#1
|
|||||||||
|
|||||||||
فاطمة الزهراء سلام الله علیها لیلة القدر
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته إنّ الله سبحانه وتعالی جمیل ویحبّ الجمال، وهو الكمال المطلق ومطلق الكمال، وتجلّی كماله وجماله الأتمّ في أشرف مخلوقاته ومصنوعاته، ذلك نبیّه الأكرم ورسوله الأعظم محمّد المصطفی حبی الله المختار وآله وعترته الأئمة المعصومین الأطهار الأبرار^. فالله الجمیل الحسن تجلّی حسنه وجماله في رسوله وعترته، وقال رسول الله محمّد |: «لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة الزهراء، بل هي أعظم»[1]. فسیدة نساء العالمین بضعة النبيّ المختار، تجلّی فیها حسن الله وجماله، فازدهرت السماوات والأرض بنور الزهراء البتول، الذي اُشتقّ من نور أبیها وبعلها، وهما من نور الله جلّ جلاله. وإنّ اللسان لیكلّ عن بیان فضائلها ومناقبها، بل لو كانت البحار مداداً والأشجار أقلاماً والجنّ والإنس كتّاباً والسماوات والأرضین أوراقاً لعدّوا فضائلها ومناقب أبیها وبعلها وبینها الأطهار^، لما أمكنهم ذلك، فلا یعرف كنهها وحقیقة فضلها إلّا الله. ویكفیك شاهداً في ما أقول، أنّه قد ورد أنّ الإمام الصادق× حین احتضاره جمع أهل بیته وقال لهم في وصیته: «إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة»[2]. وقد ورد في فضل صلاة الجماعة: لو بلغوا عشراً مع إمام الجماعة فإنّه لو كانت الأشجار أقلاماً والجنّ والإنس والملائكة كتّاباً والبحار مداداً لم یقدروا أن یكتبوا فضلها، فإنّه لا یعلم ذلك إلّا الله سبحانه وتعالی[3]، كما یذكر ذلك الشهید الثاني في روض الجنان. ثمّ ورد في الحدیث النبوي الشریف المتواتر: «بني الإسلام علی خمس: الصلاة والصوم والزكاة والحجّ والولایة، ولم یناد بشيءٍ ما نودي بالولایة»[4]. فإذا كان ثواب صلاة الجماعة ذلك، وإذا كان المستخفّ بالصلاة لا ینال الشفاعة، فبالأولویة لا یعلم مقام الولایة وعظمتها إلّا الله عزّوجلّ، وإنّ من یستخفّ بها یحرم من الشفاعة، فكیف من ینكرها؟ فإنّه تصیبه اللعنة الأبدیة، ومستقرّه نار جهنّم وبئس الورد المورود. ثمّ روي عن النبي الأكرم| ـ عند الفریقین السنّة والشیعة ـ: «مَن مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة ا لجاهلیة»[5]. ومیتة الجاهلیة میتة الكفر والإلحاد. وقد ورد في الدعاء الشریف: «اللّهم عرّفني نفسك فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبیّك، اللّهمّ عرّفنی رسولك فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللّهم عرّفني حجّتك فإنّك إنه لم تعرّفني حجّتك ضللت عن دیني»[6]، فإنّ مَن لم یعرف حجّة زمانه، وإمام زمانه، ضلّ عن الدین ومات میتة الجاهلیة، فإنّ أئمّة الحقّ من أهل بیت رسول الله هم حجج الله علی البرایا والخلائق. وقد ورد في الحدیث الشریف: «فاطمة الزهراء حجّة علی الأئمّة^»، وهذا یعني أنّ مَن لم یعرف فاطمة الزهراء‘ وأنكرها وغصب حقّها، فهو ضالّ عن دین الله القویم، وكان من الكافرین الذین لهم خزي في الدنیا وفي الآخرة عذاب ألیم. فكلّ واحد منّا مكلّف أن یعرفها، كما یجب علیه أن یعرف الله سبحانه وإن كان «ما عرفنا الله حقّ معرفته» فكذلك لا یمكن للبشریة أن تعرف مقام مقام الزهراء‘ حقّ المعرفة، فهي لیلة القدر. في تفسیر نور الثقلین والبرهان وكتاب بحارالأنوار (42: 105) عن تفسیر فرات بن ابراهیم الكوفي مسنداً عن الإمام الباقر× في تفسیر سورة القدر، قال: «إنّ فاطمة هي لیلة القدر، مَن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك لیلة القدر، وإنّما سمّیت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها، ما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّی أقرّ بفضلها ومحبّتها، وهي الصدّیقة الكبری وعلی معرفتها دارت القرون الاُولی». وعن أبي عبدالله الإمام الصادق× أنّه قال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ اللیلة فاطمة الزهراء والقدر الله، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك لیلة القدر، وإنّما سمّیت (فاطمة) لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها[7]. ﴿إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾، وهذا یعني أنّه یمكن للإنسان الذي بعمره الطبیعي أي: ما یقارب الثمانون ونیّف أن یطوي مراحل الكمال ویسلك طریق الله وصراطه المستقیم، لیصل إلی قمّة الكمال والسعادة، قاب قوسین أو أدنی، یمكنه في لیلة واحدة بنیّة خالصة ومعرفة كاملة، أن یطوي هذا المسیر النوراني فیصل إلی قمّة كماله والمقصود من خلقته، وفاطمة الزهراء‘ لیلة القدر فمن عرفها حقّ المعرفة فقد أدرك لیلة القدر وعظمتها ومقامها الشامخ، إلّا أنّ الخلق فطموا عن معرفتها ـ كما یفطم الطفل عن ثدي اُمّه ـ بل وما تكاملت النبوّة لنبيّ ـ والنبوّة خلاصة التوحید ـ فما تكمالت إلّا لمن أقرّ بفضلها ومحبّتها، وبالأولویة