#1
|
|||||||||
|
|||||||||
شهر رمضان غذاء الرّوح وعلاج للأمراض النفسيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته. شهر رمضان، شهر الخير والعطاءات الكثيرة، أمرنا الله سبحانه وتعالى بالصّيام فيه، ليس فقط للامتناع عن الطعام والشراب، بل للارتقاء بالنفس الإنسانية من خلال الغذاء الروحي في الشهر الكريم. كيف نغذي أنفسنا في شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات؟ ما هو السبيل لتحقيق الإشباع الروحي والنفسي في شهر رمضان؟ كيف يمكن أن نوازن ما بين غذاء الجسد وغذاء الرّوح ؟ كيف نتزوّد روحياً في رمضان المبارك؟ حقيقة الصيام أهمية التفكر بحقيقة الصيام التي تتعدى جانب امتناع الإنسان عن الطعام والشراب من الفجر حتى غروب الشّمس، داعياً إلى الانطلاق من الامتناع المادي عن الطعام والشراب، للوصول إلى حالة تكاملية ترتكز على التوازن ما بين غذاء الجسد وغذاء الروح. إن أغلب الناس يركزون في شهر رمضان المبارك على الأطباق التي ستزين مائدة الإفطار، ويتناولونها بعد ساعات الصيام الطويلة، يهتمون بغذاء الجسد، ولكن ماذا عن غذاء الروح؛ هذه الروح الدائمة والباقية التي تحرك الجسد الفاني؟ لا بدّ لنا في هذه الأيام المباركة، من أن نفكر في الغذاء الأساس للجسد، وهو الغذاء الروحي، لا بدّ من أن نتزود في شهر رمضان المبارك من الموائد الربانية التي تكفينا على مدى العام، "شهر دعيت فيه إلى ضيافة الله"، هذه المائدة التي تختلف عن موائدنا الرمضانيّة، مائدة تجعل أنفسنا تشعر براحة وطمأنينة، لترجع إلى ربها راضية مرضية بإذن الله، كما جاء في الآية الكريمة: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً}". علينا أن نراعي هذه النفس، ونسأل أنفسنا: هل تتحقق التقوى التي أمرنا الله سبحانه بها، من خلال الامتناع عن الطعام والشراب، أم أننا نحتاج إلى القربى الحقيقيّة من الله سبحانه وتعالى، والّتي تتجسد من خلال التزود بالعطاءات الربانية التي تتنزّل علينا في الشهر المبارك؟!". فما هي تلك العطاءات الربانية ، وكيف نتزوّد بالتقوى في شهر رمضان وكيف السبيل لتحصيل الغذاء الروحي في شهر رمضان؟ أنّ العطاءات الربانيّة كثيرة في هذا الشّهر، ولعل العروض التي ذكرها الرّسول الأكرم(ص) توضح هذا الجانب بكثير من التفصيل، وتأتي تلاوة القرآن في مقدَّم الأعمال التي تغذي الروح وتجعلها مطمئنّة: {ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب}. فمن خلال آيات الله البيّنات، تنتقل النفس إلى المراتب الأسمى منزّهة زكية، إلى الله عزّ وعلا، فضلاً عن الدّعاء في أيام شهر رمضان ولياليه، الذي يعتبر من الأمور المهمة التي يفترض بالإنسان المؤمن أن يواظب عليها، ليغذّي نفسه، ويتزود منها، ليصل إلى مرحلة التّوبة ورضا الله. ينبغي علينا أن نستفيد من شهر رمضان لشحن النّفوس بالطّاقة الإيمانيّة خصوصيّة شهر رمضان تتحدث السيدة رغدا القرة عن شهر رمضان الذي "تربّينا على احترامه ومراعاة خصوصيّته الاجتماعية والدينية"، مشيرةً إلى أن هذا الشّهر يفرض برنامجاً حياتيّاً مختلف عن باقي الشّهور. وتقول: "أسعى في هذا الشّهر إلى التفرّغ للعبادة ضمن الوقت المستطاع، والتخفيف من الأعباء اليومية المعتادة في باقي أشهر السنة، أسعى إلى وضع برنامج للأعمال المنزلية، والمحافظة على إعداد الوجبات القليلة البذخ والكمية والنوعيّة، أحرص على اللقاءات العائلية، وخصوصاً ذوي الأرحام والجيران قدر المستطاع". من جهتها، ، أنّ حجم الضغوط الحياتية التي نعيشها كعمال في شهر رمضان، قد تجعلنا نقصّر في الجوانب الروحية، "فالأم العاملة، تجد نفسها أمام مسؤوليات عديدة، تدفعها غالباً للتقصير في الجانب العبادي". "الصلاة فيه لها طعم آخر، وتلاوة القرآن وقراءة الأدعية الموروثة عن أئمّتنا(ع)، فضلاً عن تحضير الوجبات