#1
|
|||||||||
|
|||||||||
في ذكرى مواليد أقمار شهر شعبان...
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته هذه الذّكريات العطرة لمواليد الإمام الحسين(ع) والعبّاس(ع) والإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(ع)، نلتقي معها بالإطلالة الواسعة على الكون والوجود... تمرّ علينا في هذه الأيّام الذّكرى المباركة لولادة رموزٍ من رموز الإسلام العظيم، شكّل كلّ واحد منها محطّة بارزة، ومفصلاً مهمّاً من تاريخ الإسلام، وقد قدّم كلّ منها نموذجاً رائعاً وخالداً يتعالى فوق حدود الزّمن، ويصلح لكلّ جيل وزمان ومكان، نموذجاً إنسانيّاً وحضاريّاً لا يعرف الحدود والفوارق المذهبيّة والطائفيّة، فقد كانوا في كلّ حركاتهم وسكناتهم وتضحياتهم وعطاءاتهم، لا يبتغون إلا وجه الله، ونصرة دينه، وإعزاز الحقّ، وإذلال الباطل، ورفع مستوى النّاس، وانفتاح وعيهم ومداركهم على أصالة دينهم. هذه الذّكريات العطرة لمواليد الإمام الحسين(ع) والعبّاس(ع) والإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(ع)، نلتقي معها بالإطلالة الواسعة على الكون والوجود، بما فتحوه في صبرهم وجهادهم ومواقفهم وأعمالهم، من آفاق على حياة لا تعرف إلا إعلاء كلمة الله وإزهاق الباطل، بما يمثّل ذلك من صفحات العزّة والكرامة للأمّة جمعاء. ولم يكن مولد الإمام الحسين(ع) إلا ميلاداً لخطّ العزّ والكرامة والإباء والجهاد، لأنه قدّم كلّ ما لديه، من أجل أن تفرح الأمّة بالنّصر العظيم، المتمثّل بدحض كلّ أشكال الباطل والظّلم، فلقد كانت رسالة الإسلام الأصيل ترتفع وتسمو وتصفو مع ولادة الإمام الحسين(ع) من اللّحظة الأولى إلى لحظة استشهاده؛ هذه الشّهادة الّتي كانت درساً لكلّ الأحرار في العالم. إنّ الفرح الحقيقيّ هو الفرح الرّساليّ، عندما نأخذ بروح الإسلام وروح التّشريع، وننطلق به في كلّ ساحات العمل والجهاد. وفي ميلاد الإمام الحسين(ع)، نتعرّف إلى مسيرة تجسيده العمليّ لمعنى الحريّة الّتي تغني كلّ مجالات العمل. وعن مولد الإمام الحسين(ع) وما يعنيه، نقول "نحن نعيش الفرح بالحسين(ع)؛ الفرح الرّساليّ والفرح الرّوحيّ، حتى إنّ دموعنا تبتسم لمواقفه، ومشاعرنا الحزينة تغرّد لفدائه الدّين بروحه، لأنّ الحسين لم يعش حزناً في معنى الذّات، ولكنّه عاش حزناً في معنى الرّسالة، ولذا، يتعيّن علينا أن لا نعيش الفرح في معنى الذّات، ولكن الفرح في معنى الرّسالة؛ الفرح الّذي يستبطن السّرور بالألم، لأنّه في ذات الله، وفي عين الله، ومن أجل دين الله. فإذا أردتم أن تحتفلوا بالحسين(ع) في ذكرى ولادته وشهادته، فاحتفلوا به في معنى فرح الرّسالة، وعندما تفرحون بالرّسالة، سوف تشعرون بأنّ عليكم أن تحضنوها في عقولكم كما حضنها في كيانه كلّه، وأن تنبض بها قلوبكم كما نبض قلبه بها، وأن تتحرّك فيها طاقاتكم