المأتم الحسينيّ مؤسّسة دينيّة تملك موقعًا في الواقع الشّيعيّ

المأتم الحسينيّ مؤسّسة دينيّة تملك موقعًا في الواقع الشّيعيّ



سماحة السيد عبدالله الغريفي
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلوات على سيّد الأنبياء والمرسلين سيّدنا، ونبيّنا، وحبيبنا، وقائدنا محمّد وعلى آله الطّيبين الطّاهرين.
المأتم مؤسسة دينية
لمأتم الحسينيّ مؤسّسة دينيّة تملك موقعًا متميّزًا جدًّا في الواقع الشّيعيّ، وتحمل رسالة كبيرة جدًّا لها أبعادها العقيديّة، والفكريّة، والروحيّة، والأخلاقيّة، والاجتماعيّة، والسياسيّة، والجهاديّة.
خطران محدقان

من هنا كانت هذه المؤسّسة، مستهدفة عبر التأريخ من قبل قوى معادية لهذه المؤسّسة، أو من قبل قوىً متخلّفة لم تستوعب رسالتها وأهدافها.
فالمؤسّسة الحسينيّة تواجه خطرين:
1- خطرًا خارجيًّا تمثّله القوى المعادية، وخطرًا داخليًّا تمثّله القوى المتخلّفة، ولكي نحصّن هذه المؤسّسة الحسينيّة (المأتم) في مواجهة الأخطار الخارجيّة.
2- والأخطار الداخليّة نحتاج إلى المكوّنات التالية:
المكونات الثلاثة
1- خطيب مؤهّل بمستوى رسالة المؤسّسة الحسينيّة.
2- إدارة مؤهّلة بمستوى رسالة المؤسّسة الحسينيّة.
3- جمهور حسينيّ مؤهّل بمستوى رسالة المؤسّسة الحسينيّة.
هذه مكوّنات ثلاث (خطيب مؤهّل، إدارة مؤهّلة، جمهور مؤهّل) وإنْ غياب أيّ مكوّن من هذه المكوّنات يهدّد المؤسّسة الحسينيّة في بقائها، وفي رسالتها، وفي أهدافها.
إذا غاب الخطيب المؤهّل فقد المأتم رسالته، وإذا غابت الإدارة المؤهّلة ارتبك أداء المأتم الحسينيّ، وإذا غاب الجمهور الواعي المؤهّل لم تكن لرسالة المأتم أيّ دور.
ما يعنينا في هذا اللقاء المكوّن الثاني وهو الإدارة (إدارة المؤسّسة الحسينيّة).
ما هو المطلوب من إدارات المآتم؟

مطلوب أولاً: من إدارات المآتم أنْ تكون بمستوى وعي أهداف المأتم ورسالة المأتم، تصوّروا أحبّتي لو أنّ شخصًا تحمّل مسؤوليّة مؤسّسة اجتماعيّة ولكنّه لا يملك فهمًا برسالة هذه المؤسّسة، وبأهداف هذه المؤسّسة لا شكّ ستفشل المؤسّسة، لو أنّ شخصًا استلم مسؤوليّة مؤسّسة ثقافيّة، مؤسّسة اقتصاديّة، ولم يتوفر على وعي كامل برسالتها بأهدافها ستفشل المؤسّسة.
من هنا المؤسّسة الحسينيّة مؤسّسة خطيرة، فمن يتصدّى لمسؤوليّة هذه المؤسّسة، ولإدارة هذه المؤسّسة يجب أنْ يمتلك درجة عالية من الوعي بأهدافها ومسؤوليّاتها، وأنا لا أريد أنْ أدخل في الحديث عن مسؤوليّات المؤسّسة الحسينيّة (مسؤوليّات المأتم)، وإنْ كنت سأوجزها بشكل مركّز في أربع مسؤوليّات وأربع مهام، يجب على مسؤوليّ المآتم أنْ يستوعبوا بشكل واضح، وبشكل عميق هذه المسؤوليّات بشكل متوازن.
المهام الأربع
المهمة الأولى للمؤسّسة الحسينيّة (للمأتم)