ما دون النبوّة... فما تكمالت الإمامة، وما تكامل العلماء في علومهم، والحكماء في حِكمهم، والاُدباء في آدابهم، والأتقیاء في تقواهم، وكلّ كامل في كماله، حتّی یُقرّ بفضلها ویؤمن بمحبّتها، فهي الصدّیقة الكبری وعلی معرفتها دارت القرون الاُولی والاُخری. وحبّها من الصفات العالیة علیه دارت القرون الخالیة بأبي فاطم وقد فطمت باسمها نار حشرها ولظاها هي والله كوثر قد اُعدّت لبنیها وكلّ مَن والاها هي عند الإله أعظم خلق وبها دار في القرون رحاها ثمّ هناك تشابه وتقارب كثیر بین فاطمظ الزهراء‘ وبین لیلة القدر، التي یُفرق فیها كلّ أمر حكیم، وذلك من خلال عدّة اُمور[8] كما تبادر ذلك إلی ذهني القاصر والمقصّر، وذلك بلطف من الله وعنایة من رسوله وأهل بیته^. الأوّل: لیلة القدر وعاء وظرف زماني لنزول كلّ القرآن الكریم ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾، لا یأتیه الباطل من بین یدیه، وفیه كلّ شيء، وتبیان كلّ شيء، وسعادة الدارَین. وكذلك الحوراء الإنسیّة فاطمة الزكیّة، فإنّ قلبها ظرف مكانيّ وروحانيّ، وصدرها وعاء إلهي للقرآن الكریم والمصحف الشریف، وإنّها كانت محدَّثة تحدّثة تحدّثها الملائكة، فهي وعاء للإمامة والمصحف الشریف. كما كان لها كتابٌ سُمّي بمصحف فاطمة، ویعدّ من التراث العلمي عند الشیعة وأئمّتهم الأطهار^. سئل الإمام الصادق× عنه جدّته فاطمة الزهراء‘ فأجاب قائلاً: إنّ جدّتي فاطمة مكثت بعد أبیها رسول الله| خمسة وسبعون یوماً، وكان قد دخل علیها من الحزن علی أبیها، وكان جبرئیل یأتیها فیحسن عزائها ویطیّب نفسها ویخبرها بما یكون بعدها في ذرّیتها، وكان علي× یكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة[9]. ولا یخفی أنّ نزول جبرئیل الأمین× إنّما لم یكن بعد رسول الله بعنوان الوحي والتشریع الجدید؛ لأنّ برحلة النبيّ انقطع عنّا الوحي التشریعي، أمّا تسلیته وحدیثه مع سیدة نساء العالمین فإنّه لا ضیر فیه، فإنّ فاطمة الزهراء كان یحدّثها الملائكة، فهي المحدّثة ـ بالكسر ـ وإنّها المحدَّثة ـ بالفتح ـ. عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عیسی بن زید بن علي، قال: سمعت أباعبدالله× یقول: إنّماسمّیت فاطمة محدَّثة ـ بالفتح ـ لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتنادیها كما تنادي مریم بنت عمران فتقول: یا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك علی نساء العالمین، یا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعین. فتحدّثهم ویحدّثونها. فقالت: إنّ مریم كانت سیدة نساء عالمها، وإنّ الله جعلك سیدة نساء عالمك وعالمها وسیدة نساء الأوّلین والآخرین[10]. فمر یم العذراء لم تكن نبیّة ولكن كانت الملائكة تحدّثها، وكذلك اُمّ موسی بن عمران، وسارة امرأة إبراهیم الخلیل× قد عاینت الملائكة فبشّروها بإسحاق ومن وراء إسحاق یعقوب ولم تكن نبیّه. ومَن أنكر ذلك فإنّه ینكر آیات القرآن وهو الكافر، وكذلك فاطمة الزهراء كانت الملائكة تحدّثها ولم تكن نبیّه، وممّا اتّفقت الاُمّة علیه من العامّة والخاصّة أنّ الملائكة قد حدّثت اُناساً من الرجال والنساء في الاُمم الماضیة وفي هذه الاُمّة ـ كما یذكر ذلك العلّامة الأمیني في كتابه القیّم الغدیر (5: 42) فراجع ـ. وفي حدیث طویل عن أبي عبدالله×: وإنّ عندنا لمصحف فاطمة‘، وما یدریهم ما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فیه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات، والله ما فیه من قرآنكم حرف واحد، إنّما هو شيء أملاها الله وأوحی إلیها. قال: قلت: هذا والله العلم[11]. وهناك أحادیث كثیرة في شأن مصحف فاطمة الزهراء‘، ما هو قرآن ولكنّه كلامٌ من كلام الله عزّوجلّ، فیه خبر ما كان وخبر ما یكون حتّی فیه أرش الخدش، ویعدّ من مصادر علوم أهل البیت^، وكانوا یرجعون إلیه، ثمّ المصحف كما جاء في معاجم اللغة بمعنی قطعة من جلد أو قرطاس كتب فیه ومنه مصحف فاطمة‘، والشیعة بُراء ممّا ینسب إلیهم من قبل بعض المغرضین من أعدائهم، بأنّ لهم قرآناً غیر القرآن المجید، ویسمّی عندهم بمصحف فاطمة، فهذا من الكذب والافتراء و ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ﴾[12]. الثاني: في لیلة القدر یفرق كلّ أمرٍ كلّ أمرٍ أحكمه الله خلال السنة، فیفرق ما یحدث فیها من الاُمور الحتمیة وغیرها، وینزل بها روح القدس علی وليّ العصر والزمان وحجّة الله علی الخلق الذي بیُمنه رزق الوری وبوجوده ثبتت الأرض والسماء، وإنّ الإیمان بلیلة القدر فارق بین المؤمن والكافر، وقد ارتدّ الناس في العمل وفي الولایة بعد رحلة رسول الله| إلّا ثلاث أو خمس أو سبع، وفیهم سیدة النساء فهم علی حق، وغیرهم استحوذ علیهم الشیطان فأغرّهم وأظلّهم فكانوا أئمّة الضلال. وكما أنّ الصلاة من الأعمال الجوارحیة هي الفارق بین المؤمن والكافر، فكذلك في الأعمال