عرض مشاركة واحدة
قديم 08-15-2021, 01:31 AM   #5
المراقبين


الصورة الرمزية شجون الزهراء
شجون الزهراء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 465
 تاريخ التسجيل :  Mar 2012
 أخر زيارة : 05-19-2024 (03:30 PM)
 المشاركات : 5,025 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي




ونلحظ في هذا النص العبارة الشعرية(لم يولد ولم يلد) تشير في أول وهلة إلى الآيات القرآنية: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾([36]).

والعبارة فيها مبالغة وإفراط، وهي مخالفة للمراد من الآية القرآنية، وهو التأكيد على اثبات وحدانية الله تعالى، والإخلاص في عبادته والتوجه اليه وحده، وانه لا يقصد في الحوائج غيره، وتنزيه عن سمات المحدثات، وهنا يكمن الإنحراف عن النص المقدس، من حيث ان الشاعر نقل النصّ القراني من واقعه الأوّل إلى واقع جديد وهو العباس عليه السلام ولكن باستثمار الكلمات والتراكيب نفسها.

فمن الناحية العقائدية في البيت الشعري نلحظ هناك تنافراً تام بين الآية القرآنية(لم يلد ولم يولد)، والعبارة الشعرية(هو الله)، فهي قرآنية غير محورية كونها بعيدة عن محور الآية، وهذا يخل بالعقيدة الإسلامية، لكون الآية تفيد اختصاص الألوهية بالله عز اسمه، ووحدته فيها وحدة تليق بساحة قدسه تبارك وتعالى، وتستبعد إمكان فرض العدد، لكن التعليم القرآني ينفي ذلك لأنه يثبت من الوحدة ما لا يستقيم معه فرض أي كثرة وتمايز لا في الذات ولا في الصفات، وكل ما فرض من شيء في هذا الباب كان عين الاخر لعدم الحد فذاته تعالى عين صفاته، وكل صفة مفروضة له عين الأخرى، تعالى الله عما يـشركون، وسبحانه عما يصفون([37]).

والعبارة (لم يلد) تعني لم يخرج منه شيء كثيف، كالولد، ولا سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين،(ولم يولد) أي ولم يتولد من شيء، ولم يخرج من شيء، كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها، كالشيء من الشيء، والدابة من الدابة، والنبات من الأرض، وهذه من الصفات الألوهية الخاصة بالله سبحانه وتعالى، واطلاقها على شخص العباس من باب التعظيم للشخص الكريم([38]).

وفضلاً عن ذلك إن الشاعر يتحدث عن لسان حال النصارى الذين هم موحدون في عين التثليث ويذعنون من الوحدة وحدة عددية لا تنفى الكثرة من جهة أخرى فهم يقولون: إن الأقانيم (الأب والابن والروح) (الذات والعلم والحياة) ثلاثة وهي واحدة كالإنسان الحي العالم فهو شيء واحد لأنه إنسان حي عالم وهو ثلاثة لأنه إنسان وحياة وعلم.

وهذا المعنى نجده مؤكداً في قوله تعالى: ﴿وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ ([39]).

ولا يخفى إنّ النصارى ذهبوا إلى القول بأنّ المسيح ابن الله مستدلين على ذلك من خلال تولده عليه السلام من غير أب. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ ([40]).

ولقد توهم من ظنّ السيّد المسيح كان رجل عبادة ونسك وآخرة فحسب، بل انه كان رجل ثورة ضد الظلم والاستبداد والحكام الفاسيدين، وانه عذب وطرد وهجر في سبيل الرسالة الدينية التي تحدث ثورة تغيرية في شتى مناحي الحياة ([41]).

ومن هنا نفهم مقصد الشاعر ان النصارى لما رأوا ما لعيسى من الخصوصيات، والكرامات والشجاعة، قالوا هذا ابن الله.

ولكن هؤلاء النصارى إذا رأوا شخص العباس عليه السلام يوم غارته ورأوا ما له من الكرامات والفضائل و الخصائص، قالوا هذا هو الله، والتعبيران (ابن الله) (هو الله) مجازيان يراد منهما التعظيم من الشاعر لشخص العباس عليه السلام .

ومن جانب ان النصارى إذا رأوا العباس وهو أبو الفضل والفضائل، قالوا هذا (هو الله) اي هو ابٌ لسيدنا المسيح وأصلٌ في الفضائل والشجاعة، وهو الذي استقى منه المسيح، وذلك لانبهارهم بشخصه الكريم.

