#1
|
|||||||||
|
|||||||||
ماذا نقول في وداعك يا ضيفنا العزيز؟
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته یقول الإمام زين العابدين (علیه السلام) في وداع شهر رمضان: «ونحن مودِّعون وداع من عزَّ فراقه علينا وغمّنا، وأوحشنا انصرافه عنّا». يغادرنا شهر رمضان، والحسرة تطبع قلوب المؤمنين العارفين بقيمة هذا الشهر وأهميّته، فرغم أنّهم عانوا من الجوع والعطش والحرمان، وما صاحبه من أوضاعٍ قلقة، إلّا أنّهم يشعرون بأنّهم سيفقدون بغيابه نِعمةً كبيرةً، وأيّة نِعمة هي أكبر ممّا أودع في هذا الشهر من بركات، حيث الأنفاس كانت فيه تسابيح، والنوم عبادة، والعمل مقبول، والدُّعاء مستجاب، والأجر مضاعف أضعافاً كثيرة.. شهرٌ فيه ليلةٌ هي من خير ألف شهر، يتحسَّسون فيه الفرح عند إفطاره، والأنس في ليله وأسحاره، شهر تلاقي العائلات والأرحام والمؤمنين، شهر لا يشعر فيه الفقير بفقره، ولا اليتيم بيتمه، ولا ذو الحاجة بأنّه يعاني وحده، وهذا ما أشار إليه.. ولذا كان يتوجّه (عليه السلام) إليه بالقول: «السلام عليك يا شهر الله ويا عيد أوليائه، السلام عليك يا أكرم مصحوبٍ من الأوقات، ويا خير شهرٍ من الأيّام والساعات.. السلام عليك من شهرٍ قرُبت فيه الآمال، ونشرت فيه الأعمال.. السلام عليك من قرينٍ جلّ قدره موجوداً، وأفجع فقده مفقوداً.. ومرجوّاً آلم فراقه.. السلام عليك، ما أكثر عتقاء الله فيك! وما أسعد مَن رعى حرمتك بك! السلام عليك، ما كان أمحاك للذنوب، وأسترك لأنواع العيوب! السلام عليك، ما كان أطولك على المجرمين، وأهيبك في صدور المؤمنين». ويبقى السؤال هنا: هل عندما يغادرنا الشّهر نغادره، ليعود كلٌّ إلى سابق عهده، وكأنّ شهر رمضان لم يمرّ علينا، وبذلك يكون هذا الشّهر شهراً فريداً من السنة وينتهي بانتهائه؟ الأمر ليس كذلك، فالله سبحانه لم يرد لشهر رمضان أن يكون كذلك، بل أراده أن يكون سيِّد الشهور وقائدها وعمدتها، وقد جعل من حقّه علينا بأن نستمرَّ بعد انتهائه في أن نعيش روح هذا الشهر في نفوسنا وعقولنا وسلوكنا وتطلّعاتنا على مدى العام، فنتابع ما بدأناه فيه من العبادة والدُّعاء وقراءة القرآن والتهجّد في الليالي، والصدقة وإكرام الأيتام وأداء النوافل وصلة الأرحام والجيران، والتردّد إلى المساجد والحرص على صلاة الجماعة.. نعم، قد لا يكون ذلك بالصورة التي عليها في شهر رمضان، حيث الظروف مهيّأة لذلك ممّا لا يتوفّر في بقيّة الشهور، ولكن لابدّ من عدم الانقطاع.. والأمر نفسه في الانضباط في كلماتنا وتصرّفاتنا، حيث ينبغي أن تبقى كلمة «إنّي صائم» حاضرة لدينا، وهذه المرّة الصيام عن الحرام، وبأن نداوم الصيام عن الطعام والشراب، سواء الصيام في المناسبات، أو الصيام العامّ. لا يكفي حتى نضمن نتائج هذا الشهر أن نصومه ونقوم بالواجبات فيه، بل لابدّ من أن نسأل الله أن يتقبّله منّا. والقبول لا يتحقّق إلّا بتحقيق الهدف المرسوم لهذا الشّهر، وهو إحداث التغيير في داخلنا، بأن نكون قد امتلكنا القدرة على الإمساك بزمام أنفُسنا، فلا نعود أسرى لها، بل تصبح أسيرة لنا، بحيث نحرّكها حيث ينبغي أن نكون، نحرّر عقولنا من الباطل، وقلوبنا من الحقد والبغضاء والعصبية، وألسنتنا من الكذب والغيبة والنميمة، ونصير أكثر استجابةً للخير، وعوناً للفقراء والمساكين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووقوفاً في مواجهة الظالمين. وقد اختصر القرآن ذلك بالتقوى، عندما قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (البقرة/ 183). والتقوى تعني التغيير لحساب الله، هي تعني أن يخشى الإنسان ربّه، فلا يقدِّم رجلاً ولا يؤخِّر أُخرى حتى يعلم أنّ لله فيها رضا.. هو أن يجده الله حيث أمره، ويفقده حيث نهاه.. والتقوى أن يكون الإنسان في كلّ الساحات التي أرادها الله، ساحات الخير والعمل الصالح وخدمة عباد الله، وأن يبتعد عن كلّ الساحات التي تُسيء إلى حياة الناس ومستقبلهم. اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|
|
|
|