عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 12-09-2022, 05:03 PM
المراقبين
شجون الزهراء غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 465
 تاريخ التسجيل : Mar 2012
 فترة الأقامة : 4388 يوم
 أخر زيارة : يوم أمس (04:51 AM)
 المشاركات : 5,025 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي حتَّى لا نخسر صالح أعمالنا



بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله

السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته




قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}. صدق الله العظيم.



جهود ضائعة


تشير هذه الآية القرآنية إلى امرأة عاشت في قريش زمن الجاهليّة، كانت هي وعاملاتها يعملن من الصّباح حتى منتصف النّهار في غزل ما عندهنّ من الصّوف، وبعد أن ينتهين من عملهنّ، تأمرهنّ، وبدون أيّ سبب، بنقض ما غزلن.

وقد أشار القرآن الكريم إلى أنّ عمل هذه المرأة الغريب يتمثّله الكثير من النّاس، رغم انتقادهم ونعتهم لها بالعمل الأحمق وغير العاقل.



فنحن نراه في كلّ الذين يصرفون أوقاتاً ويبذلون جهوداً، ولكن بسبب سوء تصرّفهم، تذهب أعمالهم سدى.

نراه في الذين يتعبون ويشقون من أجل الوصول إلى المال، ولكنهم يبددون ما حصلوا عليه بتبذيرهم أو بسوء تصرّفهم وتدبيرهم، أو الذين يخسرون كلّ ما بلغوه من موقع عند الناس، بسبب انفعال أو بسبب كلمة لم يدرسوها جيّداً أو بسبب تصرّف غير لائق، ولكن تبقى الصّورة الأخطر هي الّتي نراها في الذين يقومون بواجباتهم ويؤدّون مسؤوليّاتهم، فيصلّون ويصومون ويحجّون ويزكّون، وقد يكونون من الذين يقومون اللّيل ويفعلون المستحبّات، ولكن تراهم يفرّطون بكلّ ذلك بارتكابهم المعاصي والموبقات، أو بسوء الخلق، أو بظلمهم النّاس قولاً أو فعلاً. لذا، عندما يقفون بين يدي الله ليحظوا بما عنده، يتفاجأون، حيث لا يجدون ما كانوا يأملونه، وحيث لا مكان للتّعويض، وقد ذكرهم الله بقوله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعً}.



وقد جاء التحذير من هذا السّلوك في هذه الآية القرآنيّة التي تلوناها: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثً}، وفي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}.



المفلسون عند الله


وقد بيّن رسول الله (ص)، وفي أكثر من حديث، عن نماذج من هؤلاء، عندما قال: "لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا". فقيل له: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: "أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا".



وفي حديث آخر: "أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي؟"، قَالُوا: "الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ"، فَقَالَ رَسُولُ اللهُ (ص): "الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْتَصُّ لِهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَلِهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِذَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ".



وفي حديث آخر: "يُؤتَى بأحدكم يوم القيامة، فيوقف بين يدي الله تعالى، ويدفع إليه كتابه، فلا يرى حسناته، فيقول: إلهي هذا كتابي، فإني لا أرى فيه طاعتي، فيقول له: إنّ ربّك لا يضلّ ولا ينسى، ذهب عملك باغتياب الناس، ثم يؤتى بآخر ويدفع إليه كتابه، فيرى فيها طاعات كثيرة، فيقول: إلهِي، ما هذا كتابي، فإني ما عملت هذه الطّاعات، فيقول: إنّ فلاناً اغتابك فدفعت حسناته إليك".



وقد حذّر رسول الله (ص) من هذا السّلوك أيضاً عندما قال: "من قال: سبحان الله، غرس الله له بها شجرة في الجنّة، ومن قال: الحمد لله، غرس الله له بها شجرة في الجنّة، ومن قال: لا إله إلا الله، غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال: الله أكبر، غرس الله له بها شجرة في الجنّة". فقال رجل من قريش: يا رسول الله، إنّ شجرنا في الجنة لكثير، قال: "نعم، ولكن إيّاكم أن ترسلوا عليها نيراناً فتحرقوها، وذلك أنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}".



كيف نحفظ أعمالنا؟!

أيّها الأحبّة، هي مصيبة ليس بعدها مصيبة، أن يكدح المرء في الدنيا بأنواع العبادات والمستحبات، ولكنه يأخذ منها ظاهرها وجانبها الطقوسيّ، فلا تنعكس على جوانب حياته الأخرى، ويقدم على الله يوم القيامة بغية نيل الجوائز، فيجد أنَّ أعماله قد ذهبت أدراج الرّياح، في وقتٍ لا مجال للتعويض، إلا أن يشمله سبحانه وتعالى برحمته.