ولكي يتضح ما تقدم من التعالق بين رؤية الشاعر والنص القرآني من خلال شبكة التعالق بين النصّين:

النصّ الشعريّ النصّ القرآنيّ

قالت هو الله قل هو الله

لم يولد لم يلد

ولم يلد ولم يولد

فنلحظ الشاعر مع محافظته على الملفوظ القديم للآية نقل الدلالة من صورتها في النصّ الأوّل إلى صورة جديدة في النصّ الثاني يلغي تشكيل مفردات سابقة ويرسم صورًا جديدة.

ومن الشواهد الأخرى عن شجاعته قول الشاعر السيّد مهدي الحلي في قصيدة انشأها في رثاء العباس عليه السلام :

(الكامل)

وغشى بأسمره النعاسُ عيونَ أبـ
وكأن قائمَ سيفه، مذ سلّه
لما رأى الأعداءُ شامخَ بأسِه
دعوا النجاء، ولا نجاءَ لمن غدتْ
فرأوا قد انسد الفضاءُ كأن مِن الـ




طالِ الكفاح ولات حينَ نعاس
في كف (حيدرةٍ) شديدُ الباس
من ذلك الطودِ العظيم الراسي
بِيِدِ الورى مقطوعةَ الأنفاس
غبرا إلى أم السماء رواسي([42])



نلحظ في هذا النص الشعري الآية القرآنية ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾([43])، معناه لات حين فرار من العذاب، وقيل: المناص المنجاة([44]) فالعباس عليه السلام عند دخوله ساحة الميدان جعل النعاس يحوي عيونهم بسيفه، فصاروا ينظرون الى العباس نظرة المغشي عليه او المغمى عليه، استغاثوا عند نزول العباس عليه السلام الى ساحة الميدان وقالوا ليس الآن وقت النعاس بل هو وقت الفرار من الموت الذي سيلحق بنا، ومن العذاب الذي وقع علينا.

فهم كما يقول السيّد جعفر الحلي:

(الكامل)

وثنى أبو الفضل الفوارس نكصا
ماكر ذو بأس لـه متقـدا




فرأوا أشـد ثباتهم أن يهزموا
إلا وفـر ورأسـه الـمتقـد([45])



وفي الواقع انهم توهموا عندما ظنوا إنهم يستطيعون الفرار من الغضب الرباني وقالوا الآن وقت الفرار، ولكنهم وجدوا الارض والسماء قد سُدت امامهم فاستسلموا للموت المحتّم عليهم.

وفي النص إشارة واضحة للموقف البطولي الشجاع للعباس عليه السلام ، فهو في تقدمه نحو الاعداء كالشخص الذي يفر من الموت في ساحة المعركة.

كما يقول السيّد جعفر الحلي:

(الكامل)

وله إلى الإقدام سرعة هارب




فكأنما هو بالتقدم يسلم([46])



فهو المثل الأعلى للشجاعة ووصفها الأكمل ونعتها الأتمّ.

ولتوضيح الاختلاف بين الآية والنص الشعري نذكر هذه التعاليق الآتية:

النصّ القرآني النصّ الشعري

ولات ولات

حين حين

مناص نعاس

فنلحظ بعد ان ضمّن الشاعر معنى الآية وهو الفرار، انحرف ويكمن هذا الانحراف باستبدال كلمة (مناص) والتي تعني (المنجاة) الى كلمة (نعاس)، فضلا عن ذلك الاختلاف الموجود بين معنى الكلمتين ودلالتهما، فالشاعر طور في المعنى واضاف لإبراز الموقف البطولي لشخص العباس عليه السلام .

