#1
|
|||||||||
|
|||||||||
موقف الإمام السجاد (ع) بعد حادثة عاشوراء
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته والامام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام يقف الآن بعدحادثة عاشوراء على مفترق طريقين : إما ان يعمد الى دفع أصحابه نحو حركة عاطفية هائجة ، ويدخلهم في مغامرة ، لا تلبث شعلتها ـ بسبب عدم وجود المقوّمات اللازمة فيهم ـ أن تخمد وجذوتها أن تنطفئ، وتبقى الساحة بعد ذلك خالية لبنيامية ، يتحكّمون في مقدّرات الامة فكرياً وسياسياً.. أو أن يسيطر على العواطف السطحية والمشاعر الفائرة ، ويعد المقدمات للعملية الكبرى ،المقدمات المتمثلة في الفكر الرائد والطليعة الواعية الصالحة لإعادة الحياة الاسلامية الى المجتمع ، وأن يصون حياته وحياة المجموعة الصالحة لتكون النواة الثورية للتغيير المستقبلي، ويبتعد عن أعين بنيأمية ، ويواصل نشاطه الدائب على جبهة بناء الفكر وبناء الافراد.وبذلك يقطع شوطاً على طريق الهدف المنشود، ويكون الامام الذييليه أقرب الى هذا الهدف . فأي الطريقين يختار؟ لا شك أن الطريق الاول هو طريق التضحية والفداء، لكن القائدالذي يخطط لحركة التاريخ ، ولمدى أبعد بكثير من حياته ، لا يكفي أن يكون مضحّياً فقط ، بل لا بد أيضا أن يكون عميقاً في فكره واسعاً فيصدره ، بعيداً في نظرته ، مدبّراً وحكيما في اموره .. وهذه الشروط تفرض على الامام انتخاب الطريق الثاني. والامام علي بن الحسين عليه السلام اختار الطريق الثاني مع كل ما يتطلبه من صبر ومعاناة وتحمّل ومشاق ، وقدّم حياته على هذاالطريق (سنة 95 هجرية. وقد صوّر الامام الصادق عليه السلام وضع الامام الرابع ودوره الرائد بقوله: (ارتدّ الناس بعد الحسين عليه السلام الا ثلاثة : ابو خالد الكابلي ، ويحيى بن أم الطويل ، وجبير بن مطعم ، ثم إن الناس لحقوا وكثروا،وكان يحيى بن أم الطويل يدخل مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه.(12) (كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء( وآله ويقول : هذه الرواية تصوّر حالة المجتمع الاسلامي بعد مقتل الحسين عليه السلام . إنها حالة الهزيمة النفسية الرهيبة التي عمّت المجتمع الاسلامي ابان وقوع هذه الحادثة . فماءساة كربلاء كانت مؤشّرا على هبوط معنويات هذا المجتمع عامة ، حتى شيعة اهل البيت . هؤلاء الشيعة الذين اكتفوابارتباطهم العاطفي بالائمة ، بينما ركنوا عملياً الى الدنيا ومتاعهاوبريقها.. ومثل هؤلاء كانوا موجودين على مرّ التاريخ ، وليسوا قليلين حتى يومنا هذا. فمن بين الآلاف من مدّعي التشيّع في زمن الامام السجاد عليه السلام بقي ثلاثة فقط على الطريق .. ثلاثة فقط لم يرعبهم الارهاب الاُموي ولا بطش النظام الحاكم ، ولم يثن عزمهم حبّ السلامة وطلب العافية ، بل ظلّوا ملبّين مقاومين يواصلون طريقهم بعزم وثبات . هؤلاء لم ينجرفوا مع تيار المجتمع المنجرّ كالرعاع وراء ارادة الحاكم الظالم ، بل كان يقف الواحد منهم وهو يحيى بن ام الطويل فيمسجد المدينة ويخاطب مدّعي الولاء لأهل البيت ، معلناً براءته منهم ـ كما مرّ ـ ويستشهد بما قاله ابراهيم عليه السلام واتباعه لمعارضي.