#1
|
|||||||||
|
|||||||||
أحاديث اليقين بولادة الإمام المهدي (عج)
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته.
كثيرة هي الدلالات التي تثبت ولادة وولاية وغيبة الإمام المهدي(عج) من خلال القران والأحاديث النبوية الشريفة والمتواتر من اقوال الائمة الاطهار بهذا الشأن وكذلك ما منقول ومسلّم به بين طوائف المسلمين في كتبهم المعتبرة. والاحاديث المتواترة المسلّم بها بين الإمامية وغيرهم، والتي تدلّ على ولادة الإمام المهدي من دون ان ترد في خصوص الإمام وعنوانه، واضحة وكثيرة،ونالت المصداقية في هذا المجال من خلال عدة عوامل: العامل الاول: احاديث الدلالة الالتزامية الحديث الاول: حديث الثقْلين، الذي هو حديث متواتر بين الإمامية وابناء العامة، قاله النبي (ص) في مواطن متعددة: في حجة الوداع بحجرته المباركة، في مرضه، فإذا رأينا اختلافاً في بعض الفاظ الحديث فهو ناشيء من اختلاف مواطن تعدد ذكر النبي (ص) لهذا الحديث: اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي اهل بيتي، احدهما اكبر من الاخر، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض(1). (ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)، يعني ان الكتاب مع العترة، من البداية، ومنذ زمن النبي (ص) الى ان يردا عليه الحوض. وهذا يدلّ على ان العترة الطاهرة مستمرة مع الكتاب الكريم، وهذا الاستمرار لا يمكن توجيهه إلا بافتراض ان الامام المهدي (ع) قد ولد ولكنه غائب عن الاعين، اذ لو لم يكن مولوداً وسوف يولد في المستقبل لافترق الكتاب عن العترة الطاهرة، وهذا تكذيب ـ استغفر الله ـ للنبي، فهو يقول(ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض) هذا لازمه ان العترة لها استمرار وبقاء مع الكتاب الى ان يردا على النبي (ص)، وهذا لا يمكن توجيهه إلا بما هو واضح: ان الامام المهدي قد ولد ولكنه غائب، وإلا يلزم الاخبار على خلاف الواقع. وهذا حديث واضح الدلالة، يدل على ولادة الامام (ع)، لكن هذا الحديث لم يرد ابتداءاً في الامام المهدي، وإنما هو منصب على قضية ثانية: (وإنهما لن يفترقا)، ونحن نستفيد منه في ولادة الامام بالدلالة الالتزامية. وقد يقول قائل: لنفترض ان الامام (ع) لم يولد، ولكن في عقيدة الرجعة التي ستقع في المستقبل يرجع الامام العسكري (ع) ، ويتولد آنذاك الامام المهدي (ع)، ان هذه فريضة ممكنة وعلى أساسها يتم التلائم بين صدق الحديث وافتراض عدم ولادة الامام (ع). وجوابنا: ان لازم هذه الفريضة تحقق الافتراق بين العترة الطاهرة والكتاب الكريم في الفترة السابقة على فترة الرجعة، ففي هذه الفترة لا وجود للامام المهدي (ع) ولا وجود للعترة وقد تحقق فيها افتراق الكتاب الكريم عن العترة الطاهرة. الحديث الثاني: حديث الاثني عشر، وهذا ايضاً حديث مسلّم بين الفريقين، يرويه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق اهل السنة، ومن طرقنا ايضاً قد رواه غير واحد كالشيخ الصدوق مثلاً في كمال الدين والحديث منقول عن جابر بن سمرة يقول: دخلت مع ابي على النبي (ص) فسمعته يقول: إن هذا لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، ثم تكلّم بكلام خفي عليّ، فقلت لأبي ما قال؟ قال: كلّهم من قريش(1). وهذا الحديث من المسلّمات ايضاً، وليس له تطبيق معقول ومقبول إلاّ الائمة الاثني عشر(ع). وجاء البعض وحاول تطبيقه على الخلفاء الراشدين واثنين او ثلاثة من بني اميّة واثنين او ثلاثة من بني العباس. ان هذا تطبيق غير مقبول، وكل شخص يلاحظ هذا الحديث يجده إخباراً غيبي من النبي (ص) عن قضية ليس لها مصداق وجيه ومقبول سوى الائمة صلوات الله عليهم الاثني عشر. وهذا الحديث بالملازمة يدل على ولادة الامام المهدي(ع)، إذ لو لم يكن مولوداً الان، والمفروض ان الامام العسكري توفي، ولم يحتمل احد انه موجود، اذن كيف