#1
|
|||||||||
|
|||||||||
فتى بني هاشم؛ علي الأكبر عليه السلام .. حينما تجتمع كل الفضائل.. في رجل
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته استرجع الإمام الحسين عليه السلام وهو ينهض من النوم بعد ان أخذته في الطريق سنة من النعاس، لا حظ علي الأكبر هذا التغير المفاجئ الذي ظهر على وجه أبيه فسارع نحوه مستفسرا عن سبب حزنه، فأجاب ابو عبد الله محاولا تذكر الرؤيا الغريبة التي رآها: رأيت فارسا وقف علي وهو يقول: انتم تسيرون والمنايا تسرع بكم إلى الجنة، فعلمت ان أنفسنا قد نعيت إلينا.. أجاب علي الأكبر في صرامة المؤمن ويقينه: - يا أبت أولسنا على الحق؟ - بلى يا بني والذي اليه مرجع العباد.. اجاب الإبن وهو يلوح بسيفه من على فرسه: - فإننا اذن لا نبالي ان نموت محقين.. ربت الإمام الحسين عليه السلام على كتف ولده شبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول مبتسما: - جزاك الله يا بني عني خير ما جزى به ولدا عن والده.. وما ان حط الركب الحسيني رحاله في أرض كربلاء حتى سارع علي الأكبر إلى الدفاع والذود عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فرابط مع جماعة من الأصحاب رضوان الله عليهم في بطحاء كربلاء. العطش.. والبيعة! كانت كتائب الجيش اليزيدي تتكاثر يوما بعد يوم قبالة المعسكر الحسيني إلى جانب شط الفرات حيث كانوا يقبضون بيد من حديد على شريعة الماء، اما الحسين عليه السلام وأصحابه فقد اضطر إلى ان يحط رحاله في أرض جرداء حيث لا ماء ولا كلأ بعد ان اجبرته كتائب الجيش اليزيدي على ان يعسكر في هذه المنطقة كأسلوب دنيء منهم لإجباره وأصحاب وأهل بيته من خلال العطش على الركوع والخضوع والاذعان لمطالب يزيد المتمثلة في اعلان البيعة له. كان علي الأكبر ينتظر على أحر من الجمر صدور الأوامر من أبيه أبي عبد الله الحسين عليه السلام وقد ملأ الحماس جنبات نفسه، وإمتلأ عزما وإصرارا على ان يدافع عن دين جده صلى الله عليه وآله وسلم حتى النفس الأخير، رغم ان أبا عبد الله عليه السلام كان يكره نزوله إلى ساحة القتال لشبهه الشديد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولأنه كان الوحيد الذي اذا اشتاق الحسين عليه السلام وأهل بيته إلى رؤية النبي صلى الله عليه وآله نظروا اليه، وتأملوا شمائله ولمحاته. الأيام تتوالى انضم علي الأكبر إلى كتيبة الهاشميين بقيادة ساقي عاطشى كربلاء، وحامل لواء الحسين، أبي الفضل العباس، عليهم السلام، كانت أيام محرم الأولى تتوالى، تترى، وكان الهاشميون وأصحاب الإمام الحسين عليهم السلام ينتظرون بفارغ الصبر يوم حلول المنازلة الكبرى، حتى اذا حل اليوم العاشر من محمر وقف الهاشميون بقيادة أبي الفضل العباس عليه السلام في طرف، والأصحاب رضوان الله عليهم تحت لواء المجاهد حبيب بن مظاهر الأسدي في طرف آخر.. وهنا حدثت بين الفريقين مناقشة كلامية سجلها التاريخ بأحرف من نور، لقد كانوا يتسابقون إلى الموت والتضحية والفداء؛ الهاشميون وفي مقدمتهم علي الأكبر يصرون على ان يكونوا هم أول النازلين إلى الميدان لأنهم يمثلون معدن الرسالة، ومحط النبوة، ولذلك فإنهم أولى يمن غيرهم بتحمل اعباء هذه الرسالة، والتضحية يفي سبيلها. اما الأنصار فقد رفضوا اقتراح الهاشميين رفضا قاطعا، فهم الأنصار، وهم المكلفون بالدفاع عن قادتهم وسادتهم من أهل بيت النبوة عليهم السلام، ترى ماذا سيجيبون رسول الله صلى الله عليه وآله يوم القيامة عندما يسألهم كيف خلفوهم في أهل بيته؟