#1
|
|||||||||
|
|||||||||
تربية الجيل المهدوي
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته بشارةٌ من عالم الغيب كل ما سيمرُّ على الإنسان في الزمن المستقبلي يبقى أمره مجهولًا وغامضًا إلا إذا شاء الله عكس ذلك. إنها حقيقة بديهية مؤكدة في القرآن الكريم: "وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (لقمان 34)" وعلى الرغم من أن قضية ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وكل الحركة التي ستسبقها وستليها تقع في دائرة الأحداث المستقبلية الغيبيّة الموجودة في علم الله المطلق، إلا أن الله شاء أن يكشف عن هذا الغيب المرتبط بأحداث آخر الزمان لأهل آخر الزمان بخلاف العادة والمألوف!! فمنذ زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) وإلى اليوم تتوالى الروايات التي تؤكد على هذا الأمر وتعتبره من الحتميات التي لا شك ولا بداء فيها: "علي مني وأنا من علي وهو زوج ابنتي وأبو سبطَيْ الحسن والحسين، ألا وإن الله تبارك وتعالى جعلني وإياهم حججاً على عباده، وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري، ويحفظون وصيتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي، ومهدي أمتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلّة، فيعلن أمر الله، ويظهر دين الله جل وعز، يؤيد بنصر الله وينصر بملائكة الله، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً" (كمال الدين : ص٢٤٥ ب٢٤ ح٢) وعندما يصادفنا هكذا إظهار للغيب، يجدر بنا البحث والتأمل: لماذا أراد الله لهذا السر أن يُكشف؟ التمهيد على طريقة أهل البيت إذا أردنا الرجوع في التاريخ إلى زمن ولادة الإمام الحسين (عليه السلام)، نلاحظ في طريقة تفاعل الرسول (صلى الله عليه وآله) مع حفيده أسلوبًا خاصًّا مرتبطًا بمعرفة الرسول بما سيجري على الإمام من مصائب وكُرب! فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان لديه اطلاع غيبي على حادثة كربلاء منذ ما قبل ولادة الإمام، كان يحرص في كل فرصة ومناسبة على إخبار أهل بيته وأصحابه بوقائع المصيبة! فلماذا كشف الله لرسوله هذا السر؟ ولماذا يحرص النبي على الإخبار به؟ لأن هذه المعرفة يترتب عليها مسؤوليات عظيمة. " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ" (الزمر 9) بالطبع هم لا يستوون أبدا! وكل من يصبح لديه معرفة بذلك الغيب، يُفترَض أن يشعر بالتكليف والمسؤولية الملقاة على عاتقه تجاهه! حتى لو لم يكن من الحاضرين في الواقعة الأليمة. فالسيدة فاطمة (عليها السلام) عندما يقول لها النبي بأن ولدكِ هذا الذي وُلد للتو سيُذبح ويظلَم ويُترك في العراء، بالطبع هو لم يكن هدفه أن يقطع عليها فرحتها بمولودها! اغنما فعل ذلك لكي يقول لها: بأنه ومنذ لحظة ولادته عليكِ أن تُعِدّيه لتلك الحادثة! ومنذ لحظة قدومه إلى الدنيا يجب أن تبدأ رحلة تربيته على التسليم والرضا واليقين والثبات والبصيرة والشجاعة والإيمان والفناء في الله وفي إرادة الله عز وجل. وحتى في منهج حياة الإمام الحسن (عليه السلام) نجده وبالرغم من أنه لم يُكتَب من الحاضرين في كربلاء، إنما كانت معرفته المسبقة