.::||[ آخر المشاركات ]||::.
المهدوية في آخر الزمان‏ [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 230 ]       »     وانفصمتْ والله العروةُ الوُثقى... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 287 ]       »     21 رمضان .. ذكرى أليمة استشها... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 150 ]       »     نتقال الامام الى روضة الخلد وا... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 174 ]       »     مجلس شهادة أمير المؤمنين الإما... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 209 ]       »     الامام علي ابو الأيتام [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 149 ]       »     عقيلة الطالبيين مدرسة لنسائنا ... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 343 ]       »     كيف نكون قريبين من الإمام المه... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 172 ]       »     الإمام علي قدر هذه الأمة وقدره... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 149 ]       »     ما سَرُ تَعلق اليَتامى بالإمام... [ الكاتب : شجون الزهراء - آخر الردود : شجون الزهراء - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 132 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 14594
 
 عدد الضغطات  : 5153


الإهداءات



إضافة رد
#1  
قديم 05-04-2011, 07:32 PM
عضو مميز
نهر العلقمي غير متواجد حالياً
    Male
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 53
 تاريخ التسجيل : Apr 2011
 فترة الأقامة : 4762 يوم
 أخر زيارة : 10-10-2013 (10:22 PM)
 المشاركات : 485 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي علامات الظهور وفقه الانتظار (فصول من كتاب لم يطبع بعد)



(الحلقة الأولى)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على حبيب إله العالمين سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى الهداة الميامين من أهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في الوقت الذي ابارك للأخوة الأكارم والأخوات الكريمات افتتاح هذا المنتدى والذي أسأل الله تعالى أن يجعله موضع خدمة لأهل بيت العصمة والطهارة (صلوات الله عليهم) فقد وددت أن أشارك أحبتي ببعض من فصول كتاب لخادمهم يعدّ حالياً حول علامات ظهور الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو يحاول ان يختط طريقاً جديداً للتعامل مع علامات الظهور وفقه الانتظار... آملاً أن يكون موضع فائدة للأخوة الكرام، وسأكون ممتناً في ان أسمع ملاحظاتهم وانتقادتهم والحمد لله أولاً وآخرا... وصلاته وسلامه على رسوله أبداً

علامات الظهور في المصطلح



يعود مصطلح ((علامات الظهور)) في تسميته واطلاقه إلى وفرة من الأحاديث التي استخدمته، وهي تشير إلى جملة من الأحداث التي تحدّث عنها المتحدث ولما تحصل بعد وربطها بالظهور الشريف للإمام المنتظر (عليه السلام)، ولذلك تسميها العديد من الكتب التراثية بالملاحم، وهذا المصطلح أكثر ما يستخدم لدى المصنفين السنّة،(1) وإن كان بعض الخاصة يستخدمه ايضاً،(2) ولكن الأعم الأغلب من مصنّفي الإمامية من القدامى والمتأخرين يستخدمون هذا المصطلح دون غيره.

وبملاحظة كلية لجميع من تحدّث عن ظهور الإمام المنتظر (روحي له الفدا) قاصداً وغير قاصد، يمكن ملاحظة ثلاثة اتجاهات هي:

أولاً: الحديث العام عن الظهور المرتقب للإمام المهدي (عجل الله فرجه) وتوخي الحديث ظهور الإمام مباشرة وبقصد تام له.

ثانياً: الحديث المتوخي في ظاهره علامات ظهور السيد المسيح (عليه السلام) باعتبار تزامن الظهورين معاً، وهذا ما تجده في العهدين القديم والجديد، أي في التوراة والانجيل الحاليين،(3) ولكنه لدى العهد القديم يتعلق بظهور المسيح المخلص، وفي العهد الجديد يتعلق بعودة المسيح (عليه السلام)، وقد تجد في بعض كتابات العامة المتأثرة عموماً بالاسرائيليات جانباً من هذا الحديث.

ثالثاً: الحديث المتعلق بأشراط الساعة وعلامات القيامة، إذ حصل لبس في كتب العامة في الأغلب مفاده تزامن ظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه) مع حيان الساعة، ولذلك تم خلط الكثير من الحديث عن الظهور الشريف مع الأحاديث المتعلقة بأشراط الساعة، وقسم من هذا الخلط تم لأغراض طائفية ومذهبية بحتة، كما هو الحال بحديث الجساسة(4) التي يصورونها كنموذج أسطوري لحيوان سيظهر في آخر الزمان، وبظهور هذا الحيوان الأسطوري يفسرون قوله تعالى: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم}(5) .

ومن خلال التعامل الإجمالي مع هذه الأحاديث يمكن اجمال الملاحظات التالية:

أ ـ هناك أحاديث أشارت إلى أحداث حصلت بالفعل، وبعضها تم عنونته ضمن اطار علامات الظهور، وبعضها توهم المصنّفين فوضعوها ضمن هذا الاطار، ولا يوجد في حديث المتحدّث ما يشعر بأنه كان في صدد التحدث عن الإمام المهدي (صلوات الله عليه).

ب ـ هناك أحاديث عنت الظهور مباشرة وهي على قسمين:

أولاً: بعضها تم حصوله قبل حيان غيبة الإمام (عجل الله فرجه) بل حتى قبل ولادته (صلوات الله عليه). وستأتي بعض الروايات تشير إلى إن بعض حديث الأئمة (صلوات الله عليهم) في مثل هذه الأحاديث لم تقصد الإمام الثاني عشر (صلوات الله عليه) وإنما تحدثت عن قيام القائم وربما المهدي بشكل مطلق، وواضح أن جميعهم (صلوات الله عليهم) يصح عليهم مصطلح القائم والمهدي، ولكن وكما تشير نفس هذه الروايات لم يتحقق هذا الأمر لأسباب تذكرها وسنذكر بعضها عما قريب.

ثانياً: بعضها متعلق بمرحلة غيبة الإمام (روحي فداه)، وهذه حصل قسم كبير منها ولما يحصل القسم الآخر بعد.

ج ـ هناك أحاديث وصفت أموراً وأحداثاً وأشارت إلى إنها من المحتوم، وهي لم تحصل بعد، وقد تسمى لدى بعض الباحثين بشرائط الظهور، تمييزاً لها عن علائم الظهور، وهذه بمجموعها لم تحصل بعد.

الفرق ما بين العلائم والشرائط:


يسمع المرء ما بين الحين والآخر بمصطلحين؛ أولهما: علامات الظهور، وثانيهما: شرائط الظهور، فهناك مجموعة من الأحاديث وصفت بعضاً من الأحداث بأنها حتمية الوقوع كما في مسألة خروج السفياني واليماني والخراساني، أو كما في آية الدخان وخروج الشمس من المغرب والصيحة في ليلة القدر.. وما إلى ذلك، وقد تطلق بعض الروايات عليها تسمية أخرى وهي العلامات الموقوفة والمحتومة وفقاً لما أشارت إليه رواية الإمام الباقر (عليه السلام) على ما يرويه الفضيل بن يسار يقول: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من الأمور أمور موقوفة عند الله، يقدّم منها ما يشاء، ويؤخر منها ما يشاء. (6)

وبلفظ آخر أشمل من ذلك قال الفضيل: سمعت أبا جعفر (عليه السلام): من الأمور أمور محتومة كائنة لا محالة، ومن الأمور أمور موقوفة عند الله، يقدّم فيها ما يشاء، ويثبت منها ما يشاء، لم يطلع على ذلك أحداً(7).

وقد استفاد بعض الباحثين من كلام المعصوم (صلوات الله عليه) ووصفه إياها بأنها من المحتوم، إن سواها من غير المحتوم، أي يمكن حصوله ويمكن عدم حصوله، أي أنها كانت مقدّرة ولكنها لم تبرم إبراماً كما هو حال المحتوم منها، وهي من سنخ ما أشارت إليه الآية الكريمة {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}(8) ولهذا يقال: إن العلائم يمكن ان تقع ويمكن أن لا تقع، وتتفاعل في حصولها وعدمه العديد من العوامل كالبداء واللطف الإلهي والدعاء وطبيعة جهد الإنسان واتجاه إرادته، وما إلى ذلك من الأمور التي قد تعجل من حدث وقد تمنع آخراً، ولذلك يطلق عليها بعض العلماء بالعلامات المشترطة،(9) ولعل حديث الإمام الصادق (صلوات الله عليه) الذي يرويه أبو بصير يشير إلى نموذج من ذلك: قال: قلت له: ألهذا الأمر أمد نريح إليه وننتهي إليه؟ قال: بلى، ولكنكم أذعتم فزاد الله فيه.(10)

وفي حديث آخر عن أبي حمزة الثمالي، عن الإمام الباقر (صلوات الله عليه) قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن علياً (عليه السلام) كان يقول: إلى السبعين بلاء، وكان يقول: بعد البلاء رخاء، وقد مضت السبعون ولم نر رخاء، فقال: يا ثابت (وهو اسم أبي حمزة) إن الله تعالى كان قد وقّت هذا الأمر في السبعين، فلما قتل الحسين (عليه السلام) اشتد غضب الله على أهل الأرض، فأخّره إلى أربعين ومائة سنة فحدّثناكم فأذعتم الحديث وكشفتم قناع الستر، فأخّره الله..(11) الحديث.

ولكن الشرائط حتمية الوقوع، أي انها من الأمور التي لا تتدخل فيها العوامل التي أشرنا إليها، لأنها أبرمت إبراماً.

ومن خلال التتبع لاحظت أيضاً إن كل ما أشير إليه في المحتوم هو من الأحداث المرتبطة بشكل مباشر بالظهور، أي في الفترة القريبة جداً منه، وقد تم تأطيرها بإطار ملفت: نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، كما يأتي ذلك على لسانه (عليه السلام)(12) أي إنها تأتي متتابعة، وقد تم توقيت المدة بين وقوع الحتمي وبين الظهور بفترة زمنية محددة، فعلى سبيل المثال تم تحديد قتل النفس الزكية باعتباره من المحتوم بخمسة عشر يوم قبل ظهور الإمام (بأبي وأمي)، بينما لا تلتزم العلامات بالقرب من الظهور فقد تبتعد العلامات عن ظهور الإمام (عليه السلام) بمئات السنين.

ولعل التشديد على ذلك يعود إلى اشتداد الفتن واطباق كلكلها على الناس كلما اقتربت فترة الظهور، وهذه الفتن قسم منها سيبرز فيه مدّعين للمهدوية، وقسم منها تكون وطأتها شديدة في المال والروح والولد والجسم كما هو الحال في اقتحام السفياني (عليه لعائن الله) على العراق، لذلك جاء التحدّث عن هذه الشرائط لتكون في المثال الأول دالّة للمؤمنين على إمام زمانهم كي لا يخدعوا بالمدّعين للمهدوية، فلو ادعى أحد ذلك، فبالإمكان القول بأن أمام ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) شرائط ولما تحصل بعد، وفي المثال الثاني: لكي تكون هذه الشرائط مسلية للمؤمنين بأن هذا البلاء قد أزف زواله لقرب ظهور الإمام (روحي فداه) من هذا الحدث، ولذلك جاء غالبيتها موّقت بوقت محدد من ظهور الإمام (صلوات الله عليه)، كأن تكون الصيحة في ليلة القدر المباشرة قبل ظهور الإمام (عليه السلام) وكأن يكون قتل النفس الزكية قبل خمسة عشرة يوماً، والسفياني قبل تسعة أشهر وهكذا.

الهوامش:
__________
1- كما هو الحال في كتاب الفتن لحنبل بن اسحق بن حنبل، والنهاية في الملاحم والفتن لابن كثير الدمشقي وغيرهم.
2 - كما هو الحال لدى السيد ابن طاوس (رضوان الله تعالى عليه) إذ استخدمه في عنوان كتابه: الملاحم والفتن.
3 - هناك نصوص عديدة في العهدين القديم والجديد تثير الحديث عن علائم الظهور والظهور نفسه بشكل مثير، وسنشير إلى بعض ذلك في الأوراق القليلة القادمة.
ذكر النووي في شرحه على مسلم ذلك منسوباً لعبد الله بن عمرو بن العاص (صحيح مسلم بشرح النووي 18: 27 دار الكتاب العربي؛ بيروت الطبعة الثانية1407)
4 - وقد أسهب المباركفوري في شرحه لسنن الترمذي بوصف هذه الدابة في فكر القوم ورواياتهم، ومن جملة ما ذكره وهو يصفها: طولها ستون ذراعاً، وروي ان رأسها تبلغ السحاب، وعن أبي هريرة: ما بين قرنيها فرسخ للراكب، وأضاف ناقلاً عن الرازي قوله: إن لها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان، وعن ابن جريج في وصف شكلها: رأس ثور وعين خنزير واذن فيل وقرن ايل وصدر أسد ولون نمر وخاصرة بقر وذنب كبش وخف بعير، ثم نقل عن انها تخرج ثلاثة أيام والناس ينظرون (لطولها!!) فلا يخرج إلا ثلثها!!! انظر: تحفة الأحوذي في شرح الترمذي 9: 33 للمباركفوري؛ دار الكتب العلمية؛ بيروت 1410هـ.
أقول: وهناك أوصاف أخرى تثير عجب الإنسان من عقول تصدق بذلك، وما وقعوا فيه إلا للرغبة في التنفيس عن طائفيتهم ومقتهم لأهل البيت عليهم السلام، ويكفي أن تجد أن صناع هذا الخبر هم تميم الداري اليهودي وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبو هريرة وعامر الشعبي وحالهم في النصب سواء. ولربك في خلقه شؤون!!!
5 - سورة النمل: 82.
6 - الكافي 1: 147 ح7.
7 - تفسير العياشي2: 232 ح66 لمحمد بن مسعود العياشي؛ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.
8 - سورة الرعد: 39.
9 - قال الشيخ المفيد (أعلى الله مقامه) عن علامات الظهور: ومن جملة هذه الأحداث محتومة ومنها مشترطة. (كتاب الارشاد في معرفة حجج الله على العباد 2: 370؛ للشيخ محمد بن محمد بن النعمان العكبري؛ دار المفيد؛ بيروت)
10 - كتاب الغيبة: 427 ح416 لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي؛ مؤسسة المعارف الإسلامية؛ قم المقدسة.
11 - المصدر: 428 ح417.
12 - كتاب الغيبة:270 ب14 ح21 للشيخ ابن ابي زينب محمد بن ابراهيم النعماني؛ أنوار الهدى؛ قم المقدسة 1422، وهذا الكتاب وكتاب الشيخ الطوسي وكتاب كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق تعد من أهم مصادر الحديث في قضية الإمام المنتظر (روحي فداه)


(الحلقة الثانية)


الزمان في مدرسة الظهور

القضية المهدوية والأمد الطويل من الزمن الذي ارتهنت به وتطاول بها، أثار الكثير من التساؤلات حول مغزى هذا الارتهان، حتى قاد وسيقود الكثير من الناس جهلاً أو خبثاً للحديث عن نكران القضية برمتها، وفيما يلجأ الوهابيون لكثرة النقد لهذه القضية بناء على طول زمانها، تحدثت الروايات الشريفة أيضا عن وجود استحقاق لهذا الطول مما سيؤدي إلى انحراف البعض ممن كان يؤمن بهذه القضية أساساً، كما نلحظ ذلك في حديث الإمام الصادق (عليه السلام) وهو يتحدث عن الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف): أما والله ليغيبن سنيناً من دهركم، ولتمحصنّ حتى يقال: مات (قتل) وهلك؛ بأي واد سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين...الخ.(1)

ولهذا لابد من التوقف عند قضية الزمن وعلاقتها بعملية الظهور لمناقشتها من أكثر من بعد، وبداهة فإن عمر القضية من خلال عمر صاحبها (صلوات الله عليه) ستتصدر هذا الموضوع، فهل يمكن أن يكون عمر الإنسان بهذا الطول الذي نراه للإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه)؟ وهل تحتاج هذه القضية لكي تمر بكل هذا الزمن وبهذه الصورة!! بحيث نجد إن الأديان السابقة تحدّثت عن ذلك ولما ينقضي هذا الزمن بعد؟

وما هو موقف الإنسان المؤمن تجاه هذا الزمن؟



عمر الإمام (صلوات الله عليه) الطويل

طرحت مسألة عمر الإمام المنتظر (صلوات الله عليه) كثيراً قديماً وحديثاً؛ بصورة جدية وساخرة أخرى،(2) وما كان ذلك ليمثل مشكلة أمام العقل الإنساني لو لم تنطو هذه القضية تحديداً على بعد طائفي وسياسي ومذهبي، لاسيما إن بداية طرح هذه المشكلة كانت والعقل البشري لما يزل أكثر طواعية للعوامل الغيبية من الآن،(3) مما يعني أنه كان بإمكانه أن يتقبل ذلك بأريحية، لاسيما وأن من نتحدث عنه كانت أدلة قبول الوثائق التاريخية المتعلقة بولادته (صلوات الله عليه) آنذاك مصدقة بشكل أكبر منها الآن،(4) ولكن الشأن الطائفي والسياسي في هذا القضية أدخلها كالمعتاد في أجواء تسمح بالتضبيب عليها والتشكيك بها، وتدخل الإنسان غير المتبحّر في هذه العلوم يصاب بالكثير من العي والعجز.
ومن أجل العثور على جواب موضوعي وسط هذا الجو المشحون باللغط الطائفي، فإننا لابد لنا في البداية من أن نشير إلى إن عملية النفي لأمر ما تحتاج إلى دليل على مصداقية النفي، ومحض النفي دونما دليل يمثل عبثاً علمياً بل وجهلاً، والتشكيك بمثل هذا الأمر أيضاً لا يمثل حالة علمية إن لم تقترن بأسباب حقيقية للشك، ولو لاحظنا ذلك في مسألة الإمام وطول عمر الشريف (صلوات الله عليه) فإننا نجد إن الذين نفوا والذين شككوا إنما ساروا على نفس المنوال المشار إليه أعلاه، فلا يوجد بين يدي هؤلاء أي شئً من وسائل البحث العلمي إلا حالة نفسية وذوقية، وهذه الحالة تضمحل وتنتفي كلية أمام المعطيات الأساسية التي سنشير إليها عما قريب.

ولكن حينما نحلل الشبهات التي ألقيت ضد مسألة طوال عمر الإمام (صلوات الله عليه) سنجد كما قلنا تذرعاً بحجج ذوقية ونفسية ليس إلا، كأن يتم التذرع بعدم معقولية هذا العمر الطويل لأن العمر البشري المعتاد محدو ولا يستوعب كل ذلك، وقد يتذرع البعض بمسألة مكان المولود لو كان موجوداً؟ فيقال حسناً لقد ولد ولكنه اين يعيش وما هو شكله، ونظراء هذه الذرائع التي لا تعدو كونها استفسارات مبنية على الذوق لأن هؤلاء لم تستذوق عقولهم أن يكون للإنسان مثل هذا العمر، دون البحث عما إذا كان ممكناً ان يعيش الإنسان كل هذا العمر؟ وهل توجد نماذج تاريخية تصادق على هذا الإمكان؟

وباعتبار ان هذه المحاولات لم تسلك هذا السبيل فإن هذه الحجج في أحسن صورها لا يمكن لها أن تعبّر عن دليل علمي تام، أو حجة علمية حقيقية، ولهذا ستكون مهمة الباحث في بدايتها هو عملية التأكد من وجود إتمام لهذه الحجج، وتحويلها من المزاح والذوق إلى الدليل العلمي، أو يقدّم في بحثه ما يجعل هذا الذوق والمزاج خللاً من النافي والشاك، وتبياناً إلى إنه لم ستم عملية البحث في المجالات العلمية!!!

وحتى نصل إلى أجوبة قاطعة على كل ذلك لابد لنا من الإشارة إلى المعطيات التالية، وهذه المعطيات ستوجه إلى الفريقين النافي لوجود الإمام (صلوات الله عليه) مطلقاً، لا في السابق ولا في المستقبل فضلاً عن الحاضر، والشاك بوجوده من دون أن ينفي القضية برمتها:

أولاً: هناك جملة من الآيات الشريفة طرحت مسألة الظهور بصورة لا تدع مجالاً للشك في أن حدثاً مستقبلياً يحقق مضمون الظهور من دون أن تشير إلى اسم الإمام رغم انها تعنون مواصفاته، وهي تطرحها في سياقات عدة أذكر منها:

أ: أول هذه السياقات يتعلق بوجود ذكر لهذا الحديث (أي حديث الظهور) في الزمن الغابر وفي الديانات الأخرى السابقة لهذه الأمة، كما نلحظ ذلك في قوله تعالى: {ولقدكتبنا في الزبور من بعد الذكر إن الأرض يرثها عبادي الصالحون}(5) فهذه الآية تشير إلى أن حدثاً سيحصل في المستقبل من بعد نزول القرآن الكريم، وبموجبه ستؤول حاكمية الأرض فيها إلى عباد الله الصالحين.

والتساؤل تارة يتعلق في مغزى أن يكون هذا الحدث مذكوراً في الكتب الدينية السابقة، ومن الواضح إن ذكره في الزبور لا يعني انه ذكر فيه فقط دون غيره من الكتب السماوية، وإنما هو من باب ذكر الخاص ويراد به العام أي إنه ذكر في الكتب السماوية الأخرى رغم أنه لم يأت على ذكرها، وهذا أمر مألوف في القرآن الكريم، ناهيك عن إن ما وصلنا من هذه الكتب يشير بدوره إلى هذا الذكر. (6)



الهوامش

(1) الكافي 1: 336 ح3. لثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني؛ دار الكتب الإسلامية ـ طهران، وما بين القوسين منه، وكتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة: 125 ح125 الحسين بن بابويه القمي (والد الشيخ الصدوق ره) منشورات مدرسة الإمام المهدي عج، قم.
(2) كما يغعل الوهابيون في كتاباتهم وأحاديثهم، ولعل اطلاعة بسيطة على ما يجري في غرف النواصب ومنتدياتهم في الأنتريت من سخرية ومن فحش وسباب للإمام (بأبي وأمي) ولأمه المزكاة (صلوات الله عليها) وبشكل يومي وهي مما يفجع القلب ولكنه يوضح حقيقة موقف هؤلاء.
(3) بمعنى يمكن معها القول بأن الله سبحانه وتعالى شاء ذلك، ولكون الأعمار بيده وليس بيد أحد آخر.
(4) لا لأنها فقدت مصداقيتها العلمية، وإنما لأن هجمة التشكيك والتكذيب طالت من النواصب حتى علمائهم.
(5) سورة الأنبياء: 105.
(6) تم التعرض لقضية الإمام المهدي (عحل الله تعالى فرجه) وعلامات ظهوره في الكثير من أسفار العهد القديم والجديد، ولضيق الحيز هنا سأشير إلى بعض النماذج لهذا الذكر، والعجيب إن الكثير منها يتشابه مع الكثير من النصوص الإسلامية الواردة في هذا المجال، وقبل ذكرها أِشير إلى إن بعض الكتاب لا سيما من مفسري العهدين بتجهون إلى تفسير ذلك بظهور السيد المسيح (عليه السلام)، وهذا ليس بضائر من حيث المبدأ باعتبار إن مهمتنا هنا هي توثيق أصل الإشارة، لا الخوض في تفاصيلها، وكذلك لطبيعة التسالم بين المسلمين بأن ظهور السيد المسيح (عليه السلام) يتزامن مع ظهور الإمام المهدي (صلوات الله عليه).

أقول: ورد ذكر الإمام (صلوات الله عليه) وعلامات ظهوره في مساحات واسعة من الكتاب المقدسة وسأذكر بعض ما راجعته على عجل على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً: العهد القديم (التوراة):أ: سفر المزامير

جاء في المزمور 37: أما الآثمة فلا بد يهلكون، ونسل الأشرار يستأصلون، والأبرار يرثون الأرض ويسكنونها للأبد. (العهد القديم: 1165 سفر المزامير 37: 29 ؛ دار المشرق بيروت 1988)

ب: سفر أشعيا:

جاء في الاصحاح الحادي عشر ما يلي: ويخرج غصن من جذع يسّي وينمى فرع من أصوله، ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة، ويوحي له تقوى الرب، فلا يقضي بحسب رؤية عينيه، ولا يحكم بحسب سماع أذنيه، بل يقضي للضعفاء بالبر، ويحكم لبائسي الأرض بالاستقامة، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويميت الشرير بنفس بنفس شفتيه، ويكون البر حزام حقويه، والأمانة حزام خصره، فيسكن الذئب مع الحمل، ويربض النمر مع الجدي، ويعلف العجل والشبل معاً وصبي صغير يسوقهما، ترعى البقرة والدب معا إلى أن يقول: ويلعب الرضيع على حجر الأفعى، ويضع الفطيم يده في جحر الأرقم، لا يسيئون ولا يفسدون، في كل جبل قدسي، لأن الأرض تمشي من معرفة الرب، كما تغمر المياه البحر، وفي ذلك اليوم أصل يسّي القائم راية للشعوب، إيّاه تلتمس الأمم، ويكون مكان راحته مجداً، وفي ذلك اليوم يعود السيد فيمد يده ثانية ليفتدي بقية شعبه. (العهد القديم: 1547ـ1548؛ سفر أشعيا الاصحاح الحادي عشر 1ـ1).

ج: سفر دانيال

جاء في الاصحاح الثاني عشر: وفي ذلك الزمان يقول ميكائيل الرئيس العظيم القائم لدى بني شعبك، ويكون وقت ضيق، لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الزمان، وفي ذلك الزمان ينجو شعبك كل من يوجد مكتوباً في الكتاب.... إلى أن يقول: وكثير من الراقدين في أرض التراب يستيقظون، بعضهم للحياة الأبدية، وبعضهم للعار والرذل الأبدي، ويضئ العقلاء كضياء الجلد، والذين جعلوا كثيراً منالناس أبراراً كالكواكب أبد الدهور، وأنت يا دانيال أغلق على الأقوال، واختم على الكتاب إلى وقت النهاية، إن كثيرين يتيهون ويزداد الاثم، إن كثيرين يتنقّون ويتبيّضون ويمحصون، والأشرار يرتكبون الشر، ولا احد من الأشرار يفهم، أما العقلاء فيفهمون، ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة شناعة الخراب ألف ومئتان وتسعون يوماً، طوبى لمن ينتظر، ويبلغ إلى ألف وثلاث مئة وخمسة وثلاثين يوماً، وأنت ذاهب إلى النهاية، وستستريح وتقوم لنيل نصيبك في نهاية الأيام. (العهد القديم: 1885_1886 سفر دانيال الاصحاح 12: 1ـ4، 10ـ13).