الجوانحیة والقلبیة الفارق بین المؤمن والكافر ولاء الرسول ومودّة أهل بیته فاطمة الزهراء وبعلها وبنیها^، كما أنّ الملائكة كانت تحدّثها وتخبرها بما كان وما یكون ویفرق فیها كلّ أمرٍ حكیم. الثالث: لیلة القدر معراج الأنبیاء والأولیاء إلی الله سبحانه فیزاد في علمهم اللّدني والربّاني ویكسبوا من الفیض الأقدس الإلهي. كذلك ولایة فاطمة المعصومة النقیّة التقیّة، فهي مرقاة لوصولهم إلی النبوّة ومقام الرسالة والعظمة والشموخ الإنساني والروحاني، فما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّی أقرّ ببضلها ومحبّتها وذلك في عالم ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ أو في عالم الذرّ أو عالم الأنوار أو الأرواح أو الإنشأة الإنسانیة التي تسبق نشأتنا هذه، وهذه إنّما هي صورة لتلك كما عند بعض الأعلام[13]. ففاطمة الزهراء قطب الأولیاء والعرفاء ومعراج الأنبیاء والأوصیاء، صدرها خزانة الأسرار، ووجودها ملتقی الأنوار، فهي حلقة الوصل بین أنوار النبوّة وأنوار الإمامة، فأبوها محمّد رسول الله، وبعلها علي وصیّة وخلیفته إمام المتقیّن وأمیرالمؤمنین، ومنها أئمّة الحقّ والرشاد وأركان التوحید وساسة العباد. الرابع: لیلة القدر خیرُ من ألف شهر فیضاعف فیها العمل والثواب كلّ واحدٍ بألف، فالتسبیح والتمجید والتهلیل والتكبیر والصلاة وكلّ عمل كلّ واحدٍ بألف، فكذلك محبّة الزهراء وولایتها یوجب مضاعفة الأعمال فإنّ تسبیحها (34 مرّة الله أكبرو33 مرّة الحمدلله و33 مرّة سبحان الله) بعد كلّ صلاة واجبة أو نافلة یجعل كلّ ركعة بألف ركعة كما ورد في الخبر الشریف[14]. فمودتّها هي الإكسیر الأعظم، یجعل من كان معدنه الحدید ذهباً، وإنّ الناس معادن كمعادن الذدهب والفضًة، وعادی عدوّها وأعداء ذریّتها، فإنّه یكون كالذهب المصفّی وباقي الناس كلّهم التراب، وإنّ الله یضاعف الأعمال بحبّها كما تضاعف في لیلة القدر. وأمّا ما یدلّ علی تضاعف العمل في لیلة القدر، فعن حمران: أنّه سأل أباجعفر× عن قول الله عزّوجلّ: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾[15]، قال: نعم هي لیلة القدر، وهي في كلّ سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ینزل القرآن إلّا في لیلة القدر، قال الله عزّوجلّ: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[16] قال: نعم هي لیلة القدر كلّ شيءٍ یكون في تلك السنة إلی مثلها من قابل من خیر وشرّ وطاعة ومعصیة ومولود وأجَل ورزق، فما قدّر في تلك السنة وقضی فهو المحتوم ولله عزّوجلّ فیه المشیة. قال: قلت: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ أيّ شيء عنی بذلك؟ فقال: العمل الصالح فیها من الصلاة والزكاة وأنواع الخیر، خیر من العمل في ألف شهر لیس فیها لیلة القدر، ولولا ما یضاعف الله تبارك وتعالی للمؤمنین ما بلغوا، ولكنّ الله یضاعف لهم الحسنات[17]. الخامس: امتازت لیلة القدر عن كلّ لیالي السنة بالخیر والبركة والشرافة والعظمة وعلوّ الشأن والرفعة، كذلك خیر نساء الأوّلین والآخرین فاطمة الزهراء‘ فهي خیر أهل الأرض والسماء عنصراً وشرفاً وكرامة بعد أبیها الرسول المصطفی وبعلها الوصيّ المرتضی. جاء في قصّة المعراج في خطاب الله عزّوجلّ لنبیّه وحبیبه الأكرم: «یا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»[18]. فغایة الخلق هو الرسول الأعظم محمّد| كما هو الصادر الأوّل ـ لقاعدة الأشرف كما في الفلسفة ـ وقد ورد في الخبر الشریف «أوّل ما خلق الله نور محمّد» فهو العلّة التامّة بعد علّة العلل وهو الله سبحانه، ولكن لمثل هذه العلّة ا لتامة في كمالاتها وصفاتها التي هي مظهر لأسماء الله وصفاته، فإنّه الإنسان الكامل والمخلوق الأتمّ، لابدّ لمثل هذه العلّة النورانیة والكلمة الإلهیة التامة، من معلول یشابهه ویناسخه ـ لقانون العلّة والمعلول كما هو ثابت في الفلسفة والحكمة المتعالیة ـ ویكون نفسه، وهو أمیرالمؤمنین أسدالله الغالب عليّ بن أبي طالب× ـ وممّا یدلّ علی أنّ الوصيّ نفس النبيّ آیة المباهلة ـ ثمّ لمثل مقام النبوّة والإمامة ، لابدّ من معلول جامع لولایتهما یشابهما ومن نفس النور، وهي فاطمة الزهراء بضعة المصطفی فهي اُمّ أبیها[19]. فقد خصّها الله من وصائف فضله وشرائف نبله، بأكمل ما أعدّه لغیرها من ذوي النفوس القدسیة والأخلاق الزكیة، وأشرق صبح النبوّة بمحیّاها، وانفلق صباح الإمامة بغرّتها، فهي اُمّ الكمالات الإنسانیة والملائكیة، فكأنّ طینتها قد عجنت بماء الحیاة، وعین الفضل، في حظیرة القدس، قاب قوسین أو أدنی، فهي نور الحقّ وحقیقة النور، وآیة الصدق وصدق الآیات، فتعالی مجدها وتوالی إحسانها، بضعة الرسول وبهجة قلبه وفلذّة كبده، اُمّ الحسنین والأئمّة الأطهار، وحبیبة الله، وتفّاحة الفردوس المنصورة في السماء فاطمة الزهراء تحفة ربّ العالمین، قد فطمها الله من الأدناس الروحانیة والجسمانیة كما فطم