأصلي فيه واحداً وإن اختلفت بعض العبارات. • هذا وقد صرّح كثير من المفسرين بأن نزول آية التبليغ كان في يوم الغدير لدى رجوع النبي (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع في مكان يسمى بـ « غدير خم»، وبعض من صرّح بذلك ( أبو الفضل شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي، المتوفى سنة 127 هجرية، و أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري المتوفى سنة 468 هجرية، وعبيد الله بن عبد الله بن أحمد، المعروف بالحاكم الحسكاني من أعلام القرن الخامس الهجري، فخر الدين الرازي، المتوفى سنة: 604 هجرية. وجلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هجرية). • ولقد تناقلت المصادر الإسلامية السنية و الشيعية على حد سواء حديث الغدير في كتب التفسير والحديث والتاريخ والكلام وغيرها بأكثر من عشر صيغ في ما يقارب المئة من الكتب المعتمدة. • أما رواة حديث الغدير الذين تمكّن التاريخ من ضبط أسمائهم فهم: من الأصحاب (110) صحابياً و من التابعين (84) تابعيا، و أما رواة هذا الحديث من العلماء والمحَدِّثين فيبلغ عددهم (370) راوياً، و قد ألّف علماء الإسلام كتبا مستقلة في هذا الحديث إذعاناً منهم بأهميته وصحته ومصيريّة موضوعه، ونذكر بعض النماذج التي أوردها علماء السنة في كتبهم رعاية للاختصار: (احمد بن حنبل: أبو عبد الله احمد بن حنبل بن هلال الشيباني، المتوفى سنة 241 هجرية، والخطيب البغدادي: أبو بكر احمد بن علي المتوفى سنة 463 هجرية، ابن حجر: احمد بن حجر الهيثمي المتوفى سنة 974 هجرية). خلاصة القول في واقعة الغدير • ان رسول الله (صلَّى الله عليه و آله) إنما أدلى بهذا الحديث بأمر من الله تعالى وذلك بعد نزول آية التبليغ في يوم الغدير تحثّه على تنصيب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) خليفةً له و إماماً للناس. • التدبر في الآية السابقة و لهجتها الصارمة بصورة عامة، مضافا إلى التدبر في دلالة (… والله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ…) يكشف عن حساسية القضية وخطورة المسالة المطروحة. • إن انتخاب «غدير خم» وهو صحراء قاحلة يلفحها الهجير وتلتهب رمالها بوهج الظهيرة مكانا لإلقاء حديث الغدير، وانتخاب المقطع الأخير من حياة الرسول (صلَّى الله عليه و آله) كزمان لإلقاء الحديث، وانتخاب الاجتماع التاريخي الحاشد الذي يشكله الحجاج العائدون من بيت الله الحرام كمستمعين لهذا الخطاب التاريخي المهم -وغيرها من الأمور- إن عبرت عن شيء فإنما تعبّر عن أهمية ما أمر الله النبي (صلَّى الله عليه و آله) بإبلاغه، وهو تعيين المسار القيادي للامة الإسلامية دينيا و سياسيا من بعده. • عدم إبلاغ النبي (صلَّى الله عليه و آله) الناسَ بولاية أمير المؤمنين (عليه السَّلام) يُعدّ مساويا لعدم تبليغ الرسالة الإلهية، وهذا مما يُبين أهمية مسالة الإمامة والقيادة و يفهم هذا المعنى من قول الله تعالى: (… وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ…). • إن المخطط الإلهي للحياة البشرية مخطط حكيم وكامل ولا يمكن أن يهمل مسالة قيادة الأمة الإسلامية بعد الرسول(صلَّى الله عليه و آله) أو يترك الأمة من غير راعٍ وولي، فهذا مما يدفع بالأمة إلى الانزلاق نحو هاوية الفتن والصراعات والتناقضات، ويكون سبباً لإهدار أتعاب الرسالة، وهو ما لا يقبله العقل السليم ولا يصدقه الشرع طبعاً. • إن نزول آية الإكمال في يوم الغدير بعد إبلاغ النبي (صلَّى الله عليه و آله) الناسَ بولاية أمير المؤمنين(عليه السَّلام) لدليل واضح على أن اكتمال أهداف الرسالة وضمان عدم وقوع انحرافٍ أو فراغٍ تشريعي أو قيادي أو سياسي بعد الرسول (صلَّى الله عليه و آله)، إنما يتحقق في حالة استمرارية القيادة المنصوص عليها من الله. • وأخيرا ان الحديث يحمل دلالة واضحة و صريحة على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) باعتباره المرشح الوحيد لتسلّم زمام الأمة بعد النبي(صلَّى الله عليه و آله) ولكونه الولي الشرعي المنصوب من قبل رب العالمين بوساطة سيد الأنبياء و المرسلين (صلَّى الله عليه و آله). و هو الأمر الذي عدّه الله عَزَّ و جَلَّ تكميلاً للرسالة و تتميماً للنعمة. اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|
|
|
|