#1
|
|||||||||
|
|||||||||
يا أمة الإسلام.. إستعدي للدورة الرمضانية
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته. من طبيعة الدورات التي تعقد في شتى المجالات أنّ الناس يستعدّون لها قبل إنعقادها بأيام، إذ يقدمون أوراق إعتمادهم فيها بعزم وإرادة ويتزوّدون لكل دورة بما يناسبها من عوامل النجاح والإفادة من عطائها المتجدد وحصادها المثمر. وبعد أيام، تنعقد بدعوة من الله الدورة الرمضانية السنويّة لأُمّة الإسلام، وأبشر بدعوة تعقد بأمر الله وبدعوة من الله ورسوله (يا أيُّها الذينَ آمَنُوا استَجِيبُوا للهِ ولِلرَّسُولِ إذا دَعاكُم لِما يُحيِيكُم) (الأنفال/ 24).. فاستجابتك لله ولرسوله قوّة تحيا بها النفس والطاقات والملكات ويحيا بها القلب كما تحيا الأرض الموات وكما تحيا الأعواد الذابلة ينزل عليها الماء فيرد إليها الحياة، فهيا بنا نستعد لدورة رمضانية ترد الحياة إلى قلوبنا ونفوسنا، وتجدد عزمنا في مسيرة الحياة وإيماننا بالخالق جلّ في علاه. استعدّوا لهذه الدورة بإخلاص النيّة والإصرار على التوبة والإنابة والتحوّل من حال إلى أحسن حال.. استعدّوا لرمضان بشعور النادم على ما فرَّط في جنب الله، ولا تستعدّوا له بنيّة المصرّ على تأجيل المعاصي إلى ما بعد رمضان، فما أسوأ أن نباشر الطاعات في موسم ونجعل للمعاصي في حياتنا مواسم أو أن نعبد الله في شهر لنجاهره بالعصيان في سائر الشهور.. لا تستعدّوا لرمضان بهذه النيّة ولا بهذا الشعور، وإنّما استعدّوا لهلاله بعزم التائبين وسلوك المتقين (الذينَ يُنفِقُونَ في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ والكاظِمِينَ الغَيظَ والعافِينَ عَنِ النّاسِ واللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ * والذينَ إذا فَعَلُوا فاحِشَةً أو ظَلَمُوا أنفُسَهُم ذَكَرُوا اللهَ فَاستَغفَرُوا لِذُنُوبِهِم ومَن يَغفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللهُ ولَم يُصِرُّوا على ما فَعَلُوا وهُم يَعلَمُونَ) (آل عمران/ 134-135)، فلا تستقبل رمضان بالإصرار على المعصية في شوال، ولكن استقبله بالندم على خطيئة الأمس وبالإصرار على طهارة النفس في يومك وغدك.. واجعل من رمضان قطاراً يجتاز بك مواقف الركود والجمود في حياتك.. واجعله منطلقاً جديداً إلى حياة أفضل ترضي بها مولاك فيرضى عنك ويصلح لك أحوالك وأولادك وزوجك ويصلح ما بينك وبين العباد (إنّ الذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجعَلُ لَهُمُ الرَّحمنُ وُدّاً) (مريم/ 96). بيننا وبين رمضان أيام وساعات قليلة، فلتقعد النيّة من الآن على أن تكون في هذا الشهر من عباد الرحمن (وعِبادُ الرَّحمنِ الذينَ يَمشُونَ على الأرضِ هَوناً وإذا خاطَبَهُمُ الجاهِلُونَ قالوا سَلاماً * والذينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِم سُجَّداً وقِياماً * والذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا اصرِفْ عَنّا عَذابَ جَهَنَّمَ إنَّ عَذابَها كانَ غَرَاماً * إنّها سَاءَت مُستَقَرّاً