شیعتها وذرّیتها من النار، فاشتقّ اسمها من فاطر السماوات والأرض، لتكون مظهراً للصفات الربوبیة، وهي بقیة النبوّة، ولولا فاطمة لما قام بعد النبي| للدین عمود ولا اخضرّ له عود. وبنورها زهرت السماوات، فهي اُمّ الخیرة والأخیار واُمّ الفضائل والأزدهار واُمّ المعلوم والكتاب وشفیعة یوم الحساب، من عرفها أدرك لیلة القدر، ومن أدرك لیلة القدر كان من السعداء في الدارین، فمعرفتها توجب سعادة الدارین، كما أنّ إنكار فضلها ومقامها وحقّها یوجب شقاوة الدارَین. السادس: لیلة القدر لیلة مباركة ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾[20]، والبركة بمعنی النماء والزیادة والخیر المستمرّ والمستقرّ الدائم والثابت وما یأتي من قبله الخیر الكثیر، ومن ألقاب فاطمة الزهراء أنّها (المباركة) ففیها كلّ بركات السماوات والأرض، فهي الكوثر في الدنیا والآخرة، وهي المنهل العذب والمعین الصافي لكلّ من أراد البركة. فما أدراك ما فاطمة، خیر مَن في الوجود بعد أبیها وبعلها. ولو كنّ النساء كمثل هذه لفُضّلت النساء علی الرجالِ ولا التأنیث لاسم الشمس عار ولا التذكیر فخر للهلالِ وقال آخر: هي مشكاة نور الله جلّ جلاله زیتونة عمّ الوری بركاتها فهي الكوثر، والكوثر الخیر الكثیر ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾، ومنها ذریّة الرسول الأكرم، وعدم انقطاع نسله إلی یوم القیامة، وفي وصف النبيّ: إنّما نسله من مباركة لها بیت في الجنّة لا صخبٌ فیه ولا نصب[21]. السابع: العبادة في لیلة القدر تكون منشأ للفیوضات الإلهیة، والكمالات الربانیة، والفیوضات ا لقدسیة، والبركات السماویة. كذلك التوسّل بفاطمة الزهراء فهي منشأ البركات والخیرات. وإذا كانت فاطمة المعصومه بنت الإمام موسی بن جعفر من أحفاد فاطمة الزهراء‘، مَن زارها عارفاً بحقّها وجب له الجنّة، كما ورد ذلك عن جدّها الإمام الصادق× قبل ولادتها في قوله×: إنّ لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فیها امرأة من أولادي تسمّی فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنّة[22]. وإذا نقول في زیارتها «یا فاطمة اشفعي لي في الجنّة فإنّ لك عندالله شأناً من الشأن»، فكیف باُمّها فاطمة الزهراء‘، فإنّ مَن زارها وعرف حقّها وفضلها وجبت له الجنّة، ومَن یدخل الجنّة فهو السعید حقّاً لقوله تعالی: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا﴾[23]. وقال النبي الأكرم لسبطیه الإمامین الحسن والحسین: «أنتما الإمامان ولاُمكما الشفاعة»[24]. وقد جاء في الروایات فضل زیارتها، وأنّ زائرها یغفر له ویدخل الجنّة. الثامن: نزل القرآن الكریم وهو النور والفرقان والبیان والتبیان في لیلة القدر، فلیلة القدر لیلة نزول النور الإلهي، وفاطمة الزهراء‘ هي نور الله، وهي الكوكب الدرّي، كما جاء ذلك في تفسیر آیة النور في قوله تعالی: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[25]. عن موسی بن القاسم عن علي بن جعفر قال: سألت أباالحسین ـ الإمام الكاظم× ـ عن عزّوجلّ ﴿كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾، قال: المشكاة فاطمة والمصباح الحسن والحسین. ﴿كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾، قال: كانت فاطمة كوكباً دُریّاً من نساء العالمین. ﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾، الشجرة المباركة إبراهیم. ﴿لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ﴾، لا یهودیة ولا نصرانیة. ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ﴾، قال: یكاد العلم أن ینطق منها. ﴿وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾، قال: فیها إمام بعد إمام. ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾، قال: یهدي الله عزّوجلّ لولایتنا من یشاء[26]. عن فاطمة الزهراء‘: اعلم یا أباالحسن أنّ الله تعالی خلق نوري وكان یسبّح الله جلّ جلاله، ثمّ أودعه شجرة من شجر الجنّة فأضاءت، فلمّا دخل أبي الجنّة أوحی الله إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك، ففعل، فأودعني الله سبحانه صلب أبي| ثمّ أودعني خدیجة بنت خویلد فوضعتني، وأنا من ذلك النور أعلم ما كان وما یكون وما لم یكن، یا أباالحسن المؤمن ینظر بنور الله تعالی[27]. وما أروع ما یقوله الشاعر: مشكاة نورالله جلّ جلاله زیتونة عمّ الوری بركاتها هي قطب دائرة الوجود ونقطة لمّا تنزلّت أكثر كثراتها هي أحمد الثاني وأحمد عصرها هي عنصر التوحید في عرصاتها ویقول المحقّق العلّامة الشیخ محمّد باقر صاحب (الخصائص الفاطمیة) في كتابه: سبحانك اللّهمّ یا فاطر السماوات العلی وفالق الحبّ والنوی، أنت الذي فطرت اسماً من اسمك واشتقته من نورك، فوهبت اسمك بنورك حتّی یكون هو المظهر لظهورك، فجعلت ذلك الاسم أصل لجملة أسمائك وذلك النور اُرومة لسیدة إمائك، ونادیت بالملأ الأعلی: أنا