د: سفر حبقّوق

جاء في الاصحاح الأول من رؤيا النبي حبقّوق: فهئنذا أثير الكلدانيين الأمة المرة المندفعة التي تطوف رحاب الأرض، لتمتلك مساكن ليست لها، إنها مرهوبة هائلة، ومنها يبرز حقها وتشامخها، وخيلها اخف من النمر، وأسرع من الذئاب في المساء، وفرسانها يثبون ويزحفون من بعيد، ويطيرون كالعقاب المنقض للإفتراس، يأتون كلهم للعنف، ووجوههم متجهة إلى الشرق فيجمعون الأسرى كالرمل، إنه يهزأ من الملوك ويكون الزعماء أضحوكة له، ويضحك على كل حصن، ويركم تراباً ويأخذه حينئذ يمر كالريح، ويعبر أثيم يجعل من قوته إلهه... ثم يشير إلى شكوى ثانية للنبي فيقول: ألست أنت الرب منذ القدم، غلهي وقدوسي فلا تموت؟ يا رب إنك للحق جعلته وللتأديب صخرة أسسته، عيناك أطهر من أن ترى الشر، ولست تطيق النظر غلى الإثم، فلم تنظر إلى الغادرين؟ ولم تصمت عندما يبتلع الشرير من هو أبر منه؟ وتعامل البشر كسمك البحر، كزحافات لا قائد لها، إنه يرفعهم جميعا بشصّه، ويجرهم بشبكته، ويجمعهم في شركه، فلذلك يفرح ويبتهج، ولذلك يذبح شبكنه ويحرق البخور لشركه، لأنه بهما سمّن نصيبه ودَسِم طعامه، أفبسبب ذلك يستلّ سيفه، ولا يزال يقتل الأمم ولا يرحم!!
على محرسي أقف، وعلى مرصدي أنتصب، وأراقب لأرى ماذا يقول لي وماذا يجيب عن معاتبتي؟ فأجابني الرب وقال: اكتب الرؤيا وانقشها على الألواح حتى يسرع في قراءتها فإنها أيضاً رؤيا للميقات، تصبو إلى أجلها ولا تكذب، إن أبطأت فانتظرها، فإنها ستأتي إتياناً ولا تتأخر، النفس غير المستقيمة غير أمينة، أما البار فبأمانته يحيا. (العهد القديم: 1983ـ1985 سفر حبقّوق الاصحاح الاول والثاني).


ثانياً: العهد الجديد (الانجيل)

أ: انجيل متى: جاء في الاصحاح الرابع والعشرين قوله: فإذا رأيتم المخرّب الشنيع الذي تكلم عليه النبي دانيال قائماً في المكان المقدّس، فليهرب إلى الجبال من كان عندئذ في اليهودية، ومن كان على السطح فلا ينزل ليأخذ ما في بيته، ومن كان في الحقل فلا يرتد إلى الوراء ليأخذ رداءه، الويل للحوامل والمرضعات في تلك الأيام، صلوا لئلا يكون حربكم في الشتاء او السبت، فستحدث عندئذ شدة عظيمة لم يحدث مثلها منذ يدء الخليقة إلى اليوم، ولن يحدث ولو لم تقصر تلك الأيام لما نجا أحد من البشر، ولكن من أجل المختارين ستقصّر تلك الأيام.. فإذا قال لكم عندئذ أحد من الناس: ها هو ذا المسيح هنا، بل هنا فلا تصدقوه، فسيظهر مسحاء دجالون وأنبياء كذابون، يأتون بآيات عظيمة وأعاجيب حتى إنهم يضلون المختارين أنفسهم... إلى أن يقول: وعلى أثر الشدة في تلك الأيام تظلم الشمس، والقمر لا يرسل ضوءه، وننساقط النجوم من السماء وتتزعزع قوات السموات وتظهر عندئذ في السماء آية ابن الإنسان، فتننتحب جميع قبائل الأرض، وترى ابن الإنسان آتياً على غمام السماء في تمام العزة والجلال ويرسل ملائكته ومعهم البوق الكبير فيجمعون الذين اختارهم من جهات الرياح الأربع، من أطراف السموات إلى أطرافها الأخرى... فإذا رأيتم هذه الأمور كلها فاعلموا ان ابن الإنسان قريب على الأبواب، الحق أقول لكم: لن يزول هذا الجبل حتى تحدث هذه الأمور كلها، فأما ذلك اليوم وتلك الساعة فما من أحد يعلمها لا ملائكة السموات ولا الابن، إلا الآب وحده... لذلك كونوا انتم أيضاً مستعدين، ففي الساعة التي لا تتوقعونها يأتي ابن الإنسان. (العهد الجديد: 103ـ105 انجيل متى 24: 15ـ44)

ب: انجيل لوقا: جاء في الاصحاح الثاني عشر قوله: ولتكن أوساطكم مشدودة، ولتكن سرجكم موقدة، وكونوا مثل رجال ينتظرون رجوع سيدهم من العرس، حتى إذا جاء وقرع الباب يفتحون له من وقتهم، طوبى لأولئك الخدم الذين إذا جاء سيدهم وحدهم ساهرين، الحق أقول لكم إنه يشدّ وسطه ويجلسهم للطعام، ويدور عليهم يخدمهم، وإذا جاء في الهزيع الثاني أو الثالث ووجدهم على هذا الحال فطوبى لهم، وانتم تعلمون إنه لو عرف رب البيت في أية ساعة يأتي السارق لم يدع بيته ينقب، فكونوا أنتم أيضاً مستعدين، ففي الساعة التي لا تتوقعونها يأتي ابن الإنسان. (العهد الجديد: 238؛ انجيل لوقا الاصحاح 12: 35ـ40).

وفي الاصحاح الحادي والعشرين قوله وهو يتحدث عن الهيكل: هذا الذي تنظرون إليه ستأتي أيام لن يترك منه حجر على حجر من غير أن ينقض!! فسألوه: يا معلم ومتى تكون هذه الآيات؟ وما تكون العلامة أن هذه كلها توشك أن تحدث؟ فقال: إياكم أن يظلكم أحد، فسوف يأتي كثير من الناس منتحلين اسمي، فيقولون: انا هو قد حان الوقت، فلا تتبعوهم، وإذا سمعتم بالحروب والفتن فلا تفزعوا، فإنه لا بد من حدوثها أولا، ولكن لا تكون النهاية عندئذ. ثم قال لهم: ستقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتحدث زلازل شديدة وأوبئة ومجاعات في اماكن كثيرة، وستحدث أيضاً مخاوف تأتي من السماء وعلامات عظيمة.. إلى أن يقول: فإذا رأيتم أورشليم قد حاصرتها الجيوش، فاعلموا ان خرابها قد اقترب، فمن كان يومئذ في اليهودية فليهرب إلى الجبال، ومن كان في وسط المدينة فليخرج منها، ومن كان في الحقول فلا يدخلها، لأن هذه الأيام أيام نقمة يتم فيها جميع ما كتب.

ثم قال: وستظهر علامات في الشمس والقمر والنجوم، وينال الأمم الكرب في الأرض، وقلق من عجيج البحر وجيشانه، وتزهق نفوس الناس من الخوف، ومن توقع ما ينزل بالعالم لأن اجرام السماء تتزعزع، وحينئذ يرى الناس ابن الإنسان آتيا في الغمام في تمام العزة والجلال، وإذا أخذت تحدث هذه الأمور، فانتصبوا قائمين وارفعوا رؤوسكم لأن افتداءكم يقترب. (العهد الجديد: 264ـ 266 انجيل لوقا؛ الاصحاح الحادي والعشرون: 6ـ28).

ج: انجيل يوحنا: جاء في الاصحاح الخامس قوله: لا تعجبوا من هذا، فتأتي ساعة فيها يسمع صوته جميع الذين في القبور، فيخرجون منها، أما الذين عملوا الصالحات فيقومون للحياة، وأما الذين عملوا السيئات فيقومون للقضاء. (العهد الجديد: 303 انجيل يوحنا؛ الاصحاح الخامس: 28)

د: رؤيا يوحنا: جاء في الاصحاح الثاني عشر وهو يتحدث بطريقته الرمزية عن تنين: ووقف أمام المرأة التي توشك أن تلد، حتى إذا وضعت ولدها ابتلعه، فوضعت ابناً ذكراً، وهو الذي سوف يرعى جميع الأمم بعصا من حديد، وخطف ولدها إلى حضرة الله إلى عرشه... إلى أن يقول: فغضب التنين على المرأة، ومضى يحارب سائر نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح.. (العهد الجديد: 816ـ817؛ رؤيا يوحنا 12: 3ـ18).




 توقيع : نهر العلقمي

يم الضريح أبشوك أوكف يمولاي.. وتخيلك عباس تسكيني الماي

يشفيني مايك زين ويطيب الداي..ورجع ورد مسرور ياسيدي ومولاي


رد مع اقتباس
قديم 05-04-2011, 08:22 PM   #2
عضو مميز


الصورة الرمزية نهر العلقمي
نهر العلقمي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 53
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 10-10-2013 (10:22 PM)
 المشاركات : 485 [ + ]
 التقييم :  10
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



(الحلقة الثالثة)

والثاني: ماهي هوية هؤلاء العباد؟ ومن هم؟ الذين وسموا في الصلاح ونعتهم الباري جل وعلا بمثل هذا الوصف، فالقضية تشير إلى وجود تنجّز سيحصل حتما في التاريخ، وهذا التنجّز سيحصل من خلال حكم عباد لله صالحين، وهؤلاء العباد لابد وأن تكون شخصياتهم المادية والمعنوية بالغة الأهمية بالنسبة لله تعالى بحيث يحرص على ذكرهم في جميع كتبه السماوية.

والثالث: يتعلق بوقت ظهور هؤلاء العباد، فالآية تتحدث عن المستقبل، وعلى الباحث أن يقترب من تشخيص هذا المستقبل.

والرابع: سيتعلق بالعمل الذي سيقوم به هؤلاء العباد؟ فالقرآن ذكر إن الأرض ستورث من قبلهم، مما يعني إن هؤلاء العباد يريدون أن يحققون إرثاً، والكلام هنا ممن سيرثون؟ وماذا سيرثون؟

وهذه الأسئلة يمكن أن تتفكك ويجاب عليها عبر عدة محاور:

المحور الأول: لا بد إن عملية التوريث لهؤلاء العباد المشار إليها في الآية الشريفة تضفي عليهم طابعاً في غاية الأهمية، وهي كفيلة لتدلّنا على مواصفات ومؤهلات هؤلاء العباد، وهي التي حلّت اشكال المراد بالصلاح ومداه، فكلمة الصلاح ـ كما هو معروف ـ يمكن أن تكون نسبية، فبعض المؤمنين يخلط عملاً صالحاً مع آخر سيئاً كما هو مفاد الآية الشريفة: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً}(1) ، أو كما في قوله تعالى: {إلاّ الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا}،(2) ولكنها يمكن أن تقترب من حد الكمال أو تصل إلى الكمال المطلق، وبالرجوع للقرآن العزيز نجد إن درجة الصالحين قدمّت بوصفين تاريخيين،(3) أولها أشار إلى العديد من الأنبياء ووصفهم بالصالحين كما هو الحال مع نوح وإبراهيم ويحيى وزكريا وموسى واسحاق ويعقوب وعيسى والياس وداود وسليمان وايوب ويوسف وهارون واسماعيل واليسع ويونس ولوط وادريس وذي الكفل (صلوات الله على نبينا وآله وعليهم).

وأخرى أشار إلى مقعد خاص في الجنة أدخل ضمن إطار {وحسن أولئك رفيقاً} كما نلاحظ ذلك في الآية الكريمة: {ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً}(4) ، وعليه فإن هؤلاء العباد الصالحين هم من صنف المصطلح المطلق أي إن صلاحهم كاملاً، ويدلّنا وبإطمئنان كامل إلى هذا المعنى قوله تعالى في آية الوارثين، فهذه الآية تشير إلى نفس هؤلاء العباد، ففي قوله تعالى: {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}(5) فهؤلاء سيرثون الأرض بعد الاستضعاف الذي يعمّها، وأولئك هم الذي سيورّثون الأرض كما أشارت الآية السابقة، ولكن هنا تم طرح أمور عدة؛ الأمر الأول: يتعلق بقوله ونريد أن نمنّ، وهذا القول هو مفاد النعمة الإلهية، مما يجعل هؤلاء الصالحين من الذين أنعم الله عليهم التي أشير إليهم في الآية الكريمة السابقة،(5) أي من الطبقة المخصوصة عند الله والتي وصفت بأنهم {وحسن أولئك رفيقاً}.

والأمر الثاني: هو اعتبارهم أئمة واختيار كلمة الجعل(7) هنا ذو مغزى في غاية الأهمية، لأن الجعل إنما يأتي من بعد استحقاق من المجعول له لقاء ما جعل له، كما إن هذا الجعل إنما يأتي من جاعل أي بجعل من الله سبحانه وتعالى، مما يستدعي أن يكون المسمّي لهؤلاء والناص عليهم هو الله جلّ وعلا، وهذا هو الذي كان مدار الحوار الرباني مع إبراهيم (صلوات الله على نبينا وآله وعليه وآله) حين تشير إليه الآية الكريمة: {إني جاعلك للناس إماماً قال: ومن ذريتي؟ قال: لا ينال عهدي الظالمين(8) ، فلقد طلب إبراهيم من ربه أن يجعل ذريته أئمة، ورغم ان فيهم كاسحاق واسماعيل ويعقوب، إلا إن التشدد الرباني في ابقاء هذه الصلاحية خاصة بالله سبحانه وتعالى لأنها تتحدث عن عهده وليس عهد البشر، مما يجعل هؤلاء هم نفس الفئة التي أشار إليه سبحانه وتعالى في قوله المبارك: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا لهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين}(9) ، وكذا قوله تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}(10) . فلا يفوتنّك التعمّق في هذه الكلمات.(11)

ومن كل ذلك نعرف إن الوارثين هم صفوة الخلق الإلهي، وهو الذي حدد أشخاصهم، وإنهم لهم ملاكات خاصة في العبودية المطلقة لله سبحانه وتعالى، وسيأتي في البحث مزيد تفصيل عن ذلك.(12)

المحور الثاني: سيتعلق بموضوع الإرث المشار إليه في الآية الشريفة، ففي الآيتين الكريمتين تحدّث القرآن الكريم عن الإرث، ومن الطبيعي إن المرء يتساءل عمن هو الموروث؟ وما هي طبيعة هذا الإرث؟

لا يعسر على المرء أن يعرف إن المورّث هو الله تعالى، فهو الذي كتب إنهم سيرثون، وهو الذي جعلهم وارثين، مما يعني إن مفردات مثل: خليفة الله وعهد الله وأمانة الله والإمامة والميثاق مع الله وأمثالها هي التي ستكون مورد هذا التوريث، لأن هذه المفردات هي التي تحدث عنها الله سبحانه وتعالى بشكل اختصاصي، ولم يتحدث عن إنها أوليت بالاستقلال لغيره، بل رأينا كيف تحدثت الآيات الكريمة عن كلمات: عهدي، عهد الله، إني جاعلك للناس إماما، إني جاعل في الأرض خليفة، إنا عرضنا الأمانة، وهي كلها راجعة في اختصاصها لله جلّ وعلا.


الهوامش
ـــــــــــــــ
1 - سورة التوبة: 102.
2 - سورة آل عمران: 69.
3 - اي بمعنى إنه تحدث عن مصاديق تاريخية للصالحين، بعيداً عن طبيعة الصالحين وخصوصياتهم التي تطرح كثيرا في الكثير من الآيات القرآنية.
4 - سورة النساء: 69.
5 - سورة القصص: 5.
6- سورة النساء: 69.
7 - الجعل لغة: الأجر والثمن لقاء عمل أو أمر يؤديه إلى الجاعل فيحصل منه على جعالة.
8 - سورة البقرة: 124.
9 - سورة الأنبياء: 73.
10 - سورة السجدة: 24.
11 - نوصي بالرجوع لكتابنا: الإمامة ذلك الثابت الإسلامي المقدّس، وإلى محاضراتنا في الخطبة الأولى لصلاة الجمعة في مسجد براثا المتعلقة بالنظرية السياسية في الإسلام، والتي قد تطبع مستقلة إن شاء الله تعالى.
12 - بحثنا ذلك بشكل مفصل في كتابنا الخلافة الربانية فراجع.


الحلقة الرابعة

وبالنتيجة لابد من وجود مصداق اجتماعي تاريخي لمن سيرث ذلك بعد إتمام مرحلة النبوة؟ لأنه لا يعقل أن يتحدث القرآن بكل هذه الأمور ويترك مصداقها في الهواء الطلق من دون أن يحدد الوجهة التي تناط بالمؤمن لكي يتابعها، لا سيما وإن حديثه يأتي بعد أن يكون المؤمن مستضعفاً كما أشارت إليه الآيات الشريفة.
وفي البداية لا يبدو العثور على المصداق كاسم وتاريخ سهل المنال قرآنياً، ولكن يمكن السير باتجاه التعرف عليه من خلال ما طرح من شروطه الشخصية التي تتناسب في أن يكون مورداً للتوريث الإلهي، ولئن لاحظنا إن هذا الشخص يجب أن يكون مورد نص إلهي، أي إنه لا بد من وجود نص فيه، فإن ملازمات التوريث طرحت مبدأ العصمة بشكل واضح، من خلال نعته بالإمام، وقد عرفتنا الآية الكريمة {إني جاعلك للناس إماما قال: ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} أنه لا يرقى إلى هذا المقام إلا من كان معصوماً، والوصف الإلهي لكونه من الصالحين أيضاً دلّنا على هذه الخصوصية، فضلاً عما دلّتنا عليه مواصفات التوريث، كالأمانة والخلافة وما إلى ذلك من وجوب أن يكون المورَّث معصوماً حتى يقوم بواجبات ومستلزمات الإرث.

اذن ما تدعونا إليه الآية هو شخص منصوص عليه يخرج في وقت متأخر من عصر الرسالة ويتسم بالعصمة، وسنحاول أن نفتّش في البداية عن زمنه تحديداً، ولعل الآية الكريمة الآتية ما ستميط عنا بعضاً من لثام هذه المرحلة الزمانية.
ب: في بداية سورة الإسراء نجد حديثاً مثيراً عن أوضاع بني إسرائيل وما ستؤول إليه أوضاعهم، ولهذا الحديث مغزى عظيم جداً في طبيعة ما نبحث عنه ونروم الوصول إليه، وفيه يقول جلّ من قائل: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرتين ولتعلُنّ علواً كبيراً، فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا، ثم رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً، إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرّة وليتبروا ما علوا تتبيراً} .(1)

وفي هذه الآيات الشريفة يشار إلى فارق ما بين نمطين من العباد الذين تعاملوا مع بني إسرائيل، فالصنف الأول تعامل مع ديار بني إسرائيل وجاس خلالها،(2) أما الثاني فإن معركته معهم ستكون ذات بعد ديني وحضاري بشكل حاسم بحيث إنه توجه نحو المسجد، وكانت غايته دخول المسجد وتدمير كل ما يمثل حضارة بني إسرائيل مما حمّلوه على الدين تحريفاً وتدنيساً، بشكل نهائي بحيث إنهم يتبّروا ما علوا وطغوا تتبيراً،(3) والتساؤل البديهي هنا متى سيحصل هذا الأمر؟ ومن الذي سيتولاه؟

إن الآيات الكريمة تشير إلى إن بني إسرائيل ستحظى بطغيان مالي وبشري وسياسي كبير جداً، وواضح إن الكلام عن تدمير كل ذلك إنما يتعلّق بأمر لم يحصل بعد، رغم إن الطغيان المشار إليه في الآية نعيشه اليوم بكل وضوح، إذن نحن سنواجه مستقبلاً نمطاً من العباد الرساليين الذي سيأخذون على عاتقهم تدمير كل ما يرمز إلى طغيان بني إسرائيل، وبلحاظ الخصوصية العالمية التي يحظى بها بنو إسرائيل حالياً، والتي مكّنتهم من أن يسيطروا على أكثر منافذ القرارات الدولية حساسية، فإن عملية التدمير هذه لكيانهم الحضاري، لابد وأن تأتي ضمن نطاق عالمي وليس عبر مجرد معركة تقتصر على إسرائيل، ومن يربح معركة كهذه، لابد وأن يكون قوياً بالشكل الذي يجتاز فيه كل مركز قوى عالمي، ولعل ذلك هو المطابق الموضوعي والعملي للآية السابقة التي أشارت إلى وراثة الأرض، فتأمل!!.

إذن فإن الاضافة التي تطرحها هذه الآية على معطيات ما خرجنا به من الآية السابقة لها: إن هؤلاء العباد الذين وصفوا في الآية السابقة بالعصمة وضرورة أن يكون النص عليهم، لم يأن دورهم الحضاري بعد، فهل سنجد النص عليه، وبالشكل المتناسق مع كل هذه الصفات والمواصفات والحيثيات؟!

ج: في قوله تعالى في سورة النور: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدوني لايشركون بي شيئاً، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}.(4) ما يجب أن يتوقف عنده الباحث في هذا المجال، فثمة وعد إلهي، ومن هو أوفى بعهده من الله تعالى، وخلاصة هذا الوعد يتعلق بالاستخلاف لصفوة من عباده، وهذا الاستخلاف ليس تكوينياً، بل هو من النمط التشريعي، بدليل إنه يتحدّت عن تمكين الدين، وهذا التمكين لن يكون إلا بعد اقصاء وغربة، وأن يبدلهم بعملية التمكين هذه الخوف الناجم عن الظلم والاضطهاد لقواعد هذا الدين، ومن ثم لتحقيق العبودية الخالصة التي لا يزاحمها وجود أصنام طاغوتية، وهذا الوصف يؤدي لا محالة إلى التساؤل عن هذه الصفوة، من حيث الهوية وزمان وجودها، ومن الواضح إن زمن هذا الوجود مرتبط بفترة مستقبلية قياساً لعهد رسول الله (صلوات الله عليه وآله)، كما إن من الواضح إن هؤلاء هم من الصفوة التي وصفتها آية الاستخلاف في سورة البقرة(5) ، وبالنتيجة فإن ذلك يستدعي منّا أن نفتش عن صفوة رقى بها إيمانها بحيث إنها لا تشرك بالله شيئاً، وهذا ما يستدعي أن يكون الحديث عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هي صورتها الكاملة والمطلقة، أي إن هذه الصفوة المتحدّث عنها لابد وأن تكون معصومة، وإذ تكون معصومة فلابد من نص إلهي يدلّ عليها، ومن ثم لتلتقي في المواصفات الخاصة بنفس مواصفات الآية السابقة، ومن واجب المسلم أن يتساءل عن هذه الصفوة ومتى ظهورها، لأن الله تعالى إنما تحدّث عن أمر سيكون في المستقبل حتماً.

الهوامش
________

1- سورة الإسراء: 4ـ7.
2 - جاس خلال الديار: توسطها وداس عليها.
3 - التتبير : الإهلاك.
4 - سورة النور: 55.
5 - في قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك، قال إني اعلم ما لا تعلمون} وقد أشرنا في لحثنا المستفيض عن هذه الآية في كتابنا: (الخلافة الربانية) إن الملائكة عرفت إن الاستخلاف الرباني يقتض أن يكون المستخلف من النمط المسبح والمقدس وأن يكون خلياً من النوازع التي تؤدي به إلى الفساد وسفك الدماء، ولذلك عرضت نفسها لأنها لم تك مطلعة على ما لم يبلغ إليه علمها، ولذلك قال تعال: إني اعلم ما لا تعلمون، وهذا الجواب الرباني المسكت لا بد وإنه أشار إلى إنها مدعوة أن تنتبه للجواب الإلهي الذي سيأتيها على مقترحها هذا، ولهذا لا تمضي الآيات سريعا حتى نجد اذعانها على ما لاحظته من أسماء قد عرضت عليها، ولذلك استسلمت وقالت: {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا}.. وقد استفدنا في بحثنا ذاك على إن هذه الأسماء هي لجهة لابد من تميزها بالعصمة والقدرة العالية على التسبيح والتقديس بالشكل الذي فاقت نفس الملائكة في عبوديتها لله تعالى.


الحلقة الخامسة
بسم الله الرحمن الرحيم


تواتر الحديث عن ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه

د: على الرغم من الاختلاف الواضح في منهج الأخذ بحديث الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بين المسلمين، إلا إن من المؤكد إن هذا الاختلاف لم يؤثر على جزم المسلمين على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم بتواتر الحديث عن ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في زمن متأخر ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ولذلك يقول الشوكاني في الفتح الرباني على ما نقله عنه المباركفوري: الذي أمكن الوقوف عليه من الحاديث الواردة في المهدي المنتظر خمسون حديثاً، وثمانية وعشرون أثراً، وببعد أن أوردها وناقش فيها قال: وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع.(1)

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء وحاله في النصب في الحديث ورجالاته معروف جداً: الأحاديث عن النبي في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة.(2)

وقال شمس الحق العظيم آبادي في عون المعبود: وخرجوا أحاديث جماعة من الأئمة منهم أبو داود والترمذي وابن ماجة والبزار والحاكم والطبراني وأبو يعلي الموصلي وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وأنس وأبي سعيد الخدري وأم حبيبة وأم سلمة وثوبان وقرة بن أياس وعلي الهلالي وعبد الله بن الحارث، واسناد أحاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف، وقد بالغ الإمام المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون المغربي(3) في تاريخه في تضعيف أحاديث المهدي كلها فلم يصب بل أخطأ. (4)
ولهذا ذكر الحديث المتعلق به مباشرة (صلوات الله عليه) بصورة وأخرى، بطرق عديدة، وبألفاظ متعددة، وبشكل موسع جداً في غالبية الكتب المعنية بالحديث(5)

وبالجملة فإننا نلحظ ثمة اتفاق على ثوابت متعددة في غالبية هذه الأحاديث، تتركز على إن ظهور المهدي (صلوات الله عليه) هو نبوءة محمدية لمستقبل هذه الأمة بعد أن يتمدد الظلم والجور على كل الأرض ليظهر وينهي كل ذلك وليعم العدل والقسط بدلاً عنه، وبالتالي هو نص ظاهر وجلي، وإنه من عترة النبي وأهل بيته (عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام)، وإنه من ولد فاطمة (صلوات الله عليها) ، وهذه المواصفات تتفق تماماً مع ما تتحدث عنه مدرسة أهل البيت (صلوات الله عليهم).

