#1
|
||||||||||
|
||||||||||
في روضة الأمثال
في روضة الأمثال
في هذه الباقة من الأمثال، نسلّط الضّوء على مناسبة ضربها، أو على قائلها حتّى غدت سائرة على ألسن العرب. تَغافَلْ كأَنَّك واسِطِيٌّ أَصله أَنّ الحجّاج بن يوسف الثقفيّ كان يتسخَّرُ رجالاً في البِناء، فيَهْرُبون ويَنامون وَسْطَ الغُرباء في المسجد، فيجيء الشُّرَطِيُّ فيقول: يا واسِطيّ! فمن رفع رأْسه أَخذه وحمله، فلذلك كانوا يتَغافلون. إِنّ أَخاكَ مَنْ آسَاكَ يقال: آسيت فلاناً بمالي أو غيره إذا جعلته أُسْوَةً لك. ومعنى المثل إنّ أخاك حقيقةً مَنْ قدّمك وآثَرَك على نفسه. يضرب في الحثّ على مراعاة الإخوان. وأوّل من قال ذلك خُزَيم بن نَوْفل الهَمْدانيّ، وذلك أنّ النّعمان بن ثَوَاب العبديّ ثمّ الشّنيّ كان له بنون ثلاثة: سعد وسعيد وساعدة. وكان أبوهم ذا شرف وحكمة، وكان يوصي بنيه ويحملهم على أدَبِه. أمّا ابنه سعد، فكان شجاعاً بطلاً من شياطين العرب لا يُقَام لسبيله، ولم تَفُتْهُ طَلِبَتهُ قطّ ولم يفرَّ عن قِرْن. وأمّا سعيد فكان يشبه أباه في شرفه وسؤدده. وأمّا ساعدة فكان صاحب شراب ونَدَامى وإخوان. فلمّا رأى الشّيخ حالَ بنيه دعا سعداً وكان صاحب حرب فقال: يا بُنَيّ إنّ الصارم يَنْبو والجواد يَكْبُو والأثر يعفو، فإذا شهدت حرباً فرأيت نارها تستعر وبطلها يحظر وبحرها يزخر وضعيفها ينصر وجبانها يجسر فأقْلِلِ المكث والانتظار، فإنّ الفرار غير عار إذا لم تكن طالبَ ثار فإنّما ينصرون هم، وإيّاك أن تكون صَيْدَ رماحها ونطيح نطاحها. وقال لابنه سعيد وكان جواداً: يا بنيّ لا يبخل الجواد، فابذل الطّارف والتِّلاد، وأقلل التَّلاح تُذْكَرُ عند السّماح، وأبْلُ إخوانك فإن وَفِيَّهم قليل واصنع المعروف عند محتمله. وقال لابنه ساعدة وكان صاحب شراب: يا بنيّ إنّ كثرة الشّراب تفسد القلب، وتقلّل الكسب وتجدّ اللّعب، فأبصر نَديمك واحْمِ حريمك وأعِنْ غريمك، واعلم أنّ الظّمأ القامح خير من الرّي الفاضح، وعليك بالقَصْد فإنّ فيه بلاغاً. ثمّ إنّ أباهم النّعمان بن ثَوَاب توفّي، فقال ابنه سعيد وكان جواداً سيّداً: لآخذنّ بوصية أبي ولأبلُوَنَّ إخواني وثقاتي في نفسي، فعمد إلى كبش فذبحه ثمّ وضعه في ناحية خِبائه وغَشَّاه ثوباً ثمّ دعا بعض ثقاته فقال: يا فلان إنّ أخاك مَنْ وفَى لك بعهده وحاطك بِرِفده ونصرك بودّه قال: صدقت فهل حدث أمر؟ قال: نعم إنّي قتلت فلاناً وهو الذي تراه في ناحية الخِباء ولا بدّ من التّعاون هليه حتّى يُوَارَى فما عندك؟ قال: يا لَهَا سَوْأة وقعتَ فيها قال: فإنّي أريد أن تعينني عليه حتى أغيبه قال: لستُ لك في هذا بصاحب، فتركه وخرج فبعث إلى آخر من ثقاته فأخبره بذلك وسأله مَعُونته فردّ عليه مثل ذلك، حتى بعث إلى عَدَد منهم كلهم يردّ عليه مثل جواب الأوّل. ثمّ بعث إلى رجل من إخوانه يقال له خُزَيم بن نَوْفل فلمّا أتاه قال له: يا خُزَيم مالي عندك؟ قال: ما يسرّك وما ذاك؟ قال: إنّي قتلت فلاناً وهو الذي تراه مُسَجًّى قال: أيْسَرُ خَطْبٍ فتريد ماذا؟ قال: أريد أن تعينني حتى أغيبه قال: هان ما فَزِعْتَ فيه إلى أخيك وغلامٌ لسعيد قائم معهما فقال له خزيم: هل اطّلع على هذا الأمر أحدٌ غير غلامك هذا؟ قال: لا. قال: انظر ما تقول. قال: ما قلت إلاّ حقّاً. فأهْوَى خزيم إلى غلامه فضربه بالسّيف فقتله، وقال: ليس عبدٌ بأخٍ لك، فأرسلها مثلاً. وارتاع سعيد وفزع لقتل غلامه فقال: ويحك ما صنعت؟ وجعل يلومه فقال خزيم: إنّ أخاك من آساك فأرسلها مثلاً قال سعيد: فإنّي أردْتُ تجربتك ثمّ كشف له عن الكَبْش وخبره بما لقي من إخوانه وثقاته وما ردّوا عليه فقال خزيم: سَبَقَ السّيفُ العَذَلَ فذهبت مثلاً. إيَّاكَ وَصَحْرَاءَ الإِهالَةِ أصل هذا أنّ كِسْرَى أغْزَى جيشاً إلى قبيلة إياد، وجعل معهم لَقِيطاً الإياديّ لِيَدُلَّهمُ، فَتَوَّهَ بهم لقيط في صحراء الإهالة، فهلكوا جميعاً فقيل في التّحذير " إيّاك وصَحْرَاء الإهالة ". تَمَرَّدَ مارِدٌ وَعَزَّ الأْبَلُق مارد: حِصْن دُومَة الْجَنْدل، والأبلق: حصن للسّموءل بن عَادِيا. قيل: وصف بالأبلَق لأنّه بُني من حجارة مختلفة الألوان بأرض تَيْماء، وهما حصنان قصدتهما الزّباء ملكة الجزيرة فلم تقدر عليهما، فقالت: تمرَّدَ ماردٌ وعَزَّ الأبلق. فصار مثلاً لكلّ ما يعزّ ويمتنع على طالبه. أبْلَغُ مِنْ قُسٍّ هو قُسُّ بن ساعدة بن حُذَافة بن زُهَير بن إياد بن نِزَار الإياديّ، وكان من حكماء العرب وأَعْقَلَ من سُمِع به منهم، وهو أوّل من كَتَب "من فلان إلى فلان" وأوّل من أَقَرَّ بالبعث من غير علم، وأوّل من قال: " أما بعد "، وأوّل من قال " البيّنة على مَنْ ادَّعَى واليمينُ عَلَى من أنكر ". وقد عُمِّر مائةً وثمانين سنة؛ قال الأعشى: وَأَبْلَغُ من قُسِّ وأَجْرَى مِنَ الذي بِذِي الغيل مِنْ خفَّانَ أَصْبَحَ خَادِرَا وأخبر عامر بن شَرَاحيل الشّعبيُّ عن عبد الله بن عباس أن وَفْدَ بكر بن وائل قَدِمُوا على رسول الله (ص) فلما فَرَغ من حوائجهم قال: هل فيكم أحد يعرف قُسَّ بن ساعدة الإياديّ؟ قالوا: كلنا نعرفه. قال: فما فَعَلَ؟ قالوا: هلَكَ فقال رسول الله (ص): كأنّي به على جَمَل أحمر بعُكَاظ قائماً يقول: أيّها النّاس! اجْتَمِعُوا واسْتَمِعُوا وَعُوا: كلّ مَنْ عاش مات، وكلّ مَنْ مات فَاتَ، وكلّ ما هو آتٍ آت. إنّ في السّماء لَخَبراً، وإنّ في الأرض لَعِبَراً مِهَاد مَوْضُوع وَسَقْف مَرْفوع وبِحار تَمْوج وتجارة تَرُوج ولَيْل دَاجٍ وسماء ذاتُ أَبْرَاجٍ، أَقْسَمَ قُسٌّ حقّاً لئن كان في الأرض رِضاً ليكونَنَّ بعده سخط وإنّ للّه عَزَّتْ قُدْرته دِيناً هو أَحَبُّ إليه من دينكم الذي أنتم عليه ما لي أرى النّاس يذهبون فلا يرجعون ؟ أَرَضُوا فأقاموا أو تُرِكُوا فناموا؟ بَقِيَ أَشَدُّهُ ويروى "بقى شدُه" قيل: كان من شأن هذا الـمثل أنّه كان في الزّمان الأوّل هِرٌّ أَفْنَى الجِرْذَانَ وشَرَّدها. فاجتمع ما بقي منها فقالت: هل من حيلة نحتال بها لهذا الهرّ، لعلّنا ننجو منه؟ فاجتمع رأيُهَا على أن تعلّق في رقبته جُلْجُلاً إذا تحرَّك لها سمعن صوت الجُلْجُل فأخَذْنَ حَذَرهنّ. فجئن بالجُلْجُل، فقال بعضهن: أيّنا يُعَلِّق الآن فقال الآخر: بقي أشَدُه أو قال شَدُّه. يضرب عند الأمر يبقى أصعبه وأهوله. وهذا ممّا تمثّل به العرب عن ألسُنِ البهائم. بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ هذا من قول طَرَفة بن العبد حين أمَر النّعمان بقتله فقال: أبا مُنْذِر أفْنَيْتَ فاسْتَبْقِ بَعْضَنَا حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشّرِّ أهْوَنُ من بَعْضِ يضرب عند ظهور الشّرّين بينهما تفاوت. وهذا كقولهم "إنَّ من الشّرّ خِيارا". بَيْنَهُمْ عِطْرُ مَنْشِمَ قال الأصمعي: مَنْشِم - بكسر الشّين - اسمُ امرأةٍ عطَّارة كانت بمكّة، وكانت قبيلتا خُزَاعة وجُرْهم إذا أرادوا القتالَ تطيَّبُوا من طيبها، وإذا فعلوا ذلك كثر القتلى فيما بينهم، فكان يقال: أشْأَمُ مِنْ عِطْرِ مَنْشِمَ . يضرب في الشّر العظيم.
آخر تعديل المعارف يوم
06-04-2011 في 12:27 AM.
|
|
|
|