إحياء مصيبة الإمام الحسين ومصائب أهل البيت (عليهم السلام)، هذه مهمة مركزيّة، لا يمكن التفريط فيها، ولا يمكن التنازل عنها، فلو جاء يوم من الأيام مسؤول أحد المآتم، وقال: (إنّنا نريد المأتم للمحاضرات، وللكلمات الثقافيّة - وهذه تصبّ في خطّ الحسين (ع)-، ولا نحتاج لتعزية، لا نحتاج لمجالس تذكّرنا بمصاب الحسين (ع))، فهذا ممّا لا شكّ فيه تفريط بوظيفة أساسيّة من وظائف المؤسّسة الحسينيّة.
نحن نشدّد على إحياء الجانب المأساويّ، وإحياء جانب المصيبة على أنْ يعتمد هذا الإحياء أساليب صحيحة، ولا يعتمد أساليب تسيء إلى أهداف كربلاء، ولا ممارسات تسيء إلى أهداف كربلاء، فالجانب المأساويّ - (جانب الحزن، جانب الدمعة، جانب البكاء)- هدف مركزيّ، فلا يمكن أنْ نتنازل عنه في يوم من الأيام، وحتى لو صارت ضجّة علينا، وأنّ الشيعة بكّاؤون، يعيشون حياة الحزن والبكاء والمأساة.
أنا أقول: "يجب أنْ يبقى الحزن على الحسين (ع)، ويجب أنْ تبقى الدمعة على الحسين (ع)، ويجب أنْ يبقى البكاء على الحسين (ع)، لأنّ هذا يعطينا ديمومة الانصهار، والتفاعل مع قضيّة عاشوراء، هذا هدف مركزيّ لا يسمح لإدارات المآتم أنْ يفرّطوا فيه".
المهمة الثانية المركزيّة

إحياء أهداف الحسين (ع)، فالحسين دمعة، الحسين عَبْرة، لكنّ الحسين أيضًا أهداف، الحسين مبادئ، الحسين قيم، فلو جاء يوم من الأيام مسؤول مأتم وقال: نحن لا نريد أحاديث فكريّة، وثقافيّة، وتربويّة، ووعظًا وإرشادًا، نريد فقط مصيبة، فهذا مفرّط في أهداف المأتم، هذا مسؤول أمام الله، فالحسين (ع) ثار من أجل أنْ يركّز مبادئ، يرسخ مفاهيم، يرسخ قيم الدّين، قيم الإسلام، من أجل الإسلام، الإمام الحسين (ع) أعطى دمه من أجل الدّين، من أجل قيم الدّين، من أجل مفاهيم الدّين، فعندما يأتي أحد يفرط في هذا الهدف، فهذا خائن لرسالة المأتم الحسينيّ، كما أنّ الذي يفرّط في الهدف الأول هو خائن لرسالة المأتم الحسينيّ، كذلك الذي يفرّط في الهدف الثاني وهو إحياء أهداف الإمام الحسين (ع) والمتمثّلة في الدفاع عن العقيدة، وعن مفاهيم الدّين.
هذه أهداف الإمام الحسين (ع) التي من أجلها ضحّى، من أجلها أعطى دمه في الدفاع عن العقيدة، وعن مفاهيم الدّين، الدفاع عن القيم وأخلاق الدّين، الدفاع عن المظلومين سياسيًّا واجتماعيًّا، هذه أهداف مركزيّة.
إذًا هذه وظيفة أيضًا لا يسمح لمسؤولِي المآتم أنْ يفرّطوا فيها.
المهمة الثالث
من وظائف المأتم والتي لا يسمح للقائمين على المآتم الحسينيّة أنْ يفرطوا فيها هي: الوظيفة التاريخيّة، وأقصدها مسؤولية المأتم في التعريف بتاريخ الإسلام، تاريخ الأئمة (ع)، تاريخ أهل البيت (ع)، هذا ما نسمّيه بالسيرة، بعض أصحاب المآتم يقولون: (لا نريد سيرة، وبعضهم يصرّ على السيرة)، نحن نؤكّد على السيرة الصحيحة، ضرورة أنْ تكون أحد منطلقات المأتم، نحن محتاجون أنْ نعرّف أجيالنا بتأريخنا، تاريخ إسلامنا، تاريخ الرسول صلى الله عليه وآله، تاريخ الأئمة (ع)، تاريخ كربلاء، تاريخ الإمام الحسين (ع)، تاريخ أبطال كربلاء، هذه سيرة لا بدّ أنْ تطرح، بشرط أنْ تطرح بشكل صحيح، لا طرحًا خرافيًّا، ولا طرحًا أسطوريًّا، ولا طرحًا معبّأً بقصص وهميّة لا أساس لها، بل نريد طرحًا صحيحًا، فهذه مسؤوليّة كما هي الدمعة مسؤوليّة مركزيّة، وهدف مركزيّ، كما هي المفاهيم الفكريّة، هدف مركزيّ، سيرة الإسلام، سيرة رجال الإسلام، سيرة الإمام الحسين (ع) وأبطال كربلاء أيضًا هدف، وظيفة مركزيّة لا يسمح لأصحاب المآتم أنْ يفرّطوا بها