د: يبقى الكلام في هوية محمد المهدي ابن فاطمة الزهراء (صلوات الله عليهم أجمعين) هل إنه ولد قبل هذا الوقت فامتد به العمر كل هذه المدة، أم إنه سيتولّد من بعد ذلك، وهنا يكون من معيب النقاش مجرد النفي من دون دليل بل هو إلى التهريج أقرب منه إلى أي شيء آخر كما فعل غير واحد من هؤلاء، فلقد قال شمس الحق العظيم آبادي: لاشك إن ما زعمت الشيعة من أن المهدي المبشّر به في الأحاديث هو محمد بن الحسن العسكري القائم المنتظر وإنه مختف وسيظهر هي عقيدة باطلة لا دليل عليها.

والرجل مثله مثل غيره لم يقدّم أي دليل على كلامه هذا، ولم يقل لنا وجه البطلان الذي أشار إليه، والذي يبدو إنه كان جازماً به، وإنما جاء كلامه جزافاً، وهو إن لم يكن مبنياً على موقف مبدئي بتكذيب الشيعة في معتقداتهم كيفما اتفق لمجرد التكذيب، وهو أمر شائع كثيراً في كتب القوم، ومعيب جداً، فإنه يبقى في أحسن الفروض مستنداً إلى وقائع ذوقية ونفسية ليس إلا، ولهذا يجدر بنا أن نتوقف عند هذه الوقائع لنختبر جدية صمودها أمام معطيات المبحث العلمي المجرد.

ولمعالجة شأن هذه الوقائع يجب أن نتجه عبر عدة محطات، وأولى هذه المحطات يجب أن تتقفى الإمكانية البشرية للعمر الطويل، ولا ريب إن أول ما يثبت في مثل هذه المحطة هو إنه لا يوجد أمر يعصي على الله تعالى، فالله في الأمور التكوينية لو أراد أمراً إنما يقول له كن فيكون، ولهذا فلا حديث لأحد لو إن الإرادة الإلهية تدخلت لتطويل عمر فلان، أو تقصيرها لعمر آخر، فهذه كلها لله تعالى، ولكن نلحظ إن ثمة منهج رباني هنا يعمد إلى عدم الركون لخيارات الطبيعة المادية اطلاقاً حتى لو كان المرء يعتقد إن هذه الخيارات كلها بيد الله تعالى، فمن مجموع النظر إلى الآيات المتعلقة بمثل هذه الأمور نلمس إن الله تعالى طرح عدة قضايا في الحياة والموت بشكل تداخلت ظروف متعددة فيها، فمثلاً تطرح قضية عيسى (صلوات الله على نبينا وآله وعليه) كنموذج لنظام إيلاد لا يتسم بالحالة المتوافقة مع الطبيعة المادية، وتطرح قضية ناقة صالح أيضاً كنموذج لا يعتمد على النظام المادي في الإيلاد، ولو نظرنا إلى قضية صاحب الحمار الذي توفاه الله مائة عام ثم بعثه، وقصة البقرة وحياتها، فإنها تمنحنا بعداً جديداً بعيداً عن النظم الطبيعية، وهكذا الأمر في قصة أصحاب الكهف، وغيرها، لتشعرنا بضرورة عدم الاستسلام لمنطق واحد في مسائل الحياة والموت، والاستعداد دوماً لتلقّي أموراً أكبر من قدرة العقل البشري لو ركن للظروف المادية فقط، أو دعني أقولها بطريقة أخرى: لتشعرنا بوجود نمط من القوانين التي تتحكم في الكثير من المسائل من دون أن يجد العقل البشري سبيلاً لها، لو ارتهنت آليات تفكيره ضمن ظروف العقل المادي، وفي ذلك تفصيل لا يسع المجال لذكره هنا.


الهوامش:
ــــــــــــ
1ــ تحفة الأحوذي في شرح سنن الترمذي 6: 402.
2ــ سير أعلام النبلاء 12: 351 للحافظ الذهبي؛ مؤسسة الرسالة ط9 بيروت 1413هـ..
3 ــ كان ابن خلدون في مقدمته قد تعسف بشكل عجيب من أجل رفض الأحاديث المهدوية.
4ــ عون المعبود شرح سنن أبي داود 11: 243 لمحمد شمس الحق العظيم آبادي؛ دار الكتب العلمية ط2 بيروت 1415هـ.
5ــ أذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر ومن كتب العامة وعلى لسان أئمتهم فقط: أحمد بن حنبل في مسنده في مواضع عديدة 3: 27ـ28 و36ـ37 و52 و70، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري في مواضع عدة 6: 397، و13: 13ـ14، 71، 184، وابن داود في سننه 2: 310، وفي عون المعبود شرح سنن أبي داود 11: 247، وابن أبي شيبة في المصنف 8: 678ـ679، والترمذي في سننه 3: 343 ح2313ـ2333، وفي تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي في مواضع عديدة 6: 403، والحاكم النيسابوري في مستدركه على الصحيحين 4: 464 و465 و557 وهنا قال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد تابعه الذهبي في تلخيصه للمستدرك في جميع هذه المواضع، وابن حبان في صحيحه 15: 236ـ238، وأبي يعلى الموصلي في مسنده 2: 275، والطبراني في المعجم الصغير 2: 148، والأوسط 2: 15 و55 و9: 179، وفي الكبير في مواضع عدة 10: 134ـ135 و19: 32ـ33، والسيوطي في الجامع الصغير 2: 402 و438 و672، وفي الدر المنثور في التفسير بالمأثور 6: 57ـ58، والمناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير 1: 466 و5: 423 و6: 362، وابن الهيثمي في مجمع الزوائد في مواضع عدة 7: 313 قال: ورواه الترمذي وغيره باختصار كثير ورواه أحمد بأسانيد وأبو يعلى باختصار كثير ورجالهما ثقات، والاصبهاني في دلائل النبوة 6: 266، والذهبي في تذكرة الحفاظ 3: 838، وفي سير أعلام النبلاء 15: 253ـ254، وفي ميزان الاعتدال 2: 87 و249، وابن ماجة في سننه 2: 1368، والهيثمي في موارد الظمآن: 464، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : 478، والمتقي الهندي في كنز العمال في مواضع كثيرة 14: 261ـ262 و264ـ268، والحافظ الأصبهاني في ذكر اخبار أصبهان 2: 165، والمقريزي في النزاع والتخاصم: 35، والعقيلي في ضعفائه 2: 76 وقال: وفي المهدي احاديث صالحة الأسانيد، وفي 3: 254 قال: وفي المهدي احاديث جياد، والمزي في تهذيب الكمال 9: 437، ونعيم بن حماد في الفتن: 213، والبخاري في التاريخ الكبير 8: 406، والقرطبي في تفسيره 2: 79 و8: 122 وقال: إن الأخبار تواترت على إن المهدي من عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابن كثير في تفسيره 2: 33و3: 302، وفي البداية والنهاية 10: 162، والطبري في تفسيره ايضاً 1: 501، والشوكاني في فتح القدير 1: 132، وابن الجوزي في زاد المسير 3: 428، والآلوسي في روح المعاني 7: 111 و9:207 و13: 171.... الخ مما لا أجد مجالاً لاستقصاء من ذكره من أئمة القوم ومحدثيهم..
الحلقة السادسة

وكيفما يكن يبقى الكلام في حدود القابلية البشرية وقدرة العمر الإنساني على أن يكون طويلاً، من جهته فإن القرآن الكريم لا يضع حدّا صارماً من الناحية الزمنية لحدود العمر الإنساني، بحيث إننا نجد العمر ينتهي عند هذا الحد، بل إننا نجده يضع الحدود ما بين عمر وآخر بشكل واسع جداً، رغم ما قد يبدو إنه قد وضع معدلاً معتاداً للعمر الإنساني، ولكنه قبل بحالة الاستثناء بشكل واضح، فما بين ظاهرة عمر نوح (عليه السلام) التي يعبّر عنها بقوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون}(1) ، فعمره الرسالي ما قبل الطوفان قد بلغ هذه المدة، وما بعد الطوفان قضى مدة أخرى،(2) وما بين قوله تعالى: {والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئاً}(3) وكذا قوله تعالى: {ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً}(4) نلحظ إن الفاصل الذي ترك مفتوحاً يعد كبيراً جداً، إذن من حيث الإمكان الخلقي لا توجد مشكلة في أن يعمّر الإنسان طويلاً بشكل يفوق الحدود الطبيعية للعمر الطبيعي، والمسألة هنا لم تطرح بعنوانها معجزة، رغم إنها كانت بإرادة من الله تعالى، وإنما طرحت لتبين قابلية العمر الإنساني ومداه، على إن هذا الأمر لا يتعلق بالأنبياء، فهذا الخضر (عليه السلام) ليس بنبي، وإنما هو عبد صالح بلغ به العمر ولا زال، ما يمكن أن يشكل ظاهرة أكبر معمّر في هذه الدنيا، فلقد كان في زمن موسى (عليه السلام) ولا زال، والروايات لدى الطرفين تشير إلى إنه سيخرج مع الإمام المهدي (صلوات الله عليه).


والعجيب إن المعترضين بمثل هذه الاعتراضات يعانون من ازدواجية معايير عجيبة في هذا المجال، فهم يقبلون بمثل روايات أن يكون الأعور الدجال أو المسيح الدجال قد كان حيّاً في زمن رسول الله (صلوات الله عليه وآله) وسيبقى حتى أشراط الساعة، ولا يقبلون أن يمتد عمر الإمام المهدي المنتظر (بأبي وأمي) بأقل من ذلك، وعلى الأقل فإن ثمة قصتين لشخصيتين تتداولها أصح الكتب لديهم وهي تتحدث عن شخصية الأعور الدجال!! وكيف تحدث الرسول (صلوات الله عليه وآله) معه، أو كيف تحدّث عن الرسول في زمان وجوده؟ وبإمكان من يراجع قصة ابن صائد(5) والتي تروى على نطاق واسع، أن يجد إن علمائهم ما بين من قبل بأنه هو الأعور الدجال الذي التقى به الرسول مع صحابته، وبين من بقي متردداً بينه وبين شخصية الدجال المعروضة في قصة الجساسة،(6) وكيفما يكن فإن الأصل أنهم التزموا بوجود الدجال في ذلك الزمن،(7) والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا: هو لماذا التوقف في شأن ولادة الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) واستبعاد ذلك؟ ما دام إن الشأن العقلي والنقلي لا يستبعد إمكانية حدوث هذا الأمر، وما دام إنهم قبلوا لعدو الله الأعظم ـ وأعني الدجال ـ أن يعيش كل هذه المدة ويبقى مختفياً دونما أي هدف لوجوده، رغم إن دواعي بقاء ولي الله الأعظم بيّنة، ومسألة اختفائه راجحة عقلاً!!!

من كل ذلك يتبين لنا إن النفي التشكيكي والذوقي لم يقدّم دلالة مقنعة بل كان واهن العرى وساقط الحجة، ولا يمكن أن يكون مورد اعتماد للبحث العلمي الدقيق هنا.


الهوامش
ـــــــــــ
1ــ سورة العنكبوت: 14.
2ــ تشير بعض الروايات إنه عمّر بعد الطوفان 350 عاماً.
3ــ سورة النحل: 70.
4ــ سورة الحج: 5.

5ــ انظر البخاري في صحيحه 7: 113ـ114، ومسلم في صحيحه أيضاً 8: 190ـ194، وأبي داود في سننه 3: 321ـ322، وأحمد في مسنده في مواضع كثيرة منها 3: 368، والترمذي في سننه 3: 351، والطبراني في المعجم الأوسط 8: 242، وفي المعجم الكبير 3: 135، والسيوطي في الديباج على مسلم 6: 239.

6ــ عرضت قصة الجساسة لشخصية وصفت بأنها هي شخصية الأعور الدجال، وإن الجساسة في واحدة من شخصيتيها الأسطوريتين بأنها كانت تبحث عن الدجال ولقيته ضمن قصة طويلة تجدها مفصلة أو مختصرة في غالبية كتب القوم الحديثية ومنها: مسلم في صحيحه 8: 204، وقد أشار إليها النووي في شرحه على مسلم في عدة مواضع منها: 18: 47ـ48، والسيوطي في ديباجه على مسلم 6: 237 و261، وأحمد في مسنده في مواضع عديدة منها 6: 373ـ374، وابن ماجة في سننه 2: 1355، والنسائي في سننه 2: 481، وابي داود في سننه 2: 319ـ321، والعظيم الآبادي في عون المعبود 11: 315، وأبي داود الطيالسي في مسنده: 229، والترمذي في سننه 3: 355، والمباركفوري في تحفة الأحوذي 6: 344 و422، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري 13: 275، والحميدي في مسنده 1: 177، وابن أبي شيبة في مصنفه 8: 658 و675، وابن راهويه في مسنده 5: 220ـ222، والضحاك في الآحاد والمثاني 6: 5ـ6، وابن حبان في صحيحه 15: 194ـ198، وأبي يعلى في مسنده 4: 11ـ120 و129، والطبراني في الأحاديث الطوال: 121ـ123، وفي المعجم الأوسط 5: 125، وفي المعجم الكبير 2: 55 و24: 386ـ405، وأبي نعيم الأصبهاني في مسند أبي حنيفة: 256، والقرطبي في تفسيره 11: 42، والزمخشري في الفائق في غريب الحديث 2: 98، واسماعيل الأصبهاني في دلائل النبوة: 67ـ68. إلخ.

7ــ من جملة هذه القصص: يروي حنبل بن اسحاق بن حنبل في كتابه الفتن عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه أبي بكرة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: يمكث أبو الدجال ثلاثين عاماً لا يولد لهما، ثم يولد لهما غلام أعور، أضر شيء وأقله نفعاً، تنام عيناه ولا ينام قلبه، ثم نعت رسول الله ابويه فقال: أبوه رجل طوال، ضرب اللحم، كأن أنفه منقار، وأمه امرأة فرضاخية طويلة الثديين!!

قال أبو بكرة: فسمعنا بمولود ولد في اليهود في المدينة قال: فذهبنت أنا والزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه، فإذا نعت رسول الله (ص) فيهما فقلنا: هل لكما ولد؟ فقالا: مكثنا ثلاثين سنة لا يولد لنا، ثم ولد لنا غلام أعور، أضر شيء وأقله نفعاً، تنام عينه ولا ينام قلبه، فخرجنا من عندهما، فإذا به منجدل في قطيفة في الشمس له همهمة قال: فكشفت عن رأسه، فقال: ما قلتما؟ قال: فقلنا: هل سمعت ما قلنا؟ قال: نعم، إنه تنام عيناي ولا ينام قلبي. (الفتن: 150ـ151 ح40 لحنبل بن اسحاق بن حنبل؛ دار البشائر الإسلامية 1998 بيروت).


الحلقة السابعة

هـ: يبقى علينا إن نشير إلى ما يمكن اعتماده من آلية للتعامل للتأكد من ولادة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بعد أن تجاوزنا المانع العقلي والتشريعي في أن يكون عمر الإمام طويلاً، وبين يدينا عدة أسئلة أساسية هنا وهي:


أولاً: هل يجب أن يكون الإمام (صلوات الله عليه) مولوداً قبل هذا الوقت؟

حديثنا هنا سينصب على البحث في ضرورة أو عدم ضرورة وجود إمام حجة على هذا الخلق من قبل الله تعالى، ولن أتوسع في ذلك تاركاً التفصيل لكتبنا الأخرى(1) ، ولكن سأكتفي بالتوقف وبشكل مختصر عند بعض الآيات القرآنية وهي:

أ: قوله تعالى: {وإذ قال ربك إني جاعل في الأرض خليفة}(2) ففي هذه الآية تم طرح مبدأ خلافة الله تعالى، ومن خلال ما نلاحظ من مبادرة الله تعالى لجعل الخليفة له على هذه الأرض، يمكننا أن نشعر بأن الله سبحانه وتعالى يعدّ وجود هذا الخليفة بمثابة الضرورة، ولذلك بادرت الملائكة لابراز هواجسها وطموحاتها في نفس الوقت، فقد طرحت مسألة الفساد في الأرض كهاجس رئيسي، وبالنتيجة فإنها أشارت إلى إن حكمة الله تعالى إنما توخت عدم وقوع هذا الفساد على هذه الأرض {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}، وإن الخليفة يجب أن يكون بمواصفات عالية من العبودية لله لكي يستطيع أن يتحمل هذه المسؤولية مما دعاها لكي تطمح بالقيام بهذا الدور {ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك}، ولكن الجواب الإلهي على تلك الهواجس والطموحات، كان جواباً مثيراً فلقد كان من صنف الجواب المسكت!! {إني اعلم ما لا تعلمون} والجواب المسكت طبيعته إما إنه ينطلق من جهل المجيب فيعمد لجواب مسكت، وهذا محال على الله تعالى، إو إن الجواب جاء ليشدّ الانتباه ترقباً لزمان الجواب الحقيقي، وهذا ما حصل بالفعل، فقد كانت النتيجة إن الملائكة سحبت هواجسها وطموحاتها دفعة واحدة حينما قالت: {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم}(3) ولست هنا بصدد الحديث عما علمت به الملائكة بالشكل الذي نجد تراجعها السريع عما سبق لها أن طرحته؟ ولا لكي نسلط الضوء على طبيعة الأسماء التي عرضت عليها، وإنما في صدد توجيه الإنتباه إلى السر الذي دعاها إلى الإعراب عن خوفها على فساد الأرض من جهة وعلى رغبتها الجادة في تولّي مثل هذا الأمر بنفسها!!

من الواضح إن الآية الكريمة كانت تشير إلى ثلاثة أمور متلازمة، وهي: وجود الخليفة لله على هذه الأرض، والعمل على منع الإفساد في الأرض، ومواصفات المستخلَف، وهذه حالات دائمة لا يمكن القول بأن وجود إحداها يمكن أن يكون ظرفياً لوقت معين ثم ينتفي، وإنما يتلازم وجود الثلاثة، والكلام الآن في هوية هذا الخليفة في يومنا هذا؟

من الطبيعي إن الكثير من المفسرين والمتكلمين توقفوا عند طبيعة هذا الخليفة، وذهب الأغلب منهم إلى أن المقصود به هو الإنسان بصورة عامة، ولكن هذه الإجابة لا تعالج أصل الموضوع لو بقيت على عموميتها، فمن هو هذا الإنسان الذي يستخلفه الله نيابة عنه على مخلوقاته؟ إذا كان الحواب عن عموم الإنسان، فإن الآية ترد على ذلك بوضوح، فمن بين فئات هذا الإنسان من شكت منه الملائكة سلفاً فهو الذي يفسد فيها ويسفك الدماء!! وإذا كان الجواب سيتعلق بنمط خاص من هذا الإنسان، فإن الآية الشريفة تطرح نموذجاً عالياً من المواصفات المطلوبة له، لأن تنزيه مثل الملائكة وتسبيحها وتقديسها لم يفسح المجال لها لكي تحصل على شرف التكليف الإلهي لها بتنفيذ هذه المهمة، مما يعني إن المطلوب هو تنزيه وتسبيح وتقديس أعلى مما كانت عليه حال الملائكة، وهذا ما يعني إننا بحاجة لنموذج فريد من العباد لكي يتحملوا القيام بهذه المسؤولية، وأن لا يكون وجود هذا النموذج الفريد منحصراً بوقت معين، وإنما يستوعب كل زمان عملية الاستخلاف، مما يستلزم دوماً وجود من يتولى هذه المهمة، لأن عدم وجوده في فترة يعني انتفاء وجود الاستخلاف، مما يعني انتفاء وجود الأرض، فتأمل!!

وليس من باب الصدفة إننا حين نفتش في خفايا هذه الآية الشريفة نجد إن النص على الخليفة، وأن يكون هذا الخليفة معصوماً هو من مستلزماتها الأساسية، ومن ثم لنلتقي بنفس المواصفات السابقة التي أشرنا إليه في مباحث الآيات السابقة.

ب: قول نعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً}(4) هذه الآية بدورها تشير إلى نفس ما أكدته سالفتها، فثمة أمانة عرضت من قبل الله مباشرة، فمن الذي التزم بها في زماننا هذا، ولا أقصد هنا البعد التكويني في التزام الأمانة، فكل إنسان تعلقت به هذه الأمانة، ولكن كلامي في طبيعة البعد التشريعي، أي في من حمل هذه الأمانة بشكل يليق مع العرض الرباني الذي اشترط أن لا يكون الحامل لها ممن وسم بالظلم أو الجهل!! ولا يمكن تصور إن الالتزام بهذه الأمانة ظرفي أي لوقت محدد، وإنما هذا العرض هو عرض تكويني يتلازم مع وجود الأمانة، أي إن وجود الأمين لازم لوجود الأمانة، فمن له صلاحية هذا الحمل في زماننا هذا؟

ولا يحتاج المرء إلى عسير جهد كي يعرف إن ذات المواصفات التي تعلقت في الآية الأولى تتعلق هنا أيضاً، فالنص مطلوب على من حمل هذه الأمانة، لأن المعروض عليه اقترن بمواصفة العصمة (الخلو من الظلم والجهل)، مما يستلزم أن يشير إليه نفس المؤتمِن (بكسر الميم الثانية)!! فلا تغفل!

إن الآيتين الكريمتين أشارتا بمعية الكثير من الآيات القرآنية إلى وجود مبدأ قرآني يتعلق بالتلازم بين وجود الحجة الإلهية ووجود الكون، بحيث إن إنتفاء الحجة يؤدي إلى إنتفاء الكون، وذلك لتكون الحجة الإلهية بالغة كما وعد الله سبحانه وتعالى: {قل فلله الحجة البالغة}(5) .
الهوامش
ــــــــــــ

1ــ يراجع مبحث إمامة الوجود في كتاب الإمامة ذلك الثابت الإسلامي المقدس، ومبحث ارتباط الوجود الكوني بوجود المعصوم (عليه السلام) في كتابنا: الولاية التكوينية، وكذا كتابنا الخلافة الربانية (قيد التحقيق).
2ــ سورة البقرة: 30.
3ــ سورة البقرة: 32.
4ــ سورة الأحزاب: 72.
5ــ سورة الأنعام: 149.

الحلقة الثامنة

ج: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخيرلعلكم تفلحون، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل، وفي هذا ليكون الرسول شاهداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}(1) في هذه الآيات الكريمة ثمة إشارة طريفة لكل ما أشرنا إليه من قبل،(2) وبعيداً عن تفاصيل ما في الآية الكريمة من مباحث ومطالب، لكن ما يهمني هنا هو كلامه تعالى: {ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس} فمن المقصود بهذه الشهادة على الناس؟ ولا يخالجن أحداً خلده بأن المعني بذلك هم المسلمين بصورتهم العامة، لأن الآية الكريمة لها شأن أبعد عمقاً من ذلك، فالرسول (صلوات الله عليه وآله) شاهد على جميع الأمم، فلماذا خصصت شهادته هنا على هؤلاء، وتركت شهادة هؤلاء على الناس لتكون حاكمة عليهم، وبلحاظ إن الشاهد لابد من أن يكون أميناً في شهادته، فالقول بأن المقصود بهؤلاء الشهداء هم المسلمين خطأ محض، ولكن أن يعتبرهم القرآن في هذا المقام، فإن خصوصيتهم على من سواهم هي في عصمتهم عن الاخلال بشؤون الشهادة، مما يترتب عليه أن يلحق بهم النص على شخصياتهم، وهذه الشخصيات كان القرآن أكثر صراحة في الاعراب عنهم، لأنه أعطاهم حدّين:

أولاً: في كونهم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم (صلوات الله على نبينا وآله وعليهما).


وثانياً: في كونهم من اللاحقين بعصر شهادة الرسول (صلى الله عليه وآله).

وبلحاظ ديمومة الشهادة فمن الذي سيلي الرسول في شهادته على الأمم في زمننا هذا على الأقل؟

بإمكان المرء أن يتذكر هنا جانباً من أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله) عن المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) والتي ذكرناها من قبل، فماذا سيجد؟ وماذا ستعني له عندئذ كلمة: المهدي من عترتي، أو من أهل بيتي؟ أو من ولد فاطمة؟
وحده هو المنصف الطالب للحقيقة من سيكون موفقاً للجواب!!

د: قوله تعالى: {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد}(3) لا أعتقد إن الآية بحاجة لتوضيح في دلالتها على وجوب وجود حجة هادية من الله لكل قوم، ولا يحتاج المرء إلا إلى أن يسائل نفسه: هل إن الزمن الذي نعيشه مشمول بهذه الآية؟ فلو أنعم بالجواب، فعليه أن يبحث عن هادي زمانه! ولكن شريطة أن يتأمل كثيراً في طبيعة هذا الهادي، فليس كل من تكلم بالهدى هو من الهداة، وإنما نحن في صدد رجل استوعبت شخصيته كل حركة الهداية، وتم النصّ عليه لأنه سيكون مكلّفاً بأداء استحقاقات الانذار بين يدي الرسول (صلوات الله عليه وآله) فالهداية هنا ليست حركة مستقلة عن الانذار الرسولي بل هي لازمة لتحققه.