بقضية أخيه تُرتِّب عليه أسلوبًا في الجهاد والنضال السياسي والاجتماعي ما يمهّد للثورة المستقبلية على الحكم الأموي المطابقة بين كربلاء والظهور كما أن أهل البيت (عليهم السلام) تعاملوا بمنتهى الجدية مع أخبار الرسول لهم عن كربلاء، وتعاطوا بالثقة التامة بالوعد الإلهي. فمضوا إلى إعداد الإمام الحسين (عليه السلام) للشهادة وإعداد أخته الحوراء زينب (عليها السلام) للسبي وتربيتها على الصبر العظيم وتدريبها على الخطابة والبلاغة وحسن البيان. وكذلك اختيار الإمام علي (عليه السلام) للسيدة أم البنين كزوجة له لأولوية هامة وهي إنجاب نِعم الأخوة الأنصار والأبطال الذين سيمضون مع أبي عبد الله في سيره إلى الأجَل المُحتَّم. هكذا يفهم الموالون والأتباع الحقيقيّون لنهج الإمامة أن معرفتهم بحتميّة ظهور إمام الزمان لا تتساوى مع عدم المعرفة. فكيف يمكن لمَن يعلم أن إمامه الغائب ينتظره، أن يتصرف وأن يعيش وكأنه لا يعلم؟ وكيف يمكن لمن يعتقد بحياة الإمام الحجة (عليه السلام) وبوجوده المبارك، أن يستمر في تجاهله وكأن الأمر لا يعنيه؟ وكل الدماء والتضحيات التي قُدمت والإنجازات والانتصارات التي حصلت على خُطى التمهيد وبمباركة الإمام المنتظر وتسديده، ما كانت لتكون لولا هذا الاعتقاد وهذا الارتباط. كما يعبر أحد الفلاسفة :"الشيعة يطيرون بجناحين: جناح الماضي وهو كربلاء، وجناح المستقبل وهو الأمل بالموعود". من هذا المنطلق، وعملًا بالقاعدة التي ثبّتناها في هذه السلسلة "معرفة أكثر، مسؤولية أعظم وأكبر"، سننتقل في الفقرة الأخيرة لنكتشف ما هي هذه المسؤولية. مراحل العلاقة بالإمام في مرحلة التربية الأولى يُلاحَظ في الطفل حبه للاكتشاف والبحث والسؤال. فإذا نشأ في بيت يعجّ بذكر الإمام، وإذا اعتاد سمعه ونظره على سماع ومشاهدة كل ما يتعلق بصاحب الزمان (عليه السلام)، فهو سرعان ما سيدفعه فضوله للسؤال "من هو صاحب الزمان هذا؟". وهنا تأتي فرصة الأهل لتقديم المعرفة اللازمة بالإمام المهدي. فيكون هذا الأسلوب الذي يتقدم فيه سؤال الطفل وتأمله وتخيله للإمام على تلقينه للمعلومة من قبل المربّين مساعدًا على التفاعل العاطفي الكبير معه. وفي مرحلة التربية الثانية، حيث ينمو في الطفل حب التعلم وحب الشعور بالإنجاز وتتفتح لديه قابلية الالتزام والانضباط، يمكن الانتقال إلى مرحلة جديدة في العلاقة بالإمام الحجة عنوانها الشعور بالتكليف والمسؤولية: مثل إهدائه ثواب الأعمال، والتقرب منه بالدعاء والزيارة، وتقويم سلوكياته بحسب ما يرتضيه الإمام . وأما في مرحلة التربية الأخيرة، وبعد أن يصبح الطفل مكلفًا شرعًا، ويتمتع بالاستقلالية وحرية اختيار هويته وبناء شخصيته ورسم نمط حياته، تقع على عاتق الأهل مسألة توجيه المكلَّف ونصحه وإرشاده إلى ما يجيب عن تساؤلاته حول دور الإمام المنتظر في غيبته، والرحمة العظيمة والكرامة والبركة والعناية الكبيرة التي تحيط بكل من يواليه ومن يعظّم حضوره ويطلب رضاه ويشتاق لنصرته ويعمل على التمهيد لظهوره. جعلنا الله وإياكم من خواص الإمام ورزقنا رحمته ورأفته وعنايته الشريفة. . اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|
|
|
|