|
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
الإمام عليّ (عليه السلام).. شهيد الحقّ والمحراب
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته تصادف ذكرى استشهاد الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، في الواحد والعشرين من شهر رمضان، بعد أن ضربه ابن ملجم على رأسه الشريف وهو يصلّي في مسجد الكوفة. الإمام (عليه السلام) الذي عاش في بيتِ الله، البيت الذي ترتفع فيه عبادة الإنسان ودعاؤه وابتهالاته ومعراج روحه إلى الله. وقد كان (عليه السلام) منذ أن انطلق في وعيه، الشخص الذي أحبّ الله فأحبّه الله: «لأعطين الراية غداً ـ قالها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في وقعة خيبر ـ رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله». كان (علیه السلام) يخاطب ربّه في تواضعه لله وخشوعه بين يديه: «وكيف تعذّبني وحبّك في قلبي». ونقرأ في دعاء كميل: «فهبني يا إلهيّ صبرتُ على عذابك، فكيف أصبر على فراقك، وهبني صبرتُ على حرّ نارك، فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك». لو أدخلتني النار، فإنّ ذلك يعني فراقي عنك، وأنا لا أطيق أنّ أفارقك، فقلبي معك وعقلي معك، وإحساسي معك، وحياتي معك، لأنّني يا ربّ انطلقتُ من خلال معرفتي بأنّك أنت الله الذي لا إله غيره. وهكذا، عاش الإمام عليّ (عليه السلام) كلّ حياته لله، ولم يعش لنفسه ساعة، بل كان يعيش مع الله، وكان إذا انطلق خطّ الجهاد، سار في هذا الخطّ من خلال البطولة التي كانت تنبع من خلال القوّة الروحية أكثر ممّا تنطلق من خلال القوّة الجسدية، وقد نقل عنه أنّه قال: «ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانية، بل بقوّة ربّانية». إنّ عليّاً (عليه السلام) عندما طالب بالحكم، لم يكن ينطلق من حالةٍ ذاتيةٍ تريد أن تصل إلى مطامعها، ولكن من أجل أن يقيم حقّاً أو يدحض باطلاً، وهكذا انطلق، ولم يبحث في الناس عمّن يصفّق له، بل ليسير بالناس في الخطّ المستقيم.. يريدنا (علیه السلام) أن ننتمي إليه انتماء الإسلام لا انتماء العصبية، وانتماء الدِّين في شريعته، لا انتماء الطّائفية.. الإمام عليٌّ (علیه السلام) ليس رمزاً فحسب، ولكنّه إمام يتحرّك أمامنا في كلِّ منهجه وخطّه لنسير وراءه، وليس لعليٍّ (علیه السلام) إلّا الإسلام والقرآن وما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). عليٌّ (عليه السلام) تلميذ رسول الله الأوّل، وتلميذ القرآن. وينقل التاريخ أنّ أحد أصحاب الإمام عليّ (عليه السلام)، وهو ضرار بن ضمرة، دخل على معاوية بعد استشهاد أمير المؤمنين، فقال معاوية: صف لي عليّاً. قال: اعفني. قال معاوية: لتصفنّه. قال: «أمّا إذا كان لابدّ من وصفه، فإنّه كان ـ والله ـ بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً ـ فكلمته هي الكلمة الفاصلة ـ ويحكم عدلاًـ كلّ حكمه هو العدل الذي يعطي كلّ ذي حقّ حقّه ـ يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدُّنيا وزهرتها ـ ليس معنياً بالدُّنيا، وليس منجذباً إليها، لأنّ آفاقه متعلّقة بالآخرة مع الله تعالى ـ ويأنس بالليل ووحشته ـ لأنّ الليل هو حال الهدوء التي يناجي فيها ربّه، ويقف فيها في صلاته مع ربّه ـ وكان غزير الدمعةـ كان يبكي، وكانت دموعه تنسكب على كلّ وجهه ـ طويل الفكرة ـ كان مشغولاً بالفكر، وكانت أفكاره منفتحةً على الكون كلّه وعلى الحياة كلّها وعلى المسؤولية كلّها، لأنّها كانت منفتحةً على المعرفة بالله ومسؤولية الإنسان أمامه ـ يقلّب كفّه، ويخاطب نفسه ـ يتحدّث دائماً مع نفسه، ليدرسها ويحاسبها في كلّ دقائقها وأوضاعها، لم يكن كالكثيرين من الناس مشغولاً عن نفسه بسبب شغله مع الناس ـ يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، وكان فينا كأحدنا ـ لم يكن يشعر بأنّه هو الخليفة، وهم الرعية والأتباع ـ يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، وينبّئنا إذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيّانا، وقربه منّا، لا نكاد نكلّمه هيبةً له ـ كانت هيبته تفرض نفسها عليهم من جهة عناصر شخصيته ـ فإنْ تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظّم أهل الدِّين، ويقرّب المساكين، لا يطمع القويُّ في باطله ـ لا يجامل الأقوياء بما يريدونه من الباطل ـ ولا ييأس الضعيف من عدله ـ إذا جاءه الضعيف، فإنّه يعطيه حقّه ـ وأَشهد لقد رأيته قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأنّي أسمعه الآن وهو يقول: «يا دنيا غرّي غيري، أليَّ تعرّضت أم إليَّ تشوّفت، هيهات هيهات! قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك كبير، وعيشك حقير. آهٍ آهٍ ـ إذا كان أمير المؤمنين يتأوَّه، فماذا نقول نحن؟ ـ آهٍ من قلّة الزاد وبُعد السفر ووحشة الطريق». فبكى معاوية، ووكفت دموعه على لحيته ما يملكها، وجعل ينشّفها بكمّه، وقد اختنق القوم بالبكاء، وقال: رحم الله أبا الحسن، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: «حزن مَن ذُبح ولدها في حجرها، فهي لا ترقأ عبرتها، ولا يسكن حزنها»، ثمّ خرج». وأخيراً، وصيّة الإمام عليّ (عليه السلام) تجعلنا نتحمّل المسؤولية في الحياة بالنسبة إلى الإسلام وإصلاح الإسلام والمسلمين، والعمل لنكون القوّة للخير كلّه، وأن نكون أُمّة واحدة تنطلق لتتواصى بالحقّ في جميع المجالات. اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|
|
|
|