من خلال كل ذلك اعتقد أصبح من السهل بمكان الادعاء بأن وجود حجة لله بالغة في كمالاتها الرسالية في كل أوان وزمان هو أمر لازم، وفي زماننا المعاصر لا نجد ما يلبي لنا ذلك غير القول بوجود الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

ثانياً: هل هو موجود فعلاً؟

تظهر لنا جملة من الآيات القرآنية الأخرى على تنجّز فعلي لوجود إمام حجة على الخلق من قبل الله تعالى، ففي الآيات التي سلفت كان الحديث عن ضرورة وجود هذه الحجة، ولكن حديثنا هنا سيشير إلى تحقق هذه الضرورة وتنجّزها تاريخياً، وسأكتفي للتدليل على ذلك بذكر آية واحدة فقط هي آية سورة القدر: {ليلة القدر خير من ألف شهر، تنزّل الملائكة والروح فيها من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر}. فمن الواضح جداً إن ليلة القدر تحصل في كل عام، ولا يوجد من يقول بأن الليلة كانت خاصة بزمن دون آخر، ووفق الآيات القرآنية فإن ثمّة تنزّل من السماء على أهل الأرض يحصل في كل ليلة قدر من كل عام، والسؤال الذي يجب أن يقف عنده الإنسان بجدية هو: على من تنزّل وفود السماء؟
من يقرأ ما كتبه المفسرون لا يخرج إلا بيد خالية، فجلّهم أشاروا إلى إن الملائكة تتنزل على أهل السماء الدنيا بالآجال والأرزاق وما إلى ذلك، ولكن هؤلاء المفسرون حينما يتحدثون عن ليلة القدر بهذه الطريقة فإنهم يسلبونها خصوصية ما ينزل فيها، فالذي ينزل لابد وأن يكون خاصاً جداً لكي تتحول هذه الليلة من ليلة عادية إلى ليلة هي خير من ألف شهر، والأرزاق والآجال وما إلى ذلك كله أمر عادي يحصل يومياً عبر ملائكة مخصوصين، ولهذا لا بد من وقفة جادة للتأمل في هذه الآية.

ولعل أول ما يلفت الانتباه إلى وجود المبالغة في وصف ما تتنزّل به الملائكة والروح، تارة من خلال الاستفادة من فعل تنزّل بصيغة المبالغة، وأخرى من خلال الاشارة إلى أن ما تتنزّل به إنما هو من كل أمر، وهذه عناية بالغة في طبيعة ما تتزّل به وفد السماء.

وثاني ما يلفت الانتباه هو اضافة ألف ولام العهد للملائكة للإشارة والتأكيد بأن من يتنزّل من الملائكة هم علية الملائكة وأشرافهم، أو مجموعهم.

وثالث ما يجب الانتباه إليه هو نزول الروح، وقد وقع الأعم الأغلب من المفسرين وقرّاء السورة باشتباه شنيع حينما تصوّروا بأن الروح هو جبرئيل، وهو خطأ كبير لأن جبرئيل من الملائكة، مما يميّز الروح ليجعلها كما تصف الروايات خلق أعظم من الملائكة(4) ، وبلحاظ خصوصية الروح فإن الملائكة تكون قد نزلت معها مشايعة وإجلالاً للأمر الذي أرسلت به، باعتبار إن الروح هي شأن من شؤون الله تعالى لقوله تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أؤتيتم من العلم إلا قليلاً}(5)

ورابع الأمور وأخطرها هو طبيعة ما تم التنزّل به، فالآية الشريفة تشير إلى: {من كل أمر} وآيات سورة الدخان توضح جانباً من ذلك فتقول: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين، فيها يفرق من كل أمر حكيم، أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين، رحمة من ربك إنه هو السميع العليم}(6) وهذا ما يعني وجود عناية خاصة من الله، وتكليف مشدد من قبله للتنزيل بما هو أمر متعلق به {أمراً من عندنا}، وإلا لكان بالإمكان إرسال الملائكة لو كان أمراً عادياً من أمور الخليقة كما تحاول كتب التفسير أن تبرزه، ولكن لخطورته يكون الأمر من عند الله جلّت قدرته، ويتم إرسال الروح به، والملائكة تنزل معه تشيعه وتعظم ما أرسل به، وحين يكون الارسال غير عادي، فلا بد إن من أرسل إليه هو أيضاً ليس بعادي، فلا تغفل!!
وبعيداً عن البحث في تفاصيل ذلك، أقول: مع مواصفات ومؤهلات من هذا القبيل فمن الحق التساؤل: عن هوية الذي تتنزّل عليه الملائكة والروح في ليلة القدر في سنيننا هذه؟

ألا يدلّ ذلك على وجوده وحياته (صلوات الله عليه)؟!! اعتقد إن مقداراً بسيطاً من الانصاف كافياً لمعرفة الحقيقة.

الهوامش
ــــــــــــ

1ــ سورة الحج: 77ـ78.
2ــ انظر للتفصيل كتابنا: من عنده علم الكتاب؟ وفصل الإمامة الشاهدة في كتاب: الإمامة ذلك الثابت الإسلامي المقدّس.
3ــ سورة الرعد: 7.
4ــ كما يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في رواية أبي بصير عنه قال: قلت: والروح ليس جبرئيل؟ قال: لا، الروح خلق أعظم من جبرئيل، إن جبرئيل من الملائكة، وإن الروح خلق اعظم من الملائكة أليس يقول الله تبارك وتعالى: تنزل الملائكة والروح فيها. المحاسن 2: 315 (كتاب العلل) ح 32 لمحمد بن احمد بن خالد البرقي.
وعن أبي بصير أيضاً قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مع الأئمة، وهو من الملكوت. الكافي 1: 273 ح3.
5ــ سورة الإسراء: 85.
6ــ سورة الدخان: 3ـ6.


الحلقة التاسعة



ثالثاً: متى ولد؟

بعد أن رفعنا كل الموانع العقلية والنفسية من إمكان طول عمر الإمام (روحي فداه)، وبعد أن عرفنا بوجود حجج عقلية وشرعية تحتم ضرورة وجوده (بأبي وأمي) في زمننا هذا، نأتي الآن لندخل مباشرة في مسألة تحديد موعد ولادة الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ولتحديد ذلك لا يوجد أمامنا وسيلة أفضل وأهم من شهادة أهل بيته (صلوات الله عليهم) حول هذه الولادة، فهي من جهة تمثل منطق أهل الدار وهم أدرى بالذي فيه، ومن جهة أخرى كونها ترتب حقوقاً مادية على نفس أهل الدار من قبيل مسائل الإرث وما إلى ذلك، فالوليد وليدهم وسيترتب على وجوده مقاسمتهم في كل أرث يدخل هو في سياقه، ومن جهة ثالثة نظراً لطبيعة ومواصفات الوليد التي سبق للرسول (صلوات الله عليه وآله) أن تحدّث عنها، وشاع الحديث عنه بشكل دخل كل جزء من أجزاء هذا المجتمع، فإن من الطبيعي بمكان أن يكون حديثهم عنه بمثابة تحمّل المسؤولية الأمنية باهضة الكلفة في قبال الأنظمة الحالكمة التي كانت تتعقبه، لأنه يمثل تهديداً جدياً لها وفق ما تحدّثت عنه النبوءة المحمدية، لاسيما وإن تلك الفترة كانت تشهد عداءً دامياً ما بين البيت العباسي الحاكم، وما بين العلويين، ولاسيما أهل البيت (عليهم السلام) ولا يوجد من يخالف في حدّة نصب بني العباس وبغضهم للعلويين من المؤرخين أحداً حتى قال شاعر العلويين، وهو يصوّر إجرام بني العباس مع أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم بحيث إنه يتمنى دوام ظلم بني أمية لهم، قياساً لما لاقوه من بني العباس:
يا ليت ظلم بني مروان دام لنا وليت عدل بني العباس في النار
وهذا الأمر ـ أي عملية كشف ولادة الإمام (صلوات الله عليه) والتحدّث عنها ـ يسري أيضاً على شيعة العلويين، ولذلك لا قيمة للمحاولات التي ترمي للتشكيك بمصداقية كلام أهل البيت (عليهم السلام) في هذا المجال، تارة من خلال الشك في طرق الوصول إليهم واعتماد منهج الجرح والتعديل السنّي للجرح والتعديل برواة الشيعة، بالشكل الذي لا يبقي على طريق سليم واحد، لأن ذلك المنهج قائم على أساس القدح بالراوي لشيعيته حتى لو كان صدوقاً،(1) وأخرى من خلال التشبث ببعض الأكاذيب التي كانت تصوّر الإمام الحسن العسكري (صلوات الله عليه) بأنه كان عقيماً!، أو من خلال التعامل مع بعض الروايات الورادة في صدد إبعاد نظر السلطة العباسية التي كانت تتقفى أثر ولادة الإمام (بأبي وأمي) بكل السبل، أو من خلال التمسك بإدعاءات بعض المبطلين الذين راموا سوء الاستفادة المالية والاجتماعية من خلال نكران ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) كما في أحداث إدعاء جعفر بن الإمام الهادي (عليه السلام) والمعروف بجعفر الكذاب!.
ومن خلال ملاحظة منهج أهل البيت (عليهم السلام) في حديثهم عن ولادة الإمام (صلوات الله عليه) نلحظ ثلاثة خطوط:
الأول: كثرة الحديث عن إن الأئمة إثني عشر آخرهم المهدي المنتظر، وبعضها يسميه باسمه أيضاً.(2) فعن الإمام الجواد (عليه السلام) رواية طويلة فيها شهادة الخضر (عليه السلام) وفيها يعدد شهادته بالأئمة وأن اللاحق هو القائم على أمر من سبقه إلى أن يقول: وأشهد على الحسن بن علي أنه القائم بأمر علي ابن محمد، وأشهد على رجل من ولد الحسن لا يكنى ولا يسمى حتى يظهر أمره فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً. (3)
وعن أبي بصير، عن الإمام الباقر (عليه السلام): يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم. (4)
الثاني: حديث الأئمة الكثير أيضاً عن إن الإمام (صلوات الله عليه) لم يولد بعد، كما في حديث اسحاق بن محمد بن أيوب الذي يقول فيه: سمعت أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) يقول: صاحب هذا الأمر من يقول الناس لم يولد بعد.(5)
وقد يسألون من قبل أصحابهم عما إذا كانوا هم المعنيين بمصطلح الإمام القائم أو المهدي الموعود، فيشيرون بالنفي وإنه سيكون آخرهم، كما في حديث عبد الله بن عطاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: قلت له: من صاحبنا؟ قال: انظروا من عمي على الناس ولادته فذاك صاحبكم. (6)
وكذا حديث أيوب بن نوح قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): إني أرجو أن تكون صاحب هذا الأمر، وأن يسوقه الله إليك بغير سيف، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك! فقال: ما منا أحد اختلفت إليه الكتب، وأشير إليه بالأصابع، وسئل عن المسائل، وحملت إليه الأموال، إلا اغتيل أو مات على فراشه، حتى يبعث الله لهذا الأمر غلاماً منّا خفي الولادة والمنشأ، غير خفي في نسبه.(7)
الثالث: حديث الإمام العسكري (صلوات الله عليه) وأصحابه من أن الإمام (بأبي وأمي) قد ولد فعلاً. ، فعن أبي غانم الخادم قال: ولد لأبي محمد(عليه السلام) ولد سماه محمداً، فعرضه على أصحابه يوم الثالث وقال: هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتد إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً، فملأها قسطاً وعدلاً. (8)
وعن محمد بن علي بن بلال قال: خرج إلي من أبي محمد قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثم خرج إلي من قبل مضيّه لثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده.(9)
وعن أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمد (عليه السلام): جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟ فقال: سل، قلت: يا سيدي هل لك من ولد؟ فقال: نعم، فقلت: فإن بك حدث فأين أسأل عنه؟ فقال: بالمدينة. (10)
وعن عمرو الأهوازي قال: أراني أبو محمد ابنه وقال: هذا صاحبكم من بعدي. (11)
وعن حمدان القلانسي قال: قلت للعمري(12) : قد مضى أبو محمد؛ فقال لي: قد مضى ولكن خلّف فيكم من رقبته مثل هذا، وأشار بيده. (13)
وعن عبد الله بن جعفر الحميري وذكر رواية طويلة فيها توثيق الإمام الهادي (عليه السلام) للعمري بمحضر بعض أصحابه منهم أحمد بن اسحاق، إلى أن يقول وهو ينقل ما أخبره به أحمد بن اسحاق من أنه سأل أبا محمد(عليه السلام) عن العمري، فقال له: العمري وابنه(14) ثقتان، فما أديا إليك فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما واطعهما فإنهما الثقتان المؤمونان، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك، قال: فخرّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال: سل حاجتك؟ فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد(عليه السلام)؟ فقال: إي والله ورقبته مثل ذا ـ وأومأ بيده ـ فقلت له: فبقيت واحدة! فقال لي: هات؛ قلت: فالاسم؟ قال: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلل ولا أحرّم، ولكن عنه (عليه السلام)، فإن الأمر عند السلطان أن أبا محمد مضى ولم يخلّف ولداً، وقسّم ميراثه، وأخذ من لا حق له فيه، وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف عليهم أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الإسم (أي إذا أشيع الاسم وأمره) وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك.(15)

الهوامش:
ـــــــــــ
1ـ تحفل مناهج الجرح والتعديل المعتمدة في المدارس المناهضة لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بالكثير من العبارات التي تشير إلى وثاقة الراوي أو صدقه لولا تشيعه، وحسنه لولا رافضيته، وهذه التهمة كافية لاسقاط الراوي وروايته.
2ـ من الواضح إن روايات كثيرة وردت في مقام النهي عن تسميته، وبعضها قد يشير إليه بالأحرف دون التسمية، وهذه لا تتناقض مع الروايات التي سمّته (صلوات الله عليه) لأن مقام الحديثين يختلف من الناحية السياسية ومن ناحية المتلقي للحديث، فمع الأمان والاطمئنان من إن المتحدث لن يفشي سر الإمام (عليه السلام) لم يجد الأئمة (صلوات الله عليهم) غضاضة من التصريح، ومع عدم الاطمئنان لأي سبب أو آخر يأتي الحديث عن النهي.
3ـ الكافي 1: 525 ح1.
4ـ الكافي 1: 533 ح15.
5ـ الإمامة والتبصرة من الحيرة: 10 ب28 ح94.
6ـ الكافي 1: 342 ح26.
7ـ الكافي 1: 341 ح25.
8ـ وهذا لا تقدح به بعض الروايات التي تحمل بعضها على محمل التقية من نفي الإمام (عليه السلام) للولادة، نتيجة لشدة طلب بني العباس للمولود المبارك، أو أن تحمل على عدم حصول الولادة فعلاً أثناء السؤال.
9ـ كمال الدين وتمام النعمة: 431 ب42 ح8 للشيخ الصدوق علي بن الحسين بن بابويه القمي؛ نشر الحوزة العلمية ـ قم المقدسة
10ـ الكافي 1: 328 ح1. وقوله: خرج إلي أي أرسل له رسالة أو ما شاكل.
11ـ الكافي 1: 328 ح2.
12ـ الكافي 1: 328 ح3.
13ـ العمري هو عثمان بن سعيد العمري بواب الإمامين الهادي والعسكري(صلوات الله عليهما) وأول نائب للإمام الحجة (عجل الله فرجه) من نوابه الأربعة، وسيأتي الحديث عن وثاقته العالية عند الإمامين (صلوات الله عليهما).
14ـ الكافي 1: 329 ح4. وقوله: من رقبته مثل هذا؛ إشارة إلى استوائه (صلوات الله عليه).
15ـ ابنه هو الشيخ محمد بن عثمان وهو النائب الثاني للإمام الحجة من النواب الأربعة.
16ـ الكافي 1: 330 ح1.


الحلقة العاشرة

ولهذا لا يبقى مجالاً للشك بوقوع الولادة، لاسيما إنه لا يستطيع أحداً أن يقف في وجه كل هذه الأدلة على الولادة، رغم إنه يكفي أن يقول الأب ولد لي ولد ويراه شاهدان، لكي يثبت وقوع الولادة، وهو كما ترى ما كان ليحتدم عليه الجدل لولا خصوصية المولود المذهبية!

هذا والحال هو في حدود شهادة أهل البيت (عليهم السلام) وأصحابهم عليها، فما بالك لو إن المتحدثين عن ولادة الإمام (صلوات الله عليه) هم من الطرف المناهض لأهل البيت؟ وسأكتفي هنا بذكر بعض الشهادات تاركاً التفاصيل والمزيد منها للكتب المختصة.

قال الحافظ والمؤرخ والرجالي شمس الدين الذهبي(1) وهو يترجم للإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) في كتابه سير أعلام النبلاء: الشريف، أبو القاسم، محمد بن الحسن العسكري ابن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين الشهيد بن الإمام علي بن أبي طالب، العلوي الحسيني، خاتمة الاثني عشر سيداً، الذين تدّعي الإمامية عصمتهم، ومحمد هذا هو الذي يزعمون إنه الخلف الحجة، وإنه صاحب الزمان وصاحب السرداب بسامراء، وإنه حي لا يموت حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً.. وبعد أن يسرد جملة من شبهاته وتخرصاته، ويتعرض لمسألة اعتقال أم الإمام (صلوات الله عليها) من قبل المعتضد العباسي وبقائها معتقلة في قصره إلى موتها في أيام المقتدر العباسي قال: قلت: ويزعمون إن محمداً دخل سرداباً في بيت أبيه، وأمه تنظر إليه، فلم يخرج إلى الساعة منه، وكان ابن تسع سنين، وقيل دون ذلك. (2)

وكان قد ذكر في كتابه العبر ضمن ذكره لأحداث سنة260 في ترجمته للإمام العسكري (عليه السلام) قال: وهو والد المنتظر محمد، صاحب السرداب. (3)

وقال في أحداث سنة265: وفيها(4) محمد بن الحسن بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق العلوي الحسيني، أبو القاسم الذي تلقبه الرافضة الخلف الحجة، وتلقبه بالمهدي والمنتظر، وتلقبه بصاحب الزمان، وهو خاتمة الاثنى عشر، إى أن يقول: وكان عمره لما عدم تسع سنين أو دونها. (5)

وقال أيضاً في كتابه تاريخ الإسلام ضمن ترجمته للإمام العسكري (صلوات الله عليه): وهو والد منتظر الرافضة، إلى أن قال: وأما ابنه محمد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الحجة فولد سنة ثمان وخمسين وقيل: سنة ست وخمسين.(6)

وقال المؤرخ ابن الأثير الجزري أثناء ذكره لأحداث سنة 260: وفيها توفي أبو محمد العلوي العسكري، وهو أحد الأئمة الإثني عشر على مذهب الإمامية، وهو والد محمد الذي يعتقدونه المنتظر.(7)

وقال المؤرخ ابن خلكان في ترجمة الإمام: أبو القاسم المنتظر: أبو القاسم، محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد المذكور قبله،(8) ثاني عشر الأئمة على اعتقاد الإمامية، المعروف بالحجة، وهو الذي تزعم الشيعة إنه المنتظر والقائم والمهدي، وهو صاحب السرداب عندهم، وأقاويلهم فيه كثيرة، وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب بسر من رأى!.

كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه (وقد سبق ذكره) كان عمره خمس سنين، واسم أمه خمط، وقيل: نرجس،(9) والشيعة يقولون: إنه دخل السرداب في دار أبيه، وأمه تنظر إليه، فلم يعد يخرج إليها، وذلك في سنة خمس وستين ومائتين، وعمره يومئذ تسع سنين.

وذكر ابن الأزرق في تاريخ ميافارقين: إن الحجة المذكور ولد تاسع شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين ومائتين، وقيل في ثامن شعبان سنة ست وخمسين وهو الأصح، وإنه لما دخل السرداب كان عمره أربع سنين، وقيل خمس سنين، وقيل: إنه دخل السرداب(10) سنة خمس وسبعين ومائتين، وعمره سبع عشر سنة، والله أعلم أي ذلك كان، رحمه الله تعالى. (11)

وقال صاحب شذرات الذهب: والإمام محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني، أبو القاسم الذي تلقبه الرافضة بالخلف والحجة وبالمهدي وبالمنتظر وبصاحب الزمان، وهو خاتمة الإثني عشر إماما عندهم، ويلقبونه أيضاً بالمنتظر، فإنهم يزعمون إنه أتى السرداب بسامرا فاختفى، وهم ينتظرونه إلى الآن، وكان عمره لما عدم تسع سنين أو دونها.(12)

ويقول الحافظ ابن حجر الهيثمي في خاتمة ترجمته للإمام العسكري (عليه السلام): ولم يخلّف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن آتاه الله فيها الحكمة، ويسمى القائم(13) المنتظر، قيل: لأنه سُتر بالمدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب.(14)

ويقول الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي وهو يتحدث عنه (صلوات الله عليه): وهو من عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من فاطمة (رضي الله عنها)، جده الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده حسن العسكري ابن الإمام علي النقي ابن الإمام محمد التقي ابن الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين علي ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم). (15)

الهوامش:
ــــــــــــ
1ـ (وهو ممن يعده بعض أهل السنة من النواصب فما بالك بغيرهم)
2ـ سير أعلام النبلاء 13: 119ـ121 رقم60.
3ـ العبر في خبر من عبر: 1: 234، لشمس الدين محمد بن احمد بن عثمان بن قايماز الذهبي؛ دار الفكر؛ بيروت 1997.
4ـ أي ولد فيها.
5ـ العبر في خبر من عبر 1: 238..
6ـ تاريخ الإسلام 19: 113.
7ـ الكامل في التاريخ 5: 373 لعز الدين علي بن عبد الواحد المعروف بابن الأثير الجزري؛ دار الفكر؛ بيروت 2003.
8ـ أي ترجم له سابقاً.
9ـ من الواضح إن هناك تسميات متعددة لاسم أمه (صلوات الله عليه وعليها) وقد تسمى صقيل، والصحيح هو نرجس، لاسيما إن الأشراف كانوا يسمون الإماء اللاتي يشترونهن بأسماء الورود وغيرها إكراماً لهنّ، وتطييباً لأنفسهنّ، ولربما يدخل تعدد الأسماء في عملية متعمدة الهدف لغرض التعمية على هوية أمه الحقيقية التي كانت موضع نظر جواسيس السلطان والقابلات ترقباً لولادته (صلوات الله عليه).
10ـ السرداب هو الموضع المعروف حالياً في يمين الإمامين العسكريين، وقد كان جزءً من بيت الإمام العسكري (عليه السلام) ولقد نسجت العامة والنواصب تعمداً أو جهلاً، بخبث ومن دونه الكثير من القصص الخيالية حول طبيعة ارتباط الشيعة به، والصحيح إن السرداب هو أحد المواضع التي اختفى الإمام (روحي فداه) به، ومعلوم إن مواضع اختفائه كما هي مواضع ظهوره أكثر من أن تعد، والقول بأن الشيعة لازالوا ينتظرون خروجه من السرداب على الطريقة التي ينسجها النواصب لا صحة له على الإطلاق، وربما اشتهرت قصة السرداب ضمن مسعى الإمام (عجل الله تعالى فرجه) لافقاد الأمل لدى السلطة العباسية بوجوده، لما في وضع السرداب من ايحاءات تتقارب مع القبر وما إلى ذلك.
11ـ وفيات الأعيان وأنباء الزمان 4: 176 رقم 562، ابن خلكان؛ دار الثقافة ـ بيروت.
12ـ شذرات الذهب في أخبار من ذهب 1: 150 لعبد الحي بن أحمد العكري الدمشقي؛ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
13ـ في النسخة المطبوعة من المصدر: القاسم، وهو تصحيف بيّن لما اوردناه.
14ـ الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة: 208 الفصل الثالث من الباب الحادي عشر للحافظ أحمد بن حجر الهيتمي المكي؛مكتبة القاهرة 1965ط2.. علما بأن هذا الكتاب إنما ألّفه الهيتمي للرد على الشيعة وعقائدهم في شان أهل البيت عليهم السلام.
15ـ اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر 2: 143 عبد الوهاب الشعراني نقلا عن الفتوحات المكية لابن عربي الباب: 366؛ شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي 1959.

الحلقة الحادية عشرة

لكن يبقى ثمة تساؤل يعتلج أمام هذا الموضوع، وهو لماذا لا نجد رأياً عاماً وقاطعاً لدى المسلمين جميعاً من غير شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بشأن ولادة الإمام (عليه السلام)؟ لا سيما وإن الإمام المهدي (بأبي وأمي) له من الأهمية والخصوصية لدى جميع المسلمين ما يفرض أن يكون الجميع متأهبين لمعرفة حدث الولادة هذا، فضلاً عن بقية تفاصيل حياته!!، ولو كان يعسر ذلك.. فلماذا لا نجد شريحة العلماء والمحققين على الأقل مجمعة على ذلك، أو تقترب قناعاتها من تشكيل رأي يقترب من الاجماع؟!

