.::||[ آخر المشاركات ]||::.
المهدوية في آخر الزمان‏ [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 30 ]       »     وانفصمتْ والله العروةُ الوُثقى... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 36 ]       »     21 رمضان .. ذكرى أليمة استشها... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 32 ]       »     نتقال الامام الى روضة الخلد وا... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 32 ]       »     مجلس شهادة أمير المؤمنين الإما... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 26 ]       »     الامام علي ابو الأيتام [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 32 ]       »     عقيلة الطالبيين مدرسة لنسائنا ... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 28 ]       »     كيف نكون قريبين من الإمام المه... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 20 ]       »     الإمام علي قدر هذه الأمة وقدره... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 35 ]       »     ما سَرُ تَعلق اليَتامى بالإمام... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 32 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 14558
 
 عدد الضغطات  : 5126


الإهداءات



إضافة رد
#1  
قديم 08-17-2021, 03:02 AM
المراقبين
شجون الزهراء غير متواجد حالياً
اوسمتي
وسام شكر وتقدير العضوه المميزه 
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 465
 تاريخ التسجيل : Mar 2012
 فترة الأقامة : 4388 يوم
 أخر زيارة : يوم أمس (04:51 AM)
 المشاركات : 5,025 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي علي الأكبر إبن الحسين عليه السلام



بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته







هي الليلة التي تخصص عادة لشبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً علي الأكبر، وهي ليلة حافلة بموضوعات التربية والأسرة والأبوين وحقوقهما، والشباب، كما سبق أن ذكرنا بعض هذه العناوين في الليلة السابقة (8 من المحرم ليلة التاسع).

أولاً: قصائد الليلة التاسعة

ترك شعراء الطف قصائد رائعة في علي الأكبر نختار ثلاثاً منها:

1- قصيدة الشيخ عبد الحسين صادق رضوان الله عليه، ومطلعها1:

مهدي بقربهم أغنّ المهد ونديّهم يغتر بالروض الندي‏

وهي أفضل القصائد في هذه الليلة وأشهرها.

2- قصيدة أبي الحسن التهامي التي أضيفت إليها أبيات فاشتهرت في علي الأكبر عليه السلام. وهي من أكثر قصائد الرثاء لوعة وحُرقة. وأولها2:

حكمُ المنية في البرّية جاري‏ ما هذه الدنيا بدار قرار

3- قصيدة للشيخ قاسم الحليّ رضوان الله عليه أولها3:

وحق الهوى العذري لستُ أرى عذراً لصبٍّر يواتي بعدَ بُعدكمُ الصبرا



ثانياً: العنوان المناسب لهذه الليلة

وتواجهنا هذه الليلة ما واجهتنا من صعوبة من حيث موارد السيرة وما ذكرت عن شهيد هذه الليلة، حيث خلت المقاتل من ذكر مواقف الأكبر عليه السلام وسيرته، الا ما حدثنا به التاريخ عن موقفه ومقالته لأبيه الحسين عليه السلام قبيل وصوله إلى كربلاء.

ويمكن للخطيب أن يطرح في مجالس السيرة أبحاثاً عن كربلاء وأجوائها وظروفها وربطها بالشهداء ومنهم علي الأكبر. وأمور أخرى.


ثالثاً: البحث

الموضوع الأول الذي يمكن طرحه في الليلة التاسعة من محرم:


تعامل الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه مع الموت:

﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ 4.

الموت هو المصير الذي ينتظرنا جميعاً، مهما كانت أيامنا واتسعت ليالينا ونوّه بأسمائنا، ورفع من ألقابنا... ثم أنه المحطة التي لا بد أن تتوقف فيها كل حركتنا وتنتهي فيها كل نشاطاتنا..

كل ابن آدم وإن طالت سلامته‏ يوماً على آلةٍِ حدباء محمولُ‏

ويقول آخر:

سبيل الموت غاية كل حيّ‏ِ فداعيهِ لأهل الأرض داعِ‏

252

إن ما جرى على السابقين من آباءنا وأجدادنا سيجري علينا شئنا أم أبينا.

وما المرء إلا هالكِ وابنُ هالكٍ ‏ وذو نسبٍ في الهالكين عريقُ

‏والموت كتاب مفروض على الإنسان لا يتقدم أو يتأخر مع صدور الأمر الالهي:

﴿َإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾.

وإذا نظر الإنسان إلى حياته ومراحلها، وكيف انتقل من الطفولة إلى الصبا ومنه إلى الشباب ثم الكهولة وبعدها الشيخوخة، يعرف أنه ماضٍ إلى زوال، وقوته الى ضعف، وعمرهُ إلى نهاية.

يقول أبو العتاهية:

رأيت المنايا قسمّت بين أنفسٍ‏ ونفسي سيأتي بينهن نصيبها
فيا هادم اللذّات ما منك مهرب‏ تحاول نفسي منك ما سيصيبها

وهكذا هي الدنيا، وقد يدخل إليها وقد يخرج منها:

رأيت بني الدنيا كوفدين كلما ترحّل وفد حلّ في إثرهِ وفدُ
وكل يحثّ‏َ السير منها ونحوها فيمضي بذا نفس ويأتي بذا مهدُ

وجاءت روايات عن النبي العظيم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام تدعو الى تذكّر الموت باعتباره أسلوباً من أساليب تربية الإنسان عبر تذكيره بوفوده على الله تعالى وكيف عليه أن يجهد لأن يكون حائزاً على رضاه ومغفرته وكرامته.

يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

"اذكروا هادم اللذات ومفرّق الجماعات".

ويقول أمير المؤمنين عليه السلام:

"رحم الله امرءاً أعدّ لنفسه واستعدّ لرمسه وعلم من أين وفي أين وإلى أين".

وحتى ورد:

"إذا ضاقت الصدور فعليكم بزيارة القبور".

253

حيث تتلاشى أمام الإنسان مشكلاته الدنيوية وتنجلي عنه همومه الحياتية وهو يعيش الآخرة ويشتغل بما هو أهم وأولى.

ولو رجعنا إلى تاريخنا لوجدنا أن الأمويين استغلوا الموت كمحاولة لتخويف الناس وارهابهم، حتى يتركوا مسؤولياتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولهذا فلو إنا استقرأنا مواقف الذين نصحوا الحسين عليه السلام بعدم الخروج الى العراق سواء في مكة أو في الطريق إلى كربلاء، لوجدنا أن نصائحهم متمحورة حول تحذيره عليه السلام من الموت.

فهم قالوا: "إن الناس قلوبهم معك وسيوفهم عليك وأين تذهب الى بلدٍ قتل فيه أبوك وغدر فيه بأخيك".

ويحذره الحرّ من أن القتل مصيره، فيقول له الحسين عليه السلام:

"وهل يعدو بكم الأمر أن تقتلونني".

ثم واجهه بكلمات قوية ومن بينها قول لأخي الأوس حيث خرج لنصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحذّره ابن عم له من الموت:

سأمضي وما في الموت عار على الفتى إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلماً
‏وواسى الرجال الصالحين بنفسه وفارق مثبوراً وجانب ظالماً
‏فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم‏ كفى بك ذلاً أن تعيش وتُرغُما

فلما سمع الحرّ هذه الأبيات اعتزل الحسين عليه السلام وأخذ يمشي مع رعيته في جانب والحسين عليه السلام مع الله في جانب آخر!! أي أنه عرف أن الحسين‏ عليه السلام ماضٍ نحو الشهادة.

و قد حرص الامام الحسين عليه السلام على تهيئة أصحابه للشهادة: فعن الإمام زين العابدين عليه السلام:

"ما ارتحلنا من موضع وما نزلنا في آخر إلاّ وذكر أبي ما جرى على يحيى بن زكريا وكيف أن رأسه أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل".

254

وحينما حوصر الحسين عليه السلام خطب أصحابه وأهل بيته قائلاً:

"ألا وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها.. ألا ترون إلى الحق لا يعمل له وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً فإني لا أرى الموت إلا سعادةً والحياة مع الظالمين إلا برما".

وكان ذلك الركب الفريد في التاريخ يمضي نحو الموت الذي أراده الأمويون تخويفاً للأمة، وأراد الحسين عليه السلام ومن كان معه إيقاظاً لها وتنبيهاً على مسؤولياتها تجاه دينها ونبيها وذريته.


التخلص:

وفي الطريق إلى كربلاء خفق الحسين عليه السلام برأسه، ثم أنتبه وهو يحمد ويسترجع أي يقول:

"الحمد لله إنّا لله وإنا إليه راجعون".

وكان إلى جنبه ولده علي الأكبر عليه السلام، فالتفت إليه:

"يا أبتاه لا أراك الله مكروها؟".

فقال عليه السلام:

"اني رأيت الساعة هاتفاً يقول: إن القوم يسيرون والمنايا تسير خلفهم!! فعلمت أنها نفوسنا نُعيت لنا".

فيا ترى ما سيكون موقف هذا الشاب من آل محمد عليهم السلام، وهو في مقتبل عمره والحياة بأوسع رحابها أمامه؟

وإذا بالأكبر عليه السلام يلتفت إلى الحسين عليه السلام ليقول له:

"أبتاه: أولسنا على الحق؟".

نعم هذا هو الأساس وهذا هو المهم أليس موقفنا موقف الحق؟ أليست

255

مسيرتنا مسيرة الحق، ألسيت تضحياتنا لأجل الحق، أليست هجرتنا لأجل الحق؟

فأجابه الحسين عليه السلام:

"أي والذي اليه مصير العباد".

وإذا بالأكبر عليه السلام يقول:

"إذن لا نبالي أن نموت محقيّن".

يا لها من كلمة؟؟؟ ونفس رسالي وتربية حسينية تجسدّت في هذه الكلمات وهذا الموقف.

والله أعلم كما كان سرور الحسين عليه السلام بولده وهو يترجم مخزونه الإيماني الذي توارثه عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام.

فرد عليه الحسين عليه السلام:

"جزاك الله خير ما يجزي ولداً عن والده".

هذا هو المفهوم الذي طرحه الأكبر في الطريق إلى كربلاء.