الفاطر وهي فاطمة، وبنورها ظهرت الأشیاء من الفاتحة إلی الخاتمة، فاسمها اسمك ونورها نورك وظهورها ظهورك، ولا إله غیرك، وكلّ كمالٍ ظلّك وكلّ وجود ظلّ وجودك، فلمّا فطرتها فطمتها عن الكدورات البشریة واختصصتها بالخصائص الفاطمیة، مفطومة عن الرعونات العنصریة، ونزّهتها عن جمیع النقائص مجموعة من الخصائل المرضیة بحیث عجزت العقول عن إدراكها، والناس فطموا عن كنه معرفتها، فدعا الأملاك هي الأفلاك بالنوریة السماویة وبفاطمة المنصورة... اُمّ السبطین وأكبر حجج الله علی الخافقین، ریحانة سدرة المنتهی وكلمة التقوی والعروة والوثقی وستر الله وستر الله المرخی والسعیدة العظمی والمریم والكبری والصلاة الوسطی والإنسیة الحوراء التي بمعرفتها دارت القرون الاُولی. وكیف اُحصي ثناها وإنّ فضائلها لا تحصی وفواضلها لا تقضی، البتول العذراء والحرّة البیضاء، اُمّ أبیها وسیدة شیعتها وبنیها، ملكة الأنبیاء الصدیقة فاطمة الزهراء‘[28]. عن النبي الأكرم محمد|، قال: لمّا خلق الله الجنّة خلقها من نور وجهه، ثمّ أخذ ذلك النور فقذفه، فأصابني ثلث النور وأصاب فاطمة ثلث النور وأصاب علیّاً وأهل بیته ثلث النور، فمن أصابه من ذلك النور اهتدی إلی ولایة آل محمد ومَن لم یصبه من ذلك النور ضلّ عن ولایة آل محمد[29]. عالم الأنوار عالم خاص یسبق هذا العالم الجسماني المادي، وإنّما نؤمن بعالم الأنوار وما فیه من المعاني والعلوم والحقائق لما أخبرنا به الصادق الأمین المصدّق النبي الأكرم محمد وعترته الأبرار الأئمة الأطهار^، فهم أهل البیت^ وهم أدری بما في البیت، وإلّا فإنّ عقول البشر لولاهم لما أدركت من هذه العوالم النورانیة شیئاً. فهم باب الله ووجهه الذي یتوجّه إلیه الأولیاء، بهم فتح الله وبهم تختم، فهم نور الأخیار من الملائكة والثقلین، وكانوا أنواراً بعرش الله محدقین فمنّ الله علینا بهم فعجلهم في بیوت أذن الله أن ترفع ویذكر فیه اسمه[30]. التاسع: كثیر من الناس أدركتهم السعادة في لیلة القدر، فهي لیلة السعادة، وكذلك السیدة فاطمة الزهراء، فهي سرّ السعادة، ومحبّتها ومعرفتها والاقتداء بها وإطاعتها ونصرتها یوجب السعادة الأبدیة، ویحلّق الإنسان في آفاق الكمال ویسبح في یمّ الجلال. وكم من شاهد وقصة تدلّ علی أنّ هناك من أنّ هناك من أدركتهم السعادة ببركة فاطمة الزهراء‘، كما أنّ الله هدی ذلك المجوسي وأهل بیته إلی الإسلام فأسلموا جمیعاً لما أكرم العلویة التي جاءت إلیه تشكو حالها، كما یحدّثنا بذلك العلّامة المجلسي في كتابه القیّم(بحارالأنوار 93: 225 ـ 236)، فراجع. العاشر: إنّ الله سبحانه جعل حریماً لكلّ أمر مقدّس ومعظّم، فإنّه لا صلاة إلّا بطهور تكبیرة الإحرام، وإنّ الحجر الأسود ومكة المكرّمة جعل لها حرماً، فلا یدخلها إلّا من كان محرماً وقد حرّم علی نفسه الملاذّ، كالنساء واستعمال الطیب ولبس المخیط وطلب الراحة كالاستظلال، فكان للحجر الأسود مواقیت، وتقدّست بقعة من الأرض لأجله، ولأنّ مكرمة والكعبة المعظمة مهبط الوحي ونزول الرسالة المحمدیة السمحاء المتمثّلة بالقرآن الكریم، فمكة المكرمة مكان نزول القرآن ولیلة القدر زمان نزوله، وصار للكعبة حرماً إثر عظمة الوحي، وكذلك شهر رمضان، فإنّه نزل القرآن كلّه في لیلة قدره، ولكن سرت القداسة والتكریم والتعظیم إلی كلّ أیام ولیالي الشهر، بل تشرّف ذلك العصر الذي نزل فیه القرآن فأقسم به الله في سورة العصر، كما أقسم بالمكان الذي نزل فیه الوحي ﴿لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾، فشعاع الوحي والقرآن الكریم قد نوّر میداناً وسیعاً في الزمان والمكان. فما تقدّس عند ربّك الأكرم الذي علّم الإنسان ما لم یعلم، فإنّه یكون له حریم مقدسٌ وتوابع مقدسة، كلیلة القدر بشرفها تشرّفت لیالي شهر رمضان وأیامه. وكذلك فاطمة الزهراء تقدّست عند ربّها، فوجب إجلالها وإكرامها، بل وینبغي تعظیم ذریتها ومودّتهم وتكریمهم، فإنّه ألفُ عینٍ لأجل عینٍ تكرم، فوجب علی كلّ مسلم إكرام السادة والذریة الطیّبة، من ولد فاطمة الزهراء وعلي المرتضی×، فالصالح منهم یكرّم الله والطالح منهم لرسوله وعترته. عن أبي عبدالله الإمام الصادق ×، قال: إذا كان یوم القیامة جمع الله الأوّلین والآخرین في صعید واحد، فتغشاهم ظملة فیضّجون إلی ربّهم ویقولون: یا ربّ اكشف عنّا هذه الظلمة، قال: فیقبل قوم یمشي النور من بین أیدیهم قد أضاء أرض القیامة فیقول أهل الجمع: هؤلاء أنبیاء الله، فیجیئهم النداء من عندالله: ما هؤلاء بأنبیاء، فیقول له أهل الجمع: فهؤلاء ملائكة، فیجیئهم النداء من عندالله: ما هؤلاء بملائكة، فیقولون: مَن هم؟ فیجیئهم النداء: یا أهل الجمع سلوهم مَن أنتم؟ فیقول أهل الجمع: مَن أنتم؟ فیقولون: نحن العلویون، نحن ذریة محمد رسول الله، نحن أولاد علي ولي الله، نحن المخصوصون بكرامة الله، نحن الآمنون المطمئنون. فیجیئهم النداء من عندالله عزّوجلّ: اشفعوا في محبّیكم وأهل مودّتكم وشیعتكم، فیشفعون فیشفّعون[31]. وعن الإمام الرضا×، قال: النظر إلی ذریتنا عبادة، فقیل له: یابن رسول الله النظر إلی الائمة منكم عبادة، أم النظر إلی جمیع ذریة النبي |؟ فقال: بل النظر إلی جمیع ذریة النبي عبادة. وفي روایة اُخری: ما لم یفارقوا منهاجه ولم یتلوّثوا بالمعاصي. وعن علي×، قال: قال رسول الله|: أربعة أنا لهم شفیع یوم القیامة: المكرم لذریّتي من بعدي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في اُمورهم عند اضطرارهم، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه[32]. وعنه، عن آبائه^، قال: قال النبي|: إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذریّتها علی النار[33]. وعن حمّاد بن عثمان، قال: قلت لأبي عبدالله×: جعلت فداك، ما معنی قول رسول الله|: «إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذریّتها علی النار»؟ فقال: المعتقون من النار هم ولد بطنها الحسن والحسین واُمّ كلثوم. فتشرّف بنور الزهراء باُمّهم الطاهرة المطهّرة، وحرمت أجسادهم علی النار، ونالوا العلی بنسبتهم إلی السیدة المعصومة، كما تشرّف لیالي شهر رمضان المبارك بلیلة القدر. الحادي عشر: إنّ الله سبحانه وتعالی قد دعا عباده لضیافتهم العامة في شهر رمضان المبارك، فالصائم وافد علی الله وضیفه ولكلّ ضیفٍ قریً، وقری الله الاعتاق من النار ودخول الجنّة، وإنّ الله یغفر لعباده الصائمین ویعتق الرقاب من جهنم، وامتازت لیلة القدر من بین لیالي رمضان وأیامها، أنّه یعتق فیها ما یعادل العتق في الشهر كلّه، فإنّها خیرٌ من ألف شهر، كما جاء نصّ ذلك في الأخبار. وفاطمة الزهراء‘ سمّیت فاطمة، لأنّها تفطم شیعتها من النار وتعتق رقابهم وتدخلهم الجنّة ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾[34]. عن الإمام الرضا×، عن آبائه^، قال: قال رسول الله|: إنّما سمّیت ابنتي فاطمة لأنّ الله فطمها وفطم مَن أحبّها من النار[35]. قال النبي: إنّما سمیّت ابنتي فاطمة لأنّ الله فطمها وفطم محبّیها عن النار[36] عن محمد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أباجعفر× یقول: لفاطمة وقفة علی باب جهنم، فإذا كان یوم القیامة كتب بین عیني كلّ رجل: مؤمن أو كافر، فیؤمر بمحبٍّ قد كثرت ذنوبه إلی النار فتقرأ فاطمة بین عینیه محبّاً فتقول: إلهي وسیدي سمّتني فاطمة وفطمت بي مَن تولّاني وتولّی ذریتي من النار ووعدك الحقّ وأنت لا تخلف المیعاد، فیقول الله عزّوجلّ: صدقتِ یا فاطمة إنّي سمّیتك فاطمة وفطمت بك مَن أحبّك وتولاّك وأحبّ ذریتك وتولّاهم من النار، ووعدي الحقّ وأنا لا اُخلف المیعاد[37]. الثاني عشر: انفردت لیلة القدر بعظمتها وشموخها من بین لیالي السنة، فلیس لها مثیل ولانظیر، فهي سیدة اللیالي والأیام. وفاطمة الزهراء‘ لا مثیل لها یبن النساء، فهي سیدة نساء العالمین من الأوّلین والآخرین في الدنیا والآخرة، ولولا أمیرالمؤمنین علي المرتضی× لما كان لها كفؤ من الرجال آدم ومن دونه، وهذا ما نصّت علیه الأخبار الشریفة عند الفریقین السنّة والشیعة. روي العلّامة المجلسي+، قال: قال النبي|: فاطمة سیدة نساء العالمین من الأوّلین والآخرین، وإنّها لتقوم في محرابها فیسلّم علیها سبعون ألف ملَك من المقرّبین، وینادونها بما نادت به الملائكة مریم فیقولون: یا فاطمة ﴿وَإِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾[38]. وعن المفضّل، قال: قلت لأبي عبدالله×: أخبرني عن قول رسول الله| في فاطمة إنّها سیدة نساء العالمین، أهي سیدة نساء العالمین، أهي سیدة نساء عالمها؟ فقال×: ذاك مریم كانت سیدة نساء عالمها، وفاطمة سیدة نساء العالمین من الأوّلین والآخرین[39]. وعن الحسن بن زیاد العطّار، قال: قلت لأبي عبدالله الإمام الصادق×: قول رسول الله|: فاطمة سیدة نساء أهل الجنّة أسیدة نساء عالمها؟ قال: ذاك مریم، وفاطمة سیدة نساء أهل الجنّة من الأوّلین والآخرین[40]. قال العلّامة المحقّق السید شریف الدین العاملي صاحب كتابَي المراجعات والنصّ والاجتهاد: تفضیلها علی مریم‘ أمر مفروغ عنه عند أئمة العترة الطاهرة وأولائهم من الإمامیة وغیرهم، وصرّح بأفضلیتها علی سائر النساء ـ حتّی السیدة میم ـ كثیر من محققي السنّة والجماعة كالتقي السبكي والجلال السیوطي والبدر والزركشي والتقي المقریزي وابن أبي داود والمناوي فیما نقله عنهم العلّامة النبهاني في (فضائل الزهراء) في كتابه (الشرف المؤبّد: 59)، وهذا هو الذي صرّح به السید أحمد زیني الدحلان مفتي الشافعیة، ونقله عن عدّة من أعلامهم وذلك حیث أورد تزویج فاطمة بعلي في سیرته النبویة[41]. وأمّا «لولا علي لما كان كفؤ لها» فقد قال الإمام الصادق×: لولا أنّ أمیرالمؤمنین× تزوّجها لما كان لها كفؤ إلی یوم القیامة علی وجه الأرض آدم فمَن دونه[42]. فسلام الله علیك یا مولاتي سیدة نساء العالمین أبداً، وعلی أبیك وبعلك وبنیك