وهذا ما يدعونا إلى أن نتابع أنفسنا جيّداً، أن نراقبها ونحاسبها ونلومها، أن نتابع أكثر ما يصدر عن ألسنتنا، وما تتلقَّاه أسماعنا وأبصارنا، وتفعله جوارحنا، وما قد تنتجه أنفسنا الأمَّارة بالسّوء، لكي نسدّ كلّ منافذ الشّيطان إلى حياتنا، فلا نضيّع أعمالنا وطاعاتنا. إنّ هذا ما ينبغي أن نستحضره في كلّ وقت وزمان، وهذا ما نحتاج إلى أن نستحضره الآن، بعد انتهاء شهر رمضان المبارك، حيث عشنا المشقّة والتعب، فجعنا فيه وعطشنا، ومنعنا أنفسنا من المباحات، وأحيينا لياليه بالعبادة وقراءة القرآن، وتصدَّقنا وحفظنا فيه أنفسنا، وحظينا فيه بالكرم الإلهيّ والزاد الوفير، فلا نفسد صالح ما عملنا.

إنّ علينا أن نعيش حالة التنبّه والمراقبة، حتى لا تضيع أعمالنا هباءً، فيكون حالنا حال أولئك الّذين يحبسون أنفسهم عن الحرام فقط في شهر رمضان، حتى إذا انقضى، عادوا بعد ذلك إلى ما كانوا عليه من المعاصي، كما قال ذلك الشَّاعر:

رَمَضانُ ولَّى هاتِها يا ساقي مُشتاقَة تَسعى إِلى مُشتاقِ

بحيث يعود المغتاب إلى غيبته، والكاذب إلى كذبه، والمرتشي إلى رشوته، والنمّام إلى نميمته، والغشّاش إلى غشّه، والظّالم إلى ظلمه، وكأنّ الله كان موجوداً فقط في شهر رمضان، وليس موجوداً في غيره.



بينما المؤمن الذي يعيش حقيقة إيمانه، هو الذي يحقّق في نفسه ما أراده الله من شهر رمضان، وهو بناء التّقوى، التي تجعل الإنسان لا يقدِّم رجلاً ولا يؤخّر أخرى، ولا ينطق بكلمة ولا يتخذ موقفاً، حتى يعلم أن في ذلك لله رضا، فقيمة شهر رضمان بما زرعه فينا من تقوى، وهي التي ينبغي أن نرسّخها في نفوسنا وفي سلوكنا، لنعيش دوام الطاعة في باقي أشهر السنة.



لكلٍّ منّا امتحانه

أيّها الأحبّة: لقد كان الله واضحاً معنا، عندما قال في سورة العنكبوت؛ هذه السورة التي تلوناها في ليالي القدر: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.

هذه السورة تشير إلى امتحان كبير، لا بدّ أن يقف الإنسان أمامه عند كلّ عمل والتزام، وفيه يتبيّن صدق الإنسان وجدّية ما قام به، فلا يكتفي الله من الإنسان بأن يقول صُمت حتى يكتبه عنده من الصّائمين ويحصل على ما وُعِد به الصّائمون، بل لا بدّ أن يخضع لامتحان يظهر فيه الجدية في ذلك.



وقد أشار القرآن الكريم إلى طبيعة هذا الامتحان الذي يميّز المؤمن الحقيقيّ من غيره، بقوله: {وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}. والفتنة هي إذابة الذهب الممزوج بالتّراب بالنّار، وبها يتميّز الذهب من التراب. إننا جميعاً سنفتن وسنمتحن، وكلّ له امتحانه، منّا من قد يمتحن بعاطفته، ومنّا بماله، ومنّا بموقعه، ومنّا بانفعالاته أو عصبياته أو لسانه، وبهذا الامتحان تُعرَف حقيقة معنى صيام الإنسان، ومدى تمكّنه من بناء التقوى في نفسه، بحيث تمنعه عن الحرام أو لا تمنعه.



فلنحرص، أيّها الأحبَّة، على أن نكون من النّاجحين والفائزين، وأيّ فوزٍ أفضل من أن نكتب من الّذين أعتقت رقابهم من النَّار، واستحقّوا الفوز برضوانه، وليكن دعاؤنا: "اللَّهُمَّ ثَبِّتْنا عَلى دِينِكَ ما أَحْيَيْتَنِا، وَلا تُزِغْ قَلوبنا وأبصارنا وأسماعنا وجميع جوارحنا… واجعلنا من المرحومين، ولا تجعلنا من المحرومين، يا أرحم الراحمين".







 توقيع : شجون الزهراء

اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.

رد مع اقتباس