عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 05-25-2022, 08:43 PM
المراقبين
شجون الزهراء غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 465
 تاريخ التسجيل : Mar 2012
 فترة الأقامة : 4388 يوم
 أخر زيارة : يوم أمس (04:51 AM)
 المشاركات : 5,025 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي الإمام الصادق ( عليه السلام ) في ذمة الخلود



بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله

السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته


الإمام الصادق ( عليه السلام ) في ذمة الخلود

وتتابعت المحن على سليل النبوة وعملاق الفكر الإسلامي الإمام الصادق ( عليه السلام ) في عهد المنصور الدوانيقي ، فقد رأى ما قاساه العلويون وشيعتهم من ضروب المحن والبلاء ، وما كابده هو بالذات من صنوف الإرهاق والتنكيل ، فقد كان الطاغية يستدعيه بين فترة وأخرى ، ويقابله بالشتم والتهديد ، ولم يحترم مركزه العلمي وشيخوخته، وانصرافه عن الدنيا إلى العبادة وإشاعة العلم ، ولم يحفل الطاغيه بذلك كله ، فقد كان الإمام شبحاً مخيفاً له ، ونعرض بإيجاز الشؤون الأخيرة من حياة الإمام ووفاته .

أعلن الإمام الصادق ( عليه السلام ) للناس بدنوّ الأجل المحتوم منه ، وإن لقاءه بربّه قريب ، وإليك بعض ما أخبر به :

أولاً : قال شهاب بن عبد ربه : قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ( كيف بك إذا نَعاني إليك محمد بن سليمان ؟ ) ، قال : فلا والله ما عرفت محمد بن سليمان من هو .

فكنت يوماً بالبصرة عند محمد بن سليمان وهو والي البصرة ، إذ ألقى إليَّ كتاباً وقال لي : يا شهاب ، عظَّم الله أجرك وأجرنا في إمامك جعفر بن محمد ، فذكرت الكلام فخنقتني العبرة .

ثانياً : أخبر الإمام ( عليه السلام ) المنصور بدنوِّ أجله لمَّا أراد الطاغية أن يقتله ، فقد قال ( عليه السلام ) له : ( ارفق فو الله لقلَّ ما أصحبك ) ، ثم انصرف عنه .

فقال المنصور لعيسى بن علي : قم اسأله : أبي أم به - وكان يعني الوفاة - ؟ .

فلحقه عيسى وأخبره بمقالة المنصور ، فقال ( عليه السلام ) : ( لا بل بي ) .

وتحقّق ما تنبّأ به الإمام ( عليه السلام ) ، فلم تمضِ فترة يسيرة من الزمن حتى وافته المنية .

كان الإمام الصادق ( عليه السلام ) شجي يعترض في حلق الطاغية الدوانيقي ، فقد ضاق ذرعاً منه ، وقد حكى ذلك لصديقه وصاحب سره محمد بن عبد الله الإسكندري .

يقول محمد : دخلت على المنصور فرأيته مغتمّاً ، فقلت له : ما هذه الفكرة ؟

فقال : يا محمد لقد هلك من أولاد فاطمة ( عليها السلام ) مقدار مائة ويزيدون - وهؤلاء كلهم كانوا قد قتلهم المنصور - ، وبقي سيدهم وإمامهم .

فقلت : من ذلك ؟

فقال : جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) .

وحاول محمد أن يصرفه عنه فقال له : إنه رجل أنحلته العبادة ، واشتغل بالله عن طلب الملاك والخلافة .

ولم يرتض المنصور مقالته فردَّ عليه : يا محمد قد علمتُ أنك تقول به وبإمامته ، ولكن الملك عقيم .

وأخذ الطاغية يضيق على الإمام ( عليه السلام ) ، وأحاط داره بالعيون وهم يسجلون كل بادرة تصدر من الإمام ( عليه السلام ) ويرفعونها له .

وقد حكى الإمام ( عليه السلام ) ما كان يعانيه من الضيق حتى قال : ( عزَّت السلامة ، حتى لقد خفي مطلبها ، فإن تكن في شيء فيوشك أن تكون في الخمول ، فإن طلبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون في الصمت ، والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها ) .

لقد صمَّم على اغتياله غير حافل بالعار والنار ، فدسَّ إليه سمّاً فاتكاً على يد عامله فسقاه به ، ولما تناوله الإمام ( عليه السلام ) تقطَّعت أمعاؤه ، وأخذ يعاني الآلام القاسية ، وأيقن بأن النهاية الأخيرة من حياته قد دنت منه .