وقد جسدّه بأروع صورة وأجلى اقدام، يوم فتح علي الأكبر باب الشهادة لبني هاشم، حيث كان أول من تقدم منهم للقتال، فعندما قتل أصحاب الحسين‏ عليه السلام وأنصاره، ولم يبق منهم إلاّ أهله أقبل يودّع بعضهم بعضاً وهم يبكون.

وأول من تقدم كان شبيه رسول الله خلقاً وخلقاً ومنطقاً علي الأكبر عليه السلام فلما رآه الحسين عليه السلام أرخى عينيه بالدموع ورفع شيبته المقدسة نحو السماء وهو يدعو...

256

الموضوع الثاني الذي يمكن طرحه في الليلة التاسعة من محرم:


قلة أنصار الإمام الحسين عليه السلام وكثرة المتخاذلين عنه:

ومن خطبة للإمام الحسين عليه السلام:

"ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقاً، فاني لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما".

لعل من أجلى ظواهر ثورة الإمام الحسين عليه السلام، ومن أكثرها حرقة من جهة، وإثارة لسيل من الأسئلة من جهة ثانية، ودلالة على مستوى الهبوط والانهزامية التي منيت بها الأمة أيام الإمام الحسين عليه السلام من جهة ثالثة... هي ظاهرة قلة أنصاره عليه السلام وكثرة المتخاذلين عنه!!

فلو حاولنا الوقوف عند هذه الظاهرة البارزة في أحداث كربلاء، ورمنا التأمل فيها، والنظر في الأسباب التي أدّت إليها، لبرزت أمامنا نقاط، المفروض أن تكون على خلاف النتيجة التي وصلت اليها الأمة آنذاك. فهي نقاط قوة وفي صالح النهضة الحسينية، وتكون مدعاة لكثرة الأنصار لا لقلتهم، ولقلة المتخاذلين لا لكثرتهم. أي على خلاف الواقع المؤلم حينذاك.

وأبرز نقاط القوة هذه، في نهضة الحسين عليه السلام هي:

1- شخصية الإمام الحسين عليه السلام المتميزة جداً في المجتمع الإسلامي، بما تختزنه من أبعاد قرآنية ونبوية، وعمق وتجذر في الموقعين الديني والاجتماعي للمسلمين.

لقد كان الحسين عليه السلام بموقع لا يوازيه أحد في شرق الأرض وغربها، ولا تدنو إليه أية شخصية مهما بدت كبيرة ومميّزة. هو سيد قريش وإمام المسلمين وسنام العرب، وكان عليه السلام ينبه الى ذلك في مواقع عدة، لعل من أبرزها خطبته عليه السلام يوم عاشوراء، بعد أن ذكّرهم ببعض ما قاله

257

جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه وفي أخيه الإمام الحسن عليهما السلام، ثم أردف عليه السلام قائلاً:

"فإن كنتم في شكٍ من ذلك، أفتشكّون أني ابن بنت نبيكّم، فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري، فيكم ولا في غيركم...".

إن الجانب الشرعي في الحركة الحسينية كان في أروع صوره وأنقى أبعاده وأوضح شخصياته.

2- منطلقات النهضة الحسينية، وأهدافها المعلنة، والشعارات التي رفعتها ونادت بها: إنها تنطلق من عقيدة الأمة ودينها، وتهدف إلى عزّة المسلمين وقوتهم، وإنقاذهم من ظلم الأمويين وإجحافهم واستئثارهم بحقوق الأمة وخيراتها. وإن شعاراتها شعارات الهدى والقرآن ونهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته وسنته.

لقد أوضح الإمام الحسين عليه السلام كل ذلك، كلما سنحت له فرصة، وذكر بعضها في أول بيان تركه في المدينة:

"إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا ظالماً ولا مفسداً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام".

3- لم يكتفِ الإمام الحسين عليه السلام، بدعوة الناس إلى اتخاذ الموقف الذي يمليه عليهم دينهم وانتماؤهم لنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، وجلس في بيته، تاركاً الناس في المواجهة، كلاّ، بل ألقى عليه السلام بنفسه وبرحلهِ بأهله ونسائه وعياله في ساحة التحديّ لظلم الأمويين وطغيانهم، وهذا من شأنه أن يثير العواطف الإسلامية النبيلة، ويحرّك عوامل الشمم والإباء والغيرة على الدين في نفوس المسلمين.

258

ويوقد نيران الغضب الرسالي الهادف في ضمائر الأمة ومواقفها:

"ألا وإني زاحف بهذه الأسرة غداً مع قلة العدد وخذلان الناصر".

4- الفترة الزمنية الطويلة نسبياً، والتي كانت كافية لمراقبة المواقف، ومناقشة الأفكار، وترجيح الاحتمالات، لقد خرج الإمام من المدينة نهاية رجب 60ه. وبقي في مكة إلى يوم التروية 8 ذي الحجة، والتقى بالمعتمرين والحجّاج، فأين أهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تأييد حركة الحسين عليه السلام، وأين أهل مكة، أهل الوحي من ذلك؟ أين أفواج المعتمرين والحجاج؟ أين أهل العيون والمياه التي مرّ بها الحسين عليه السلام في طريقهِ إلى كربلاء وخطب فيهم ورأوه، وعرفوا أهدافه؟ وأين وأين... بل وأين أولئك الجند الذين خرجوا لحربه؟ أين وعيهم؟ وأين ضمائرهم؟ وأين دينهم؟ وهم يستمعون إلى الحسين عليه السلام وأصحابه، يوردون الأدلة، ويقيمون الحجج، ويوضحون الحقائق؟.