أما ما يخص منزلة العباس عند الحسين عليهما السلام ، فمن ذلك قول الشاعر الشيخ عبد الحسين الحويزي راثياً العباس بن علي عليه السلام على لسان الإمام الحسين عليه السلام :

(الكامل)

فلأ ندبنَّك حيث إنّك للهدى
أأخيّ بعدَ جمالِ وجهك لا يرى
تقـضي وأنت على الظما طاوي الحشا
أرجو الحياة وأعيُني لك شاهدتْ
مَن ذا يصون من الفواطم خدرَها




ندبٌ وأُعْوِلُ (بكرة وأصيلا)
قلبي بكَ الصبر الجميلَ جميلا
ويعود جسمك بالدماء غيلا
بدنا على وجه الصعيد جديلا
ويكون في طلباتها مأمولا([47])



نلحظ ان الشاعر ضمن النص المقدس مباشرة وهو قوله (بكرة واصيلا)، وقد ورد هذا اللفظ في الآيات القرآنية التالية:

﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾([48])

﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾([49])

﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾([50])

﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾([51])

والبكرة: أول النهار إلى طلوع الشمس([52])، أما الأصيل: فهو ما بعد الـعصر إلى المغرب ([53])، والمعنى في الآيات القرآنية دار حول (الإملاء، والتسبيح، والذكر)، وإذا ما علمنا إن الشاعر قصد الندب والبكاء والعويل، نلحظ الاختلاف التام في المعنى وان حصل الاتفاق في اللفظ، فالاختلاف وارد مع المعنى العام للآية.

والمعنى إن الإمام المعصوم الحسين الشهيد عليه السلام بعد فقد أخيه العباس عليه السلام ظلّ يندبه طيلة الوقت، وقد أكدت الروايات هذا المعنى فقد روي ان الامام الحسين عليه السلام لما رأى العباس عليه السلام صريعا بكى وحمله الى الخيمة وقال: (الآن انكـسر ظهري وقلت حيلتي)([54]).

فالحسين عليه السلام وقف عند أخيه العباس عليه السلام ورآه مقطوع اليدين من الزندين، مفضوخ الهامة فأستاء له وأحترق قلبه حزناً وترقرقت عبرته وجداً عليه.

ولا شك إن من أجرى افتقاده دمعة الحسين الصبور وأسبل مصابه عبرة الإمام الأبي الغيور، هو في أعظم الدرجات سمواً وارتفاعا وأسماها مفخراً، فهو يستحق ان تستدر العظماء عليه حلب أجفانها، وتبكي عليه بدل الدموع دما.

أما ما يخص الدور الرسالي الذي قام به العباس عليه السلام فنجده بقول الشاعر (مهدي النهيري) في قصيدة (واقف على شرفة المعنى):

(الطويل)

على نهر الأحلام ينوي اخـضراره
ويبتكر الأشياء ثمّ يعافها
لقد جاء من أقصى المدينة شاعراً
به آمن النخل العراقي وانتمى




ويملأ بالماء النبيّ جراره
لتنمو وكالأسماء يبقى ابتكاره
يمارس في صمت الوجوه انتشاره
إليه سمواً واستطال مداره([55])



ان الشطر الأول من البيت الثالث (لقد جاء من أقصى المدينة شاعراً) ينبئنا من أول وهلة بقوله تعالى: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾([56]).

وهناك علاقة تمثيل بياني بينمهما واقتباس بلاغي واضح، فالشاعر يشبه العباس عليه السلام ، بذلك الرجل الذي جاء من اقـصى المدينة هاديا وناصح لقومه، وفي ذلك تأكيد واضح على الدور الرسالي الذي كان يمارسه العباس عليه السلام .

المبحث الثاني:نمط القرآنية غير المباشرة المحوّرة:

ومعناها (أنّ يستلهم الشاعر لفظة أو لفظتين لتوظيفهما في انزياح لغويّ جديد)([57])، ولأنّ القرآن هو المصدر الاول الملهم لشعراء أهل البيت عليهم السلام ، فقد هيمن على ذاكرتهم، فسرعان ما تحال ذاكرتهم على آية من آيات القرآن أو سورة من سوره، لمجرد أن تتلقف أذناه كلمة أو كلمتين ممّا يدور في هذا الكتاب المقدّس.

وفي طور بحثنا هذا وجدنا مراثي العباس عليه السلام في القرآنية غير المباشرة، مختلفة المستويات من حيث تغيب النص القرآني، فهناك تغيب بسيط، وهناك تغيب عميق.

أولاً: القرآنية غير المباشرة المحورة البسيطة:

ويعني هذا النوع ان يحشر الشاعر لفظة واحدة من الفاظ القران الكريم في عباراته الشعرية، وإنّ هذا الملفوظ الواحد يقوم بدور الإشارة إلى النصّ القرآنيّ بعينه، وهذا النوع أقل وضوحا من القرآنية المباشرة، الذي لا يحتاج إلى عناء كبير لمعرفة مكامن التقاطع فيه مع النصوص.