يولد الامام المهدي من أب هو متوفى. فلابد وان نفترض انّ ولادة الامام (عليه السلام) قد تحقّقت، وإلا هذا الحديث يعود تطبيقه غير وجيه فهذا الحديث بالدلالة الالتزامية يدل على ولادة الامام صلوات الله وسلامه عليه. الحديث الثالث: حديث ايضاً مسلّم سنداً بين الفريقين، وهو قوله (ص): من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة»(1)، هذا أيضاً يرويه اهل السنة، ويرويه الشيخ الكليني في الكافي، فهو مسلّم عند السنّة والشيعة. فإذا لم يكن الامام المهدي (ع) مولوداً الان، فهذا معناه نحن لا نعرف إمام زماننا، فميتتنا ميتة جاهلية. فالحديث يدل على أن كل زمان لابد فيه من إمام، وكل شخص مكلّف بمعرفة ذلك الامام ومكلّف بأن لا يموت ميتة جاهلية، فلو لم يكن الامام مولوداً اذن كيف نعرف إمام زماننا؟. هذه احاديث ثلاثة، وان لم تكن منصبّة على الامام المهدي صلوات الله عليه مباشرة، ولكنها بالدلالة الالتزامية تدل على ان الامام سلام الله عليه قد ولد وتحققت ولادته. العامل الثاني إخبار النبي والائمة صلوات الله عليهم بأنه سوف يولد للامام العسكري ولد يملا الارض قسطاً وعدلاً ويغيب، ويلزم على كلّ مسلم أن يؤمن بذلك. هذه الاحاديث كثيرة، فالشيخ الصدوق في كمال الدين جعلها في أبواب: - باب ما روي عن النبي في الإمام المهدي، ذكر فيه خمسة وأربعين حديثاً. - باب ما روي عن أمير المؤمنين (ع) في الامام المهدي. - باب عن الزهراء (ع) وما ورد عنها في الامام المهدي (ع) ذكر فيه أربعة أحاديث. - عن الامام الحسن (ع)، ذكر فيه حديثين. - عن الامام الحسين (ع)، ذكر فيه خمسة أحاديث. - عن الامام السجاد (ع)، ذكر فيه تسعة أحاديث. - عن الامام الباقر (ع)، ذكر فيه سبعة عشر حديثاً. - عن الامام الصادق (ع)، ذكر فيه سبعة وخمسين حديثاً. وقد جمعتُ الاحاديث فكانت مائة وثلاثة وتسعين حديثاً. هذا فقط ما يرويه الشيخ الصدوق في الاكمال(1)، ولا أريد أن أضمّ ما ذكره الكليني في الكافي، والشيخ الطوسي، وغيرهما(2)، وربما آنذاك يفوق العدد الالف رواية. وتبرّكاً وتيمّناً أذكر حديثاً واحداً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحديثين عن الامام الصادق سلام الله عليه. أمّا عن النبي (ص): فهو ما رواه ابن عباس قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «... ألا وإنّ الله تبارك وتعالى جعلني وإيّاهم حججاً على عباده، وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري، ويحفظون وصيّتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، يظهر بعد غيبة طويلة...» إلى آخر الحديث(3) . وبهذا المضمون أو قريب منه أحاديث كثيرة، وبعض الاحاديث تذكر أسماء الائمة صلوات الله عليهم. وأمّا عن الامام الصادق (عليه السلام): فهو ما رواه محمد بن مسلم بسند صحيح متفق عليه قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها»(1). وحديث آخر عن زرارة يقول: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول: «إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته»(2). فمسألة التشكيك في الولادة أخبر بها الامام الصادق (عليه السلام) من ذلك الزمان، فكان أوّل من شكك في الولادة جعفر عمّ الامام المهدي (عليه السلام)، لعدم اطلاعه على الولادة، ووجود تعتيم إعلامي قوي على مسألة ولادة الامام المهدي (عليه السلام)، نتيجة الظروف الحرجة المحيطة بالامامة في تلك الفترة، حتى أنّه لم يجز الائمة التصريح باسم الامام المهدي، فجعفر ما كان مطّلعاً على أنّ الامام العسكري (عليه السلام) له ولد باسم الامام المهدي، لذلك فوجئ بالقضية وأنكر أو شكّك في الولادة، فهو اوّل من شكك. ثم تلاه في التشكيك ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والاهواء والنحل، شكّك في مسألة الولادة فقال: وتقول طائفة منهم ـ أي من الشيعة ـ أنّ مولد هذا يعني الامام المهدي الذي لم يخلق قط في سنة ستين ومائتين، سنة موت أبيه(1). وتبعه على ذلك محمد اسعاف النشاشيبي في كتابه الاسلام الصحيح، يقول: ولم يعقب الحسن ـ يعني العسكري سلام الله عليه ـ ذكراً ولا أنثى(2). وعلى أي حال فان مسألة التشكيك في الولادة أخبر بها الامام الصادق (عليه السلام)، وكانت موجودة من تلك الفترة، فالامام يقول لزرارة: هو المنتظر وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول أنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين...، إلى أن يقول الامام: يا زرارة إذا أدركت ذلك الزمان فادعوا بهذا الدعاء: «اللّهم عرّفني نفسك فانّك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللّهم عرّفني رسولك فانّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف جحتك، اللّهم عرّفني حجتك فانّك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني(3). واقعاً الانسان والعياذ بالله فجأةً يضلّ عن الدين من حيث لا يشعر، فالدعاء بهذا ضروري للبقاء بالتمسّك بهذا المذهب الصحيح: اللّهم عرّفني حجتك فانّك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني. ومن الاشياء التي لا تنبغي الغفلة عنها الادعية المعروفة عن أهل البيت صلوات الله عليهم، ومنها هذا الدعاء: اللّهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كلّ ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً(1). ومن الطبيعي أنّ الائمة صلوات الله عليهم يذكرون هذا الدعاء ليعلّموا شيعتهم، ومِنْ تعبيرهم بالحجة فقط يعلم مدى حالة الكتمان والتكتم، حتى أنّ الوارد في الدعاء المتقدم، اللّهم كن لوليك فلان ابن فلان، كتماناً للاسم المبارك. هذه جملة من الاحاديث، وهي بهذا الصدد كثيرة، رواها الكليني في الكافي والشيخ في الغيبة وغيرهما، وهي تشكّل في الحقيقة مئات الاحاديث في هذا المجال . وبعد هذه الكثرة فهي من حيث السند متواترة لا معنى للمناقشة فيها، وهي واضحة غير قابلة للاجتهاد، وإلاّ لكان ذلك اجتهاداً في مقابل النص. العامل الثالث رؤية بعض الشيعة للامام المهدي (عليه السلام)، كما حدّثت به مجموعة من الروايات الاخرى، وهذه الروايات التي سأذكرها هي غير الروايات التي ذكرها الشيخ الصدوق في كمال الدين. فرغم التعتيم الاعلامي بالنسبة الى اسم الامام وولادته (عليه السلام)الذي قام به الائمة (عليهم السلام) ، فان السلطة اطلعت من خلال إخبار النبي وأهل البيت أنّه سوف يولد شخص من ذرّية الامام العسكري يملا الارض قسطاً وعدلاً وتزول على يده المباركة السلطات الظالمة، انهم كانوا مطلعين ويراقبون الاوضاع، كما اطلع فرعون على مثل هذه القضية وكان يراقب الاوضاع ويراقب النساء ويراقب القوابل، ونفس القضية اتبعها بنو العباس في زمان المعتمد العباسي، فكانوا يراقبون الاوضاع، ولذلك كانت القضيّة تعيش كتماناً شديداً من هذه الناحية. حتى أنّ الامام الهادي سلام الله عليه يروي عنه الثقة الجليل أبو القاسم الجعفري داود بن القاسم الرجل العظيم الثقة الجليل ويقول: سمعت أبا الحسن ـ يعني الامام الهادي (عليه السلام) ـ يقول: الخلف من بعدي الحسن ابني، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ فقال:إنّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه، فقلت: فكيف نذكره؟ قال: قولوا الحجة من آل محمّد(1). وعلى اي حال، رغم هذا التعتيم الاعلامي الذي حاول الائمة(عليهم السلام)أن يقوموا به رأى الامام المهدي (عليه السلام)جماعة من الشيعة. وهذا السند في غاية الصحة والوثاقة، فالشيخ الكليني معروف إذا حدّث هو مباشرة بكلام يحصل من نقله اليقين، ومحمد بن عبد الله هو محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري من الثقات الاجلّة الاعاظم، ومحمّد بن يحيى العطار هو استاذ الشيخ الكليني من الاعاظم الاجلّة، فاثنان من أعاظم مشايخ الكليني الكبار ينقل عنهم، وعبد الله بن جعفر الحميري معروف بالوثاقة والجلالة. يقول عبد الله بن جعفر الحميري: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو(2) (رحمه الله)عند احمد بن اسحاق(3)، فغمزني أحمد بن اسحاق أن أساله عن الخلف، فقلت له: يا ابا عمرو إني أريد أن أسالك عن شيء وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإنّ اعتقادي وديني أنّ الارض لا تخلو من حجّة، .... ولكن أحببت أن أزداد يقيناً، فانّ إبراهيم (عليه السلام) سأل ربه عزوجل أن يريه كيف يحيي الموتى فقال: أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئنّ قلبي، وقد أخبرني أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن ـ يعني عن الامام الهادي (عليه السلام) ـ قال: سألته وقلت: من أعامل؟ وعمّن آخذ وقول من أقبل؟ فقال: العمري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون، وأخبرني أبو علي أنّه سأل ابا محمّد (عليه السلام) ـ يعني الامام العسكري (عليه السلام) ـ عن مثل ذلك؟ فقال: العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك فعنّي يؤدّيان وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك، قال: فخرّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال: سل حاجتك، فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد؟ ـ يعني من بعد العسكري ـ فقال: إي والله.... فقلت له: فبقيت واحدة، فقال لي: هات، قلت: الاسم؟ قال: محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، وليس لي أن أحلّل ولا أحرم، ولكن عنه (عليه السلام)، فإنّ الامر عند السلطان أنّ أبا محمد مضى ولم يخلّف ولداً وقسّم ميراثه... فاتقوا الله وامسكوا عن ذلك(1). فهل هذه الرواية قابلة للاجتهاد من حيث الدلالة؟ انها من حيث الدلالة صريحة، ويتمسّك بها الاصوليّون في مسألة حجيّة خبر الثقة، وقد ذكر السيد الشهيد الصدر في أبحاثه أنّ هذه الرواية لوحدها تفيدنا اليقين ـ وقد ذكر ذلك لا بمناسبة الامام المهدي، بل بمناسبة حجية خبر الثقة ـ اذ هناك إشكال يقول ان هذه الرواية هي خبر واحد فكيف نستدل بها على حجيّة خبر الواحد؟ ما هذا إلاّ دور في هذا المجال، وكان السيد الشهيد يريد أن يثبت أنّ هذه الرواية تفيد اليقين، لانّ الشيخ الكليني كلّما ينقل ويقول: أخبرني، فلا نشك في اخباره ، والذي أخبره هو محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى العطار، وهما من أعاظم الشيعة لا نحتمل في حقّهم أنّهم كذبوا أو أخطأوا ويحصل القطع من نقلهما، وهما ينقلان عن عبد الله بن جعفر الحميري الذي هو من الاعاظم، وهو ينقل مباشرةً عن السفير الاول للامام سلام الله عليه، والسفير يقول: أنا رأيت الخلف بعيني. فهذه الرواية لوحدها يمكن أن يحصل منها اليقين، وهي واضحة في الدلالة على أنّه قد رئي الامام صلوات الله وسلامه عليه. وهناك رواية أخرى تنقل قصة حكيمة بنت الامام الجواد سلام الله عليه، وهذه القصة مشهورة، ولكن لا بأس أن أشير إلى بعض مقاطعها، وهي مذكورة في كتاب كمال الدين وغيره . تنقل حكيمة: بعث إليّ أبو محمد سلام الله عليه سنة خمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان وقال: يا عمّة اجعلي الليلة إفطارك عندي فإنّ الله عزوجل سيسرّك بوليّه وحجّته على خلقه خليفتي من بعدي، قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد وأخذت ثيابي عليّ وخرجت من ساعتي حتى انتهيت إلى أبي محمد (عليه السلام) وهو جالس في صحن داره وجواريه حوله، فقلت: جعلت فداك يا سيدي الخلف ممّن هو؟ قال: من سوسن ـ في بعض الروايات سوسن، وفي بعضها نرجس، وفي بعضها شيء آخر ـ وقلت أنّ هذه الاختلافات لا يمكن أن يتشبّث بها شخص ويقول هذه الروايات مردودة لانّها مختلفة، فان هذا ليس له أثر ـ فأدرتُ طرفي فيهنّ فلم أرَ جارية عليها أثر غير سوسن، قالت حكيمة: فلمّا صلّيت المغرب والعشاء أتيت بالمائدة فأفطرت أنا وسوسن وبايتّها في بيت واحد، فغفوت غفوة ثم استيقظت، فلم أزل مفكرة فيما وعدني أبو محمد من أمر ولي الله، فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كلّ ليلة للصلاة، فصلّيت صلاة الليل حتى بلغت الى الوتر، فوثبت سوسن فزعة وخرجت فزعة واسبغت الوضوء، ثم عادت ـ يعني امّ الامام المهدي (عليه السلام) ـ فصلّت صلاة الليل وبلغت الوتر، فوقع في قلبي أنّ الفجر قد قرب، فقمت لانظر فإذا بالفجر الاول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد (عليه السلام)فناداني من حجرته: «لا تشكّي وكأنّك بالامر الساعة»، قالت حكيمة: فاستحييت من أبي محمد وممّا وقع في قلبي ورجعت إلى البيت خجلة، فإذا هي قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة، فلقيتها على باب البيت فقلت: بأبي أنت وأمي هل تحسّين شيئاً؟ قالت: نعم يا عمّة إنّي لاجد أمراً شديداً، قلت: لا خوف عليك إن شاء الله، وأخذت وسادة فألقيتها في وسط البيت وأجلستها عليها وجلست منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة، فقبضت على كفي وغمزت غمزةً شديدة ثم أنّت أنّة وتشهّدت ونظرت تحتها فإذا أنا بولي الله صلوات الله عليه متلقّياً الارض بمساجده(1). ونقل الشيخ الطوسي أيضاً في الغيبة حديثاً ظريفاً فقال: جاء أربعون رجلاً من وجهاء الشيعة اجتمعوا في دار الامام العسكري ليسألوه عن الحجة من بعده، وقام عثمان بن سعيد العمري فقال: يابن رسول الله أريد أن أسالك عن أمر أنت أعلم به منّي، فقال له: إجلس يا عثمان، فقام مغضباً ليخرج، فقال: لا يخرجنّ أحد، فلم يخرج منّا أحد، إلى أن كان بعد ساعة فصاح (عليه السلام) بعثمان فقام على قدميه فقال: أخبركم بما جئتم؟ قالوا: نعم يا بن رسول الله، قال: جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي؟ قالوا: نعم، فاذا غلام كأنّه قطعة قمر أشبه الناس بأبي محمد، فقال: هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وانّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتمّ له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا الى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والامر إليه»(2). العامل الرابع وضوح فكرة ولادة الامام المهدي (عليه السلام) بين الشيعة، فالذي يقرأ التاريخ ويقرأ الروايات يفهم أنّ الشيعة من الزمان الاول كانوا يتداولون فكرة الامام المهدي وأنّه يغيب، وكانت قضية واضحة فيما بينهم، ولذلك نرى أنّ الناووسية ادعت أنّ الامام الغائب هو الامام الصادق (عليه السلام)، ولكن بعد وفاة الامام الصادق اتضح بطلان هذه العقيدة، والواقفيّة ادعوا أنّ الامام المهدي الذي يبقى هو الامام موسى بن جعفر سلام الله عليه، والفت النظر الى ان هذا لا ينبغي سبباً لتضعيف فكرة الامام المهدي، بل بالعكس، هذا عامل للتقوية، لانّ هذا يدل على أنّ هذه الفكرة كانت فكرة واضحة بين الاوساط، ولذلك ينسبون إلى بعض الائمة نسبة غير صحيحة وان هذا هو الامام المهدي أو ذاك. وإذا راجعنا كتاب الغيبة للشيخ الطوسي نجده يذكر بعنوان الوكلاء المذمومين عدّة، منهم: محمد بن نصير النميري، أحمد بن هلال الكرخي، محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني، وغير ذلك إلى عشرة أو أكثر من الذين أدعوا الوكالة والسفارة عن الامام كذباً وزوراً وخرجت عليهم اللعنة وتبّرأ منهم الشيعة. وهذا العامل أيضاً لا يكون سبباً لتضعيف فكرة الامام المهدي وولادته وغيبته، بل هذا في الحقيقة عامل للتقوية، اذ يدلّ على أنّ هذه الفكرة كانت واضحة وثابتة، لذلك ادعى هؤلاء الوكالة كذباً وزوراً، وخرجت البراءة واللعنة في حقهم. إذن هذا العامل الرابع من عوامل حصول