والحقيقة إن ذلك يمثل أحد ظلامات أهل البيت (عليهم السلام)، وهذه الظلامة لا تتعلق بالإمام المهدي (عليه السلام) فحسب، وإنما تمتد لهم بأجمعهم، إذ يفترض بأمة كلّفت على الأقل بموادّتهم لقوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}(1) ، أن تهتم بكل ما يتعلّق بهم، ولكن هذه الأمة سارت بالاتجاه المعاكس مبدية لأهل الببيت (عليهم السلام) من البغضاء ما لم تبده لأحد غيرهم، فقتلت منهم من قتلت، وسبت من سبت، وشرّدت من شرّدت، وحاربت من حاربت، وسجنت من سجنت، وعذبت من عذبت، وهَجَرت من هجرت، وقلت من قلت، وأفقرت من أفقرت، فمن مناد ينادي: اقتلوهم ولا تبقوا لأهل هذا البيت باقية، ومن يقسم ويقول: والله لو وليتها لأفنين آل أبي طالب، ومن يرعد ويزبد فيقول: حتام أصبر على آل أبي طالب، والله لأقتلنهم ولأقتلنّ شيعتهم،(2) ولا أبالغ في القول بأن الله تعالى لو كان قد أمرهم بأن يبغضونهم ويحاربونهم، بدلاً من موادّتهم لما زادوا على ما فعلوا شيئاً في طاعته!! وكم كان الشاعر دعبل الخزاعي صادقاً في تصوير مأزق هذه الأمة مع أهل البيت (عليهم السلام) حينما قال راثياً الإمام الرضا (صلوات الله عليه) بعد قتله من قبل المأمون العباسي:
وليس حي من الأحياء نعلمه من ذي يمان ومن بكر ومن مضر
إلا وهم شركاء في دمـائهم كما تشــارك أيسار على جزر
قتلاً وأسراً وتحريقـاً ومنهبة فعل الغزاة بأهـل الروم والخزر
أرى أمية معذورين إن فعلوا ولا أرى لبني العبـاس من عذر
ولهذا لا غرابة من تحقق أمرين:

أولهما: اعتماد أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم على مبدأ التقية، والذي يعني أن يمارسوا شؤونهم بعيداً عن أنظار العامة من الناس، لاسيما من كان له عمل مع السلطان الأموي والعباسي، وهذا ما يستدعي ان تكون أخبارهم في ساحة الخاصة من الناس، ولا تجد لها طريقاً إلى الرواة والمحدّثين والمؤرخين الذين كانت السلطة تثني لهم وسائد التحديث والتدوين والخطابة وما إلى ذلك، وهؤلاء كانوا ما بين أمرين: فإما أن يكونوا من الخائفين على حبوة السلطان إياهم، لذلك لا يتحدّثوا بأي حديث له علاقة بأهل البيت (عليهم السلام)، وإما كانوا من النواصب أساساً ممن كانوا لا يألون جهداً في الكذب عليهم والوقيعة بهم، ولعل كتاباً ككتاب صحيح البخاري مثلاً، وهو الذي يفترض أنه كان معنياً بحديث الرسول (عليه أفضل الصلاة والسلام) ما يقدّم لنا مثالاً عملياً على كل ذلك، فهذا الرجل لم يترك ناصبياً إلا ووثقه وروى له في كتابه كعمران بن حطان وحريز بن عثمان ونظرائهم، ولكنه بخل في أن يروي عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إلا ما لا يعدو ـ لبعضهم ـ أصابع اليد، ولو روى فإنه كان يروي عنهم ما يشينهم ويصدّق مقولة أعدائهم، ولقد كان معاصراً للإمام العسكري (صلوات الله عليه) فلم يذكره اطلاقاً في جميع كتبه، ولهذا لا ننتظر منه أن يروي شيئاً عن الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، وها أنت ترى إنه على الرغم من تواتر الحديث عن الإمام المهدي (روحي وأرواح العالمين له الفدا) إلا إنه لم يرو أي حديث يتعلق به!! ولو كان هذا شأن إمام الرواة لديهم، فما بالك بالبقية؟!

والثاني: إن ملاحقة السلطان العباسي لهم كانت من أكثر البديهيات وأشدّها وطأة عليهم، وقد غلب على حياة الأئمة الأطهار من الإمام الصادق حتى آخرهم (عليهم السلام) في زمن بني العباس إنهم إما كانوا ممن أدمن حياة السجون العباسية، وإما كان موضوعاً تحت رقابتهم المباشرة في قصورهم، أو في محلات عساكرهم، أو التجسس في مجالسهم والتلصص عليهم في بيوتهم ومداهمتها المستمرة، ولهذا فمن الطبيعي أن نلحظ شدّة تكتم الأئمة (عليهم السلام) في كل المسائل الحساسة والمصيرية، وهذا الأمر يتأكّد في قضية كقضية ولادة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فهذه القضية تلحظ تارة من خلال كونها نبوءة محمدية يجزم بصحتها سلاطين بني العباس، ويعرفونها كمعرفتهم بأنفسهم، وبالتالي يعون طبيعة التداعيات السياسية والأمنية المترتبة على هذه المقولة، وتارة في كونها تمثل خطراً محتملاً وجاداً في كونه معنياً بتدمير الطغيان والظلم والجور، وهذه الأمور قد لا يعرف التاريخ ماذا فعل بنو العباس منها، بقدر ما كان بنو العباس يعرفونه أنفسهم! ولهذا كانت مراقبتهم الجادة والمتواصلة لبيت الإمام العسكري (عليه السلام)، وسجن الإمام (بأبي وأمي)، وإرسالهم العيون من الرجال والنساء لتقصي أخبار المولود المنتظر، في حياة الإمام العسكري (صلوات الله عليه)، ومن بعد شهادته مسموماً من قبل المعتمد العباسي (عليه لعائن الله) ثم سجن أم الإمام السيدة نرجس (صلوات الله عليها) والذي دام قرابة السنتين، ولعل الصورة التي ينقلها لنا سعد بن عبد الله الأشعري (رضوان الله تعالى عليه)، عمّن حضر وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) ما تبين لنا حقيقة الحال يقول وهو يصف الهجوم على بيت الإمام من بعد شهادته (بأبي وأمي) قال: وبعث السلطان إلى داره من يفتّشها ويفتّش حجرها، وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده وجاؤوا بنساء يعرفن بالحبل، فدخلن على جواريه فنظرن إليهنّ فذكر بعضهنّ أن هناك جارية بها حمل، فأمر بها فجعلت في حجرة ووكّل بها نحرير الخادم(3) وأصحابه ونسوة معهم... ثم قال: فلما دفن وتفرّق الناس اضطرب السلطان وأصحابه في طلب الولد وكثر التفتيش في المنازل والدور.. ولم يزل الذين وكّلوا بحفظ الجارية التي توهّموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين حتى تبيّن بطلان الحبل.. (4)

ومن هنا وجدنا شدة الإجراءات التي اتخذها الإمام العسكري (صلوات الله عليه) وأم الإمام (عليها السلام) في هذا المجال،(5) وهي إجراءات يذكرنا بعضها بإجراءات أم النبي موسى (صلوات الله على نبينا وآله وعليهما) ولهذا يقول الإمام الصادق (عليه السلام): في القائم منا سنة من موسى بن عمران وهو خفاء مولده وغيبته عن قومه. (6)

وعن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) قال: سمعته يقول: في القائم (عليه السلام) سنة من موسى بن عمران (عليه السلام) فقلت: وما سنته من موسى بن عمران؟ فقال: خفاء مولده وغيبته عن قومه.(7)

وبناء عليه فلا تستغرب أن لا تجد خبر الإمام (عليه السلام) وولادته في غالبية كتب القوم، فالتدبير من جهتين، جهة أهل البيت (عليهم السلام) الذين حرصوا أن لا يصل الخبر لبني العباس وسائر النواصب، حفاظاً على حياة الإمام وأهل بيته، وجهة الرواة والمحدّثين والمؤرخين الذين كانوا لا يكتبون إلا ما تمليه رغبة توددهم للسلطان(8) هذا إن عرفوا بتحقق الولادة بعد زوال الخطر، لأنه لو وصلهم الخبر، فإنه سيصل بعد أشهر إن لم يك سنوات لأن الأئمة (عليهم السلام) لم يكونوا يحدّثون بذلك إلا خاصّة الشيعة.


الهوامش:
ــــــــــــ


1ـ سورة الشورى: 23.
2ـ الأغاني 5: 225، والقول لهارون العباسي الملقب بالرشيد.
3ـ نحرير الخادم هذا هو الذي كان الإمام العسكري (عليه السلام) مسجوناً في داره من قبل ذلك.
4ـ كمال الدين وتمام النعمة: 43 للشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه؛ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم.
5ـ من الخبر أعلاه وأيضاً من رواية أخرى لأبي الأديان خادم الإمام العسكري قال ضمن حديث طويل عن بعض شؤون جعفر الكذاب: فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك (أموال جاءت إلى الإمام ع وأراد جعفر أن يستولي عليها) فوجّه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية (وهو أحد أسماء السيد نرجس ع) فطالبوها بالصبي فأنكرته، وأدّعت حبلاً بها لتغطي حال الصبي، فسلّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية. (كمال الدين وتمام النعمة: 476 ب43 ح25) أقول من هذه الرواية ومن غيرها نستفيد إن جملة من التحركات التي اعتمدت من قبل بيت الإمام (عليه السلام) لاسيما من أم الإمام المنتظر (عليها السلام) وبعضها عن أم الإمام العسكري (عليهما السلام) ما يشير إلى وجود مخطط من شأنه أن يحفظ الإمام من خلال إيجاد جو اجتماعي بالتعويل على طلب جعفر الكذاب للمال والإرث وتصوير الأمور وكأن مشكلة إرث كانت تدور في بيت الإمام العسكري بحيث إن والدته عليها السلام قد أقبلت من المدينة للمطالبة بهذا الإرث، وواضح إن الوضع كان قد أزّمه فسوق جعفر الكذاب واستفاد منه بيت الإمام (عليه السلام) للتعمية على الموضوع الأهم وهو حفظ الإمام (عليه السلام).
6ـ الخرائج والجرائح: 934 لقطب الدين الراوندي، منشورات مدرسة الإمام المهدي(عج)؛ قم المقدسة.
7ـ الإمامة والتبصرة من الحيرة: 109 ب28 ح95، وكمال الدين وتمام النعمة: 152 ب6ح14.
8ـ من المناسب الإشارة إلى إن غالبية فضائح السلاطين لا تجدها في الكتب الرسمية أو التي كتبت باشراف الأنظمة آنذاك، وإنما قد تجدها في الكتب الأدبية والشعرية، أو الكتب التي كتبت بعيداً عن أعين السلاطين!!

الحلقة الثانية عشرة
على إن هذا كله لا يضير في عملية توثيق خبر الولادة وتحققها، ولا ينفع التحاجج بأن من ذكروا الولادة من علماء السنة أو الشيعة طرقهم غير واضحة، أو غير صحيحة من حيث السند، لأن هذه الحادثة إنما هي حدث تاريخي، وليس شأنا تشريعياً، ولا تعتمد الأحداث التاريخية بالضرورة من أجل توثيقها على منهج التشدد في السند على شاكلة ما تحتاجه في الأحاديث والأخبار المتعلقة بالتشريع، والفرق بين الأمرين ظاهر تماماً، باعتبار إن التشريع حتى يكون تشريعاً، فلا بد من اثبات كونه حجة من المشرّع (سبحانه وتعالى) على الإنسان، ولهذا فإن ثمة تدابير متشددة تتخذ في عملية جرح وتعديل متون الأخبار ورواتها التي تتعلق بالأحكام التشريعية، تبنى أساساً على التشدد في محاكمة وثاقة رجال أسانيد هذه الأحاديث من حيث صدقهم وضبطهم ودقتهم؛ ومتونها من حيث متانتها وعدم تعارضها وما إلى ذلك من شؤون ضبط النصوص التشريعية وفهم مرادها، خصوصاً وإن الأخبار والأحاديث المتعلقة بالتشريع إنما تلقى على نخبة اجتماعية محددة، وتحتاج في إدراكها إلى مستوى عقلي معين، وتستعين بعلوم متعددة لفهمها وإدراكها.

أما الموضوع التاريخي فلا يحتاج لمثل هذا التشدد، لأن حدث التاريخ يشهده الموثوق وغيره، والصادق ومن سواه، والجاهل والعالم، والصغير والكبير، وغالباً ما يمكن التوثّق من صحته بطرق لا تعتمد بالضرورة على نقلة الخبر أنفسهم، فالتطابق في الخبر وحيثياته مع حدث يقيني معين، ومراقبة القرائن الحافّة بالخبر، وعدم التعارض الذاتي للخبر، أو عدم تعارضه مع تلك القرائن والحيثيات، يمكن أن يولّد ـ في العادة ـ قناعات لها نفس القدرة على التوثيق والاطمئنان من حصول الحدث وعدمه، وهذا التاريخ المعاصر يدلّنا بوضوح على ذلك، أثناء عملية تدوينه، فلا يوجد عاقل يطلب الآن من الوكالات الخبرية والتلفزيونية والصحافية ـ مثلاً ـ أن تعتمد على منهجية متشددة في الأسانيد، كما إن سيرة العقلاء اعتمدت أساساً في قبول التاريخ وما نعرفه عنه، بمنهجية ابتعدت عن منهج التشدد السندي في قراءة التاريخ، ولو إنها اعتمدت ذلك فمن الواضح جدا إن البشرية ستكون بلا تاريخ لوجود انقطاعات تاريخية هائلة في الحقب التاريخية لا يمكن ملأها بالأسانيد والتوثق من رجالاتها، فتأمل!!.

أسباب الطول الزمني للقضية المهدوية

لماذا كل هذا الوقت الذي مرّت به القضية المهدوية؟

لو نظرنا إلى النبوءة المحمدية، ومعها الآية القرآنية الشريفة لوجدنا إنهما متحدتان في التحدّث عن هدف واحد لهذه القضية، فالأولى تتحدث عن القضية كونها هادفة إلى: ملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، والثانية تتحدث عن نفس المضمون: {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا} بمعنى إنهم القاعدة التي كانت تتسلّط عليها صور الظلم والجور، {ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} أي كي يتحول ذلك الظلم والجور المسلّط عليهم إلى حالة العدل والقسط من خلال إيجاد الحكم العادل، والكلام يبقى باتجاه الكيفية التي يمكن فيها تحقيق هذا الهدف؟

بادىء ذي بدء لابد لنا من أن نلتفت إلى وجود كلمة: {ونريد} الإلهية، فالله تبارك وتعالى هو الذي يريد أن يتحقق مثل هذا الهدف، فأي نوع تنتمي إليه هذه الإرادة الإلهية، لأننا نصادف في القرآن لغة إرادة مؤجلة وأخرى معجّلة، فهناك قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئاً ان يقول له كن فيكون}(1) أو قوله تعالى: {إن ربك فعّال لما يريد}(2) وواضح إن هذا النمط من الإرادة هو من النوع الذي لا يتأجّل، ولهذا يسمى هذا النوع من الإرادة؛ بالإرادة التكوينية، إذ إن هذا النمط من الإرادة متعلق بالله سبحانه وتعالى، ولا علاقة له بإرادات أخرى، فيما نلمس نمطاً آخراً من الإرادة الإلهية، يتعلّق بإرادة أخرى ولهذا يسمّى بالإرادة التشريعية، إي إن إرادة التشريع الإلهية أرادت من الإرادة الأخرى أن تنفذ المراد الإلهي، كقوله تعالى: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم}(3) ، أو قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}(4) فالأمر من الله تبارك وتعالى، ولكن إرادة الإنسان هي متعلّق هذا الأمر، والكلام هنا هل إن الإرادة الإنسانية مجبرة؟ بحيث إن أي أمر يصدر إليها يكون من سنخ الإرادة التكوينية، أم إنها مخيرة، وبالتالي تستطيع أن تنفذ الأمر الإلهي، ويمكن لها أن تعصيه!

من الواضح إن القرآن تحدّث عن نمطين من الإرادة التشريعية، الأول منها: نمط ترك بشكل كامل للإنسان كقوله تعالى: {أقم الصلاة} فهذه الإرادة يستطيع الإنسان أن يعصيها حتى يموت، كما إنه يمكن أن يمتثل لها، وهي مثلها مثل الطبيب حينما يأمر المريض بأن يفعل الأمر الفلاني والقضية الفلانية، وللمريض أن يفعل أو لا يفعل، فيتحمل وزر ترك الفعل، أو يتأثر بمردودات إمتثاله للأمر.

أما النمط الثاني فقد ترك بشكل نسبي للإنسان، ولكن إرادة الله تعالى تتدخل على شكل سنّة حتمية مؤجلة، كما في قوله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمّرناها تدميراً}(5) وهنا نلحظ إن الله سبحانه وتعالى تحدث عن إرادته في إهلاك قرية ما، ولكنه شرط عملية الإهلاك هذه بفسق أهل القرية، ولهذا فإن القرية إذا ما تجنبت عملية الفسوق، فإنها بطبيعة الحال لن تدمّر بفعل السنة الإلهية الحتمية المشار إليها، وهي الصورة التي لاحظناها في قصة قوم يونس وفي قصة قوم لوط (صلوات الله علي نبينا وآله وعليهما)، ففي القصة الأولى اتجهت قرية يونس (عليه السلام) باتجاه الدمار نتيجة لفسوقها، ولكنها أوقفت الدمار الذي حاقت نذره بها من خلال توبتها، {فلولا قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين}(6) ، بينما دمّرت القرية الثانية نتيجة لاصرار مترفيها على الفسوق فدمّرت تدميراً {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود}(7) .

ونلاحظ هنا إن فسوق الأمم وسبل تدميرها تتفاوت من أمة لأخرى، ولكن النتيجة تبقى باتجاه حاكمية السنة التاريخية الإلهية على مستقبل حركة الأمم، فلو أحسنت الأمم طريقها نحو العدالة غنمت مردودات هذه الحاكمية ومغانمها، والعكس صحيح أيضاً، وهو الأمر الذي نتلمسه بصورة رائعة في الآيات الكريمة، ففي الشق الأول نلحظ المعادلة الإلهية تقدّم بهذا الشكل: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم}، ولكن في الشق الثاني نجد المعادلة تتجه بشكل معاكس تماماً: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما انزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليهم من ربهم طغياناً وكفراً، فلا تأس على القوم الكافرين}(8) .

بناء على كل ذلك يجب أن تفهم القضية المهدوية ضمن هذا السياق، فالطول والقصر في زمانها ليس هو الأصل، وإنما توافر الشروط المتعلقة بتحقيق أهدافها وعدمها هو الذي يقف وراء طول أو قصر مداها الزماني، وتبرز لنا الآيتين الكريمتين السابقتين إن هذه القضية كان يمكن لها أن تتحقق عقب شهادة الرسول الأعظم (بأبي وأمي)، ولكن الأمة التي تخلت عن التزامها بما أبلغها به الرسول (صلوات الله عليه وآله) ونكرانها لحق أمير المؤمنين (عليه السلام) واعتدائه عليه، أدى بها إلى أن تمتد تريثاً لتامين الشروط الموضوعية لتحقيق مسيرة العدل، ولهذا قفز الوقت مدة أكبر كما تظهر لنا الروايات الشريفة لتكون المحطة المرتقبة هي ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، ولكن الخلل الشنيع الذي ارتكبته الأمة بالتخلي عن الإمام الشهيد (صلوات الله عليه) أدى لقفزة زمانية أطول امتدت حتى عهد لاحق، ولكن استفحال الضلال والطغيان، وتهاون الأمة في التمسك بالحق أدى إلى أن تطول المدة بالصورة التي رأينا، وفي هذا يقول الإمام الباقر (عليه السلام) لأبي حمزة الثمالي (رضوان الله عليه): يا ثابت: إن الله تعالى كان وقّت هذا الأمر في السبعين، فلما أن قتل الحسين (صلوات الله عليه) اشتد عضب الله تعالى على أهل الأرض فأخّره إلى الأربعين ومائة، فحدّثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم قناع الستر، فلم يجعل الله له بعد وقتاً عندنا {يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}(9).

وعن عثمان النوا قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كان هذا الأمر فيَّ، فأخّره الله، ويفعل بعد في ذريتي ما يشاء. (10)

وعن أبي بصير قال: قلت له (أي للإمام الصادق عليه السلام): ما لهذا الأمر أمد ينتهي إليه ويريح أبداننا، قال: بلى، ولكنكم أذعتم فأخّره الله.(11)

الهوامش:
ـــــــــــــــــ
1ـ سورة يس: 82.
2ـ سورة هود: 107.
3ـ سورة النساء: 26.
4ـ سورة الإسراء: 78.
5ـ سورة الإسراء: 16.
6ـ سورة يونس: 98.
7ـ سورة هود: 82.
8ـ سورة المائدة 66و68 وما يجب أن يلتفت إليه القارئ الكريم هو إن الآيتين الكريمتين تحفان بآية: {يأ أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} لتكون دلالتهما في غاية الوضوح في الحث على الالتزام بما سيبلغه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في هذا الشأن. .
9ـ الكافي 1: 368 ح1، ومشابه للفظه في غيبة الطوسي: 428 ح417، والآية في سورة الرعد: 39.
10ـ غيبة الطوسي: 42 ح418.
11ـ غيبة النعماني: 288 ب16 ح2.
الحلقة الثالثة عشرة

ومن كل ما تقدّم نستطيع القول بأنه يمكن ملاحظة ثلاثة عوامل حاسمة في طول هذه القضية أو قصرها، وهذه العوامل هي:

أ: طبيعة الساحة المناصرة للإمام (عليه السلام)، ومدى استجابتها لواقع
المناصرة ومتطلباتها، وهذه الساحة تتفاوت بتفاوت تعقيد المعركة ضد الباطل ومدى قرب الهدف، ففي عهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وأثناء غدر السقيفة طلب أربعين رجلاً لكي ينصروه ويأتوه محلقين، ولكن مع تعقّد الحال يحتاج الإمام (روحي فداه) إلى ثلاثمائة وثلاثة عشر وبمواصفات خاصة جداً، ومن ساحة عركت بالفتن والبلاء عرك الأديم.

ب: طبيعة الساحة المعادية للإمام (عليه السلام) ومدى متانة قوتها واستحكام بنيانها.

ج: يبقى العامل الإلهي المحيط بدقائق الأمور والعالم بخفاياها.

هذه العوامل هي التي تتحكم بموعد ظهور الإمام (عليه السلام)، فهذا الموعد ليس موعداً حدياً، رغم إنه في علم الله تعالى حدي، ولكنه ضمن معايير حركة التغيير الاجتماعي يبقى خاضعاً لظروف العملية واشتراطاتها، وتسري عليه قاعدة: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}(1) ولهذا فإن هذه القضية تبقى من سنخ المواعيد الإلهية التي يجري فيها التبدّل والمحو والإثبات، ولهذا نجد كثرة الحث على الدعاء للإمام (عليه السلام) بتعجيل الفرج له،(2) والتصدق نيابة عنه، وما إلى ذلك من الأمور التي تشير إلى تأثير هذه القضايا الجدي على موعد خروجه الشريف.



مسؤولية الإنسان المؤمن مع الطول الزمني

وحتى نتعرف على ذلك لا بد لنا من أن نتوقف قليلاً عند نظرة أهل البيت (عليهم السلام) إلى الزمان وكيف يتعاملون معه؟ لأن التعرف على ذلك سيغنينا عن طرح المزيد من الأسئلة .. وحين نتفحص ذلك سنجد إن الزمان في منهج أهل البيت (عليهم السلام) ليس قيمة مهملة، ولا هو بالقضية العابثة، كما إنه لا يمثل قيمة مطلقة سواء في ما يطرحه الوجوديون بأنه مرعباً في اطلاقه، أو كما يتخيله البعض بأنه مفرحاً في المطلق، كما حاولت المدارس البشرية المختلفة أن تصوره وتتعامل معه وفقاً لهذه المحطات، وإنما نهجت مدرسة أهل البيت (صلوات الله عليهم) منهجاً واقعياً ووسطاً بين كل المدارس التي احتدم نقاشها وصراعها في تحديد الموقف من الزمن.

فلم يعد هذا المنهج؛ الزمن والوجود الإنساني في هذا الزمن وجودا عابثاً خلياً من الهدف كما حاول أهل الجاهلية أن يصوّروه: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر}(3) ، كما لم يعطه صفة الاطلاق والذي يتحكم بكل شيءكما حاول الشعر الجاهلي القديم أن يصوّره، فلقد كان اعتقاد أصحابه وهم نخبة القوم: راسخاً بأن الدهر أو الزمان هو الشيء المتخفي وراء قناع الموت، حيث يسلطه على الموجودات ويجيلها إلى عدم، أو ان الدهر هو القوة الهائلة التي تسبب الكوارث الطبيعية وترتبط بأنواع الشرور الموجودة في الطبيعة،(4) وكما حاولت الوجودية أن تصوّره في بعد من أبعاد نظريتها في ذلك حتى انك تجد رعباً مهولاً في نفوس هؤلاء من الزمن المستقبلي على وجه التحديد بالشكل الذي قد يصل إلى الآمال المتحطمة عند [صخرة سيزيف](5) ، أو كما يصوّره جان بول سارتر بالسيف الذي يلهب الظهر وهو يتحدث عن شراسة المستقبل، وبنفس الوقت يمتد منهج أهل البيت (عليهم السلام) إلى رفض تعطيل محورية الزمن كما حاول فلاسفة الجبر بمجموعهم أن يعطلوه، من خلال تعطيل الإرادة الإنسانية.(6)

في الواقع ينطلق منهج أهل البيت (صلوات الله عليهم) باعتبارهم المجسّد الأصيل والوحيد للإسلام المحمدي، من طبيعة نظرة الإسلام للزمن، وهذه النظرة التي تعد جزءاً لا يتجزّأ من منظومتها الجادة في سبيل تحقيق عملية الهداية الربانية تقوم على أساس استخدام الزمن كقوة ايجابية من خلال تحويله إلى عنصر أساس لشحذ سير الارادة الإنسانية وتوجيهها، دون أن تتخلى من التحذير من مغبة التمادي في التراخي أمام الزمن، ومن ثم تعمل على توظيف الزمن كقوة رادعة للإرادة الإنسانية في حال تمادت بعيداً عن مسار الأهداف المطلوبة منها أو تقاعست عن تحمل استحقاقات تجسيد هذه الأهداف، وهي هنا نراها تستخدم كقوة جاذبة ورادعة في نفس الوقت.

