#1
|
|||||||||
|
|||||||||
الدلائل العقلية التي يقوم عليها الإيمان بالله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين : فإذا كانت معرفة الله أمرًا فطريًا حادثًا في النفس حاضرًا، وأقمنا الدلائل على ذلك، فلِمَ قد نحتاج إلى الدلائل العقلية؟ فدعونا نتحدث أولًا عن حاجتنا إلى أدلة عقلية على أمرٍ حادث حاصل في النفس، لننتقل بعدها إلى استعراض هذه الأدلة… لِمَ قد نحتاج لأدلة عقلية على وجود الله وأصل ذلك: أن الواقع يشهد بتلوث بعض الفطر؛ لذلك نحتاج الدلائل العقلية لرد الإنسان إلى فطرته، وترسيخ ما يتعلق بها، إذ أننا بحاجة إلى التذكير بهذه المعرفة الفطرية وإزاحة الغبار عنها، مع التأكيد على أننا لسنا بصدد إحداثها، إذ أنها أمور حاصلة في النفس-كما بيَّنا-ابتداءً. كما أنَّ البعض لا يكفيه فقط هذه الدلائل الفطرية على وجود الخالق، فمن أجل هذا أرسل الله الرُسل وأيَّدهم بالأدلة على صدق دعواهم. الدلائل العقلية على وجود الله وفي هذا السياق لا بد من التنبيه على خطورة الاستدلال بالأدلة الخاطئة أو الضعيفة أو غير المحررة؛ لأن هذا النوع من الأدلة لا ينفع الحق، وإنما يضعف من جانبه، فالمخالفون للحق، سيركزون أنظارهم على هذا النوع من الأدلة، ويعرضون عن الأدلة المستقيمة الصالحة، والحق لا يحتاج في انتصاره إلى كثرة الأدلة بقدر ما يحتاج إلى قوة الأدلة وتماسكها وانضباطها. وسنذكر هنا أهمَّ وأقوى دليلين يعتمدهما المسلمون للتدليل العقلي على وجود الله-دليل الخلق والإيجاد، ودليل الإحكام والإتقان-:
مقدامات هذا الدليل
تقول المقدمة الأولى «الكون حادث من العدم ليس قديمًا»، ومعنى تلك المقدمة أن هذا الكون الذي نراه بجميع مكوناته من بشر ونبات وحيوان وأنهار وجبال… ليس قديمًا أزليًّا، بل له بداية لوجوده، خُلق فيها وانتقل بموجبها من العدم إلى الوجود. ولتدليل على صحة هذه المقدِّمة-والتي يُدركها الإنسان أصلًا-فنحن بحاجة إلى إثبات حدوث بعض مكونات الكون المعلومة بالمشاهدة الحسية، ومن ثمَّ الاستدلال على هذا الحدوث بحدوث الكون كاملًا، وحينها نستدل بهذا الحدوث على وجود خالق لهذا الكون. ومع تطور العلوم التجريبية لم يزدد المسلمون إلَّا إيمانًا بصدق تصورهم ومعتقدهم، إذ أثبتت تلك العلوم في عدد من الاكتشافات الحديثة أن الكون حادِثٌ بعد أن لم يكن، وسنتناول باختصار بعض هذه النظريات ودلالتها القوية على حدوث الكون بعد أن كان عدمًا. نظرية الانفجار الكبير وأقوى هذه النظريات وأكثرها دلالة على حدوث الكون، وأكثرها حظوة وحضورًا في المجال العلمي هي نظرية الانفجار العظيم، والتي تثبت ضرورة وجود بداية للكون، يقول العالم الفلكي الشهير ستيف هاكنغ: «إن إدوين هابل أجرى سنة 1929م مشاهدة تعد علامة طريق هي أنك حيثما وجهت بصرك، تجد المجرات البعيدة تتحرك بسرعة بعيدا عنا. وبكلمات أخرى فإن الكون يتمدد. ويعني هذا أن الأشياء كانت في الأوقات السالفة أكثر اقترابا معًا. والحقيقة أنه يبدو أنه كان ثمة وقت منذ حوالي عشرة أو عشرين ألف مليون سنة، حيث كانت الأشياء كلها في نفس المكان بالضبط، وبالتالي فإن كثافة الكون وقتها كانت لا متناهية. وهذا الاكتشاف هو الذي أتى في النهاية بمسألة بداية الكون إلى دنيا العلم» والأقوال في هذا كثيرة والأدلة العلمية أكثر من أن تُحصى، ولكن سنشير إلى بعض المصادر لمن أراد أن يطلع على المزيد من الدلائل على هذه الحقيقة:
تقول المقدمة الثانية: «كل حادِثٍ لا بد له مِن مُحدِث، أو كل ما له بداية فلا بد له من سبب»، وهذه المقدمة من المبادئ العقلية الضرورية، والتي لا يُفضَّلُ الخوض كثيرًا في إثباتها، إذْ أنها حاصلة في النفس من غير توسط نظر ولا استدلال. فمن ذا الذي يُنكر أنَّ هناك حدثًا يُمكن حدوثه بلا سبب، أو أنَّه يمكن ترجيح أمرٍ على أمرٍ دونما سبب للترجيح؟!