اليقين بفكرة الامام المهدي (عليه السلام). العامل الخامس ان قضية السفراء الاربعة وخروج التوقيعات بواسطتهم قضيته واضحة في تاريخ الشيعة، ولم يشكك فيها أحد من زمان الكليني الذي عاصر سفراء الغيبة الصغرى ووالد الشيخ الصدوق علي بن الحسين والى يومنا، انه لم يشكك أحد من الشيعة في جلالة هؤلاء السفراء ولم يحتمل كذبهم، وهم أربعة : الاول: عثمان بن سعيد أبو عمرو، الذي قرأنا الرواية المتقدمة عنه، وكان عثمان بن سعيد السمّان يبيع السمن في الزقاق، وكانت الشيعة توصل له الكتب والاموال فيضعها في الزقاق، حتى يخفي القضية ثم يوصلها الى الامام، وكان هذا وكيلاً عن الامام الهادي وعن الامام العسكري وبعد ذلك عن الامام الحجة صلوات الله عليهم. الثاني: محمد بن عثمان بن سعيد. الثالث: الحسين بن روح. الرابع: علي بن محمد السمري. هؤلاء أربعة سفراء أجلّة، خرجت على أيديهم توقيعات ـ استفتاءات ـ كثيرة، نجد جملة منها في كمال الدين، وفي كتاب الغيبة، وكتب أخرى. ان هذه السفارة والسفراء الذين ما يحتمل في حقّهم الكذب، وخروج هذه التوقيعات الكثيرة بواسطتهم هو نفسه قرينة قويّة على صحة هذه الفكرة، أي: فكرة ولادة الامام المهدي، وعلى أنّه غائب صلوات الله وسلامه عليه. العامل السادس تصرّف السلطة، فان تاريخ الاماميّة وغيرهم ينقل أنّ المعتمد العباسي بمجرّد أن وصل إلى سمعه أنّه ولد للامام مولود أرسل شرطته إلى دار الامام وأخذوا جميع نساء الامام واعتقلوهنّ حتى يلاحظوا الولادة ممّن؟ طبيعي بعض التاريخ ينقل أنّ القضية كلها كانت بإرشاد جعفر عمّ الامام المهدي، وهذا غير مهمّ، فان نفس تصرّف السلطة قرينة واضحة على أنّ مسألة الولادة ثابتة، وإلاّ فهذا التصرف لا داعي إليه. العامل السابع ان كلمات المؤرّخين وأصحاب التاريخ والنسب من غير الشيعة واضحة في ولادة الامام المهدي، منهم: ابن خلكان قال: أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري، ثاني عشر الائمة الاثني عشر على اعتقاد الامامية، المعروف بالحجة، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين(1). والذهبي قال: وأما ابنه محمد بن الحسن الذي تدعوه الرافضة القائم الخلف الحجة، فولد سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة ست وخمسين(2). وابن حجر الهيتمي قال: ولم يخلّف ـ يعني الامام العسكري ـ غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين(1). وخير الدين الزركلي قال: ولد في سامراء، ومات أبوه وله من العمر خمس سنين(2) . العامل الثامن تباني الشيعة واتفاقهم من زمان الكليني ووالد الشيخ الصدوق وإلى يومنا هذا على فكرة الامام المهدي (عليه السلام) وغيبته، وفي كل طبقات الشيعة لم نجد من شكك في ولادة الامام وفي غيبته، وهذا من أصول الشيعة وأصول مذهبهم. حساب الاحتمال واخيرا فنحن إما ان نسلّم بكثرة الاخبار وتواترها ووضوح دلالتها على الغيبة، ومعه فلا يمكن لأحد ان يجتهد في مقابلها ، لانه اجتهاد في مقابل النص. أو لا نسلّم التواتر، ولكن بضميمة سائر العوامل الى هذه الاخبار ـ التي منها: تباني الشيعة، وكلمات المؤرخين، ووضوح فكرة الامام المهدي وولادته بين طبقات الشيعة من ذلك التاريخ السابق، وتصّرف السلطة، ومسألة السفارة والتوقيعات، وغير ذلك من العوامل ـ يحصل اليقين بحقانية القضية. إذن نحن بين أمرين: اما التواتر، على تقدير التسليم بكثرة الاخبار وتواترها. او اليقين، من خلال ضم القرائن على طريقة حساب الاحتمال. ونسأل الله عزّوجل بحق محمد وآل محمد ان يهدينا الصراط المستقيم. .................................................. ............ المصادر/ 1- الإكمال-الشيخ الصدوق 2- كمال الدين: 256 ـ 384 3- الكافي 1: 328 ـ 335، والغيبة للطوسي: 157، البحار 51: 65 ـ 162 اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|
|
|
|