ومُقَاماً) (الفرقان/ 63-66). فاستعد لرمضان بنيّة الرقي إلى هذا المستوى الروحي والتبتل الذاتي، واجعل من كتاب الله نعم الجليس والأنيس في غدوك ورواحك، فما خاب مؤمن يكلِّم الله في الصلاة ويكلِّمه الله وحياً بهذا الكتاب المبين. فمن أراد أن يكلِّم الله فليفزع إلى الصلاة، ومَن أراد أن يكلِّمه الله فليقرأ القرآن.. فاستعدوا لحمل مصاحفكم، فما كرَّم الله رمضان إلا من أجل القرآن، وما شرع لكم صيامه إلا تعظيماً لشهر نزل فيه القرآن (شَهرُ رَمَضانَ الذي أُنزِلَ فِيهِ القُرآنُ هُدىً لِلنّاسِ وبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرُ فَليَصُمهُ) (البقرة/ 185)، فإن كنت من الذين وسع الله عليهم في الرِّزق فإستعد للدورة الرمضانية بنيّة الجهاد بأموالك في سبيل الله والباب مفتوح، فلا تبخل على نفسك برصيد ينفعك يوم يندم الناس على ما خلفوه ويفرحون بما قدموه (وأمّا مَن بَخِلَ واستَغنى * وَكَذَّبَ بِالحُسنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرَى * وما يُغنِي عَنهُ مالُهُ إذا تَرَدَّى* (الليل/ 8-11).. فاستعدوا للصيام عن البخل والإفطار على الجود والعطاء وكثرة السخاء، واستقبلوا رمضان وأنتم تشعرون بأحوال الكادين والبسطاء، واستقبلوا هذا الشهر بسنابل الخير التي جعلها القرآن مثلاً لمضاعفة الأجر والثواب (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبعَ سَنابِلَ في كُلِّ سُنبُلَةٍ مائَةُ حَبَّةٍ واللهُ يُضاعِفُ لِمَن يَشاءُ) (البقرة/ 261).. استعدوا للدورة الرمضانية بروح المؤمن الحريص على مواساة الضحايا والمجروحين، وكونوا أكثر حرصاً على إطعام الطعام في وقت غلت فيه الأسعار، وخاصم البسطاء دكان الجزار.. فاللهمّ رحماك بعباد الله الصائمين عند الإفطار.. فاعقدوا النيّة من الآن على أن تكونوا من الأبرار الذين قال الله فيهم: (ويُطعِمُونَ الطَّعامَ على حُبِّهِ مِسكِيناً ويَتِيماً وأسِيراً * إنّما نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُم جَزاءً وَلا شُكُوراً * إنّا نَخافُ مِن رَبِّنا عَبُوساً قَمطَرِيراً * فَوقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلكَ اليَومِ ولَقَّاهُم نَضرَةً وسُرُوراً * وجَزاهُم بِما صَبَروا جَنَّةً وحَرِيراً) (الإنسان/ 8-12). - كيف نستقبل رمضان؟ (يا أيُّها الذينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَمَا كُتِبَ على الذينَ مِن قَبلِكُم لَعلّكُم تَتَّقُونَ * أيّاماً مَعدُوداتٍ) (البقرة/ 183-184) هذا نداء من الله يتشرّف به كل مؤمن ومؤمنة يستعد بكل طاقاته لإستقبال هلال رمضان.. فليتنا نستقبل شهرنا الكريم كما نستقبل ضيفاً كريماً وزائراً وفياً حبيباً إلى النفس، كلما رحل عنّا واشتقنا إليه أطلّ علينا بأنفاسه الندية ونفحاته الزكية، وقد جرّب الناس في حياتهم أنّهم إذا أحسنوا استقبال الضيف وأكرموا وفادته ذكرهم بحسن السيرة في كل مكان وأثنى عليهم بالمحامد والمكارم في كل زمان وكان لهم لساناً شاهداً بكل خير. وهكذا يفعل رمضان مع كل مسلم