وذریّتك وشیعتك ومحبّیك، ورزقنا الله في الدنیا زیارتك وفي الآخرة شفاعتك وشفاعة محمد وآله، آمین. الثالث عشر: ذات الله سبحانه سرّ لا یعلمه إلّا هو، وله في خلقه أسرار لا یعلمها إلّا هو ورسوله والراسخون في العلم من عترة النبي الهادي المختار^. ولیلة القدر سرّ من أسرار الله. وفاطمة الزهراء‘ عصمة الله وسرّ من أسرار العظمی، لا یعرف حقیقتها ومقامها الرفیع وآیاتها الباهرة إلّا الله ورسوله وأهل بیته الأطهار^، فهي سرّ في وجودها وفي ولادتها وحیاتها ورحلتها إلی جوار ربّها. فهي تفاحة الفردوس تؤنس اُمها في بطنها، وتولدها نساء الجنّة بعد قاطعت نساء قریش اُمّها خدیجة الكبری^. قال النبي الأكرم|: أتاني جبرئیل بتفاحة من الجنّة فأكلتها، وواقعت خدیجة فحملت بفاطمة، فقالت إنّي حملت حملاً خفیفاً، فإذا خرجت حدّثني الذي في بطني، فلمّا أرادت أن تضع بعثت إلی نساء قریش لیأتینها فیلین منها ما یلي النساء ممّن تلد، فلم یفعلن، وقلن: لا نأتیك وقد صرتِ زوجة محمد[43]. عن السیدة خدیجة الكبری، قالت: لمّا حملت بفاطمة حملت حملاً خفیفاً وتحدّثني في بطني، فلمّا قربت ولادتها دخل عليّ أربع نسوة علیهنّ من الجمال والنور ما لا یوصف، فقالت إحداهنّ: أنا اُمّك حوّاء، وقالت الاُخری: أنا آسیة بنت مزاحم، وقالت الاُخری أنا كلثم اُخت موسی، وقالت الاُخری: أنا مریم بنت عمران اُمّ عیسی، جئنا لنليَ من أمرك ما تلي النساء. فولدت فاطمة فوقعت علی الأرض ساجدة رافعة إصبعها[44]. وفي حدیث طویل عن الإمام الصادق×: فدخل رسول الله يوماَ وسمع خدیجة تحدّث فاطمة فقال لها: یا خدیجة مَن یحدّثك؟ قالت: الجنین الذي في بطني یحدّثني ویؤنسني، فقال لها: هذا جبرئیل بشّرني أنّها اُنثی وأنّها النسمة الطاهرة المیمونة، وأنّ الله تبارك وتعالی سیجعل نسلي منها وسیجعل من نسلها أئمة في الاُمّة[45]. وأمّا حیاتها ووجودها الطاهر فحال بالكرامات والمناقب والفضائل یكلّ اللسان عن بیانه، فهي الإنسیة الحوراء الزكیة الطاهرة، تشترك مع أبیها وبعلها وبنیها الأطهار في العصمة والقرآن، وأنّهم الصراط المستقیم، وكلمات الله التي تلقّاها آدم لتوبته، وأنّها من آیات النور والتطهیر والذین آمنوا وكانوا قلیلاً من اللیل ما یهجعون ومرج البحرین والإیثار والاطعام ونزول الملائكة في لیلة القدر وعشرات الآیات القرآنیة الاُخری، وأنّها تشترك معهم في النورانیة وبدء خلقهم قبل آدم وعرض ولایتهم علی الأشیاء وسبق دخولهم الجنّة یوم القیامة، وأنّهم في حضیرة القدس، وأنّهم خیر خلق الله واصطفاهم الله من بین خلقه وكرّمهم تكریماً، وأنّهم تحت قبّة العرش، وعرض حبّهم علی البریّة وولایتهم في عالم الذرّ، وأنّها تشترك معهم في الصلوات والسلام علیهم، وعدم عذاب محبّیها ومحبّي عترتها بالنار، وأنّ رضاها من رضاالله ورسوله، وبكاء ا لعرش والملائكة لبكائها، وأنّ زواجها كان بأمرٍ من الله وأنّ زوجها سید في الدنیا والآخرة، وأنّها أحبّ إلی ربّها، وقد باهل بها النبي نصاری نجران، وأنّ الأئمّة الأطهار من ولدها، وأنّ المهدي من آل محمد الإمام المنتظر× من ولدها، وأنّ حبّها ینفع في ماة موطن، وأنّ الله یغضب لغضبها، وقد فرض طاعتها وطاعة أولادها المعصومین علی جمیع الكائنات، وأنّ الرحی كانت تدور من دون مباشرتها لها، وكان الملَك یحرّك مهد ولدها، وأنّ النبي كرّمها غایة التكریم فكان یقوم إلیها عند قدومها ویقبّل رأسها وصدرها ویدها، ولا ینام حتّی یقبّل عرض وجهها، فكانت أحبّ الناس إلی النبيّ الأعظم. وغیر ذلك من المناقب والكرامات التي تدلّ بوضوح علی أنّها سرّ مكنون من أسرار الله سبحانه وتعالی[46]. الرابع عشر: لیلة القدر قد جهلها الناس من حیث اللیالي ومن حیث القدر والمنزلة فقطعوا وفطموا عن معرفتها، كذلك البضعة الأحمدیة والجزء المحمدي فهي مجهولة القدر «وإنّما سمّیت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها»، كما جهل قدرها اُولئك الظَلَمة الكفَرة أحرقوا بابها وكسروا ضلعها وأسقطوا جنینها وغصبوا فدكها وحقّها، ولم ینصروها فخفی علی الناس مقامها وقدرها حتّی قبرها الشریف وتأریخ وفاتها، لیكون شا هداً في التأریخ علی مظلومیّتها وشهادتها ومظلومیة بعلها «اللّهم العن أوّل الظالم ظلم حقّ محمّد وآل محمد وآخر تابع له علی ذلك». عن مجاهد: خرج النبي| وهو آخذٌ بید فاطمة فقال: مَن عرف هذه فقد عرفها، ومَن لم یعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة منّي وهي قلبي وهي روحي التي بین جنبيّ من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذی الله[47]. ومن آذی الله لعنه الله مِلأ السماوات والأرض[48]. ومن طرق العامة، عن نصر بن مزاحم، عن زیاد بن المنذر، عن زاذان، عن سلمان، قال: قال النبي|: «یا سلمان، من أحبّ فاطمة بنتي فهو في الجنّة معي ومن أبغضها فهو في النار، یا سلمان، حبّ فاطمة ینفع في مائة من المواطن، أیسر ذلك المواطن