(13)) كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء( زمانه : أراد ابن ام الطويل بتلاوته هذه الآية المباركة أمام مدّعي الولاءلأهل البيت عليهم السلام أن يعلن الانفصال التام بين الجبهتين : جبهة الرساليين الملتزمين ، وجبهة الخلود الى الارض والانحطاط إلى مستوى الأماني الرخيصة والانشدادات المادية التافهة . وهو انفصال يرافق كل الدعوات الإلهية . والامام الصادق عليه السلام عبّر عن هذا الانفصال بين الجبهتين بقوله : "من لم يكن معنا كان علينا" أي من لم يكن في جبهة التوحيد كان في جبهة الطاغوت ، وليس ثمة منطقة وسط بين الاثنين ، ولا معنى للحياد في هذا الانتماء. إن يحيى ابن أم الطويل هذا المسلم والموالي الحقيقي لأهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بصرخته هذه يعلن الانفصال بين الذين يُرضون أنفسهم بالولاء العاطفي بينما هم قابعون في قوقعة مصالحهم الشخصية وغارقون في مستنقع ذاتياتهم الضيقة ، وبين اولئك الملتزمين فكراً وعملاً بالامام . هذا الانفصال يعني ـ طبعاً ـ الترفّع عن الانجرار وراء الأكثرية الضالّة ، ولا يعني اهمال هؤلاء الضالين . من هنا اتجهت هذه المجموعة الصالحة الى انتشال من له قابلية التحرر من الإصر والأغلال ،وكثرت بالتدريج هذه الفئة المجاهدة الصابرة ، والى هذا يشير الامام الصادق عليه السلام في قوله المذكور آنفا: "ثم إن الناس لحقواوكثروا". وبذلك واصل الامام السجاد عليه السلام نشاطه . وكان هذا النشاط وبعض المواقف الاخرى التي سنذكرها مما ادّى الى استشهاده ، واستشهاد بعض المقربين من أتباعه . لم أر في حياة الامام السجاد عليه السلام ما يدل على مواجهة صريحة مع الجهاز الحاكم ، والحكمة كانت تقتضي ذلك ـ كما ذكرنا ـلأنه لو اتخذ مثل تلك المواقف التي نشاهدها في حياة الامام موسى بن جعفر عليه السلام وبعده من الائمة تجاه حكام عصره لما استطاع أن يحقق ما حققه من دفع عملية التغيير دفعة استطاعت أن توفّر للامام الباقر عليه السلام فرصة نشاط واسع ، بل لصُفّي هو والمجموعة الصالحة الملتفّة حوله . في مواقف نادرة نلمس من الامام عليه السلام رأيه الحقيقي من السلطة الحاكمة ، ولكن ليس على مستوى المواجهة ، بل على مستوى تسجيل موقف للتاريخ وليجعل المحيط القريب منه على قدر من العلم بعمله وحركته . من تلك المواقف ، رسالة تقريع صارخة وجهها الامام عليه السلام الى رجل دين مرتبط بجهاز بني أمية هو "محمد بن شهاب الزهري".ونستطيع أن نفهم من الرسالة أن الامام يخاطب بها الاجيال على مرّالعصور، لا الزهري. لأن الزهري لم يكن بالشخص الذي يستطيع أن يتحرر من الاغلال التي تشدّه الى موائد بني أمية وقصاعهم ولهوهم ومناصبهم وجاههم . ولم يستطع بالفعل . لقد قضى عمره في خدمتهم ،ودوّن كتاباً، ووضع حديثاً ليتزلف اليهم (14) هذه الرسالة إذن وثيقة توضح موقف الامام من أوضاع زمانه .ونصّها موجود في كتاب "تحف العقول(15). وثمة وثيقة اخرى هي عبارة عن رسالة جوابية وجهها الامام عليه السلام الى عبدالملك بن مروان بعد ان ارسل الثاني رسالة يعيّر فيهاالامام بزواجه من أمته المحررة ، وقصد ابن مروان بذلك أن يبين للامام عليه السلام أنه محيط بكل ما يفعله حتى في اموره الشخصية ، كما ارادأيضا ان يذكّر الامام بقرابته منه طمعاً في استمالته . والامام عليه السلام في رسالته الجوابية يوضح رأي الاسلام فيهذه المساءلة ، ويؤكد أن امتياز الايمان والاسلام يلغي كل امتياز آخر.