القصة إتجهت الى (الحوار) بدلاً من (السرد)، مستهدفةً من ذلك ـ في احتمالنا الفنّي ـ حقيقتين:
إحداهما:ان نتعرف على دقائق افكار الملائكة، من حلال ألسنتهم مباشرة، مادمنا نُدرك جميعاً أنّ الاستماع المباشر أشدّ حيويةً وإمتاعاً من مجرّد النقل والإخبار.
ثانياً: ان نتعرّف على (المفارقات) التي يشي بها سلوك الشخصية المتحاورة، فيما ينبغي أن تُعهد إليها مباشرة دون (تدخّلٍ) من مبدع النص، إلا بعد انتهاء الحوار. وهو أمرٌ قد حققته القصة فعلاً، حينما عقبت على موقف الملائكة، بهذه الاجابة:
(اني: اعلم ما لا تعلمون).
(الحوار) ـ إذاً ـ تكفّل بمهمّة فنيّة هي: الكشف عن أفكار الملائكة بكل دفائقها حيال خليفة الأرض.
طبيعيٌ، قد يتساءل القارئ عن سبب هذا الموقف الملائكي حيال خليفة الأرض، مع معرفته بتركيبتهم التي يتجاذبها طرفان من الصراع بين الخير والشر، أو العقل والشهوة.
القصة ساكتةٌ ـ فنّياً ـ عن هذا الجانب. الا أنّ النصوص المفسرة، تكفلت بشيءٍ من توضيح الجانب المذكور، فيما أو ضح بعضها انّ تساؤل الملائكة كان على نحو الاستخبار، وليس على وجه الاعتراض. بيد أن نصوصاً تفسيرية أخرى، قررت بأنّ الملائكة ادركوا خطأ موققهم، وتابوا إلى الله.
وأياً كان، فإن وجه التساؤل هو (حسب بعض النصوص المفسرة) وجود تجربة أرضية لعنصر (الجانّ)، حيث أفسدوا في الأرض، فبعث الله الملائكة واجلوهم عنها، وجعلوا مكانهم. ولذلك تساءلوا عن السرّ في إعادة تجربةٍ أرضيّة جديدة.
والأهمّ من ذلك هو: أنّ سكوت النص عن تحديد السبب، يظل (من الوجهة الفنية) مرتبطاً بهدف القصة التي تشدّد على إبراز (علم الله)، والى انّ (الملائكة) الذين اختيروا وفق تركيبة خاصة،... حتى هؤلاء لا يمكنهم ان يقفوا على الأسرار وما تنطوي عليه من الحكم والمصالح.
ومن هنا جاء تعقيب القصة على تساؤلهم المذكور، بانّ الله (يعلم ما لا يعلمون) تأكيداّ لهذه الحقيقة الفنية التي اشرنا إليها.
مضافاً لذلك، فإنّ سرّاً فنّياً آخر، يكمن وراء الحقيقة المذكورة، وهي: إكساب الشخصية الآدمية قدراً ضخماً من التقدير والتفضيل، تكفّل القسم الثاني من القصة بتحديده.
نسال الله الموفقية لما ننقله للموالين
تحيااتي للجميع
نورجهان