، كلا.. فليكونوا هم أول الداخلين في ميدان الجهاد لينالوا بذلك شرف الدفاع عن أهل البيت عليهم السلام. لم ير الفريقان بدا من الاحتكام إلى أبي عبد الله، وعندما رأى هذا العزم الحديدي، والإصرار الذي لا يلين من قبل الأصحاب نزل عند رغبتهم في ان تكون لهم الأولوية في القتال، في حين رضخ علي الأكبر للأمر الواقع، وظل ممتطيا صهوة جواده يرقب في تلهف وشوق ما يسطره الأنصار من ملاحم البطولة والفداء ضد جيش الإنحراف والخيانة. السابق إلى الجهاد دارت حرب غير متكافئة بين أصحاب الإمام الحسين عليه السلام وبين ما يليهم من عسكر يزيد، كان الأصحاب خلالها يتساقطون الواحد تلو الآخر بعد ان يثخنوا في العدو، ويصنعوا أروع الملاحم والبطولات، فيما كان علي الأكبر يرقب ساحة الوغى عن كثب وهو يعد الثواني والدقائق لحلول دوره في الدفاع عن حياض دينه وعقيدته. تساقط الأصحاب مضرجين بدمائهم الزكية، فتقدم الهاشميون لحمل الجثث الطاهرة ووضعها في معسكر الإمام الحسين عليه السلام، لقد خلت الآن الساحة الا من الهاشميين من ولد الإمام علي عليه السلام، وجعفر، وعقيل، واجتمعت هذه الثلة الطاهرة يودع أفرادها بعضهم البعض الآخر، وهم يتهيأون للقتال، فيما كان علي الأكبر أسبق الجميع إلى هذا التهيؤ. تقدم بإتجاه والده الحنون أبي عبد الله، فيما ارتفع صراخ النسوة وخصوصا زينب الكبرى سلام الله عليها التي شعرت انها ستفقد عما قريب ذكرى رسول الله. كانت الآلام والأشجان تسيطر على جنبات النفس الكريمة وهي تنظر إلى فلذة كبدها التي ستقطعها عما قريب الوحوش الضارية، ولكن لابد من الفداء والتضحية في سبيل دين الله وان كان ثمنها دفع فلذات الأكباد إلى فم الموت الرهيب. ساد صمت معبر توشح أرجاءه الآهات والأحزان بين الإبن والأب، نظر الأب إلى الإبن نظرات تغلفها الدموع، ثم رمى ببصره إلى الحشود البشرية الهائلة المتراكمة ازاءه، ثم رفع طرفه نحو السماء مؤذنا لولده العزيز بالقتال، وداعيا على هؤلاء القوم المتحفزين لقتل شبيه رسول الله: اللهم أشهد على هؤلاء القوم، فقد برز اليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك محمد صلى الله عليه وآله، وكنا اذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه.. اللهم فأمنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقا، ومزقهم تمزيقا، وأجعلهم طرائق قددا، ولا ترضي الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا. تأمل الوالد وجه ابنه الحبيب الذي أخذ يبتعد عنه شيئا فشيئا، ثم شيعه وهو يتلو قوله -تعالى-: (ان الله اصطفى آدم وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليهم)… وقبل ان يشد علي الأكبر على الكتائب