ثم باسلوب كناية في غاية الروعة يشير الامام الى جاهلية آباءالخليفة ، بل لعله يشير أيضاً الى ما عليه الخليفة بالذات من جاهلية إذيقول له : "فلا لؤم على امرئ مسلم ، إنما اللؤم لؤم الجاهلية ". وحين قرأ الخليفة الاُموي عبارة الامام عليه السلام أدرك معناهاتماماً، كما أدرك المعنى ابنه سليمان إذ قال له : "يا أمير المؤمنين لَشَدَّمافخر عليك علي بن الحسين !!". والخليفة بحنكته السياسية يرد على ابنه بما يوحي أنه أعرف من الابن بعاقبة الاصطدام مع إمام الشيعة فيقول له : "يابنيّ لا تقل ذلكفانها ألسن بني هاشم التي تفلق الصخر وتغرف من بحر، إن علي بن الحسين يا بني يرتفع من حيث يتصنّع الناس .(16) ونموذج آخر من هذه المواقف ردّ الامام عليه السلام على طلب تقدم به عبدالملك بن مروان . كان عبدالملك قد بلغه أن سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عند الامام . فبعث اليه من يطلب منه أن يهب السيف للخليفة ، وهدده إن أبى بقطع عطاء بيت المال عنه . فكتب اليه الامام عليه السلام : "اما بعد فان اللّه ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون ،إن اللّه لا يحب كل (والرزق من حيث لا يحتسبون ، وقال جلّ ذكره : فانظر أيّنا أولى بهذه الآية(17) (خّوان كفور) . وفي غير هذه المواقف نرى الامام السجاد عليه السلام يتحركبهدوء وباستتار في اتجاه تربية الافراد وصنع الشخصية الاسلامية وفق مدرسة أهل البيت ومحاربة الانحرافات و... وبذلك قطع في الواقع الخطوة الاساسية الاولى على طريق تحقيق هدف مدرسة أهل البيت المتمثل بإقامة المجتمع الإسلامي المستظل بحكومة اسلامية صالحة على نموذج حكومة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وعلي بن ابي طالب عليه السلام . وكما ذكرنا من قبل لم يسلم الامام عليه السلام واتباعه رغم هذا النهج ـ المسالم على الظاهر ـ من بطش الجهاز الاُمويوتنكيله . فمن أتباعه من قتل بشكل فظيع ، ومنهم من سجن ، ومنهم تشرّد بعيداً عن الأهل والديار، والامام عليه السلام نفسه في مرة واحدة على الاقل سيق مقيّداً بالاغلال في حالة مؤلمة من المدينة الى الشام ، وتعرّض مرات لألوان الأذى والتعذيب . ثم دسّ الخليفة الاُموي الوليد بن عبدالملك له السمّ واستشهد سنة 95 هجرية.(18) ـــــــــــــــــــــ (12) بحار الانوار، ط : الاسلامية ، ج 46 ص 144. وفي رواية اخرى أضيف جابر بن عبداللّه الانصاريالى هؤلاء الثلاثة . وفي رواية اخرى بدل جابر بن عبداللّه ورد ذكر سعيد بن المسيب المخزومي. وفيرواية اخرى أضيف الى هؤلاء جميعا سعيد بن جبير، وبدلاً من جبير بن مطعم ذكر اسم محمد بن جبير بن مطعم (رجال الكشي، ط : مصطفوي، ص 115)، ويرى العالم الرجالي المعاصر المحقق الشوشتري أن اسم جبير بن مطعم في هذا الحديث محرّف من حكيم بن جبير بن مطعم : (قاموس الرجال ، ج 9، ص 399. (13) الممتحنة : 4 (14) راجع : أجوبة مسائل جار اللّه ، للسيد شرف الدين العاملي، ص 59 و60 ، وكذلك: دراسات فيالكافي والصحيح ، ص 261. (15) تحف العقول عن آل الرسول 272 ـ 277 ط : جماعة المدرسين ـ قم . (16) بحار الانوار ج 46 ص 165، ط : بيروت ، نقلاً عن الكافي ج 5 ص 344. (17) المصدر نفسه ص 95 . (18) حياة الامام السجاد عليه السلام بابعادها الجهادية وما اكتنفها من احداث من اروع مقاطع حياة أئمة أهل البيت عليهم السلام وتحتاج الى مقال مستقل اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|
|
|
|