وفي هذا النوع يحتاج المتلقي إلى ثقافة أكبر وإحاطة بالنصّوص القرآنية أعظم ممّا هي الحال في القرآنية المباشرة، إذ لا دليل علىها غير إشارة واحدة، وهو أكثر وضوحًا من القرآنية المباشرة العميقة.

أما الخصائص العباسية التي صورها الشعراء من خلال القرآنية في هذا المورد من الفصل الثاني فهي: (الإيثار)، و(كونه المستغاث)، و(جوده وكرمه)، و(شجاعته).

فمما يخص إيثاره عليه السلام قول الشاعر كاظم سبتي في قصيدته التي قالها منتدباً الإمام المهدي عجل الله فرجه، ويختمها في رثاء أبي الفضل العباس عليه السلام :

(الكامل)

قد حق قولُ الحق فيه لدى الظما
ذكر الحسينَ وكيف ينسى قلبَه
ملأ المزادةَ لم يذقْه وقلبُه
وقد انتـضى بتارَه وحماهم




و يؤثرون ألا ترى إيثاره
رهنَ الظما وكباره وصغاره
كالجمر شبّ به الأوامُ أواره
يومَ الوغى ان يـنتضي بتاره([58])



في البيت الأول ينفتح الشاعر على الآية القرآنيّة في ملفوظ (ويؤثرون)؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ([59]).

وقد أكد الشاعر تضمينه للنص المقدس داخل البيت الشعري، ولفت انتباهنا بقولهحق قول الحق فيه) وقول الحق هو القران الكريم، ومن ثم اورد النص المقدس (و يؤثرون) فهذه الكلمة تجعلنا نستحضر من أول مرة.

وفي الواقع ان اللفظة لها ايحاء مميز لا تمتلكه جميع الألفاظ، وذلك لأنها ملفوظ قرآنيّ أصلا وإلاّ فـ: ((الألفاظ المفردة لا يمكن أن تكوّن تعالقاً نصّيًّا إلا في بعض المفردات ذات الإيحاءات المميزة التي ترتبط بنصّ معين مثل (مشكاة) و (هاروت) و (القدر)))([60])، أو تلك الألفاظ التي تكون مشتركة بين ما يقوله الناس وما هو في القرآن إلاّ أنها توظف في سياق ومطلب قرآنيّ فتحسب على ملفوظات القرآن، إذ: (إنّ الأسلوب وجه من وجوه المعنى)([61])، وهنا ملفوظ (وَيُؤْثِرُونَ) جاء مقروناً بأجواء مشابهة لأجواء النصّ القرآنيّ.

والإيثار من صفات وخصائص سيدنا ومولانا ابي الفضل العباس عليه السلام ، فقد روي في هذا المعنى عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام أنه قال: ((رحم الله العباس، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله عز وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وأن للعباس عند الله تعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة)) ([62]).

ولا يخفى إن سيدنا العباس عليه السلام قد آثر بنفسه وعلى نفسه، أما ايثاره بنفسه فواضح من أراجيزه

إذ يقول:

*نفسي لنفس الطاهر الطهر وقا*

وأمّا إيثاره للحسين عليه السلام على نفسه فذاك حين رمى الماء من يده كأنه يقول: لا ذقت الماء وابن رسول الله عطشان مع كونه قد أشرف على التلف من الظمأ، وذلك واضحٌ جليٌ في أرجوزته المشهورة:

يا نفس من بعد الحسين هوني
هذا حسين شارب المنون




وبعده لا كنت أن تكوني
وتـشربين بادر المعين([63])



قد صرّح عليه السلام في هذا الشعر أنّه آثر أخاه الحسين عليه السلام ليس على سبيل الارتكاز الجبلّيّ لا بداعي الطبع الفطريّ ولا طاوع فيه الخلق الغريزيّ وإنّما كان ذلك عن فقه في الدين وعلم بما للمؤثر على نفسه من عظيم الأجر وبالأخصّ إذا كان الإيثار للإمام المفترض الطاعة ذلك حيث يقول فيه:

وليس هذا من شعار ديني




ولا فعال صادق اليقين([64])



 
 توقيع : شجون الزهراء

اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.


رد مع اقتباس