ومرتكز هذه النظرة قائم على أساس إن الإنسان حينما خلقه الله سبحانه وتعالى، فإنه لم يخلقه لكي يكون قيمة مهملة في التاريخ {أيحسب الإنسان أن يترك سدى}(7) ، وإنما خلق لكي يقوم بأعظم الأدوار وأشرفها {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان}(8) ، ولهذا منذ البداية عرض القرآن لتيارين، أحدهما يحاول أن يجعل الزمن والخلق عابثاً، من خلال الدفع باتجاه عدم تحمل أي مسؤولية تجاه هذا الزمن وهذا الخلق {وقالوا: إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين}(9) والثاني يحاول أن يستفز كل مكامن الإرادة الإنسانية بشكل إيجابي لتقوم بكامل دورها ومسؤوليتها تجاه هذا الزمن والخلق، {يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار، من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها، ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة بغير حساب}(10) وفيما صوّر التيار الأول بأنه تيار مضرّ وسيء، أبرز التيار الثاني باعتباره الأنموذج الصالح الذي يجب أن يقتدى به ويسعى للحاق به.

ومن الواضح هنا إن القرآن الكريم لم يجزّأ الزمن أو يقتطع بعض فصوله، بل تصوير الزمن بإطاره الكامل، فهو لم يلغ النظر إلى مرحلة ما بعد الموت وهي مرحلة أساسية من الزمن في التصوير القرآني، ولم يعتبرها أمراً منفصلاً عن الحياة الدنيا، بل اعتبرهما محطتان متكاملتان تؤدي أولهما إلى الثانية حتماً، كما ولم يعتبر مرحلة ما بعد الموت بعيدة عن تأثيرات مرحلة ما قبل الموت، بل على العكس جعل تشكل صورة الثانية منوطاً بطبيعة جهد الإرادة الإنسانية واتجاهاتها في المرحلة الأولى، ولهذا نجد أن محور إطار هذا التصوّر يسير ما بين الحد الأول الذي يتبين لنا من نصوص كثيرة خلاصتها قول الإمام علي (صلوات الله عليه): إياكم وحب الدنيا فإنها رأس كل خطيئة، وباب كل بلية، وقران كل فتنة، وداعي كل رزية،(11) وما بين الحد الثاني الذي نستخلصه من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما سمع رجلاً يذمّ الدنيا فلامه وقال: إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها، مسجد أحباء الله، ومصلى ملائكة الله، ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة.(12)

أقول: ما بين هذا الحد الذي يسلّط الضوء على ناحيتها الإيجابية، وذاك الذي يحدد ناحيتها السلبية، فقد تلخصت نظرة أهل البيت (عليهم السلام) بما وصف الأمير (صلوات الله عليه) موضع الدنيا من الإسلام فقال: الدنيا مضماره، والآخرة حلبته، والجنة سبقته. (13)

الهوامش:
ـــــــــــــــــ

1ـ سورة الرعد: 11.
2ـ لا شك إن إحدى جوانب الحث على الدعاء للإمام (صلوات الله عليه) ترتبط بايجاد العلقة العاطفية بين الإنسان وإمامه وتعظيمها، ولكن هذا لا يعني إن الدعاء له (روحي فداه) لا قيمة اعتبارية له في جهة مطلوب الدعاء للإمام (صلوات الله عليه) حفظاً وتسرية له ودفعا للبلاء عنه وما إلى ذلك.
3ـ سورة الجاثية: 24
4ـ الزمان في الفكر الإسلامي: 197 للدكتور إبراهيم العاتي؛ دار المؤرخ العربي ـ بيروت.
5ـ انظر قصة: البير كامو بنفس الاسم.
6ـ راجع للتفصيل كتابنا: اتجاهات الدفاع الاجتماعي في الإسلام: 84 وما بعدها؛ مؤسسة الصديقة الطاهرة (عليها السلام) للإعلام الإسلامي ـ بغداد ط2؛ 1427هـ.
7ـ سورة القيامة: 36.
8ـ سورة الأحزاب: 72.
9ـ سورة الأنعام: 29.
10ـ سورة غافر: 39ـ40.
11ـ تحف العقول: 215.
12ـ نهج البلاغة، قصار الحكم: 131.
13ـ الكافي 2: 50 ح1.
الحلقة الرابعة عشر



ولم يكتف الإسلام بذلك وإنما راح يشير إلى إن الأمة شريكة في نتائج خيارات الإرادة الإنسانية، فهذه الخيارات وإن انطلقت من الذات ولكن لها مصبان أحدهما نفس الإنسان بواقعه ومستقبله، والآخر نفس الأمة الذي يحيا فيها هذا الإنسان، فهو لا يعيش في جزيرة مستقلة، وإنما لكل عمل من أعماله ارتباط بالمسار العام للأمة، وبالنتيجة لا يحمله مصير نفسه فقط وإنما يحمله مصير الأمة والأجيال التي ستلحق أيضاً، كما في قوله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)(1) ، أو قوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعلمون)(2) مما يؤسس لزخم كبير في عملية رقابة ذاتية للذات، وهذا من شأنه أن يجعله مرتبطاً دائما بمسؤوليته.

ولكن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لا تكتفي بهذا القدر، لأنها تعرف بأن العنصر الفكري وحده لا يفعّل أمري الارتباط الدائم بالمسؤولية ورقابة الذات بالشكل المطلوب، ولهذا عملت على زجّ أمرين هامين جدا مع العنصر الفكري،

أولهما: عنصر الرقابة الموضوعية، وهذا العنصر سوف يعمل جنباً إلى جنب رقابة الذات ويعمّقها وذلك من خلال تجسيد المعنى الخارجي للآية القرآنية آنفة الذكر: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم)، فهذه الرؤية التي تطرحها الآية الشريفة للأعمال ليست مجازية، وهي ليست خاصة بقوم دون آخرين، بل هي حقيقية وشاملة لكل الأقوام، ولهذا كان طرح مبدأ: العرض المستمر والفعلي للأعمال على رسول الله والأئمة من أهل بيته (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين)،(3) وفي ذلك وردت روايات كثيرة جداً والغالبية منها ما بين الصحيحة والحسنة والموثقة، منها ما رواه المعلى بن خنيس (رضوان الله تعالى عليه) عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في قول الله تعالى: (اعلوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) قال: هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة، تعرض عليهم أعمال العباد كل خميس.(4)

ومنها ما رواه أبو بصير (رضوان الله عليه): تعرض الأعمال على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعمال العباد كل صباح، أبرارها وفجّارها، فاحذروها، وهو قول الله تعالى: (اعملوا فسيرى الله أعمالكم ورسوله) وسكت.(5)

وعن الحسن بن علي الوشاء (رحمه الله) قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: إن الأعمال تعرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبرارها وفجارها.(6)

وهذه الروايات طرحت مبدأ عرض الأعمال من حيث المبدأ، ولكن الأئمة (صلوات الله عليهم) لم يكتفوا بذلك، وإنما راحوا يشدّدون على الدور المطلوب من عملية الرقابة المطروحة هنا، إذ نلاحظهم في روايات أخرى يؤكدون على خطين أولهما: التحذير من العمل السيء.

والآخر: بث روح الأمل وتشديد الزخم العاطفي نحو العمل الصالح، وهذا ما نلمسه مما رواه عبد الله بن سنان (رحمه الله) عن أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) قال: إن أعمال أمة محمد (صلى الله عليه وآله) تعرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل يوم خميس، فليستحي أحدكم من رسول الله أن تعرض عليه القبيح!!. (7)

ومثلها ما رواه سماعة بن مهران (رضوان الله عليه) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: ما لكم تسوؤن رسول الله (صلى الله عليه وآله)! فقال رجل: كيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون إن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك! فلا تسوؤا رسول الله وسرّوه. (8)

ومنها ما رواه القاسم بن محمد الزيات، عن عبد الله بن أبان الزيات وكان مكيناً عند الرضا(9)، قال: قلت للرضا (عليه السلام): ادع الله لي ولأهل بيتي، فقال: أولست أفعل؟ والله إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم وليلة. (10)

وهكذا يطرح هذا الأمر ليشكّل عنصراً مهماً في تشديد مهمة الرقابة على الذات، مما يعزز من مهمة العنصر الفكري الذي ثبّت جانب المسؤولية وفق ما أشرنا إليه أعلاه.

أما الأمر الثاني فهو التداعيات المنعكسة على وجدان الإنسان من مسألة إيمانه بوجود الإمام (عجل الله تعالى فرجه) وانتظاره، فهذه التداعيات تتشابك وبشكل مذهل مع خطوط عديدة لها أعمق التأثير على إثراء البعد الوجداني لدى الإنسان المنتظر، مما يعكس تناغماً مطلوباً جداً مع الجانب الفكري الذي أشرنا إليه، ومن الواضح جدا إن هذا التناغم لو تحقق فإنه سيولّد إرادة جادة لدى الإنسان على العمل بمقتضيات الأهداف التي تقف وراء هذا الفكر، فقد يؤمن الإنسان بفكرة ولكنه لا يندفع للالتزام بما يترتب عليها من سلوكيات، ولكنه قد يتفاعل وجدانياً مع قضية لا يؤمن بجدواها الفكرية من حيث الأصل، فتراه يشطّ بإرادته بعيداً جداً عما يؤمن به من أفكار ومثل،(11) وهذا هو الذي يجعل المرء يقع في الإشكال العميق الذي تطرحه الآية الكريمة: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}(12).

ومن هنا يمكن لنا أن نسلّط الضوء على الأهمية الوجدانية لمفهوم انتظار الإمام (روحي فداه)، فالمرء الذي يجد إن يوماً ما سيأتي الفرج فيه لهذا الكون مهما استفحل فيه الظلم والجور، ومهما عتا به الزمن، ليحلّ بدلاً عنه القسط والعدل، والمرء الذي دفعت به العوامل العقائدية المتعددة للظفر برضا الإمام (صلوات الله عليه) عنه، ونيل ألطافه وهو يكابد أمواج الحياة بتقلباتها ومصاعبها، وهي نفسها التي تدعوه لكي يؤمن مقبولية له يوم القيامة، وشكّلت جمالية قيم وفضائل الإمام (بأبي وأمي) وموقعه الديني المقدّس ما يجعله يحث الخطى للقاء به والتشرّف بالنظر إليه، كل هذه العوامل ونظرائها ستكون بمثابة الزخم الوجداني المطلوب لكي يندفع باتجاه العمل بواجباته المترتبة على عقيدته بالإمام (صلوات الله عليه) على كافة الأصعدة.

وبهذا ستتحلل واحدة من المشاكل الرئيسية أمام المؤمن في قضية البعد الزمني، فالأصل لديه ليس هو ظهور الإمام (عجل الله فرجه)، وإنما العمل بتكليفه الشرعي تجاه الإمام (عليه السلام)، وهو التكليف الذي لا يضع مسألة ظهور الإمام في كأصل للأمور، لأن هذه المسألة منوطة بعوامل عديدة، لا تتعلق بهذا المؤمن أو بذاك فقط، وإنما تمتد لكل حركة الأمة وطبيعة ارتباطات هذه الحركة، مما يرتب عليه أثراً في وجوب الابتعاد عن كل ما يساهم في عرقلة حركة الأمة باتجاه تحقيق الظهور، وهذا عنصر في غاية الأهمية لأنه سيفعّل كل عناصر المثابرة لديه لكي يحوز على موقف سليم من حركة الإمام (روحي وأرواح العالمين له الفدا)، ويعزّز من كل عناصر المراقبة الذاتية والموضوعية لديه لكي لا تشطّ به إرادته بعيداً عن الطريق.



الهوامش:
ــــــــــــــــــ


1ــ سورة الأنفال: 25.
2ــ سورة التوبة: 105.
3ــ وهذا الأمر يؤكده القرآن الكريم من خلال ديمومة حركة الشهادة على أعمال الأمة كما في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} (سورة البقرة: 143) وكما في قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} (سورة النساء: 41). والعديد من الآيات المماثلة.
4ــ بصائر الدرجات: 446 ج9 ب5 ح2. وفي معناها أحاديث كثيرة.
5ــ الكافي 1: 219 ح1.
6ــ الكافي 1: 220 ح6. وبصائر الدرجات: 445 ج9 ب4 ح7.
7ــ بصائر الدرجات: 446 ج9 ب4 ح12.
8ــ الكافي 1: 219 ح3.
9ــ في نسخة البصائر: وكان يكنى عبد الرضا. ومن الواضح إن النسخة الحروفية من البصائر فيها تصحيفات كثيرة.
10ــ الكافي 1: 219 ح4، وبصائر الدرجات: 449 ج9 ب6 ح2.
11ــ كالذي يحتدم فيه الغضب أو الحقد أو السخط أو الحنق وما إلى ذلك حداً يجعل من تصرفاته تتجه وربما في غاية الشدة باتجاه أمور لا يؤمن بصحتها فكرياً لو سكن عنه الغضب أو زال عنه الحقد، بل ربما تعاكس توجهاته، كما لحظنا ذلك وعلى سبيل المثال في موقف هابيل بن آدم، أو إخوة يوسف (عليه السلام).
12ــ سورة الصف: 2ـ3.




الحلقة الخامسة عشر

والرائع في هذا الأمر إن منهج أهل البيت (صلوات الله عليهم) لا يدع أي إمكانية لعوامل اليأس أو الإحباط الناجمة من مشاعر القلق التي قد تكتسح الإنسان من إمكانية عدم الظهور في هذا الزمن، ومن إمكانية موت هذا الإنسان ولا يتمكن من رؤية ظهور الإمام (عليه السلام)، فهو ـ أي المنهج ـ لا يكتفي من تثبيت المسؤولية عند حد رضا الإمام (صلوات الله عليه) بعمل هذا الإنسان، وإنما يعمد للتلويح له بفرصة عظيمة ستجعل إقباله على العمل بمسؤولياته يتجاوز الزمن، وذلك من خلال قضيتين


أولهما: مسألة الجزاء الأخروي، وأن العمل لظهور الإمام (صلوات الله عليه) لا يخل بقيمة الجزاء الأخروي حتى لو لم يقترن هذا الانتظار بظهور الإمام (عليه السلام)، وفي ذلك لدينا روايات كثيرة جداً متواترة الصحة، ومن ذلك ما رواه العلاء بن سيابة قال: قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): من مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم (عليه السلام). (1)

وعن عبد الحميد الواسطي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أصلحك الله، والله لقد تركنا أسواقنا انتظاراً لهذا الأمر حتى أوشك الرجل منا يسأل في يديه؛ فقال: يا عبد الحميد أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل الله له مخرجاً!؟ بلى والله ليجعلن الله له مخرجاً، رحم الله عبداً حبس نفسه علينا، رحم الله عبداً أحيى أمرنا، قال: فقلت: فإن متّ قبل أن أدرك القائم؟ فقال: القائل منكم: إن أدركت القائم من آل محمد نصرته، كالمقارع معه بسيفه، والشهيد معه له شهادتان. (2)

وعن الفيض بن مختار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم في فسطاطه، قال: ثم مكث هنيئة ثم قال: لا بل كمن قارع معه بسيفه، ثم قال: لا والله كمن استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله). (3)

وعن إسماعيل بن محمد الخزاعي قال: سأل أبو بصير أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا أسمع، فقال: تراني أدرك القائم (عليه السلام)؟ فقال: يأ أبا بصير ألست تعرف إمامك؟ فقال: إي والله وأنت هو ـ وتناول يده ـ فقال: والله ما تبالي يا أبا بصير ألا تكون محتبياً بسيفك في ظل رواق القائم (صلوات الله عليه). (4)

وعن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضرّه تقدّم هذا الأمر أو تأخر، ومن مات وهو عارف لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه.(5)

ومن الواضح أي زخم وجداني يمكن أن يترشح من هذه المفاهيم، وأي دفعة للإرادة الفاعلة في سبيل أهداف الظهور أن تترتب عليها، لاسيما مع هذا التركيز الواضح على إن الظهور ليس هو الهدف، وإنما أهدافه وغاياته هي المطلوبة.

ولكن لا يتوقف الأئمة (صلوات الله عليهم) عند هذا الأمر فحسب، بل يتقدمون بعرض آخر يجعل عملية العمل لتحقيق هذه الأهداف لا يتعلق بالجزاء الأخروي فقط، وإنما حتى يشمل الجزاء الدنيوي ـ وهو ما تهفوا إليه نفوس كثيرة ـ من دون أن يجعل للعمر قيد في الاشتراك بهذا الجزاء، من خلال ربط مسألة الانتظار بمبدأ الرجعة،(6) وهذا ما يثري الكثير من زخم الإرادة لدى المنتظرين، كما وإنه لن يجعلهم يتراخون إزاء ظنهم بان جهدهم لن يلتقي بشكل مباشر بعملية الظهور، فالزمن ـ بقصره أو بطوله ـ سوف لن يقف عائقاً دون الاشتراك بعملية الثأر المهدوية وتحقيق الأهداف الإمامية، وفي ذلك روايات كثيرة تتواتر في صحتها، فعن عمار بن مروان اليشكري (رضوان الله تعالى عليه) قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)(7) يقول وذكر حديثاً طويلاً في أحوال ما يعاينه المؤمن عند الموت إلى أن قال: ثم يقال له: نم نومة العروس على فراشها، أبشر بروح وريحان وجنة نعيم ورب غير غضبان، ثم يزور آل محمد في جنان رضوى، فيأكل معهم من طعامهم، ويشرب معهم من شرابهم، ويتحدّث معهم في مجالسهم، حتى يقوم قائمنا أهل البيت، فإذا قام قائمنا بعثهم الله، فأقبلوا معه يلبّون زمراً زمراً. (8)

وعن المفضل بن عمر(9) قال: ذكرنا القائم (عليه السلام) ومن مات من أصحابنا ينتظره، فقال لنا أبو عبد الله (عليه السلام): إذا قام أُتي المؤمن في قبره فيقال له: يا هذا، إنه قد ظهر صاحبك، فإن تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم. (10)

هذا فضلاً عما يشار هنا في شأن أحاديث الرجعة التي تشير إلى إنها خاصة بمن محّض في الإيمان محضاً ومحّض في الكفر محضاً، مما يعني تشويقاً للمؤمن المنتظر في أن يكون سبّاقاً ومتميزاً في عمله في مجال الانتظار، كي يكون ممن ينال درجة أن يرجع في عهد الإمام (عجل الله فرجه)، وهذا ماله من عظيم الأثر على مسارات إرادته واتجاهاتها، وفي ذلك ما رواه محمد بن مسلم الثقفي (رضوان الله عليه) قال: سمعت حمران بن أعين وأبا الخطاب يحدّثان جميعاً ـ قبل أن يحدث أبو الخطاب(11) ما أحدث ـ أنهما سمعا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الرجعة ليست بعامة بل هي خاصة، لا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً، أو محض الشرك محضاً. (12)

ومن خلال كل ذلك نستطيع أن نتبين بأن الطول الزمني لا يتضمن أي إخلال بمسؤولية الإنسان المؤمن، ولا يترتب عليه أي تنصل عنها، بل بالعكس من كل ذلك، فهو إن لم يعطيه دفعاً باتجاه العمل، وشوقاً باتجاه تحمّل المسؤولية، فإنه لا أقل لا يلغي لديه أي جانب من جوانبها، لأن الزمن ـ طولاً أو قصراً ـ يبقى بالنسبة للمؤمن المنتظر فرصة عليه أن يستنفذها.


الهوامش:
ـــــــــــــــــ

1ــ المحاسن (كتاب الصفوة والنور والرحمة): 173 ب38 ح147.
2ــ المحاسن: 173 ب38 ح148.
3ــ المحاسن: 174 ب38 ح151.
4ــ الكافي 1: 371 ب142 ح4.
5ــ الكافي 1: 371ـ 372 ب142 ح5.
6ــ ونعني بهذا المبدأ ما تعارفت عليه الإمامية من رجعة بعض من مات إلى الدنيا، وهذا المبدأ من مبادئ القرآن الكريم، وقد تحدّث عنه البارئ عزّ وجلّ بعدة سياقات تارة من خلال طرحه كإمكان عملي من الناحية المفهومية، فالله سبحانه وتعالى بيده الحياة والموت وهو المحيي والمميت، ولا يوجد أي حاجز يحجزه عن فعل ما يريد كما نلحظ في قوله تعالى: {ثم أماته فأقبره، ثم إذا شاء أنشره} سورة عبس: 21ـ22، وأخرى من ناحية التحديث بما حصل فعلاً وعملاً كواقع تاريخي وليس لمجرد الفرض التجريدي، وذلك من خلال الآية الكريمة في سورة البقرة في قصة العزير (عليه السلام) {أو كالذي مرّ على قرية خاوية على عروشها، قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها، فأماته الله مائة عام ثم بعثه..} سورة البقرة: 259، هذا ناهيك عن تصريح الله سبحانه وتعالى بان عيسى (عليه السلام) كان يحيي الموتى بإذن الله (سورة آل عمران: 49)، وثالثة من خلال طرح الموضوع بما سيحصل قبل يوم القيامة كما صوره في سورة النمل بقوله تعالى: {ويوم نحشر من كل أمة فوجاً} سورة النمل: 83، وواضح إن هذا الحشر يختلف عن حشر يوم القيامة، لأن حشر القيامة سيكون لكل الأمم من دون استثناء، بينما هنا نلاحظ وجود استثناء لغالبية كل امة من الحشر، لأن حشر الفوج يستلزم القلة منهم وليس الكثرة، أضف إلى ذلك ما تشير إليه الآية من حصول ذلك على نحو التدرّج وليس الدفع، وواضح إن حشر القيامة دفعي، بمعنى إن كل المحشورين يأتون دفعة واحدة، بينما هنا نلحظهم يأتون على نحو التدرّج. والعجيب بل المضحك المبكي في آن؛ إن هذا الوضوح القرآني لم يمنع القوم من أن يعدّون من يؤمن بالرجعة وفق هذه المقاييس بالرافضي، وهي التسمية التي لو أطلقت على أحد، لأسقطت دينه في نظرهم وأباحت منه ما لا يستباح من غيره، وللحديث عن ذلك مجال آخر يراجع في الكتب العقائدية المختصة.
7ــ في الكافي قال: حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) مما يجعل سند الحديث مجهولاً، ولكن الصحيح يبدو كما نقلناه عن نسخة الحسين بن سعيد (رضوان الله عليه)، لأن عمار بن مروان (رحمه الله) إنما يروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) بلا واسطة، على إن الشيخ الحسن بن سليمان الحلي روى في المحتضر جانباً من الرواية وبسند مغاير هو نسخة الفضل بن شاذان، وفيه: عمار بن مروان عن زيد الشحام، ولا يخل ذلك بأصل المطلب، ورغم إن سند الكليني في الكافي، وسند الفضل بن شاذان لا يقع فيهما الحسين بن سعيد، إلا إن من الواضح إن نسخة الحسين بن سعيد (أعلى الله مقامه) أكثر دقة من نسخة الكافي، وأكثر قرباً من نسخة الفضل بن شاذان (رحمه الله) باعتبار إن الحسين يروي بواسطة رجل واحد هو محمد بن سنان (رضوان الله عليه) بينما تروى نسخة عمار في الكافي عبر عدة وسائط، وبواسطتين في كتاب الفضل، فلا تغفل. وقد كنّا قد أثبتنا وثاقة وعلو شأن محمد بن سنان في غير كتاب من كتبنا المحققة، فلا نعيد.
8ــ الزهد: 128 ب15ح219 للحسين بن سعيد؛ تحقيق وتعليق: جلال الدين علي الصغير؛ دار الأعراف للدراسات والنشر ـ بيروت 1993 ط1. والكافي 3:132 ب84 ح4، والمحتضر: 5 للحسن ابن سليمان الحلي؛ منشورات المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف 1950 ط1.
9ــ ذكرنا وثاقة وعلو شأن المفضل بن عمر الجعفي (رضوان الله تعالى عليه) في غير موضع من كتبنا التحقيقية، فلا نعيد.
10ــ غيبة الشيخ الطوسي: 459 ح470، وفي دلائل الإمامة بتفاوت يسيير ولكن برواية سيف بن عميرة عن الإمام الباقر (عليه السلام): 253، وفي منتخب الأنوار المضيئة: 67 من دون إسناد.
11ــ أبو الخطاب هو محمد بن أبي زينب مقلاص الأسدي، كان من كبار الأصحاب ولكنه سرعان ما انحرف وصدر فيه لعن مشدد من قبل الإمام الصادق (عليه السلام) لادعائه الغلو وإتيانه الفواحش، والخبر لا يقدح به بسبب وجود هذا اللعين في روايته، لعدة أسباب منها: إن الطائفة اتفقت على الأخذ بروايته قبل انحرافه، ونبذت ما جاء من بعد انحرافه، ومنها: وجود حمران بن أعين (رضوان الله عليه) وروايته مستقلاً عن أبي الخطاب، ومنها: أن محمد بن مسلم ـ وهو من يعلم جيداً أي وضع لأبي الخطاب ـ لا يعقل أن لا يسأل الإمام الصادق (عليه السلام) وهو من كبار أصحابه عن هذا الخبر وطبيعته.
12ــ مختصر بصائر الدرجات: 107 ح77 للحسن بن سليمان الحلي؛ تحقيق: مشتاق المظفر، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة للحوزة العلمية في قم؛ 1421 ط1، ومن الواضح هنا إن البصائر المشار إليه هو بصائر سعد بن عبد الله الأشعري، وليس بصائر محمد بن الحسن الصفار (أعلى الله مقامهما).