هذه أبرز النقاط الإيجابية، التي ينبغي أن تجعل الموقف يميل نحو الحسين‏ عليه السلام لا ضده. وهناك نقاط أخرى، تصّب في هذا الاتجاه.

إذن المسألة بحاجة إلى تأمل ودراسة، فلماذا خُذل الإمام الحسين عليه السلام ولم يُنصر، وما هي الادعاءات التي رآها المتخاذلون سبباً دون تأييده والنهوض معه؟

لقد كان وراء موقف الخذلان هذا، أسباب عدة ومنطلقات متباينة، تبرز خلال دراستنا لثلاثة نماذج من الذين خذلوه عليه السلام ولم ينصروه، وكل له وجهة نظره ومنطلقاته..

الأول عبد الله بن عمر: الذي لم يعقه عن نصرة الإمام الحسين عليه السلام جهله به، ولا شكه في شرعية نهضته، وسلامة منطلقاتها. كما لم يكن ظلم الأمويين واستيلاؤهم على مقدرات المسلمين بدون وجه حق خافياً عليه، ولا

259

بعيداً عن فهمه. ولم تمح من ذاكرته، تصرفات معاوية وأساليبه الجاهلية، في إجبار المسلمين وساداتهم على قبول خلافة ولده الفاسق يزيد.

لكن الرجل كان يعيش حالة خوف على ما يبدو وهلع شديدين، فهو لم يفكر يوماً بالمواجهة، ولم يخطر على باله أن يقول لظالم كلمة (لا)، فقد كان الجبن والخوف يسيطران عليه بشكل واضح.

نعم قد يكون لذلك سبب أعمق! ولكن سلوكه بقي هكذا مع كل حاكم ظالم ومعتدٍ أثيم، كان يقول: أنه يدخل داره ويغلق عليه بابه، فإذا بايع الناس يزيد بايعه!! كان حريصاً على متابعة الأمر الواقع ولو كان واقعاً منحرفاً، لا يرى وجهاً للخروج على ظالم متسلّط على رقاب المسلمين. فلم يكتف بعدم نصرة الحسين عليه السلام، بل راح يحاول ثني الحسين عليه السلام عن فكرته، وإقناعه بعدم الخروج على بني أمية، وكان الحسين عليه السلام يواجهه بلغة أخرى:

"اتق الله ولا تدعنّ نصرتي... إن من هوان الدنيا على الله أن يُهدى رأس يحيى بن زكريا إلى بغيّ‏ٍ من بغايا بني إسرائيل".

ولما رأى ابن عمر إصرار الحسين عليه السلام على المواجهة، ماذا طلب منه؟ لقد طلب منه أن يكشف الحسين عليه السلام له عن بطنه، ليقبله في الموضع الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبّل الحسين عليه السلام فيه.

يريد التبرك بموضع شفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يفكر بنصرة الحسين عليه السلام الذي نهض للدفاع عن سنةِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودينه وأمته.

بل كان ابن عمر غير راضٍ عن خروج الحسين عليه السلام، فعلى الحسين عليه السلام الصبر وتحمل الأذى.

وعبّر عن ذلك بقوله: "غلبنا الحسين بن علي بالخروج، ولعمري لقد كان رأى في أبيه وأخيه أمراً، ورأى من خذلان الناس لهم، ما كان ينبغي أن يتحرك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير".

260

لقد تحوّل سلوك ابن عمر هذا إلى نهج انتهجه الكثير من رواة الحديث وغيرهم، في تأكيدهم على تأييد الحاكم وحرمة الخروج عليه، وبرز هذا النهج واضحاً في أحاديث الشيخين مسلم والبخاري.

وبقي ابن عمر على موقفه هذا، حتى بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام. فلما تحرك أهل المدينة ضد الأمويين في السنة الثانية لحكم يزيد، وكان عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة يقود التحرك، كان عبد الله بن عمر يتحرك بنشاط، إلى هذا الطرف وذاك لمنع التحرك، ولتثبيط الثورة وتهدئة الأوضاع لمصلحة الأمويين!!

وحينما صلب الأمويون عبد الله بن الزبير، دخل عبد الله بن عمر على الحجّاج ليبايع عبد الملك بن مروان على يديه، فقال له الحجاج: إنّ الذي جاء بك هذا المصلوب، وليس ما تقوله من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

"من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية".

الثاني عبد الله بن الزبير: وهو رجل لم يكن معروفاً بالخوف أو الهلع، على عكس ابن عمر، فهو رجل واجه الأمويين، ورفض بيعة يزيد، وترك المدينة إلى مكة سالكاً طريقاً ملتوياً حتى وصل إليها. وبقي مواجهاً للأمويين، حتى كاد يطبق على حكم العالم الإسلامي آنذاك، ثم دارت عليه الدائرة وقتل في قلة حتى صلب في الكعبة المشرّفة. وهو المصير الذي كان يحذره الإمام الحسين‏ عليه السلام منه ومن أن يقتل وتنتهك بقتله حرمة الكعبة:

"إن أبي حدثني أن كبشاً يقتل في الكعبة تستحل به حرمتها".