مع عدم الإسراف، هذا الشّهر الكريم فرصة لا تعوَّض. تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال". الصيام علاج للأمراض النفسية أثبتت العديد من الدراسات النفسية الغربيّة، أنّ للصيام فوائد عديدة على الصحة النفسية للفرد، كما تؤكد الاختصاصية في علم النفس العيادي، الأستاذة نسرين نصر، مشيرةً إلى افتتاح عدد من المراكز لعلاج بعض الأمراض النفسيّة في روسيا واليابان والولايات المتحدة، والّتي تعتمد الصوم كعلاج للمرضى النفسيّين ، فقد توصل العلماء إلى أنّ الامتناع عن الطعام والشراب، والبعد عن الشهوات، يساعد على السيطرة على النفس وضبط جماحها، وتقوية العزيمة والإرادة لدى الصّائم، وهو ما ينعكس إيجاباً على سيطرة الفرد على أفكاره ومشاعره، فيستجيب للعلاجات بشكلٍ أكبر، كما يساعده الصّوم على التحكّم بذاته، وتحقيق التوازن بين مطالب الجسد ومطالب النفس، وحتى إن هناك طبيباً نفسيّاً في روسيا، عالج بعض حالات "فِصام الشخصية" من خلال الصّيام. وتعتبر نصر أنّ هذه الإرادة التي تقوى من خلال الصيام، هي التي تساعد على أن يمتنع الإنسان عن كثير من المعاصي والعادات غير المستحبة، وتشعره بقدرته على التحكّم، ما يعزّز الشعور بالرضا لديه، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على شعوره بالطمأنينة والسّكينة، فيسهم الصّيام في التخلص من مشاعر القلق والتوتّر. هذا ويساهم الصيام في رأي نصر، في تحسين الحالة النفسية لكثير من المرضى النفسيين، "حيث نلاحظ من خلال التجربة على أرض الواقع، أن قدرة المريض على الاحتمال، تزيد حجم أفكاره السلبيّة، ما ينعكس بالإيجاب على مقاومته لأعراض المرض، لافتة إلى أن من أكثر الأمراض التي يساهم الصّيام في التخفيف من حدّتها، هي الاكتئاب والشعور بالعزلة التي يفرضها الاكتئاب على المريض، إذ إن الأشخاص الذين يمتلكون وازعاً دينيّاً قويّاً، ويلتزمون بأداء العبادات، هم أقلّ عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسيّة، وأكثر تحسّناً واستجابة للعلاج عند الإصابة بأيّ مرض نفسيّ، بحسب ما تؤكد الدراسات، فضلاً عن أن العبادات تساعد على مقاومة الشّعور بالذنب، وتبعد عن الأذهان التّفكير في إيذاء النّفس. لا بدّ لنا في هذه الأيام المباركة من أن نفكّر في الغذاء الأساسي للجسد وهو الغذاء الرّوحيّ وتعتبر نصر، أنّ على مدمني التّدخين والنرجيلة والكافيين، النظر إلى الصيام على أنه فرصة حقيقيّة للتحرر من هذه العادات، "من يصوم لساعات طويلة تفوق 16 ساعة يومياً، يجب أن يؤمن أن لديه القدرة على التخلي عن هذه العادات، الصوم ينمي فضيلة التسامح بين الناس، ويعزز العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، فضلاً عن العلاقات الأسرية والعائلية، لأنّ حالة الصيام تخفّف آليّات الدفاع لدى الإنسان، وتدفعه للخروج من أنانيته، والبحث عن دور له داخل المجتمع، وهو ما يبرر علمياً تسارع الناس لفعل الخير وصلة الأرحام في شهر رمضان المبارك. :ينبغي علينا أن نستفيد من شهر رمضان، لشحن النفوس بالطاقة الإيمانية، وخصوصاً في ليالي القدر الّتي جعلها الله سبحانه وتعالى خيراً من ألف شهر، علينا أن لا نضيع هذه الفرصة الروحيّة، سارعوا إلى مغفرة من ربكم، توبوا إلى الله سبحانه وتعالى ، فلنعش مع الفقراء والمساكين، نتحسّس جوعهم، نتصدّق عليهم بما تيسّر، وكلّ حسب استطاعته "ولو بشقّ تمرة". وفي الختام علينا أن لا نضيع شهر رمضان المبارك على شاشات التلفزة، هذه الأوقات الّتي نعيشها في الشّهر المبارك، هي الأغلى في حياتنا، فلنزيّنها بتلاوة قرآنيّة، أو دعاء من الصحيفة السجاديّة للإمام زين العابدين(ع) في هذا الشّهر الكريم، حتى نكون ممن تظلّلهم رحمة الله في هذا الشّهر الكريم. اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|
|
|
|