الحلقة السادسة عشر

أهداف علامات الظهور

بادىء ذي بدء لا بد من أن نقرر حقيقة إن حشداً كبيراً من الروايات التي تدخل ضمن إطار علامات الظهور قد تم روايتها والتحديث عنها بشكل مستفيض من قبل الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، ولا شك ولا ريب إن الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) حينما ذكروا هذه العلامات، لم يك في قصدهم أن يعربوا عن رغبتهم في التكلم عن هذه القضايا لمجرد الرواية واستعراض القصة، فليس هذا شأنهم ولا يتناسب مع دورهم وشخصياتهم الرسالية(1)، ولا لمجرد أن يعرف الناس ومن يتبعهم أن لديهم علماً بالمستقبل، فرغم أهمية ذلك في إقامة الحجة، إلا إنه لا يشكل هدفاً بحد ذاته لهذا الأمر، ولهذا يجب أن نبحث عن أهداف ذلك بالشكل الذي يتناسب مع أهمية الظهور وأهداف الظهور.
وباعتبار إن حياتهم (صلوات الله عليهم) لم تك إلا تعبيراً عن ذوبانهم الكامل في المهمة الربانية التي أوكلت لهم، ولهذا فإن من الطبيعي بمكان أن نلاحق أسباب روايتهم وتحديثهم لهذا الكم الكبير من خلال مسؤوليتهم الرسالية في تحقيق المهمة الربانية التي كلفوا بها، وهذا ما يجب أن يكون القاعدة الأولى والأساسية في كل عملية تحاول أن تفهم حركة الأنبياء والأئمة (عليهم صلوات الله وسلامه) بأي صورة من الصور، وفي أي موضوع من موضوعات هذه الحركة، فلا تغفل!!.
ولهذا فإن ملاحقة أهداف علامات الظهور ومحاولة فهمها يجب أن تنطلق بشكل يتناسب وموقع عملية الظهور من المهمة الربانية، كما ويجب أن يتم النظر إلى هذه الأهداف بشكل تكاملي مع كل منظومة المهمة الربانية، لا أن تؤخذ بشكل منفصل عن هذه المنظومة، ولا أن تلحظ بشكل تجزيئي مع بعض مفردات هذه المنظومة، فهذه المنظومة تضم الهدف، ومن وضع الهدف، ومن أؤتمن على تحقيق الهدف، وفيها الإنسان المدعو للوصول إلى هذا الهدف، وتضم أيضا الاستراتيجيات المرحلية وما هو أكبر منها، كما أن فيها الصيغ والبدائل المطروحة لتحقيق الهدف، هذا فضلاً عن كيفية تنظيم وادارة الحركة (التكتيك) المطلوبة لتنفيذ تلك الصيغ والبدائل.
وحينما تكون الأمور بهذه الصورة فإن من البداهة القول بأن أولى ما تتوخاه علامات الظهور هو ربط الإنسان بمخطط التربية الربانية وبمنهاجها التربوي، فمن الواضح إن تشخيص الهدف بالنسبة لأي تحرك له الأثر البالغ في عملية التحريك الموضوعي للإرادات الساعية لتحقيق هذا الهدف، ومن الملاحظ إن علامات الظهور لا تشخّص الهدف وإنما تحدد رؤية استشرافية لحركة المستقبل، وهذه الرؤية تتعلق أساساً بحركة الهدف نفسه، مما يعطي لديمومة عملية التحريك تلك زخماً كبيراً وهائلاً من الفاعلية على صعد شتى.
فمن الواضح إن العلمية التغييرية ترتبط إلى حد كبير بعوامل متعددة أهمها:
أ ـ الهدف، وهذا الهدف كلما كان واضحاً ومقنعاً ـ أي منسجماً مع الواقع التكويني والكوني ـ، وواقعياً ـ أي قابلاً للتحقق ـ، وشمولياً بحيث يمتد مع الآفاق الزمانية والمكانية كلما أمكن استثماره في حشد أكبر للطاقات التغييرية، فقد يتوفر هدف ما، فيه الوضوح، وفيه قدرة الاقناع ولكنه ليس شمولياً بالدرجة التي تجعل المسيرة إلى هذا الهدف محدودة الهمّة، فلقد لاحظنا في ثورة سبارتكوس لتحرير العبيد (قتل قريباً من 71 ق.م) على سبيل المثال، ما أمكنها أن تثير عزم العبيد فالهدف كان واضحا ومقنعاً وواقعياً، ولكنه لم يستطع أن يستوعب شمولية الحركة التاريخية فقد سارع الترهل إلى حركته وقضى عليها، فالعبيد ما إن ثاروا وحققوا مآربهم الأولى حتى أكلوا ثورتهم وأهدافها مما أتاح لهذه الحركة أن تسقط وتنتهي بمجرد أن ينتهي قائدها، وليس بعيداً عنها مثال الثورة الفرنسية 1789م رغم البون الشاسع ما بين الثورتين، ولكن طلاّب الحرية الذين ثاروا في الباستيل، سرعان ما تحولوا إلى الديكتاتوية وعلى يد أكثر ألسنتهم حماساً للحرية وأعني بذلك روبسبير ونظرائه، وكلما كان الهدف قادراً على إبداء الزخم لمريديه وجاذباً إليهم لأي سبب كان كلما أمكن الحركة المتجهة إليه أن تكسب ديمومة أكبر.
وبالرغم من إن الظهور الشريف لا يمثل هدفاً نهائيا بحدّ ذاته لمسيرة الهداية الربانية، ولكنه يمثل محطة كبرى في مسيرة هذا الهدف، ولهذا فإن تلك الخصائص لو لاحظناها من خلال مرقاب علامات الظهور لوجدنا إن هذه العلامات تقدم خدمات هائلة على أكثر من صعيد، فهي علاوة على ما تمنحه للسائر باتجاه هذا الهدف من قدرة على إبقاء الهدف حيّاً في ذهنه، وتعمل على تقريبه منه وجذبه إليه، فإنها في نفس الوقت تعمل على الإبقاء على جذوة شموليته بالشكل الذي يجعل الإرادة المتحركة نحوه معبأة بشكل مستمر، هذا ناهيك عن إن علامات الظهور تعمل على تبسيط الهدف من خلال تحويل نفسها إلى علامات دالة على طريق الهدف، وهذه العلامات علاوة على كونها تمنح هذه الإرادة ما تحتاجه من أمل لديمومة المسيرة، فإنها في نفس الوقت تجعل مراحل السير نحو الهدف مرئية مما يجعل الهدف بسيط المؤونة دوماً، ولو إنا مثّلنا لهذا الأمر بمثال فأعتقد إن تصور كتاب ضخم بلا تقطيع في الأبواب والفصول، يجعل مهمة قراءته صعبة وعسيرة وتثير الخمول في الكثير من النفوس، ولكن كتاباً مقطع الفصول والأبواب وتكثر فيه العناوين الجانبية يجعل مهمة قراءته سهلة وميسورة، لأن الوصول إلى مقطع يشجع الهمة في السعي للوصول إلى المقطع التالي، فمع تحقق واحدة من العلامات يشحذ الهمم ويجددها للاستمرار، وسنلمس أثناء حديثنا عن الدور الذي تلعبه علامات الظهور في الأمة المتحركة لتحقيق الهدف الكثير مما يوضح لنا صورة ما أشرنا إليه هنا، ولعل هذا الأمر يمكن تبيّن قيمته من حيث التقييم السوسيولوجي بشكل أتمّ وأفضل حين نلحظ إن الإنسان المهتم بعلامات الظهور غالباً ما يكون معبّئاً ومجهزاً بعقيدة عملية مؤداها العمل بالتكليف الإلهي وحمل المسؤولية الدينية على أي حال.
الهوامش:
لاسيما لو كان الحديث متعلقاً بالنبي الأعظم محمد وأهل بيته الطاهرين (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين) باعتبار انهم التجسيد الكامل والخالص للعبودية لله تعالى.



الحلقة السادسة عشر

أهداف علامات الظهور

بادىء ذي بدء لا بد من أن نقرر حقيقة إن حشداً كبيراً من الروايات التي تدخل ضمن إطار علامات الظهور قد تم روايتها والتحديث عنها بشكل مستفيض من قبل الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، ولا شك ولا ريب إن الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) حينما ذكروا هذه العلامات، لم يك في قصدهم أن يعربوا عن رغبتهم في التكلم عن هذه القضايا لمجرد الرواية واستعراض القصة، فليس هذا شأنهم ولا يتناسب مع دورهم وشخصياتهم الرسالية(1)، ولا لمجرد أن يعرف الناس ومن يتبعهم أن لديهم علماً بالمستقبل، فرغم أهمية ذلك في إقامة الحجة، إلا إنه لا يشكل هدفاً بحد ذاته لهذا الأمر، ولهذا يجب أن نبحث عن أهداف ذلك بالشكل الذي يتناسب مع أهمية الظهور وأهداف الظهور.
وباعتبار إن حياتهم (صلوات الله عليهم) لم تك إلا تعبيراً عن ذوبانهم الكامل في المهمة الربانية التي أوكلت لهم، ولهذا فإن من الطبيعي بمكان أن نلاحق أسباب روايتهم وتحديثهم لهذا الكم الكبير من خلال مسؤوليتهم الرسالية في تحقيق المهمة الربانية التي كلفوا بها، وهذا ما يجب أن يكون القاعدة الأولى والأساسية في كل عملية تحاول أن تفهم حركة الأنبياء والأئمة (عليهم صلوات الله وسلامه) بأي صورة من الصور، وفي أي موضوع من موضوعات هذه الحركة، فلا تغفل!!.
ولهذا فإن ملاحقة أهداف علامات الظهور ومحاولة فهمها يجب أن تنطلق بشكل يتناسب وموقع عملية الظهور من المهمة الربانية، كما ويجب أن يتم النظر إلى هذه الأهداف بشكل تكاملي مع كل منظومة المهمة الربانية، لا أن تؤخذ بشكل منفصل عن هذه المنظومة، ولا أن تلحظ بشكل تجزيئي مع بعض مفردات هذه المنظومة، فهذه المنظومة تضم الهدف، ومن وضع الهدف، ومن أؤتمن على تحقيق الهدف، وفيها الإنسان المدعو للوصول إلى هذا الهدف، وتضم أيضا الاستراتيجيات المرحلية وما هو أكبر منها، كما أن فيها الصيغ والبدائل المطروحة لتحقيق الهدف، هذا فضلاً عن كيفية تنظيم وادارة الحركة (التكتيك) المطلوبة لتنفيذ تلك الصيغ والبدائل.
وحينما تكون الأمور بهذه الصورة فإن من البداهة القول بأن أولى ما تتوخاه علامات الظهور هو ربط الإنسان بمخطط التربية الربانية وبمنهاجها التربوي، فمن الواضح إن تشخيص الهدف بالنسبة لأي تحرك له الأثر البالغ في عملية التحريك الموضوعي للإرادات الساعية لتحقيق هذا الهدف، ومن الملاحظ إن علامات الظهور لا تشخّص الهدف وإنما تحدد رؤية استشرافية لحركة المستقبل، وهذه الرؤية تتعلق أساساً بحركة الهدف نفسه، مما يعطي لديمومة عملية التحريك تلك زخماً كبيراً وهائلاً من الفاعلية على صعد شتى.
فمن الواضح إن العلمية التغييرية ترتبط إلى حد كبير بعوامل متعددة أهمها:
أ ـ الهدف، وهذا الهدف كلما كان واضحاً ومقنعاً ـ أي منسجماً مع الواقع التكويني والكوني ـ، وواقعياً ـ أي قابلاً للتحقق ـ، وشمولياً بحيث يمتد مع الآفاق الزمانية والمكانية كلما أمكن استثماره في حشد أكبر للطاقات التغييرية، فقد يتوفر هدف ما، فيه الوضوح، وفيه قدرة الاقناع ولكنه ليس شمولياً بالدرجة التي تجعل المسيرة إلى هذا الهدف محدودة الهمّة، فلقد لاحظنا في ثورة سبارتكوس لتحرير العبيد (قتل قريباً من 71 ق.م) على سبيل المثال، ما أمكنها أن تثير عزم العبيد فالهدف كان واضحا ومقنعاً وواقعياً، ولكنه لم يستطع أن يستوعب شمولية الحركة التاريخية فقد سارع الترهل إلى حركته وقضى عليها، فالعبيد ما إن ثاروا وحققوا مآربهم الأولى حتى أكلوا ثورتهم وأهدافها مما أتاح لهذه الحركة أن تسقط وتنتهي بمجرد أن ينتهي قائدها، وليس بعيداً عنها مثال الثورة الفرنسية 1789م رغم البون الشاسع ما بين الثورتين، ولكن طلاّب الحرية الذين ثاروا في الباستيل، سرعان ما تحولوا إلى الديكتاتوية وعلى يد أكثر ألسنتهم حماساً للحرية وأعني بذلك روبسبير ونظرائه، وكلما كان الهدف قادراً على إبداء الزخم لمريديه وجاذباً إليهم لأي سبب كان كلما أمكن الحركة المتجهة إليه أن تكسب ديمومة أكبر.
وبالرغم من إن الظهور الشريف لا يمثل هدفاً نهائيا بحدّ ذاته لمسيرة الهداية الربانية، ولكنه يمثل محطة كبرى في مسيرة هذا الهدف، ولهذا فإن تلك الخصائص لو لاحظناها من خلال مرقاب علامات الظهور لوجدنا إن هذه العلامات تقدم خدمات هائلة على أكثر من صعيد، فهي علاوة على ما تمنحه للسائر باتجاه هذا الهدف من قدرة على إبقاء الهدف حيّاً في ذهنه، وتعمل على تقريبه منه وجذبه إليه، فإنها في نفس الوقت تعمل على الإبقاء على جذوة شموليته بالشكل الذي يجعل الإرادة المتحركة نحوه معبأة بشكل مستمر، هذا ناهيك عن إن علامات الظهور تعمل على تبسيط الهدف من خلال تحويل نفسها إلى علامات دالة على طريق الهدف، وهذه العلامات علاوة على كونها تمنح هذه الإرادة ما تحتاجه من أمل لديمومة المسيرة، فإنها في نفس الوقت تجعل مراحل السير نحو الهدف مرئية مما يجعل الهدف بسيط المؤونة دوماً، ولو إنا مثّلنا لهذا الأمر بمثال فأعتقد إن تصور كتاب ضخم بلا تقطيع في الأبواب والفصول، يجعل مهمة قراءته صعبة وعسيرة وتثير الخمول في الكثير من النفوس، ولكن كتاباً مقطع الفصول والأبواب وتكثر فيه العناوين الجانبية يجعل مهمة قراءته سهلة وميسورة، لأن الوصول إلى مقطع يشجع الهمة في السعي للوصول إلى المقطع التالي، فمع تحقق واحدة من العلامات يشحذ الهمم ويجددها للاستمرار، وسنلمس أثناء حديثنا عن الدور الذي تلعبه علامات الظهور في الأمة المتحركة لتحقيق الهدف الكثير مما يوضح لنا صورة ما أشرنا إليه هنا، ولعل هذا الأمر يمكن تبيّن قيمته من حيث التقييم السوسيولوجي بشكل أتمّ وأفضل حين نلحظ إن الإنسان المهتم بعلامات الظهور غالباً ما يكون معبّئاً ومجهزاً بعقيدة عملية مؤداها العمل بالتكليف الإلهي وحمل المسؤولية الدينية على أي حال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش1) لاسيما لو كان الحديث متعلقاً بالنبي الأعظم محمد وأهل بيته الطاهرين (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين) باعتبار انهم التجسيد الكامل والخالص للعبودية لله تعالى.


الحلقة السابعة عشر


ب ـ القائد:

تلعب شخصية القائد الدور الكبير ـ وفي بعض الأحيان الدور الأكبر ـ في عملية التغيير الاجتماعي، فكم من مشروع كبير للتغيير طرح عبر التاريخ انتهى بانتهاء قائده، والعكس صحيح أيضاً، ولهذا فقد أولت البحوث الاجتماعية والسياسية والإنسانية ـ لاسيما أبحاث الثورة والإدارة والتنظيم والتغيير الاجتماعي وغيرها ـ شخصية القائد ودوره اهتماماً وعناية فائقتين، ومن الواضح إن علامات الظهور اعتنت هي الأخرى في الدلالة على مسألة القيادة والقائد بشكل كبير، وقد ارتدت فوائدها باتجاهات عدة؛
فتارة توجهت إلى محور القيادة الأصلي وتأصيله فكرياً وعقائدياً، وهذا المبحث وإن لم يك من مختصات علامات الظهور، ولكن لكثرة ما أشارت هذه العلامات لمسألة انحراف القيادة وحذرت من كثرة المدّعين للمهدوية، فإن ردة الفعل الطبيعية لدى المهتمين ستكون باتجاه العثور على البنية العقائدية لمسالة القيادة.
وأخرى: عملت هذه العلامات على توثيق وتعميق الارتباط العقائدي والوجداني والشرعي بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بكافة المستويات بعنوانه القائد الأعلى والأساسي لهذه الأمة، وهذه تلحظ في موارد كثيرة كمسألة المداومة على زيارة الإمام (عج)، ودوام ذكره، والتصدّق نيابة عنه، وانتظاره، والتثقف والارتباط بكل ماله علاقة ووصل به (صلوات الله عليه)... إلخ.
وثالثة: عملت هذه العلامات بمعية عوامل تشريعية أخرى على ضبط المحاور القيادية للأمة في حالة غيبة الإمام (عجل الله تعالى فرجه)، وهذه لها أهمية قصوى في ضبط حركة الأمة وتوجيهها باتجاه الهدف وإبقائها ضمن الخط القيادي ومنهاجه، فغيبة القيادة ستربك أي مجموعة تغيير، خصوصاً وأن عملية التغيير بطبيعتها ستجابه من قبل القوات الرافضة للتغيير، مما يعني إمكانية مرور هذه المجموعة بالكثير من الظروف الخانقة سياسياً واجتماعياً وفكرياً، مما يستدعي الحضور القيادي الفاعل لمجابهة هذه الظروف في كل ما تعكسه من سلبيات في ساحة التحرك داخلياً وخارجياً،(1) وعدم ترك المجموعة من دون محور قيادي
فمع الإشارة المكررة لكثرة من سيدّعي البابية(2) والنيابة والمهدوية، ومع التنبيه بوجود خط محدد للقيادة والمرجعية دون غيره قد اعتمد من قبل الإمام (عليه السلام) نفسه في حال غيابه، والمشار إليه بتوقيعه الشريف: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم،(3) إلا إننا نلحظ هنا بأن عملية تولية الأمور من بعد الإمام (روحي فداه) كما إنها لم تترك عائمة فإنها أيضاً لم تكن سائبة بحيث تكون بطريقة عرضية في موازاة قيادية ومرجعية الإمام (روحي فداه)، وإنما تمّت بطريقة طولية تكون فيه أي مرجعية مقيّدة بقيد التبعية للإمام (عليه السلام)، أي إن أي محور قيادي تبقى مشروعيته مرتبطة بقدر ما يمثله من ارتباط بالإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، وليست منفكة عنه، ففي هذا الحديث الشريف تحدّث بأبي وأمي: بأنهم حجته وانه حجة الله عليهم، فلم يفصل بينهم وبينه، ولم يقطع سبيل مسؤولياتهم، وإنما أبقاها معلقة به صلوات الله عليه، ولهذا فإن أي مجال لن يتبقى أمام المنتظرين في أن تكون لهم الخيرة من أمرهم في شأن القيادة والالتزام بها.(4)
وفي نفس الوقت فإن بقاء المنتظر ضمن الإطار الشرعي الذي أوجب الإمام (روحي فداه) البقاء ضمنه يتيح للمرء سرعة الانتقال وطواعيته إلى قيادية الإمام (عليه السلام) فيما لو حصل الظهور، إذ إننا نلحظ جملة من روايات علامات الظهور وهي تتحدث عن من حسب على دائرة الإيمان ولكنه يلتزم قيادات أخرى في عصر الإمام (روحي فداه) ستأتي وتدعي المهدوية أو تدعي مقاماً يماثل دور مقام المهدي (صلوات الله عليه)، ونظراً لبعدها عن الإمام (عليه السلام) ستقف ضده وربما تقاتله، عندئذ سيقع من لم يحسب للأمر القيادي في غياب الإمام (عليه السلام) في فتنة عظيمة، وقد يسقط في أتونها ولا يجد مجالا للخروج من تعلّقه بهذه القيادات المزيفة، وبالنتيجة يتحول للقتال ضد الإمام (بأبي وأمي)، فالقيادات المزيّفة أو القابلة للانحراف يمكن أن تضع حجباً على عقول متبعيها، أو تأسرهم بروابط روحية وعاطفية وسياسية جمة، وقد لا ينتبه المرء في البداية إلى خطورة ذلك، أو يتسامح في قبول هذه القيادة أو تلك، دون الرجوع إلى الموازين الشرعية الدقيقة في هذا المجال، ومع مسار الأيام وانصهار المرء ضمن هذه الجماعات يغدو الخروج منها أمراً فيه الكثير من التعقيد، فيعمل على مناقضة مبادئه وأهدافه لدخوله في أتون العقل الجمعي أو لخضوعه لعملية تزييف شاملة، أو ارتهاه لعوامل عاطفية ووجدانية، وهذا ما أشارت إليه روايات عدة، ولعل ما ورد عن الإمام الباقر (صلوات الله عليه) ما يعبّر عن ذلك بوضوح حيث يقول وهو يتحدث عن دخول الإمام المنتظر (عليه السلام) إلى الكوفة: ويسير إلى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفاً من (البترية)(5) شاكّين(6) في السلاح، قراء القرآن، فقهاء في الدين، قد قرّحوا جباههم، وسمّروا ساماتهم، وعمّهم النفاق وكلهم يقولون: يا بن فاطمة ارجع لا حاجة لنا فيك!!! فيضع السيف فيهم..أهـ.(7)
ولهذا حرصت تعليمات أهل البيت (عليهم السلام) على أن يبقى المنتظر في مسار الأطر الشرعية المعدّة لهذا الغرض ولا يخرج منها، وهذا هو سرّ التشدد الذي نلاحظه في إرجاع المنتظر إلى هذه الأطر دون سواها، وفي هذا الصدد يمكننا ملاحظة التشدد الكبير الذي أولاه الإمام المنتظر ومن سبقه من الأئمة (عليهم السلام) لمسألة تبيعة الشيعة لوكلائهم وعدم السماح لهم بالمساس بهؤلاء الوكلاء لاسيما في قضية موقف البعض من النواب الأربعة ومن أبرزها الموقف المعروف بلعن محمد بن نصير النميري وأحمد بن هلال الكرخي وابن أبي العزاقر الشلمغاني والبراءة منهم، لأنهم أرادوا أن يأخذوا موقع النواب أو وضعوا أنفسهم في موضعهم فكان موقف الإمام (روحي فداه) متشدداً في ذلك جدا بالدرجة التي وصلت إلى لعنهم والبراءة منهم(8) وما هذا إلا تحصيناً للموقع القيادي وواجهاته.
ورابعة: تعاملت هذه العلامات بطرق متعددة من أجل ضبط سلوكيات العلاقة مع القائد ومشروعه القيادي، فحين تعطي هذه العلامات بمعية عوامل عقائدية عديدة زخماً هائلاً للتعلّق بالإمام (روحي فداه)، فمن الطبيعي أن نرى أن الخط التربوي المثار في هذه العلامات وغيرها سيتم تفعيله بطاقاته العليا، فهذه العلامات حين تثير أمام عشّاق الإمام المنتظر (صلوات الله عليه) إن ظهوره الشريف (وبمقدار ما يتعلق بالظروف الموضوعية)(9) مرتبط ـ تأخراً وتقدماً ـ بطبيعة استعدادات ذاتية وموضوعية لدى المنتظرين، فإن ردة الفعل الطبيعية ستكون منعكسة بشكل ايجابي على طبيعة المنهج الذي يريده الإمام (عليه السلام)، وحينما يلاحظ المنتظر أن تقرير أعماله يعرض على الإمام (صلوات الله عليه) بصورة دورية لا تتجاوز الأسبوع، فإن الكثير من عوامل التحفيز باتجاه السلوكية المطلوبة، وعوامل الإعاقة ضد السلوكية المنبوذة ستتفعّل في داخله، مما يتيح للبرنامج التربوي انسيابية سلسة في التطبيق والتنفيذ.
وخامسة: أشارت منبهة إلى القيادات الخطرة التي ستعمل بشكل مضاد كما هو الحال في التنبيه على خطورة حركة السفياني والشيصباني والأعور الدجال ومصري ويماني يخرجان قبل السفياني(10) وأمثالهم، وقد كان سبب التنبيه مرتبط تارة بخطورة هذه القيادات على الجماهير المنتظرة للخلاص، وأخرى بخطورة برامجها المضادة لعملية الانتظار، لاسيما إن بعض الروايات قد توحي بأن برامج هؤلاء تحمل في طياتها إمكانات ضخمة في تضليل الناس والتغرير بهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ

الهوامش:

(1) ثمة سلبيات ستتولد بشكل تلقائي نتيجة الصدمات الاجتماعية أو السياسية أو الفكرية على الصعيد الداخلي للمجموعة كأن يبرز بعض القافزين على الظروف لمصالحهم الخاصة كما حصل في أزمة الواقفة في عهد الإمام الرضا (عليه السلام) بعد شهادة الإمام الكاظم (صلوات الله عليه)، أو يبدأ تيار الانفعاليين بهذه الصدمات بالإمساك بدفة المجموعة نكوصاً وانهزامية كما هو حال المجاميع التي كانت في جيش الإمام الحسن (عليه السلام)، أو تقحّماً وتهوراً كما هو الحال في الكثير من حركات العلويين في أيام بني العباس، وما إلى ذلك، وكذا على الصعيد الخارجي حيث يمكن لأعداء هذه المجموعة أن يستثمروا ظروف الصدمات وما يترتب عليها في داخل الجماعة من سلبيات أو تضعضع لكي يمعنوا في إضعاف الجماعة المؤمنة، كما هو الحال بعد صلح الإمام الحسن (عليه السلام).
(2) لا نقصد عقيدة البابية المعروفة، وإنما نقصد ادعاء شخص ما بأنه باب للإمام (عج) وموصل إليه، أي يلتقي به ويأتي منه بأمر أو أوامر، ويبلغه مطالب شيعته.
(3) كتاب الغيبة: 291 ح247 للشيخ الطوسي, وكمال الدين وإتمام النعمة: 484 ب45 ح4 واللفظ له، الاحتجاج 2: 543 رقم 344؛ للشيخ أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي؛ دار الأسوة للطباعة والنشر ـ إيران.
(4) من الواضح جداً إن نظام الوكلاء لم يبتدئه الإمام (عليه السلام) نفسه، وإنما كان نظام الوكالة معتمداً من قبل جميع الأئمة (عليهم السلام)، ولكن ومنذ عهد الإمام الكاظم (عليه السلام) بدأنا نلحظ تطوراً في هذا النظام تمثل في أن الوكيل كان يمارس وكالته مع وجود الإمام (عليه السلام) نفسه، كما هو الحال في وكالة محمد بن أبي عمير (رضوان الله عليه)، ولكن مع وجود وكلاء آخرين، ومع زمن الإمام الهادي والعسكري (عليهما السلام) بدأنا نلحظ تركيزا في نظام الوكالة بحيث تحدد مرجعية خاصة للوكيل، مع عدم التوسع في تعددية الوكالة، ومن بعدها انحصر هذا النظام في السفراء الأربعة دون غيرهم واحداً من بعد الآخر.
(5) البترية: فرقة كانت على عهد الإمام زين العابدين والباقر والصادق (عليهم السلام) كانوا يعرفون جانباً من الحق ويبترون الباقي، وغالبيتهم آنذاك من الزيدية ويعدّ من كبارهم الحسن بن صالح بن حي والحكم بن عيينة وكثير النوا وسلمة بن كهيل وأضرابهم، وهذه الفرقة لم يعد لهم وجود بهذا الاسم، ولكن ما أكثرهم بالفعل والمضمون في كل زمان.
(6) شاكّ السلاح: أبرز استعداده لاستعماله.
(7) دلائل الإمامة: 239 لأبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي؛ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت 1988 ط2.
(8) يمكن مراجعة مواقفهم في كتب الترجمة لهم، ولعل ما في كتاب غيبة الشيخ الطوسي ما يكفي لمعرفة جانب من أحوالهم، فلقد أدرج جانباً من أخبارهم في فصل: ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراءا لعنهم الله.: 397.
(9) باعتبار ان العامل الإلهي له دوره الحاسم في عملية الظهور، وهذا العامل وإن ارتبط بالظروف الموضوعية للمجتمع والتي تثار في القرآن الكريم على طريقة: {إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} الرعد: 11، إلا إن بعضاً من استحقاقات تفعيله تبقى خفية بيد الله تعالى.
(10) المقصود باليماني هنا ليس هو راية الهدى المشخصة في الروايات وإنما هو راية ظلال على ما يبدو قبل ظهور السفياني تقترن بشخصية من اليمن وأخرى حسب الظاهر من مصر، كما هو مفاد رواية محمد بن مسلم عن الإمام الصادق (عليه السلام): يخرج قبل السفياني مصري ويماني. (غيبة الطوسي: 447 ح444).