الموت والقبر والمیزان والمحشر والصراط المحاسبة، فمن رضِیَت عنه ابنتي فاطمة رضِیتُ عنه ومن رضیتُ عنه رضی الله عنه، ومن غصبت علیه غضبتُ علیه ومن غضبتُ علیه غضب الله علیه، یا سلمان، ویلٌ لمن یظلمها ویظلم بعلها أمیرالمؤمنین علیاً وویلٌ لمن یظلم ذریتها وشیعتها»[49]. وممّا یقطع أنیاط القلب ویُمیت الإنسان الغیور كمداً وحزناً روایة فاطمة الزهراء‘ قصة مظلومیتها وسبب شهادتها قائلةً: «فجمعوا الحطب الجزل علی بابي وأتوا بالنار لیحرقوه ویحرقونا، فوقفت بعضادة الباب وناشدتهم الله، بالله وبأبي أن یكفّوا عنّا وینصرونا، فأخذ عمر السوط من ید قنفذ مولی أبي بكر فضرب به علی عضدي حتی صار كالدملج، وركل الباب برجله، فردّه عليّ وأنا حامل، فسقطت لوجهي والنار تسعر ویسفع في وجهي فیضربني بیده حتّی انتثر قرطي من اُذني وجاءني المخاض فأسقطت محسناً بغیر جرم»[50]. اللهم العن أوّل ظالم ظلم محمد وآل محمد وآخر تابع له علی ذلك، اللّهم العن العصابة التي جاهدت فاطمة الزهراء وغصبت حقّها وأسقطت جنینها وكسرت ضلعها وشایعت وبایعت علی ذلك، اللّهمّ العنهم جمیعاً لعناً وبیلاً من بدء الخلق إلی یوم الدین، آمین آمین، لا أرضی بواحدة حتّی یضاف إلیه ألف (آمین). ورحم الله عبداً قال: آمین. وآخر دعوانا أنّ الحمدلله ربّ العالمین. [1] فرائد السمطین 2: 68. [2] میزان الحكمة 5: 405، بحارالأنوار 82: 236. [3] مستدرك الوسائل 6: 444. [4] الوسائل 1: 6، الحدیث 10. [5] فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفی: 51، كما في صحیح مسلم. [6] مفاتیح الجنان: دعاء الغیبة. [7] البحار 43: 13. [8] لقد ذكرت أربعة عشر أمر تیمّناً وتبرّكاً باسم الأربعة عشر معصوماً^، وهذا غیض من فیض ممّا یدلّ علی عظمة وجلالة مقام السیدة مولاتنا فاطمة الزهراء‘ وأنّها من أبرز وأتمّ مصادیق لیلة القدر، بل من حقائق تلك اللیلة المباركة لو عرفنا قدرها وحقّها. [9] بحارالأنوار 43: 80. [10] البحار 43: 78. [11] بصائر الدرجات: 151، وفاطمة الزهراء: 174. [12] سورة النحل: الآیة 105. [13] كما یذهب إلیه العلّامة الطباطبائي في تفسیره المیزان ذیل الآیة الشریفة ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾، فراجع. [14] البحار 21: 24. [15] القدر:1. [16] الدخان: 4. [17] الوسائل 7: 256، میزان الحكمة 8: 59. [18] الجنة العاصمة للسید میرجهاني: 148، وكشف اللآلي لصالح عبدالوهاب بن العرندس، وملتقی البحرین: 14، ومسنداً في كتاب فاطمة الزهراء بقلب المصطفی: 9. [19] المناقب 3: 357. [20] القدر:1. [21] فاطمة الزهراء: 162، والبحار 43 : 22. [22] سفینة البحار 2: 446، (قمم). [23] سورة هود، الآیة 108. [24] كشف الغمّة 1: 506. [25] سورة النور، الآیة 35. [26] المناقب: لابن مغازلي (من علماء أبناء العامة): 317. [27] عوالم العلوم والمعارف 6: 7. [28] فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفی: 24، عن الخصائص الفاطمیة: 1. [29] بحارالأنوار 43: 44. [30] جاءت مضامین هذه المعتقدات الحقّة في زیارة الجامعة الكبیرة، فراجع. [31] البحار 93: 217، عن أمالي الصدوق: 170. [32] المصدر، عن عیون أخبار الرضا× 1: 253. [33] المصدر نفسه. [34] سورة آل عمران، الآیة 185. [35] فرائد السمطین 2: 58. [36] البحار 43: 16. [37] المصدر: 14. [38] البحار 43: 49. [39] العوالم 11: 46. [40] المصدر: 49. [41] فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفی: 94، عن هامش (النصّ والاجتهاد)، المورد 8، الصفحة 114. [42] البحار 43: 10 . [43] ذخائر العقبی: 44. [44] ینابیع المودّة: 198، فاطمة الزهراء: 129. [45] البحار 16: 80. [46] راجع في ما ذكرنا من الإشارة إلی بعض مناقبها إلی كتاب (فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفی)، وبحارالأنوار ـ الجزء 43، والمعالم ـ الجزء 11، وغیر ذلك من الكتب التي تتحدّث عن سیدة نساء العالمین‘. [47] نور الأبصار؛ للشبلنجي: 52. «وحبّ فاطمة الزهراء‘ هو الفرض وتمام الفرض وقبول الفرض لأنّ النبيّ| حصر رضاه في رضاها فقال: (والله یا فاطمة لا یرضی الله حتّی ترضي ولا أؤضی حتّی ترضي» ومعنی هذا الرمز أنّ فاطمة‘ ینبوع الأسرار وشمس العصمة ومقرّ الحكمة لأنّها بضعة النبيّ وحبیبة الوليّ ومعدن السرّ الإلهي، فمن غضبت علیه اُمّ الأبرار فقد غضب علیه نبیّه وولیّه، ومَن غضب علیه النبيّ والوليّ فهو الشقيّ كلّ الشقيّ. (مشارق أنوار الیقین: 26)». [48] البحار 43: 54، وقد ذكر العلّامة الأمیني في غدیره هذا الحدیث علی اختلاف ألفاظه وذكر تسعة وخمسین مصدراً له من صحاح العامة ومسانیدها، فراجع. [49] فرائد السمطین 2: 67. [50] بیت الأحزان: 98، لخاتم المحدّثین الشیخ عبّاس القمّي، وراجع كتاب الإمامة والسیاسة لابن قتیبة 1: 19ـ 20. اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|
|
|
|