المهمة الرابعة
الوظيفة الاجتماعيّة دور المأتم في خلق لحمة اجتماعيّة، في خلق تماسك اجتماعيّ، في خلق تكافل اجتماعيّ، في أداء خدمات اجتماعيّة، المأتم مؤسّسة تمارس دورًا اجتماعيًّا كبيرًا.
إنّ خلق هذا الموج من التلاحم والتواصل الاجتماعيّ (وحدة الأمة، تقارب الأمة، خطاب الوحدة، خطاب التقارب، خطاب التلاحم) من أهداف الحسين (ع).
إذًا المطلوب أولاً: من مسؤولِي المآتم أنْ يستوعبوا أهداف المآتم، ورسالة المأتم، وأنْ يعملوا على تحقيقها، ليس فقط أنْ أفهم ما هي أهداف الماتم، فسهل أنْ يفهم كلّ واحد أهداف المأتم واحد، اثنين، ثلاثة، لكنّ التحدّي الصعب كيف نترجم هذه الأهداف إلى واقع متحرك؟
أنت كمسؤول مأتم يجب أنْ تفعل الأهداف، أنْ تفعل الوظائف الحقيقيّة بقدر إمكاناتك، بقدر استطاعتك، أنْ تجعل نفسك مدافعًا عن أهداف المأتم الحسينيّ، وأنْ لا تفرّط في أيّ هدف من الأهداف المركزيّة للمأتم الحسيني، هذا أولاً.
مطلوب ثانيًا: من مسؤولِي المآتم حتى يحقّقوا رسالة المأتم، وحتى يحقّقوا أهداف المأتم، اختيار الكفاءات الخطابيّة المؤهّلة، هذه مسؤوليّتك أنت أيّها المسؤول في المأتم، أنت تضع هذا الإنسان على المنبر، أنت الذي تفتح هذا الخطاب للنّاس، أنت المسؤول بالدرجة الأولى.
صحيح أنّ الجمهور مسؤول، توجد مواقع أخرى مسؤولة، إلا أنّك باعتبارك في موقع متصدٍّ لشأن المأتم، فأنت المسؤول الأول عن اختيار الخطيب المؤهّل.
فحينما أقول مؤهّل، فتّشوا عن خطباء مؤهّلين يحملون رسالة المأتم رسالة حقيقيّة، يحقّقون الأهداف بشكل حقيقيّ، خطيب مؤهل فكريًّا، ومؤهّل روحيًّا أيضًا، قد أجد خطيبًا مؤهلاً فكريًّا وثقافيًّا لكن الجانب الروحيّ متدنٍ عنده، وهذا يشكّل موقعًا سيئًا للنّاس، فالنّاس ينظرون للخطيب على أنّه موقع قدوة، موقع توجيه، موقع صياغة وصنع للنّاس، فمطلوب من المسؤول أنْ ينتقي الخطيب الذي يملك المؤّهلات الروحيّة، المؤهلات الأخلاقيّة، المؤهلات السلوكيّة، المؤهلات الرساليّة، المؤهلات الخطابيّة.
أنا لا أطلب الاهتمام بالمهارات الصوتيّة فقط، فبعض المسؤولين يهمه أنْ يكون الخطيب يملك صوتًا جيّدًا، وصوتًا شجيًّا، وجذّابًا، ويجتذب النّاس، فهذا كافٍ عندهم، لا أقول: لا يجب أنْ نهتمّ بهذا الجانب، بل يجب أنْ نهتم به، لكن إلى جانب تلك المهارات الصوتيّة هناك مهارات أخرى، وكفاءات أخرى مسؤول أنت أيّها المتصدّي لمسؤوليّات المآتم أنْ تفتّش عن الخطيب المؤّهل الكفوء.
مطلوب ثالثًا: منك أيّها المسؤول المتصدّي لإدارة وشؤون المآتم أنْ تتحمّل مسؤوليّة شرعيّة واعية.
إدارة المآتم تحتاج إلى فقه أيّها الأحبّة، هناك فقه المآتم، فقه الأموال، هذه مسألة تحتاج إلى حضور دورات فقهيّة، لذلك ندعو إلى أنْ تتشكّل دورات فقهيّة لإدارات المآتم، لمسؤولِي المآتم، التصرف في المال يحتاج إلى رؤيّة فقهيّة، استلام المال يحتاج إلى ولاية فقهيّة، التصرف في المال يحتاج إلى ولايّة شرعيّة، معرفة موارد الصرف يحتاج إلى رؤّية شرعيّة واضحة، فأنت تتحمل مسؤوليّة خطيرة أمام الله، وأمام الشارع، فإذا أنت تمارس دورك ولم تكن تمتلك رؤية فقهيّة واضحة، فإنّك مسؤول بأنْ تحافظ على أموال المأتم، وعلى وقوفات المأتم، والتصرف فيها، هذه كلّها مسائل تحتاج إلى فهم فقهيّ وإلى رؤية فقهيّ، وإلى ولاية شرعيّة، وأنْ تتوفر على هذه الولاية.

