عرض مشاركة واحدة
قديم 08-15-2021, 01:26 AM   #2
المراقبين


الصورة الرمزية شجون الزهراء
شجون الزهراء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 465
 تاريخ التسجيل :  Mar 2012
 أخر زيارة : 05-19-2024 (03:30 PM)
 المشاركات : 5,025 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي




فقد جاء في كتاب(الإتقان) للسيوطي (ت 911هـ(، وعلي بن محمد الحموي)ت 837هـ): الاقتباس من القرآن على ثلاثة أقسام مقبول ومباح ومردود فالأول ما كان في الخطب والمواعظ والعهود ومدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحو ذلك والثاني ما كان في الغزل والرسائل والقصص والثالث على ضربين أحدهما ما نسبه الله تعالى إلى نفسه ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه كما قيل عن أحد بني مروان أنه وقع على مطالعة فيها شكاية من عماله إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم والآخر تضمين آية كريمة في معنى هزل ونعوذ بالله من ذلك كقول القائل:

أوحى إلى عشاقه طرفه
وردفه ينطق من خلفه




هيهات هيهات لما توعدون
لمثل ذا فليعمل العاملون([8])




وهذا ما عمل عليه الشعراء، فقد ابتعدوا عن هذا النوع المردود من الاقتباس، وعملوا على المقبول المباح، وما بالك إذا كان ذلك الاقتباس في التعبير عن خصائص المولى أبي الفضل العباس، وشخصيته العظيمة. أما بنائية (القرآنية) في مراثي العباس عليه السلام فقد مثلت انعطافة جديدة، عند الشعراء الذين رثوا العباس عليه السلام، وبينوا المواقف البطولية له، وما أبداه في معركة الطف الخالدة،، لذا كانت القرآنية وسيلتهم لذلك، فقد هيمنت على نصوصهم، فربطوا بين النص والقران من حيث الأحداث، والشخوص كـ (موسى، وسليمان)، والقصص كـ (قصة اصحاب الفيل) وغيرها من آليات الرمز، والأمثال، والدعاء، وابتكار الصورة، مما يشير إلى إمكانياتهم الفنية الكبيرة.

وقد وضعنا هذا المصطلح في الدراسة وأجريناه على مراثي العباس عليه السلام ، وسعينا في سبيل العثور على النصوص الشعرية التي تخص موضوعنا، وعثرنا على الكثير وانتقينا الأصلح والأروع منها وأجرينا عليه الدراسة.

المبحث الأول: نمط القرآنية المباشرة المحوّرة:


لقد شكل هذا النوع من الأنماط النسبة الأكبر في مراثي العباس عليه السلام حيث عمد أغلب الشعراء إلى التعامل مع النص القرآني تعاملا مباشراً، واستدعوا من خلال هذا التعامل النصوص القرآنية وضمنوها في قصائدهم.

ويعرف هذا النمط بأنه: (أن يعمد الشاعر فيها لاستدعاء البنية القرآنية واستضافتها في خطابه الشعري، وجعلها ممتزجة معه عن طريق العملية التصويرية للنص القرآني، لفظاً ودلالةً، حذفاً وتوليداً، تكثيفا وتوسيعاً ([9]) (.

ويقسم هذا النوع من الأنماط إلى قرآنية مباشرة محورة محورية، وقرآنية مباشرة محورة غير محورية، وقد اعتمدنا هذا في هذا التقسيم على ما طرحه الدكتور مشتاق عباس معن ([10]).

أولاً: القرآنية المباشرة المحوّرة المحورية:


وهو أن يعمد الشاعر إلى النصّ القرآنيّ فينقله بنصّه ومعناه، أي: بتركيبه ودلالته، فهو يستسلم لتراكيبه فيوظفها في قصيدته على ما هي عليه، ولسبب نزوله وما أراده، ليذهب معه إليهما أيضًا في أبياته، فلا يجد المتلقي عناءً في فهم ما يريده الشاعر([11]).

وبتعبير آخر أن يتعامل الشاعر تعاملاً لفظيا ودلاليا، ولكنه يحيل النص القرآني المستقر والمبدع إلى نص قلق البناء يفقد بناءاته الأولى، فهو يحور في الألفاظ ويقدم ويؤخر([12]).

وقد خص الشعراء في هذا المبحث عدة صفات لأبي الفضل العباس عليه السلام وهي: (الشجاعة)، و(سمو المنزلة)و (والدور الرسالي)، (وانتصار الدم على السيف).