اليزيدية تناهى إلى سمعه صوت كريه يصدر عن رجل من أهل الشام محرض من قبل قادة الجيش اليزيدي، كانت رائحة المساومة، والعروض الدنيوية الرخيصة تفوح منه: ان لك قرابة بأمير المؤمنين يزيد بن معاوية، ونريد ان نرعى هذا الرحم، فإن شئت أمناك! التفت علي بن الحسين إلى مصدر الصوت، ثم رمق صاحبه بنظرات كلها ازدراء واحتقار لهذه انفوس الوضيعة التي تطلب منه ان يخذل أباه الحسين عليه السلام لا لشيء الا لأن رباطة رحم ضعيفة تربطه بالأمويين من خلال والدته في حين ان أعداء الله هؤلاء نسوا ان أباه الحسين (ع)، وجده النبي (ص) وان هذه الرابطة القوية لا يمكن ان تكون بعدها رابطة أقوى واكثر متانة، ولذلك أجابهم علي الأكبر بكل حزم وإصرار قائلا: لقرابة رسول الله أحق ان ترعى من قرابة يزيد بن معاوية.. كان جواب علي الأكبر قاطعا وحازمان بحث انه أخرس به الألسن، والقم الأفواه، فعاد رسول قادة الانحراف والطغيان خجلا يجر اذيال الخزي والفشل، اما علي الأكبر فقد امتشق حاسمه المهند، وانطلق كالسهم باتجاه كتائب الاعداء وهو يرتجز قائلا: انا علي بن الحسين بن علي نحن ورب البيت أولى بالنبي تالله لا يحكم فينا ابن الدعي اضرب بالسيف أحامي عن أبي ضرب غلام هالشمي علوي دناءة الحزب الأموي انقض علي الأكبر كالأسد الهائج، وأخذ يخترق صفوف الأعداء مجند لاكماتهم وأبطالهم رغم العطش الشديد الذي كان يعاني منه حتى قيل انه قد قتل من الاعداء ما يقرب من مائة و عشرين مقاتلا، ولكن العطش اثقل عليه، والتعب والنصب أخذا منه كل مأخذ، فقرر العودة إلى المخيم الحسيني ليستريح قليلا، وكان الوالد الحنون يقف في استقباله في حين بادره علي الأكبر قائلا وهو يريد اظهار دناءة وخبث الحزب الأموي للتاريخ: يا أبه! العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة من الماء سبيل اتقوى بها على الأعداء؟ لم يجد أبو عبد الله جوابا يجيب به ولده الحبيب سوى الدموع وسوى ان يقول داعيا الولده، ومبشرا إياه بالأجر والثواب الجزيل: واغوثاه! ما اسرع الملتقى بجدك فيسقيك بكأسه شربة لا تظما بعدها أبدا.. أحس علي الأكبر ان هذه الجولة ستكون الأخيرة، فانعطف بجواده على والدته المفجوعة به يودعها الوداع الأخير، ثم زحف في الأعداء، وشق صفوفهم كالصاعقة، كان قادة الجيش ينظرون إلى جولات علي الأكبر حتى ظنوا ان جده أمير المؤمنين قد بعث من جديد ليقاتل الأعداء. وكان الغدر والجبن! وإزاء هذه المقاتلة البطولية، والجولات التي لم تستطع تلك الكتائب الصمود أمامها، لم ير الأعداء بدأ من ان يتوسلوا كعادتهم بالغدر والجبن في وضع حد لهذا البطل الذي كان يصب عليهم الموت زؤام اينما تقدم، وهكذا انبرى له أحد المرتزقة اليزيديين ليباغته بضربة حاقدة بالرمح على ظهره، وضربة أخرى بالسيف على رأسه الشريف، أدرك علي الأكبر ان هاتين الضربتين كانتا القاضيتين فصرخ بأعلى صوته مودعا أبا عبد الله الحسين عليه السلام، ومنبئا اياه بمصرعه: يا ابتاه عليك مني السلام.. هذا جدي يقرئك السلام، ويقول لك عجل القدوم الينا.. اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|
|
|
|