إذن لم يكن الخوف هو الذي أعاق ابن الزبير، عن نصرة الإمام الحسين‏عليه السلام، بل أمر آخر، إنه الطموح السياسي، والمجد الشخصي. إنّ لابن الزبير طرحاً خاصاً به، ومشروعاً ليس لسواه. إنه يريد الانفراد بالساحة لا أن يشارك الآخرين، فكيف يكون تابعاً لغيره؟



إنه يريد أن يكون الأبرز، هو القائد وصاحب المشروع والرأس، لا يهمه بقاء الأمويين أو زوالهم بقدر ما يهمه موقعه وطموحه ومشروعه، فكان يحث الحسين على الخروج من مكة "فما يحبسك، فوالله لو كان لي مثل شيعتك بالعراق ما تلوّمت بشي‏ء".

ولهذا كان أثقل شي‏ء عليه وجود الإمام الحسين عليه السلام بمكة، لأنه علم أن الناس لا يمكن لهم أن يوازنوا بينه وبين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا أمر كان يعرفه الحسين عليه السلام، ويعرفه ابن الزبير ويعرفه كل أطراف النزاع، بل عامة الناس كذلك!!

حينما قرر الحسين عليه السلام الخروج من مكة، كان ابن الزبير يقترح عليه البقاء دفعاً لهذه الشبهة!! ولم يدع الموقف دون أن يكشف عن ذلك الطموح فقال للحسين عليه السلام: "فأقم إن شئت وتوليني أنا هذا الأمر، ولا تُعصى".

فقال عليه السلام:

"وما أريد هذا".

إن عداء ابن الزبير للأمويين، لم يكن على أساس السعي لإنقاذ الأمة من ظلمهم وجاهليتهم، وبالتالي نصرة الدين وأهله، ولو كان هذا هدفه لما تأخر لحظة عن الانضمام لحركة الإمام الحسين عليه السلام ومؤازرته وتأييده، لأن الإمام هو خير من يمكن العمل معه للوصول إلى أهداف الإسلام الكبرى وإنقاذ الأمة.

ولكن أنى لابن الزبير أن يخطو هذه الخطوة، رغباته الشخصية نصب عينيه، وطموحه السياسي القديم ماثل أمامه... لقد وجد في خروج الإمام الحسين عليه السلام من مكة تقريباً لتلك الطموحات، أنه يريد أن يكون صاحب مشروع خاص لا مشروع تابع لآخر ولو كان الآخر هذا هو ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيّد شباب أهل الجنة!!

إن خروج الإمام الحسين عليه السلام من مكة لا يعني أن تفرغ لابن الزبير ساحة

262

الحجاز، مكة والمدينة حاضرتا الإسلام المتميزتان فحسب، بل يعني كذلك أن الحسين عليه السلام في طريقه لمواجهة حقيقية مع بني أميّة، وحسب موازين القوى من جهة، وشراسة الأمويين وحقدهم من جهة أخرى، وإصرار الإمام الحسين‏ عليه السلام ومبدئيته من جهة ثالثة، فإن استشهاد الإمام الحسين عليه السلام يكاد يكون أمراً مفروغاً منه.

وهذا بحدّ ذاته يوفر لابن الزبير أجواءً مثالية لمواجهة الأمويين مستغلاً قتلهم للحسين عليه السلام، وما سيصابون به من ضعف وانكفاء المسلمين عنهم. وكل هذا سيسلّط عليه مزيداً من الأضواء.

ولهذا صرح الإمام الحسين عليه السلام وهو ينظر إلى ابن الزبير وطموحه:

"إن هذا ليس شي يؤتاه من الدنيا، أحبّ إليه من أن أخرج من الحجاز إلى العراق، وقد علم أنه ليس له من الأمر معي شي‏ء، وأن الناس لن يعدلوه بي، فودّ أني خرجت منها لتخلو له".

ولهذا بادر ابن عباس إلى ابن الزبير، بعدما عزم الإمام الحسين عليه السلام على الخروج من مكة، وقال له: "قرّت عينك يا ابن الزبير، هذا الحسين خارج إلى العراق ويخلّيك والحجاز!" ثم أنشد:

يا لك من قبرةٍ بمعمرِ خلا لكِ الجوّ فصيحي واصفري‏

ونقّري ما شئت أن تنقّري‏

إذن عبد الله بن الزبير، النموذج الثاني لمن خذل الحسين ولم ينصره، بسبب طموحاته الشخصية ومشاريعه الخاصة.

الثالث عبيد الله بن الحرّ الجحفي: وجيّه من وجهاء الكوفة، ورجل مرموق فيها، يعرف قدر الحسين ومنزلته وأحقية تحركهِ، لم يكن بالخائف الرعديد، فهو ممن سيحمل السيف بعدئذٍ ويبقى مطارداً من قبل الأمويين، وينتهي أمره بالقتل.



كما لم يعرف عن الجحفيّ هذا طموح شخصي ولا مشروع ذاتي به، يسعى لتحقيقه.

