#1
|
|||||||||
|
|||||||||
قطرات.. من دموع القلب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين لحظات صدق غاليات تلك التي يجد فيها المرء قلبه قريبا منه , يحادثه , ويحاسبه, ويعاتبه , لكم هي لحظات عتاب القلب لحظات غالية ونادرة , تلك التي يخلع فيها المرء كل الأقنعة ويقف أمام مرآة قلبه الحقيقية التي لا تكذب... . إننا عندما نحب في الله يجب أن نفهم أن ذاك الحب من نوع خاص , نوع رقراق سرمدي عذب , لا تحتويه المواقف , ولا تنال منه الأحزان , إنه نوع من الحب تتخاطب فيه القلوب كخطاب الطير , لا تنازع بينها , ولا منافع , وإنما رضا وتغافر وبذل وتضحية وإيثار .. إن مجتمعنا هذا لفي أمس الحاجة إلى آلاف وآلاف من أمثال ذلك الرجل الصالح الذي لا يحمل في قلبه بغضاء ولا شحناء ولا حقدا ولا حسدا لأحد ولا رغبة في العلو على أحد ولا حرصا على إسقاط أحد ولا أمنية في إيلام أحد.... لكم وددت أن تكون قلوب الدعاة إلى الله متحابة نقية , متلاقية على معنى علوي رفيع نقي , فلا ثمّ رغبة في شهرة , ولا في علو على الآخر , ولكن رضا في أن يُجري الله الحق على لسانه مهما كان مختلفا معه .. ولا ثمّ سعيا إلى انتصار في خلاف زائف , ولا ظهورا جماعيا مغيظا , بل العودة إلى ميزان الحسنات والسيئات , فحيثما تكون مراقبة الرب سبحانه تكون الطاعة .. إننا أيها المحبون نعيش في أيام متتاليات متصارعات منكفئات تسلم بعضها بعضا ويسلمنا كل يوم فيها إلى الآخر كطرفة عين , حتى نستلم جميعا لحظة الكفن , ولا يدري أحدنا موعد تلك اللحظة , ولكننا جميعا نوقن أنها ولا شك قريبة جدا , وعند لقاء الكفن تسقط الأقنعة ولا يبقى إلا اللون الأبيض النقي الشفاف , إن دموع القلب ترتجينا وتمعن الرجاء فينا أن نعود دعاة مخلصين ..! * * دموع أديبة : لكم حادت بنا خطانا عن مسارات نحبها , كم زلت بنا ألسنتنا عن عبارات نرتجيها , ولكم اخترنا الخطأ على الصواب , و قدمنا مصلحة النفس على مصلحة الجميع , وأبدينا براءة النية ونحن نخفي مصلحة ذاتية . فحينا أبهرتنا لألأة الدراهم والدنانير , فلفتتنا عن حياة الزاهدين , وحينا أجتذبتنا الراحة والوثير , فشغلتنا عن قيام العابدين . وإن تدمع اليوم - يا قلب - على تلك الهنات وهاتيك الزلات خير لك من أن ترتجي دمعا في يوم لا تقبل فيه الرجاءات , ولا تزال فيه العثرات .. إن دمعك اليوم هو دمع الأديب الأريب , العاقل الحكيم , الذي آثر الآخرة على العاجلة , واجتنب المتاع والفراش الوثير, وحاول أن يصطف في صفوف العائدين . * * نصيحــة قلـــب : إن القلوب عندما تنصح , إنما تنصح وهي تنبض , ونبضها دفق دماء , كما أن نصحها دفق حياة, حياة تمثلت في تجربة متعَلّمة أو حكمة ُمهداة أو عيب مستور أو إنجاز مستوحى أو رؤية بصيرية .. فيا أيها الناصحون لا تنصحوا إلا من القلوب , ولا تخرجوا النصح من ألسنتكم, ذروا النصيحة تنبت في قلوبكم , وتظهر على جوارحكم , لتغشى سلوككم قبل أن تتدفق حروفها على ألسنتكم , فكم من ناصح مغتاظ أو غاضب أو متشف أو متعالم أو مستعل بكلمات نصحه على غيره .. والدعاة الصادقون , الدعاة الصالحون يعلمون أنما النصح لله وله فحسب . * * مقامك الحقيقي أيها القلب : أيها القلب إياك أن تغتر بأيام قضيتها مع الصالحين , فإن مناط الحساب متعلق بك وحدك , قال سبحانه : ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) .. أيها القلب لا يغرنك أنك قد قضيت سنين تتحدث عن أعمال الخير ، إن الذي يصعد من كلامك هو الطيب ( إليه يصعد الكلم الطيب ) , وطيب الكلام هو ماكان مخلصا , فلتفرح على ما كان منه , ولتصرخ على ماشابتك فيه النية , لتسعد بخطوات سعيتها ابتغاء وجه ربك , ولتخسأ بما كان في مراءاة الناس . إن مقامك الحقيقي - أيها القلب - يمكنك أن تعرفه في لحظات البكاء في جوف الليل الآخر , وفي التضحيات الكبيرة عندما يناديك العطاء , أو تنتظر أن تعرفه عند حشرجة الروح إذ هي تخرج من الحلقوم . * * ماذا لو عدت إلى الحياة ؟ إن صرخة ( رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ) حري بها أن تقض مضجعنا , وتؤرق منامنا , ولا تجعلنا نستلذ بطعام ولا شراب , ولا حياة ولا متاع , فهل آن لنا أن نتوقى تلك الصرخة , وهل آن لنا أن نبادر إلى إصلاح ما فات قبل أن نصرخ فلا عود , ونسترجع الفوت , ؟ ولا ثمّ إلا الصراخ ؟!.. إن من عظمة الوحي الإسلامي أنه لا يُحمل أحدا تبعة خطيئة أحد , ولا يبتدئ مع أحد على أنه مذنب , بل الأصل براءة الذمة , والأصل نقاوة التاريخ , والتوبة تجب ما قبلها, و" الحسنات يذهبن السيئات " , " ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا " .. إنه لا سبيل أيها القلب إلا بالمسارعة إلى التطهير الكامل من آثار تاريخ الذنب ولنبدأ بعملية الحرق , وأقصد به الندم , فإن الندم الصادق نار ملتهبة تحرق الذنب فاحرق إذن كل مالا ترتجي أن تلقاه إذا أنت رحلت , ثم لتتألم قليلا وأنت تجبر نفسك على كراهية الخطيئة , فلا توبة كاملة مع استشعار حلاوة الذنب , فإن استطعت أن تكرهه فأنت أنت , ولئن بقيت حلاوته فيك فلا تأمن على نفسك أن تراجعه يوما , ثم لتضع نفسك في متقلب العبادة , وأله بها نفسك , وأشغلها بين العلم والطاعة والذكر , وإياك أن تفرغها فتشغلك بذكر ذنب جديد .. تلك كانت همسات قلب محب , فاضت فاغرورقت بها عين القلب , فأدمعت نصحا لمن تحب . اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|
|
|
|