يلقاه بوجه طليق وصدر رحيب وقلب منيب.. يستقبله المؤمن بحب العاشق المشتاق إلى الجنّة، وبفرحة اللهيف إلى النجاة من النار (فَمَن زُحزِحَ عَنِ النّارِ وأُدخِلَ الجَنّةَ فَقَد فازَ) (آل عمران/ 185). وليس من الإيمان أن يضيق صدرك بإستقبال شهرك خوفاً على شهوات ألفتها أو عادات ذميمة تعودتها.. فينا مَنْ يفرح بهلال الشهر الكريم فرحة الأُم الرؤوم بعودة وحيدها الغائب، وفينا مَنْ يتمنّى أن يمتد الأجل بأيام شعبان حتى يطلع هلال شوال، فإذا بشر أحدهم بطلعة شهر الصيام رأيت في عينيه فجيعة الطفل الرضيع بهول الفطام.. هو فطام.. نعم، ولكنه فطام النفس من شهواتها، وفطام الأجساد من نزواتها، وشفاء القلوب من أمراضها (وفي ذلكَ فَليَتنافَسِ المُتَنافِسُونَ) (المطففين/ 26). لا تقل وأنت تستقبل الشهر الكريم إنّ الجو شديد الحرارة فكيف نصوم. ولكن ردِّد قول مولاك (قُل نارُ جَهَنّمَ أشَدُّ حّرّاً لَو كانُوا يَفقَهُونَ) (التوبة/ 81).. لا تستقبل هلال رمضان وأنت ضعيف الإرادة، فلا مكان في عالم اليوم لصاحب إرادة مهزومة، وما مات مسلم أو مسلمة من شدة الصيام ولكن يموت الغارقون في الشهوات كالأنعام. أما أنتِ يا إبنة الإسلام، فاستقبلي شهر الصيام في ثياب الكاسيات المتعففات لا في ثياب الكاسيات العاريات (واتَّقِينَ اللهَ إنّ اللهَ كانَ على كُلِّ شَيءٍ شَهِيداً) (الأحزاب/ 55). - رمضان والتاجر يأتي رمضان هذا العام والله أعلم بأحوال العباد.. فالأسعار وصلت بالناس إلى منطقة انعدام الوزن للبسطاء والكادحين والموظفين في الأرض. وقد بلغت الله رمضان أيها التاجر الأمين. فكن في عون إخوانك الصائمين، كن عوناً لهم على طاعة الله في الأسعار، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، فالتخفيف عن العباد في شهر الطاعات طاعة، والرِّضا بالربح القليل تيسيراً على الصائمين عبادة وتقرُّب إلى الله بسنابل الخير، فقد جاء في الحديث: "تلقّت الملائكة روح رجل ممّن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئاً؟ قال: لا، قالوا: تذكّر، قال: كنت أُداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر، ويتجوّزوا عن الموسر، قال: قال الله عزّوجل: تجوّزوا عنه" . وأسأل الله أن يتجاوز عن كل تاجر يستقبل رمضان وهو حريص على أن يتاجر مع الله تجارة لن تبور ليفوز بالصفقة الرابحة في قوله تعالى: (يا أيُّها الذينَ آمَنُوا هَل أَدُلُّكُم على تِجارَةٍ تُنجِيكُم مِن عَذابٍ أليم * تُؤمِنونَ بِاللهِ ورَسُولِهِ وتُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ بِأموالِكُم وأنفُسِكُم ذلِكُم خَيرٌ لَكُم إن كُنتُم تَعلَمُونَ) (الصف/ 10-11). أمّا الذين يستقبلون رمضان ليجعلوه شهر إستثمار لا شهر قناعة وإنابة واستغفار أو يجعلوه مجالاً للربح الوفير على حساب الكادح والفقير، فهؤلاء نضع أمامه مقالة أحد التابعين: "عجبت لمن غدا وراح في طلب الأرباح وهو مثل نفسه لا يربح أبداً" : كتاب (القرآن وقضايا العصر) اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|
|
|
|