ولكن الرجل أصيب من مقتل ثالث، إنه ابن نعمة، موفور الحال، واسع العيش رغيده، متعلق بالدنيا ونعمائها، لا يحب الموت، ويكره المواجهة، ويحب أن يبقى بعيداً عن الأحداث لا يشارك ولا يعطي ولا يضحيّ، لكي يحافظ على رفاهيته ونعمته ولذائذه.

ماذا يريد الإسلام منه؟ إنه يصلي ويصوم ويزكّي ويؤدي فريضة الحج، ويعين الآخرين من ذوي الحاجة، ألا يكفي ذلك كله، لماذا يراد منه الحرب والمواجهة والدم، وهل الأمر مقتصر على مشاركته أو عدمها؟ وما تراه يمكن أن يفعل في مواجهة واقع فاسد مرير؟ ليبقى هانئاً في نعمته، مرفهاً في لذّته، وهو يعبد الله، العبادة الباردة الهادئة، بعيداً عن الصخب والمواجهة وقعقعة السلاح!!

وكان عبيد الله بن الحر الجحفي هذا مدركاً لسير الأحداث، وهو في قلبها بالكوفة، وراح يستقرئ الوضع ويدرس الاحتمالات، ويقوّم الأوضاع. هذا مسلم بن عقيل رضوان الله عليه قد قتل في الكوفة ومعه هاني بن عروة رئيس قبيلة مذحج، لم تنفع مسلم شيعته ولا دفعت عن ابن عروة عشيرته، وهذه الأخبار تنقل، بل ذكر ذلك عبد الله بن بقطر وقيس بن مسّهر الصيداوي رسولا الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة، وكون الحسين عليه السلام في طريقه إلى الكوفة، مع أنصار قليلين، وعيال وأطفال ليسوا بالقليلين!! كل هذا في كفّة، ومجي‏ء العتل الزنيم عبيد الله بن زياد الناشئ في حمامات الدم ربيب الجلادين والقتلة، مجي‏ء هذا الطاغية إلى الكوفة، وتجنيده لرجالها، وسجنه لخلّص شيعتها وتخويفه لأسرها وعوائلها في كفة أخرى.

المسألة لا تحتاج إلى تفكير كثير وتنظير واسع لمعرفة النتيجة الواضحة، من أن الحسين عليه السلام سيصل الكوفة، والمواجهة واقعة، والاصطدام وشيك، فماذا

264

يفعل الجحفي وهو في الكوفة، أمامه خياران لا ثالث لهما، إما أن ينصر الحسين عليه السلام ويقوم بواجبه الشرعي ويؤدي وظيفته الرسالية، وهذا يعني أنه سوف يُقتل، وهو المتعلّق بالحياة ونعيمها، وإما أن لا ينصر الحسين عليه السلام أو يكون مع أعدائه، وهذا يعني الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة!.

إذن الأفضل هو الهرب، وترك الساحة والنأي عن الأحداث، ومتابعة الأخبار من بعيد، حتى يتبين الموقف، وتنجلي الغبرة... وهكذا قرر ابن الحر الجحفي ترك الكوفة واللجوء إلى البادية.

وفي الهيجاء ما جربت نفسي ‏ ولكن في الهزيمة كالغزالِ‏

ونصب عبيد الله بن الحرّ الجحفي فُسطاطاً كبيراً، وركز عند بابه رمحاً، يشير إلى أن صاحب الفُسطاط كريم وشجاع! ونأى ابن الحر عن الطريق العام إلى أعماق الصحراء غرب الكوفة... ولم يعلم بالتغيّرات التي حدثت بعده، حينما تحرك الحر بن يزيد الرياحي ومعه ألف رجل بأمر من عبيد الله بن زياد، ليمنعوا الحسين عليه السلام وركبه، ومعهم الحرّ وجيشه، سلكوا طريقاً بعيداً عن طريق الكوفة وتياسروا الطريق، أي باتجاه الغرب!! حتى صار طريقهم على المكان الذي اختاره عبيد الله بن الحر الجحفي ونزل فيه، وظن أنه سيكون فيه بمنأىّ وبعدٍ عن الحسين عليه السلام وحركته وركبه.

فلمّا رأى الحسين عليه السلام ذلك الفُسطاط، سأل عن صاحبه، فقيل: هو عبيد الله بن الحرّ الجحفي، فتعجّب الحسين عليه السلام من وجوده في هذا المكان النائي، واختار عليه السلام من أصحابه من يكون رسولاً إليه، وهو ابن عمه الحجّاج بن مسروق الجحفي، الذي ما أن دخل خيمة ابن الحر، حتى بادره الأخير عما جاء به إلى هنا وما وراءه.

فقال له الحجاجّ: جئتك بخير الدنيا والآخرة!! إنهما الوعي وعمق النظر اللذان انطلق منهما الحجاج بن مسروق الجحفي، الذي كان يعرف بمؤذّن


الحسين عليه السلام ... فانتبه له عبيد الله وقال: وما ذاك؟ قال: هذا الحسين يدعوك إلى نصرته، فإن قاتلت بين يديه أُجرت، وإن قُتلت استشهدت!