الحلقة الثامنة عشرة

ج ـ الأمة المتحركة لتحقيق الهدف:


ما من شك بأن الأمة التي ستضطلع بدور التمهيد المباشر لعملية الظهور، ثم تلك التي ستقوم بحمل أعباء الحركة المظفرة لما بعد الظهور الشريف تحتاج إلى مواصفات فذة واستثنائية، ولهذا لا غرابة من أن نلحظ العناية البالغة لعلامات الظهور في إعداد هذه الأمة كي تتسلم مهامها وتتحمل الأعباء التي شرّفها الله بها في هذا المجال، لاسيما وإن هذه الأمة ستمر بمخاضات عسيرة، وستتجهمها الدنيا بكل ما أوتيت فيها قوى الشر والظلم من قدرة وقوة، وكيف لا؟ ومواصفات دنيا ما قبل الظهور تتميز بكونها مملوؤة بالظلم والجور.

إن الملاحظ بدقة لاسيما المتخصص في التربية الاجتماعية يعرف إن أحاديث علامات الظهور نهجت في هذا المجال نهجاً تربويا خاصا يحيط المنتظر ومجاميع المنتظرين بثلاثة خطوط من التربية، وهي خطوط تكاملية وليست تراتبية، وكلها تنزع إلى رفع مستوى التزامه بالمسؤولية بالشكل الذي يتناسب مع حجم المهمة التي أنيطت بالمنتظرين، وهي:

أـ وعي الذات، فالأمة التي لا تعي ذاتها، والإنسان الذي لا يعي ذاته، لن يقبل على تحمل المسؤوليات الكبرى، وسيبقى محاطاً بالهموم الصغيرة التي تصغر به عن مستواه الحقيقي الذي أراده الله له، مما يجعل منه أرضية صالحة لكي تنبت فيها كل العوامل التي تسقطه في ساحة الانتظار وتخرجه من هذه الساحة، فقد تسحق قيمة هذه الذات: فتسير في مسار التبعية للآخرين، والخضوع لقرارهم، وأخرى قد تتضخم هذه القيمة فتخرج الذات عن طورها الطبيعي إلى الطور المتجبّر.. مما يقوي لديها عنصر الاعتداء على حقوق الآخرين. (1)

ب ـ تربية الذات: يمكننا أن نشبّه مرحلة وعي الذات كمن يوضع على قارعة الطريق المتجه نحو الهدف، بعد أن يعرّف قيمة الهدف، وقيمته هو كسائر باتجاه هذا الهدف، وهو في هذه المرحلة سيعرف أن الرحلة نحو الهدف ستقترن بالكثير من الصعوبات والأخطار والموانع التي ستعمل على إعاقة المسير، وبشكل أدق ستعطيه قدرة على تحمل مسؤولياته بجدية عالية، مما سيعطي لتربيته لذاته الكثير من الزخم لكي يمضي من دون أن تفتّ في عضده هذه الموانع وتلك الأخطار.

ج ـ رقابة الذات: وثالوث هذه المراحل هو شأن رقابة الذات، وهنا تلعب العديد من المفردات التثقيفية في ساحة الانتظار الدور الكبير في نشأة رقابة داخلية على الذات، فلو أخذنا مفردتين من مفردات هذه الثقافة كمفردة الانحراف ومفردة التشرف بلقاء الإمام (روحي فداه)، سنجد إن المفردة الأولى تعطي زخماً كبيراً من التشدد السلوكي في عالم الانتظار كي لا يقع المنتظر في دوامة الانحراف، فيما تمنح الثانية المنتظر شوقاً كبيراً في رقابة الذات ونموها كي يلتقي بمعشوقه!.

ولعل خير تمثيل على هذا النهج هو مجموعة الروايات التي تحدّثت عن طبيعة البلاء الذي سيبتلى به أهل الانتظار وما أكثر هذه الروايات، ومن جملتها أذكر ما رواه الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) قال: والذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض،وحتى يسمّي بعضكم بعضاً كذابين، وحتى لا يبقى منكم [من شيعتي] إلا كالكحل في العين، والملح في الطعام، وسأضرب لكم مثلاً وهو مثل رجل كان له طعام (2) فنقّاه وطيّبه، ثم أدخله بيتاً وتركه فيه ما شاء الله، ثم عاد إليه، فإذا هو قد أصابه السوس! فأخرجه ونقّاه وطيّبه، ثم أعاده إلى البيت فتركه ما شاء الله، ثم عاد إليه، فإذا هو قد أصابته طائفة من السوس،(3) فأخرجه ونقّاه وطيّبه وأعاده ولم يزل كذلك حتى بقيت منه رزمة كرزمة الأندر لا يضره السوس شيئاً، وكذلك أنتم تميّزون حتى لا يبقى منكم إلا عصابة لاتضرها الفتنة شيئاً. (5)

وعن الإمام الصادق (): والله لتكسرنّ تكسر الزجاج، وإن الزجاج ليعاد فيعود كما كان، والله لتكسرنّ تكسّر الفخار، وإن الفخار ليتكسّر فلا يعود كما كان، ووالله لتغربلنّ، ووالله لتميّزنّ، ووالله لتمحّصنّ حتى لا يبقى منكم إلا الأقل، وصعّر (6) كفّه. (7)

وبين هذه وتلك يمكن لنا مراقبة الخطوط التربوية الثلاثة ومساراتها وطبيعة تداعياتها في ساحة المنتظرين.
وقد نلمس تطبيقات عملية من خلال محطات عدة، ربما نلاحظ بعضها من خلال العناية الخاصة التي نجدها في أقوام محددين دون سواهم، كما هو الحال بشيعة العراق لاسيما بعصائب أهل العراق، وكما نلحظ الحال بشيعة إيران لاسيما بالملتحقين براية الخراساني وبأهل طالقان على وجه الخصوص، وبأبدال الشام، ونجباء مصر (كنانة)، وبمن يلتحق من أهل الجزيرة بحركة الإمام (روحي فداه) بعد التئام جمع أصحابه الثلاثمائة عشر، وهذا الحديث الذي اقترن بتمييز هؤلاء بالمدح والثناء والتمجيد لمواقفهم المناصرة بصورة وأخرى، يمنح أفراد هذه المجتمعات فرصة مهمة للالتحاق بهذا الركب، وينبههم لطبيعة الدور الموكول لهم لكي يلعبوه في مهام التمهيد للظهور وما بعده، مما يجعلها أكثر قابلية لتحمل الأعباء التربوية والروحية المرتبطة بعملية التمهيد والنصرة إن على مستوى الفرد أو الجماعة، لاسيما أن هذه الجماعات هي نفسها ستكون في معرض البلاء الشديد وهي لهذا وغيره مهددة بخيار الانحراف، لأن الكثير من الانحراف سيحصل كما تشير هذه الروايات في نفس مناطق هذه الجماعات، مما يجعل وسائل التحفيز نحو أن تكون هي الجماعة المختارة، وكذا وسائل الردع من أن تحرم من ذلك فاعلة بدرجة كافية لكي تمكّن من إعداد الفرد وتأهيله لهذه العملية.
علاوة على ذلك فإن ما يلحظ في هذه الروايات أن ثمة تأكيد كبير على حجم البلاء الهائل الذي سيصيب هذه المجتمعات لاسيما فيما يتعلق بالعراق، وهذه الخصوصية تعود إلى طبيعة ما يحتله العراق في حركة الظهور باعتباره عاصمة الدولة المهدوية المنتظرة، وباعتبار خصوصيته ضمن جيش الإمام ()، وكذا لما يلعبه البلاء من صقل لوعي الأمة وتهذيبها وتشذيبها، وهذا ما لحظناه في البلاء الإلهي الشديد الذي عمّ المجتمع الشيعي إبّان قتل الإمام الحسين () وهو البلاء الذي ربما تصوّره السياسة الأموية التي تلخصت بهذا الشعار الذي رفعوه يوم كربلاء: اقتلوهم ولا تبقوا لأهل هذا البيت من باقية!!، ولكننا نعلم الآن جيدا كم كان هذا البلاء الشديد سببا في أعظم نعمة في الوعي منحها الله عبر دماء الحسين (روحي فداه) إلى الشيعة، ولهذا لا يكاد المرء يجد نمطاً من البلاء في التأريخ إلا وتحدثت الروايات أنه سيصيب العراق في الفترة التي تسبق ظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه)، ولعل الرواية التالية توضح جانبا من جوانب حركة تربية الأمة عبر البلاء: فعن الإمام أبي عبد الله () قال : سمعته يقول : يزجر الناس قبل قيام القائم () عن معاصيهم بنار تظهر في السماء وحمرة تجلل السماء ، وخسف ببغداد وخسف ببلدة البصرة ، ودماء تسفك بها ، وخراب دورها ، وفناء يقع في أهلها ، وشمول أهل العراق خوفا لا يكون لهم معه قرار . (8)

والروايات التي تتحدث عن شدة البلاء الذي سيحيق بشيعة أهل البيت () كثيرة جداً، وهي لم تك مجرد تنبيهات من الأئمة لشيعتهم بترقب هذه النتيجة من أجل أن يعملوا على تحسين خياراتهم فقط، وإنما هذه الأحاديث بطبيعتها تعمق من تعلّق الأمة بأئمتهم، لأنها أثبتت دوما صدق الأئمة (صلوات الله عليهم)، مما يعطي لمنهج الأئمة التربوي قدرة فائقة على التغلغل في داخل النفوس ليؤصل من جديتها في حمل أعباء الهدف، ومثال الشعب العراقي اليوم في غاية الوضوح، فالبلاءات التي صبّت عليه وإن كانت في مرارتها وقسوتها مما يعجز البيان عن توضيحه، ولكنها في الاتجاه الآخر عملت على تحصين الواقع الشيعي بصورة مذهلة، وأمّدته بزخم هائل من الوعي والتماسك مما يندر حصوله في مجتمعات أخرى، لو أنها عانت من بعض ما عانى منه الشعب العراقي، وهي في نفس الوقت الذي تثير فيه مرارة البلاء وواقعه الضاغط، فإنها تمنح الشيعة في نفس الوقت شحنة من الأمل الكبير نتيجة للشعور المتولد بأن خطوة نحو المستقبل الواعد قد قطعت وانقضى شوطها، مما يبدد الكثير من الضغط النفسي الناجم من البلاء، وهذا الخط يبرز بشكل صريح في حديث يرويه علي بن يقطين (رضوان الله عليه) عن الإمام الكاظم (صلوات الله عليه): قال: قال لي أبو الحسن (): يا علي إن الشيعة تربى بالأماني. (9)

ولعل إطلالة بسيطة على الواقع المعاصر الناجم من بعد سقوط النظام الصدامي المجرم الذي يعيشه شيعة أهل البيت () في العراق من جراء عملية التكفير التي يتسلح بها مجرموا البعث والمجاميع الوهابية والتي راح ضحية أحقادها الطائفية عشرات الآلاف من الشيعة، تكفي لمعرفة طبيعة التداعيات التي نجمت من تسلّح هذه الأمة بمقتضيات التربية التي تشترك فيها علامات الظهور.

الهوامش:
ـــــــــــــ


1 اتجاهات الدفاع الاجتماعي في الإسلام: 70 جلال الدين علي الصغير؛ دار البلاغة ـ بيروت 1993 ط1.
2 الطعام هنا هو الحنطة أو الشعير.
3 نوع من أنواع الدود يضرب الحبوب لاسيما الحنطة والشعير وما شاكلهما.
4 الأندر: القبضة من القمح خاصة.
5 غيبة النعماني: 217ـ218 ب12 ح17.
6 صعّر يده: أمالها.
7 غيبة النعماني: 215 ب12 ح13.
8 الإرشاد 2: 249 للشيخ محمد بن محمد بن النعمان البغدادي العكبري الملقب بالشيخ المفيد ضمن سلسلة المؤلفات الكاملة للشيخ المفيد، دار المفيد بيروت ط2.
9 غيبة الطوسي: 341 ح292.



الحلقة التاسعة عشرة

د ـ خريطة الطريق نحو الهدف:التخطيط

السليم للوصول نحو الهدف أحد أهم العوامل في نجاح أي مشروع قيادي، وبالنسبة للعمليات التغييرية الكبرى ربما يكون عملية بقاء الهدف حياً في أذهان الساعين إليه وديمومة الأمل بتحققه أحد أبرز العناصر المساهمة في عملية الوصول، فكم من مشروع تغييري ارتكب القائمون عليه أخطاء جوهرية في تشخيص خارطة الطريق نحو الهدف وأولوياتها، لتكون ـ هذه الأخطاء ـ بعد ذلك عاملاً حاسما دون تحقق الهدف أو تعقيد عملية الوصول إليه، إن لم يكن القضاء عليه كلية، ومن يتابع علامات الظهور وطبيعة الأحاديث المروية في هذا الاتجاه لا يعدم الفرصة دون ملاحظة تأكيد الروايات الكثيرة لأهل البيت () على ضرورة التأني في اختيار مفردات الوصول إلى الهدف المرجو، مع تأكيد آخر يعتمد على ضرورة عدم إحراق المراحل.
وقبل تفحص مقومات السير في هذه الخريطة وفقا لما تبديه علامات الظهور، لابد من أن نلحظ إن علامات الظهور لا توقّت الأحداث، وإنما تشخّصها ـ كلاً أو جزءاً ـ أو تعيّن ملامحها، وبالتالي فإن المتتبع لها سيكون محاطاً بإطارها التربوي والتعبوي حتى لو كان بعيداً فعلاً عن ساحة أحداثها، ولهذا فإن خريطة الطريق التي نتحدث عنها لا نعني بها محطات الأحداث الزمانية أو المكانية، فهذا ليس من اختصاصنا، ومشتبه جداً، بل ومتقحّم جداً من يحاول أن يضع تفاصيل لهذه المحطات مبني على أساس ما يراه في الواقع المعاصر، وقد باءت كل المحاولات التي اعتمدت من قبل كتّاب مرموقين وآخرين مغمورين ومغامرين على حد سواء بالكثير من الخدش بالمصداقية، وما يخشى هنا أن القدح لا يكون في مصداقية تحليل الأشخاص بل ربما يمتد حتى لنفس الأخبار، بل لما هو أكبر من هذه الأخبار، ومن خلال تتبعي للعديد من الكتابات في مصر(1) ـ على سبيل المثال ـ والتي حاولت أن تضع جداول زمنية للأحداث، أو تسقطها على وقائع معاصرة أن ارتدت على شكل عزوف من قبل القراء والمتابعين ليس عن الكتاب أو الكاتب فحسب، بل حتى عن الفكرة المهدوية نفسها.
ولو أردنا تفحّص خارطة الطريق نحو الهدف، نلحظ إن هذه الخارطة قد طرحت ضمن بعدين، أحدهما يتعلق بالإنسان المنتظر، والآخر يتعلق بالجماعة المنتظرة، وبطبيعة الحال فإن أكثر من خط للتقاطع والتشابك بين المسارين، وفيما نلحظ أن خارطة طريق الإنسان المنتظر تتعلق بتنجيز مسؤوليته الشرعية في ساحة الانتظار، وأخذ دوره ضمن الجماعة المنتظرة بقدر الإمكان، هدفت هذه الخريطة في ساحة الجماعة المنتظرة إلى ما هو أكبر من ذلك من خلال حثّها على رفع الأسباب الموضوعية المتعلقة بغيبة الإمام (روحي فداه).
وعلى الصعيدين لابد لنا من الالتزام بحقيقة إن العمل في مجاليهما يمثل عملاً تكاملياً وليس تراتبياً، بمعنى إن أي عمل يمكن أن يقدّم خدمة في مجاليهما يكون مطلوباً من دون ارتباط ذلك بعمل آخر لابد من تنجيزه أولاً، ولهذا فإن حدود الممكن من العمل من دون تقصير سيكون هو حدود المسؤولية العامة للمنتظرين، وهذا ما يعطيهم قدراً من الاستقرار النفسي والروحي، بأن أمراً ما لا يفوتهم لو قصرت إمكاناتهم، فهم مسؤولون عن هذا الممكن وليس أكثر منه، على خلاف بعض المدارس الفلسفية التي حولت إنسانها إلى دوامة من القلق والفزع نتيجة لعدم قدرته باللحاق بالمستقبل، وأخص بالذكر منها التيارات الوجودية التي جعلت حرية إرادة الإنسان بمثابة السوط اللاهب الذي يتلوى على ظهر الإنسان وهو يستحثه لكي يؤمّن وبكل الطرق والأساليب حضوراً أفضل في المستقبل، وسط قيم مادية متجردة من كل بعد إنساني!!
إن هذه التكاملية في منهج خارطة الطريق تؤمّن جذباً مهماً لكل ممكن من العمل لكي يكون في محصلة خدمة المسيرة، بحيث إن الإنسان لا يستخف بكل عمل مهما بدا صغيراً، وما هو الأهم من ذلك ينمي ذلك لديه حسّ الانتماء للجماعة المنتظرة، فهو بهذا يرمي لتحويل عمله إلى رافد ولو صغر ليصب في نفع النهر الأكبر للجماعة التي يشكل كل واحد من أفرادها رافداً بقدر عمله.
وهذا التكامل وكما نلاحظ هنا قد أسس لأولى محطات هذه الخارطة، فلقد تبدى وبشكل واضح دور المسؤولية الذاتية للفرد والجماعة كمنتظرين تجاه عملية الانتظار وأهدافها، وما يمكن لهذا الشعور من أن يبلور واقع الانتماء إلى فكرة الانتظار بكل ما يعني هذا الانتماء من انعكاسات عملية وفكرية ووجدانية.


الهوامش:
ـــــــــــــ


1: مصر من الساحات الناشطة جداً في الكتابة عن الإمام المهدي المنتظر () وعلامات الظهور، ومنذ أن ظهر كتاب الصحفية الأمريكية كريس هاليسل حول معركة هرمجدون المسمى بالنبوءة والسياسة والذي ترجمه الدكتور محمد السماك حتى دخلت الساحة المصرية جدلاً واسع النطاق في هذه العلامات، وقد حدا الحماس ببعض الكتاب أن أخذوا يسقطون الكثير من علامات الظهور على الواقع المعاصر بكثير من التعسف، مما جعل موجة مضادة من الحماس تقابلهم، ومن ثم ليدخل الجميع في مناقشات لا طائل منها، بل بعضها امتد لنفي فكرة الإمام المنتظر (عجل الله فرجه) نفسها لا لدوافع وهابية بالضرورة وإنما لطبيعة نقاش ابتدأ بمقدمات خاطئة فانتهى لنتائج مماثلة.
على إن هذا الأمر لا يخص مصراً، وإنما شهدت الساحات الشيعية فضلا عن غيرها وفي أماكن كثيرة تداعيات مشابهة لذلك.









 
 توقيع : نهر العلقمي

يم الضريح أبشوك أوكف يمولاي.. وتخيلك عباس تسكيني الماي

يشفيني مايك زين ويطيب الداي..ورجع ورد مسرور ياسيدي ومولاي



رد مع اقتباس
قديم 05-06-2011, 08:37 PM   #3
المراقبين


الصورة الرمزية نورجهان
نورجهان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 15
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 04-23-2023 (08:33 PM)
 المشاركات : 4,993 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



السلام عليك ياصاحب الزمان , السلام عليك ياخليفة الرحمن ,السلام عليك ياشريك القرآن , السلام عليك ياقاطع البرهان ,السلام عليك ياإمام الإنس والجان ,السلام عليك وعلى آبائك الطيبين وأجدادك الطاهرين المعصومين ورحمة الله وبركاته . أخي العزيز نهر العلقمي وفقك الله لكل عمل مبارك وجزاك الله الف خير ورحمة من الله تعالى وجعلنا الله من انصار الامام صاحب العصر والزمان وجعلنا من خدمته بين يدييه المباركة الكريمة تقبل مروري المتواضع
تحيااااتي وخالص دعواااتي
أختك نورجهان


 
 توقيع : نورجهان



رد مع اقتباس
قديم 05-06-2011, 10:07 PM   #4
مديــر عام


الصورة الرمزية سيد عدنان الحمامي
سيد عدنان الحمامي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 04-25-2024 (11:01 PM)
 المشاركات : 7,694 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Iraq
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Darkgreen
افتراضي



نهر العلقمي عملك هذا هوه صدقه جاريه ان شاء الله

وما اطيبها وهي بذكر مولانا صاحب العصر والزمان عج

اسئل الله ان يرزقنا واياك

النظر الى وجهه الشريف

والشهاده بين يديه

ان شاء الله

احسنت كثيرا اخي الكريم وربي

ايبارك في هذه الجهود المباركه

تحياتي ودعائي


 
 توقيع : سيد عدنان الحمامي



رد مع اقتباس
قديم 05-13-2011, 08:53 PM   #5
عضو مميز


الصورة الرمزية نهر العلقمي
نهر العلقمي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 53
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 10-10-2013 (10:22 PM)
 المشاركات : 485 [ + ]
 التقييم :  10
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي









اللَهٌمَ صَل ِعَلى مُحَمْدٍ وَآل ِ مُحَمْدٍ الْطَيّبْينَ الْطَاهِرّيْنَ



>< نورجهان ><








نسألكم الدعاء


 
 توقيع : نهر العلقمي

يم الضريح أبشوك أوكف يمولاي.. وتخيلك عباس تسكيني الماي

يشفيني مايك زين ويطيب الداي..ورجع ورد مسرور ياسيدي ومولاي



رد مع اقتباس
قديم 05-13-2011, 08:53 PM   #6
عضو مميز


الصورة الرمزية نهر العلقمي
نهر العلقمي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 53
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 10-10-2013 (10:22 PM)
 المشاركات : 485 [ + ]
 التقييم :  10
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي









اللَهٌمَ صَل ِعَلى مُحَمْدٍ وَآل ِ مُحَمْدٍ الْطَيّبْينَ الْطَاهِرّيْنَ



>< السيد عدنان الحمامي ><







نسألكم الدعاء


 
 توقيع : نهر العلقمي

يم الضريح أبشوك أوكف يمولاي.. وتخيلك عباس تسكيني الماي

يشفيني مايك زين ويطيب الداي..ورجع ورد مسرور ياسيدي ومولاي



رد مع اقتباس
قديم 05-14-2011, 10:05 AM   #7
عضو مميز


الصورة الرمزية ابو مجتبى البدراوي
ابو مجتبى البدراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 70
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 08-31-2013 (10:50 AM)
 المشاركات : 1,193 [ + ]
 التقييم :  10
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



اسئل الله لكم التوفيق والنجاح ان شاء الله

تحياتي ودعائي

وربي يرعاكم


 

رد مع اقتباس
قديم 05-14-2011, 01:56 PM   #8
مشرف


الصورة الرمزية خادم خدام الزجيه
خادم خدام الزجيه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 8
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 05-21-2013 (05:09 PM)
 المشاركات : 1,243 [ + ]
 التقييم :  10
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



احسنتم كثييييييييييييييييييييييييير وربي يتقبل منكم لكل خيييييييييييير

وشكرا عالطرح الرائع والمميز

اللهم عجل ظهور صاحب العصر والزمان عج

وان شاء الله نكون من اصحاب الامام ونكون جنوده مجنده

وسئل العلي القدير ان يمتع ناظرينه برؤيته

وموفقين لكل خييييير

تحياتي ودعائي


 

رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




Loading...


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
سعودي كول