ومن اجل التعبير عن شجاعة العباس التي ثبتت له في كل موقف من مواقفه، اتجه الشعراء إلى نصوص مختلفة من القران، وألفاظ، وقصص ومن ذلك قول الشاعر (محمد عبد الرضا الحرزي) في قصيدته الموسومة بـ (بقيّة السيف):

(البسيط)

عباسُ لمّا أتته زينبٌ وشكتْ
أخيّ مثلُكَ عارٌ لو دُعي لبلا
فقرّبَ المُهرَ وانتاش اللوا وتلا




ضجّت أراملُ جيشِ الكفرِ بالبلدِ
والفضلُ في الجود قبل السّؤل إن تجدِ
اليومَ قد خُلق الإنسانُ في كَبَدِ([13])



إنّ العبارة الشعرية (قد خُلق الإنسانُ في كَبَدِ) تشير في أول وهلة إلى الآية القرآنية:﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾([14])، و الكبد في الأصل بمعنى الشدة ولذا يقال للبن إذا استغلظ تكبد اللبن وقيل ألم يصيب الكبد، ثم اطلق على كل ألم ومشقة([15]).

ويعني كذلك إن الله خلق الإنسان في تعب ومشقة، فإنه يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة، ولكن لا يتوهم بأن لا يقدر عليه أحد، وهنا تكمن العلاقة بين العباس عليه السلام والنص وهي إذا قام العباس وانتاش لواء الحرب وتقدم للخصوم في الحرب فإنه كان أخا الحرب حافظ الكتيبة في يوم الكريهة، ذلك الإنسان الشديد، فإذا تقدم نزل العذاب والعسـر والشدة على الأعداء، ومن جانب آخر لا يتوهم الأعداء بأن لا يقدر عليهم أحد، فهذا أبو الفضل الذي شهد الأعداء بشجاعته.

ويتضح لنا التوافق التام بين رؤية الشاعر والنص القرآني من خلال شبكة التعالق بين النصّين:

النصّ الشعريّ النصّ القرآنيّ

قــــــــد لقد

خلق خَلَقْنَا

الانسان الْإِنسَانَ

في كبد فِي كَبَدٍ

لم يقدّم أو يؤخر الشاعر كثيرًا في نصّه الشعريّ عن الأصل في النصّ الأوّل سوى بعض التلاعب الذي لم يؤدي الى الانحراف عن المعنى فقد أعاد الشاعر تشكيل النصّ القرآنيّ بدرجة بسيطة، في حين أبقى على معناه لدعم ما يريد أن يصل إليه.

ومن الشواهد الأخرى على هذا النوع من القرآنية في تصوير شجاعة أبي الفضل العباس عليه السلام ، قول الشاعر السيّد جعفر الحلي من قصيدة في ذكر وقعة كربلاء وقد خصت بالذكر أبا الفضل العباس عليه السلام :

(الكامل)

بطل تورّث من أبيه شجاعة
يلقى السلاحَ بشدة من بأسه
عرف المواعظَ لا تفيد بمعشـر
فانصاع يخطب بالجماجم والكُلى




فيها أنوفُ بني الضلالة ترغم
فالبيضُ تُثلمُ والرماحُ تحطّم
صموا عن النبأ العظيم كما عموا
فالسيفُ ينثرُ والمثقفُ ينظم([16])




من الواضح إن الشاعر في البيت الثالث ينفتح على قوله تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ۞عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾([17])، والشاعر في هذا الموضع قد توافق تماماً مع قصدية الآية القرآنية، إذا ما علمنا ان المقصود في الآية هو الإمام علي بن أبي طالب عليه عليه السلام فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (النبأ العظيم علي وفيه اختلفوا لانّ رسول الله ليس فيه اختلاف) ([18]).

فالشاعر يعقد مقارنة بين الإمام علي عليه السلام وولده العباس عليه عليه السلام ، فكما إن الإمام علي كان ناصحا لقومه، والذي لم يهتد، ولم يسلم، ضربه بسيفه كونه ممن ختم الله على قلبه، بل هم صم بكم وهذا فيه اشارة الى قوله تعالى: ﴿صم بكم عمي فهم لا يرجعون﴾([19])، كذلك العباس عليه السلام بعد ما رأى القوم مع نصيحتهم لآخر لحظة في المعركة لكنهم لم يهتدوا إلى سواء السبيل، فانصاع يخطب في جماجمهم وكلاهم، وهي صورة جميلة لشجاعة العباس عليه السلام ، كما إن هناك إشارة واضحة للدور الرسالي والإرشادي الذي كان للسيّد العباس عليه السلام ، فقد كان ناصحا لقومه في دعوته ولم يرد إلا ما فيه خير دنياهم وعقباهم.

وآخر قول نذكره ممّا خص بشجاعته عليه للشاعر سعيد العسيلي من قصيدة في رثاء العباس عليه السلام، متحدثاً بها عن لسان العباس عليه السلام :

(الكامل)

لو واجهوني والمهند في يدي
لكنهم خلف النخيل تستروا
وأنا الذي أعجزت كل كماتهم
يشوي وجوه الغادرين بحده




لجعلتهم عصفاً به مأكولا
والغدر أنبت في القلوب نخيلا
ورأوا بأني صارماً مصقولاً
وأكون وحدي للألوف عديلا([20])



 
 توقيع : شجون الزهراء

اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.


رد مع اقتباس