وهذان الخياران هما اللذان هرب منهما عبيد الله من الكوفة، فهو لا يريد القتال ولا يريد الموت... نعم وقع هذا الخبر عليه كالصاعقة، حيث قد رتّب أمره وخطّط على أن يكون مراقباً للأحداث من بعيد، وفي سلام وأمن... فإن كانت الدائرة للأمويين لم يكن مشاركاً لهم في قتل الحسين عليه السلام، وإن كانت الدائرة للحسين عليه السلام جاءه مؤيداً وناصراً!!

فقال عبيد الله بن الحر: "إنّا لله وإنا إليه راجعون، والله ما خرجت من الكوفة، إلاّ كراهة أن يدخلها الحسين وأنا بها، والله ما أريد أن يراني الحسين ولا أراه".

هكذا أفصح الرجل عن نظرته وموقفه!! أين منطق ابن الحر هذا من موقف ابن عمّه الحجاج بن مسروق؟ ورجع الحجّاج إلى الحسين عليه السلام وأخبره بمقالة ابن عمه، فما كان من الحسين عليه السلام إلاّ أن مشى إليه بنفسه في جماعة من أهل بيته وأصحابه، فالحسين عليه السلام مغيّر وهادف، وصاحب رسالة، وهو لا يبالي أن يكون السبّاق والمبادر، دخل عليه الفُسطاط، فنهض له ابن الحرّ مرحباً به ومستقبلاً، ووسع له عن صدر المجلس، وقد نقل ابن الحرّ كيف كان ذلك اللقاء: "ما رأيت أحداً قط أحسن من الحسين عليه السلام، ولا أملأ للعين منه، وما رققت على أحد من قبل، رقتّي عليه حينما رأيته يمشي والصبيان حوله".

فهل غيّر ابن الحر موقفه مع هذه الهيبة للحسين عليه السلام، وهذه الرقة والتعاطف مع أطفاله؟ ولكي يؤخر الموضوع الذي جاء الحسين لطرحه معه، راح يسأل الحسين عليه السلام عن سواد لحيته!! وهل هي من سواد أو خضاب!!

وهل ذلك الموقف مناسب لطرح هكذا استفسار، الانتقال من موضوع إلى آخر بعيد كل البعد عنه؟ فأجابه الحسين عليه السلام مختصراً:

"يا ابن الحرّ، عجّل عليّ الشيب".



ثم إن الحسين عليه السلام حمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

"يا ابن الحر، إن أهل مصركم قد كتبوا إليّ أنهم مجتمعون على نصرتي وسألوني القدوم، وليس الأمر على ما ذكروا، وإن عليك ذنوباً كثيرة، فهل لك في توبة تمحو بها ذنوبك؟".

فقال له عبد الله بن الحر الجعفي: "وما هي يا بن رسول الله؟".

فقال عليه السلام:

"تنصر ابن بنت نبيّك، وتُقتل معه".

أين منطق الحسين عليه السلام من منطق هذا الرجل؟ الذي أجاب الحسين عليه السلام بقوله: "والله إني لأعلم أن من شايعك يكون السعيد في الآخرة، ولكن ما عسى أن أغني عنك، ولم أخلّف لك في الكوفة ناصراً؟ فأنشدك الله أن تحملني على هذه الخطّة، فإن نفسي لا تسمح بالموت".

نعم، هكذا أفصح عن مكنون نفسه، وأشار إلى علّة موقفه، أنه يخاف الموت، ولا يجد في نفسه استعداداً لموقف سوف تخلّده الأجيال جيلاً بعد آخر!!. ولكي يقوم بمحاولة ترقيعية لموقفه المهزوز هذا، عرض على الحسين عليه السلام عرضاً فقال: "ولكن فرسي هذا تسمى الملحِقة، والله ما طلبت عليها شيئاً إلاّ لحقتهُ، وما طلبني أحد وأنا عليها إلاّ وسبقته، فخذها".

فقال له الحسين عليه السلام:

"أما إذا رغبت بنفسك عنا، فلا حاجة لنا في فرسك ولا فيك"، ثم تلا قوله تعالى:

﴿وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾ 5.



الموضوع الثالث الذي يمكن طرحه في الليلة التاسعة من محرم:


هدف ثورة الإمام الحسين عليه السلام:

من خطبة لسيد الشهداء عليه السلام يوم عاشوراء:

"ويحكم، أهؤلاء تنصرون وعنا تخاذلون..".

إنه مقطع من الخطبة الثانية للحسين عليه السلام يوم عاشوراء الخطبة الأولى ابتدأها عليه السلام بعد رؤيته كثرة الجيش الأموي والثانية بعد أن أذن لزهير وبرير بأن يخطبا القوم بخطب أخرى.

وهذا المقطع يكن جانباً، إنه شجب وإدانة (هؤلاء تنصرون)، إذ لا يستحقون الوقوف معهم وتأييدهم ونصرهم، فهؤلاء القوم قد نصروا ظالمهم وخذلوا من جاء لإنقاذهم واستجاب لاستغاثتهم..

المفروض بهم أن يقفوا بوجه سلطتهم الجائرة حتى إذا لم يتحرك الحسين‏ عليه السلام، والمفروض لهم نصرة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا لم يدعوهم إلى ذلك.

ولهذا كانت حركة الإمام الحسين عليه السلام حركةً استهدف بها هذين الجانبين.. كشف زيف الحاكم الأموي وكسر حالة الخوف من المواجهة ومن جهة أخرى علاج النفوس المريضة التي فقدت إرادتها..