كما تحرّك بها. وكانت الولادة الثّانية في شهر شعبان للعبّاس بن عليّ(ع)، الذي مثّل أعلى درجات السموّ الأخلاقيّ والرّوحيّ، وشكّل بكلّ تضحياته ومسيرته الجهادية والسلوكية مثال العبد الصالح، المطيع لربّه، المخلص له كأشدّ وأبلغ ما يكون الإخلاص لله تعالى، صاحب العزيمة والإرادة الصّلبة الّتي لا تنكسر، العارف بالحقّ والعامل من أجل نصرته، الّذي آثر رضوان الله ورحمته على كلّ ما عدا ذلك، فكانت حساباته حسابات الله والآخرة، وهو العالم بسخافة المظاهر الدّنيويّة وزوال آثارها، وبقاء نعيم الله وملكه ورحمته، فجسّد كلّ معاني العزّة والعنفوان، رافضاً كلّ واقع يدعو إلى الذلّ والخسران. إنّ المشكلة في التّاريخ، أنّه لا يحدّثك عن العبّاس إلا في بعض مواقع كربلاء، ولكنّك عندما تنفذ إلى هذه الشخصيَّة، من خلال كلمة هنا وكلمة هناك، وموقف هنا وموقف هناك، فإنّك تشعر بأنّك عندما تذكر العبّاس ترتفع، لتجد معنى شباب الإسلام في شبابه، ومعنى عنفوان الإسلام في عنفوانه، ومعنى إيثار الإسلام في إيثاره، ومعنى الأخلاقيّة المنفتحة على الله والمتحرّكة في حياة النّاس في أخلاقيّاته. وفي الخامس من شهر شعبان، نلتقي بولادة إمام من أئمَّة أهل البيت(ع)؛ إنّه الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين وسيّد السّاجدين(ع)؛ هذه الشخصيّة الرّساليّة الإسلاميّة الّتي أعطت كلّ ما لديها من أجل حياة الإنسان، وأغنت كلّ مفاصله ومحطّاته، في تعدّد أبعادها وعطاءاتها الروحيّة والأخلاقيّة والجهاديّة، كما أغنت كلّ التاريخ الإسلاميّ، ومثّلت الشموخ والسّموّ في كلّ المجالات، فشكّلت منارةً عبر كلّ العصور والأجيال، مخلِّفةً إرثاً رساليّاً إسلاميّاً أصيلاً، يعبّر بكلّ تفاصيله عن روح الإسلام ونضارته وسموِّه. فقد كان(ع) يقضي النّهار مع النّاس، وكان يعلّمهم، ويرشدهم، ويعظهم، ويجيب عن أسئلتهم، ويخطّط لهم ما ينبغي معرفته من الحقوق الإنسانيّة الّتي ركّزها الإسلام. ولأوّل مرّة، نقرأ دستور الحقوق في الإسلام في كلّ ما يتّصل بحياة الإنسان المؤمن مع الله ومع نفسه ومع النّاس ومع مسؤوليّاته... لذلك، كانت الثّورة الإماميّة بعد الحسين(ع) ثورة تثقيفيّة تعبويّة توعويّة، تريد أن تربط الإنسان بالله، ليرتبط بكلّ القيم الإسلاميّة، بحيث لو أنّ الدّنيا كلّها ضغطت عليه، لبقي واقفاً على قدميه. هذه المناسبة العظيمة لمولد هؤلاء الكرام، هي مناسبة حيّة تدعونا إلى الانفتاح على كلّ تاريخهم، وما قدّموه للرّسالة، من أجل أن تتجذّر في الإنسان، لينطلق بها في كلّ آفاق الحياة والوجود. فهل نولد من جديد روحاً تسمو، وعقلاً يرتفع بذكرى ميلادهم، ونتجاوز كلّ الحواجز، ونبتعد عن كلّ الحسابات، ونخدم أنفسنا، وننفتح على أصالة ديننا ورسالتنا؟! اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|
|
|
|