ولما شعر الإمام ( عليه السلام ) بدنوِّ الأجل المحتوم منه أوصى بعدَّة وصايا ، كان من بينها ما يلي :

الأولى : أوصى للحسن بن علي المعروف بالأفطس بسبعين ديناراً ، فقال له شخص : أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة ؟ فقال ( عليه السلام ) له : ( ويحك !! ما تقرأ القرآن ؟! ( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) ) .

لقد أخلص الإمام ( عليه السلام ) كأعظم ما يكون الإخلاص للدين العظيم ، وآمن بجميع قيمه وأهدافه ، وابتعد عن العواطف والأهواء ، فقد أوصى بالبرِّ لهذا الرجل الذي رام قتله لأن في الإحسان إليه صلة للرحم التي أوصى الله بها .

الثانية : إنه أوصى بوصاياه الخاصة وعهد بأمره أمام الناس إلى خمسة أشخاص : وهم المنصور الدوانيقي ، ومحمد بن سليمان ، وعبد الله ، وولده الإمام موسى ( عليه السلام ) ، وحميدة زوجته .

وإنما أوصى بذلك خوفاً على ولده الإمام الكاظم ( عليه السلام ) من السلطة الجائرة ، وقد تبيَّن ذلك بوضوح بعد وفاته ، فقد كتب المنصور إلى عامله على يثرب بقتل وصي الإمام ( عليه السلام ) ، فكتب إليه : إنه أوصى إلى خمسة وهو – المنصور - أحدهم ، فأجابه المنصور : ليس إلى قتل هؤلاء من سبيل .

الثالثة : إنه أوصى بجميع وصاياه إلى ولده الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، وأوصاه بتجهيزه وغسله وتكفينه والصلاة عليه ، كما نصَّبه إماماً من بعده ، ووجَّه خواص شيعته إليه وأمرهم بلزوم طاعته .

الرابعة : إنه ( عليه السلام ) دعا السيّدة حميدة زوجته ، وأمرها باحضار جماعة من جيرانه ومواليه ، فلما حضروا عنده قال ( عليه السلام ) لهم : ( إن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة ) .

وأخذ الموت يدنو سريعاً من سليل النبوة ، ورائد النهضة الفكرية في الإسلام ، وفي اللحظات الأخيرة من حياته أخذ يوصي أهل بيته بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات ، ويحذرهم من مخالفة أوامر الله وأحكامه ، كما أخذ يقرأ سوراً وآيات من القرآن الكريم .

ثم ألقى النظرة الأخيرة على ولده الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) وفاضت روحه الزكية إلى بارئها .

لقد كان استشهاد الإمام من الأحداث الخطيرة التي مُني بها العالم الإسلامي في ذلك العصر ، فقد اهتزت لهوله جميع أرجائه ، وارتفعت الصيحة من بيوت الهاشميين وغيرهم وهرعت الناس نحو دار الإمام ( عليه السلام ) وهم ما بين واجم ونائح على فقد الراحل العظيم الذي كان ملاذاً ومفزعاً لجميع المسلمين .

وقام الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) وهو مكلوم القلب ، فأخذ في تجهيز جثمان أبيه ، فغسل الجسد الطاهر ، وكفنه بثوبين شطويين كان يحرم فيهما ، وفي قميص وعمامة كانت لجده الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، ولفَّه ببرد اشتراه الإمام موسى ( عليه السلام ) بأربعين ديناراً .

وبعد الفراغ من تجهيزه صلى عليه الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) وقد ائتمَّ به مئات المسلمين ، ثم حمل الجثمان المقدس على أطراف الأنامل تحت هالة من التكبير ، وقد غرق الناس بالبكاء وهم يذكرون فضل الإمام ( عليه السلام ) وعائدته على هذه الأمة بما بثَّه من الطاقات العلمية التي شملت جميع أنواع العلم .

وجيء بالجثمان العظيم إلى البقيع المقدس ، فدفن في مقرّه الأخير بجوار جدّه الإمام زين العابدين وأبيه الإمام محمد الباقر ( عليهما السلام ) ، وقد واروا معه العلم والحلم وكل ما يسمو به هذا الكائن الحي من بني الإنسان .



 توقيع : شجون الزهراء

اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.

رد مع اقتباس