مقدمات الدليل:
تقول المقدمة الأولى: «الكون مُحكمٌ مُتقَن في خلقته.»، وتعني أن الكون رُكِّب وعُدِّل في صورة معقدة يصعب اختزالها إلى مكونات أولية، فحتى أبسط مكونات الكون فهي تحمل في ذاتها قدرًا من الإتقان يستحيل اختزال إحداث هذا الإتقان ونسبته إلى الصدفة. ويمكننا الاستدلال على ما في الكون من إحكام وإتقان من خلال اتجاهين: 1- ما نشاهده من صرامة وإتقان في الكون. 2- ما أثبتته العلوم الطبيعية من دقة الثوابت الكونية التي يؤدي أي تغير طفيف فيها إلى كوارث طبيعية. دلائل المبادئ الحسية على الإتقان في الكون دلائل العلم التجريبي على ما في الكون من إحكام وإتقان وليس أسهل من التدليل على هذا الباب، فالثوابت الكونية وما فيها من دقة متناهية تقف رادعة لكل من يحاول إن ينسب هذا الإحكام والإتقان إلى مجرد الصدفة، فلنبدأ أولًا بثابت الجاذبية (والذي يختلف عن عجلة الجاذبية)، والذي يبلغ G= 6.67408 × 10-11 m3 kg-1 s–2 فتغيير طفيف في هذه النسبة كفيل إلى أن يقلب حياتنا رأسًا على عقب. فهو مسئول مع القوة الطاردة المركزية عن استمرار الكوكب في مداره لا يبعد ولا يقترب من الشمس، وكذلك سرعة دوران الكوكب حول الشمس، والتي تبلغ درجة حرارة سطحها-الفوتوسفير-حوالي 10000 فهرنهايت (أي ما يُعادل 5500 درجة سيليزيوس مئوية) فيما تبلغ درجة حرارة القلب حوالي 27 مليون درجة فهرنهايت (15 مليون درجة سيليزيوس مئوية)، وتِبعًا لهذا الإتقان تبعد الشمس عنَّا 149.6 مليون كيلومتر. فَلَكَ أن تتخيل ما سيُحدثه أي تغير طفيف في نسبة من هذه النسب! انتهيت من التخيل؟ اعلم أنَّ هناك من يعتقد بأن هذه الثوابت ما هي إلا مجرد أرقام نشأت نتيجة الصدفة! «أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» بعض المصادر لمن أراد أن يطلع على المزيد من الدلائل على هذه الحقيقة:
ختامًا تابعنا على مدار موضوعين مظاهر العظمة والحكمة وما فيهما من الدلائل على وجود الخالق سبحانه، وحيال هذه الحقائق التي لا تكاد تُذكر بالنسبة إلى دلائل وجود الخالق، واستحقاق إفراده بالربوبية والعبودية؛ لا نملك إلّا أنْ نعبد الله على الوجه الذي ارتضاه لنا، ونُسلِّم تمام التسليم لأوامره وقوانينه وشرائعه، تسليم المطمئن الذي لا يجد في صدره حرجًا مما قضى ربه.
اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|
|
|
|