فمن جوانب عظمة ثورة الحسين عليه السلام أنها لم تكن ثورة على حاكم وسلطة جائرة فحسب بل إنها كانت تستهدف أيضاً التأثير على الأمة المتخاذلة فهي ثورة على السلطة والأمة معاً.

فحركته وخروجه عليه السلام على الحكم الجائر كان تحركاً استشهادياً محضاً، تحركاً يستهدف القضاء على الحكم الأموي ولكن ليس في ذلك الوقت لإنها حركة معروفة النتيجة مسبقاً حركة في وقت لا يشجع فيها على أي تحرك وصرخة في أمة تحولت مساكنها إلى مقابر وقلوبها ودينها إلى الدرهم والدينار..



لا نقول أن الحسين عليه السلام لا يرغب بالاطاحة بالعرش الأموي الجائر ولا يسعى نحو هذا الأمر... فهذا إجحاف بالحسين عليه السلام فهو أمر يرغب به كل مسلم يعي جوهر دينه فكيف بالإمام عليه السلام ولكننا نقول أن الظرف الموضوعي لحركة الحسين عليه السلام لم يكن يسمح بهذا الأمر... فالنظام مستحكم والأجهزة القمعية في أوج قوتها والأمة مسلوبة الإرادة..

إنها حركة استشهادية مائة في المئة.

نعم الحسين عليه السلام يريد إسقاط السلطة ولكن بعد حين.. لابد من حركة تهز السلطة وشرعيتها وتواضع نهجها وتشجع الرافضين على قول كلمة الرفض.. ولولا ثورة الحسين لكان النموذج الأموي هو النموذج الإسلامي إن بقي إسلام.

إن من يسعى إلى استلام سلطة يتصرف بكيفية خاصة وبأسلوب معين.. فهل كانت تحركات وتصرفات الحسين عليه السلام توحي بذلك!؟ نحاول أن نجيب على ذلك بعدة مصاديق:

1- تصريحات الحسين عليه السلام في المدينة بأنه سيقتل ابتداءً من الرؤيا التي رآها عند قبر جده صلى الله عليه وآله وسلم وقصها على أهل بيته، أو عبر تصديقه لما قالته أم سلمة من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرها بقتل الحسين عليه السلام وأنه عندها قارورة فيها شي‏ء من تراب كربلاء.

2- وكذلك تصريحاته في قتله لابن عباس وابن الحنيفة وابن الزبير والكلام حول أنهم لن يتركوه حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفه.

3- لما خطب في قومه في مكة قال: "خط الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء"، وكذلك كتابه إلى بني هاشم.

فكل هذه المواقف وغيرها كانت تشير إلى أن الإمام الحسين عليه السلام كان عالماً بالمصير الذي ينتظره ولكن هذه النهاية هي التي ستكون شعلة ووقود حركة التغيير الشامل في الأمة وإعادة الحياة لها.

إذاً قام الإمام الحسين عليه السلام في نفس الوقت الذي كان يسعى فيه لإيجاد ظروف وأسباب النصر عبر تهيئة القاعدة الشعبية المستعدة لمعاضدته في ثورته على الحكم الأموي الغاشم آنذاك، بتهيئة أنصاره وأهل بيته للمصير الآخر الذي ينتظرهم والذي ستكون الحركة التغييرية الشاملة في الأمة نتيجة حتمية له ألا وهو خيار الاستشهاد.

"خيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأشلائي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء".

وهذا ما حدّث به الحسين عليه السلام ولده علياً الأكبر عليه السلام وهم في الطريق إلى كربلاء حيث حانت من الحسين عليه السلام إغفاءة وكأنه بهاتف يقول:

"القوم يسيرون والمنايا تسير خلفهم".

فبرز هنا وعي علي الأكبر عليه السلام بهدف هذه الرحلة ومراميها فقال لأبيه الحسين عليه السلام:

"ألسنا على الحق؟".

فقال الحسين عليه السلام:

"بلى والذي إليه مصير العباد".

عندها قال علي الأكبر عليه السلام:

"إذاً لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا".

وهذا ما جسّده علي الأكبر عليه السلام في يوم العاشر بين يدي والده الحسين‏ عليه السلام.


هوامش

1- أدب الطف، جواد شبر، ج‏9، ص‏227 - الرياض، ص‏128.
2- الدر، ص‏177.
3- راجع من لا يحضره الخطيب، 317/1.
4- آل عمران: 185.
5- الكهف: 51. ولكن أين موقف هؤلاء من موقف أنصار الحسين عليه السلام وأهل بيته، الذين تركوا كل شي‏ء وهبوا لنصرة الحسين. أين هؤلاء من إقدام أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واندفاعهم للذود عن دين الله، أين جدهم رسول الله، وأول من تقدم منهم كان شبيه رسول الله خلفاً وخلقاً ومنطقاً علي الأكبر، لك أن تتصور حال الحسين لما برز ولده وهو يقول: أنا علي بن الحسين بن علي نحن دين الله أولى بالنبي.



 توقيع : شجون الزهراء

اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




Loading...


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
سعودي كول