فمطلوب منك أيّها المسؤول أنْ تمتلك هذه الرؤية، أنْ تحضر دورات تتثقّف من خلالها فقهيًّا، لتكون قد تحملت مسؤوليّتك وفق البعد الشرعيّ الصحيح.
مطلوب من مسؤولِي المآتم أنْ ينفتحوا على جمهور المنبر، حضّار المأتم، بمعنى أنْ تتعامل مع النّاس، أن تكون لديك شفافيّة، فالمسؤول يجب أنْ يملك أخلاقًا، وشفافيّة، وروحيّة منفتحة على النّاس، وعلى الحضّار، وعلى المستمعين، لأنّ هذه الروح الشفّافة المنفتحة لها كلّ الأثر في جذب المستمعين، في جذب النّاس، كما أنّ الخطيب له دوره في اجتذاب المستمعين.
فأخلاقيّة الإدارة، شفافيّة الإدارة لها أيضًا الدور الكبير في اجتذاب، وفي احتضان المستمعين، وفي دور المستمعين،
أنْ لا تكون الإدارات إدارات متسلّطة، فلربما يقول أحدهم: لقد انتخبوني إداريًّا، فأنا أمارس إدارتي كما أشاء.
اعملوا على أن لا تتحوّل الإدارات إلى إدارات سلطويّة استبداديّة تحكميّة.
اسمعوا للنّاس، اسمعوا لآراء النّاس، حتى يكون دوركم دورًا حقيقيًّا.
ومطلوب رابعًا: أيضًا من إدارات المآتم اعتماد لجان استشاريّة، فلتعتمد كلّ إدارة لجانًّا استشاريّة، فأنا أدعو إلى وجود لجنة فقهيّة في كلّ مأتم، ففي كلّ مأتم يجب أنْ تتوافر فيه لجنة فقهيّة، لتشرف على الحركة الفقهيّة في شؤون المأتم، يحتاج المأتم إلى لجنة استشاريّة في الجانب الماليّ، إلى لجنة في الجانب الثقافيّ، إلى لجنة في الجانب الاجتماعيّ، هذه أمور أساسيّة تساهم في الأداء الصحيح، والإشراف الصحيح.
وأخيرًا

أؤكّد على الإخلاص والأمانة، أهم شرطين أساسيّين في إدارات المآتم: الإخلاص والأمانة، السلوك الملتزم دينيًّا وأخلاقيًّا، فهذه عناصر مهمّة جدًّا تعطينا أفقًا واسعًا في أنْ نمارس دورنا كإداريين وفق ما أراد الله، أنا لا أتصدى للإدارة لكي أشتهر، لكي أتحكّم، لكي يذيع صوتي وينتشر، فأنا أمارس دورًا من أقدس الأعمال.
ففي الحقيقة أنتم تمارسون دورًا من أقدس الأعمال، وعبادة من أعظم العبادات عند الله إذا أخلصتم لله.
فعمل عظيم جدًّا أنْ أكون خادمًا لمأتم الحسين (ع).
أنتم خدّام لمأتم الحسين (ع) إذا أخلصتم لله.
ثقوا أنّكم تقعون في موقع متقدّم جدًّا عند الله سبحانه وتعالى، فهنيئًا للمخلصين الصادقين في هذا الخطّ.

والحمد لله ربّ العالمين

الحمد لله الذي رزقنا واياكم خدمة ابي عبد الله الحسين ع

اسئله بالثبات في طريقها ان شاء الله

احسنتم كثيرا

المعارف



اسئل الله لكم التوفيق والثبات على ولاية امير المؤمنين ع

وربي ايبارك بجنابكم

تحياتي ودهائي