عرض مشاركة واحدة
قديم 11-20-2020, 09:40 PM   #3
المراقبين


الصورة الرمزية شجون الزهراء
شجون الزهراء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 465
 تاريخ التسجيل :  Mar 2012
 أخر زيارة : 04-21-2024 (10:40 PM)
 المشاركات : 5,025 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي




فاذا كان عامّة الناس ينامون الليل كلّه كما تنام البهائم ، فكانوا كالأنعام في مأكلهم ومشربهم ونومهم ومنكحهم ، فان خيار الاُمّة وصلحائها وعلمائها الأبرار يقومون الليل بالعبادة والبكاء وصلاة الليل وتلاوة القرآن والأدعية والزيارات والأوراد والأذكار، وطلب العلم والمرابطة في سبيل الله، ومن طلب الُعلى سهر الليالي ، فيعرجون في ليلهم إلى قاب قوسين أو أدنى ويسيحون في علم الله وحكمته وألطافه وأسرار كونه ، وما وراء الطبيعة وما فيها، فتبتهج أرواحهم ، وتتعلّق بعزّ الله سبحانه ، وتفتح أبصار قلوبهم ، حتّى يرون ملكوت وغيب السماوات والأرض ، ربنا ما خلقت هذا باطلاً، سبحانک إنّک أنت الحميد المجيد، كلّ هذا وهذا غيض من فيض ، إنّما هو من بركات قيام الليل ، وما أدراک ما قيام الليل بالعبادة والقرب إلى الله سبحانه ، فدونک دونک قيام الليل بطاعة الله ورضوانه .

19 ـ ورد عن أميرالمؤمنين علي 7 عند ما دخل إلى مسجد الكوفة سحر ليلة التاسع عشر من شهر رمضان ، ورأى ابن ملجم اللعين قد نام على وجهه وبطنه فأخبره أنّ مثل هذه النومة نومة الشياطين ، ومن نام على يمينه فهي نومة المؤمننين ، ومن نام عن يساره فهي نومة الأطباء، ومن نام مستلقياً، فهي نومة الأنبياء :، وقد ورد هذا المعنى في روايات اُخرى .

20 ـ دخل رسول الله 6 على إبنته سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وقد فرشت فراش النوم ، وأرادت أن تنام فقال لها لا تنامي يا فاطمة حتّى تفعلي أربعة من الأعمال : أن تختمي القرآن الكريم ، ويشفع لکِ الأنبياء، ويرضى عنک المؤمنون ، وتحجّي بيت الله الحرام بحجّة وعمرة .

ثمّ قام يصلّي وبعد أن فرغ من صلاته ، سألته إبنته كيف يكون ذلک يا أبتاه ؟ فتبسّم النبي 6 وقال :

ـ إذا قرأت سورة الاخلاص ثلاث مرات ، فانه يكتب لک ثواب ختم القرآن الكريم .

ـ وإن صلّيت عليّ وعلى الأنبياء من قبلک كانوا شفعاؤکِ يوم القيامة .

ـ وإن استغفرت للمؤمنين والمؤمنات فانهم رضوا عنکِ .

ـ وإن قلت مرّة واحدة (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر) فانّه يكتب لک حجّة وعمرة .

أيُّها المؤمن وايّتها المؤمنه بالله عليكما مع هذا الثواب العظيم والأجر الجسيم والمنافع والآثار الدنيويّة والاخرويّة ، هل يحق لأحد منّا أن ينام من دون أن يأتي بهذه الأعمال القليلة خالصاً ومخلصاً لله سبحانه وتعالى ، فانه يقرء سورة التوحيد (قل هو الله أحد) ثلاث مرات ثم يقول (اللهمّ صلّ على الأنبياء والمرسلين وخاتمهم محمّد) ثمّ يقول (اللهم اغفر للؤمنين والمؤمنات ) ثمّ يقول التسبيحات الأربع أي (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر) فمن هذه الليلة نُصمّم ونعاهد الله على أن لا نترک هذا العمل الجميل والعظيم ، وانک سترى عن قريب آثاره وبركاته في حياتک المعاشيّة الفردية والاجتماعيّة العلميّة والعمليّة ، كما ترى ذلک إن شاء الله في حياتک المعاديّة ، منذ اليوم الأوّل في حفرة القبر إلى عالم البرزخ ثمّ يوم المحشر، ثمّ الجنان التي اعدّت للمتّقين ، واني بهذا وربّ الكعبة على يقين .

21 ـ عن مولانا الامام الحسين بن علي 7 قال : كان أميرالمؤمنين 7 بالكوفة في الجامع إذ قام رجل من أهل الشام ، فسئله عن مسائل فكان فيما سئله ، أن قال له : أخبرني عن النوم على كم وجه هو؟ فقال : النوم على أربعة أوجهٍ : الأنبياء : تنام على اقفيتها مستقبلة وأعينها لا تنام متوقّعة لوحي الله عزّوجلّ ، والمؤمن ينام على يمينه مستقبل القبلة ، والملوک وأبناؤها على شمائلها ليستمرؤا ما يأكلون ، وإبليس وإخوانه ينام على وجهه منبطحاً.

لقد ذكرنا من قبل ما يشبه هذا الحديث الشريف ، الّا انّه يضاف على ما مرّ أن وحي الأنبياء يختلف كما ورد في الروايات ، ومنه المنام فان رؤيا الأنبياء يعدّ من الوحي الإلهي . كرؤيا ابراهيم الخليل انّه يذبح إسماعيل 8، فتنام الأنبياء على قفاهم مستقبلة ، وأعينهم لا تنام تتوقّع الوحي الإلهي ، وأمّا المؤمن فانه ينام على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ، ويضع يده تحت خدّه ، ويقرء الأوراد والأذكار والآيات الواردة عند النوم ، وأمّا الملوک وأبنائهم ومن يحذو حذوهم من أهل الدنيا ومترفيها، فانهم ينامون على شمائلهم أي على جنبهم الأيسر، وإنّما يفعلوا ذلک ليهضم ما أكلوه وما أملوا به بطونهم ، فانّ النوم على الشمال وعلى اليد اليسرى يساعد على هضم الأكل كما ثبت ذلک طبّياً، وأمّا إبليس وإخوانه كالمبذرين ، فانّهم ينامون على وجوههم منبطحين كما نام إبن ملجم المرادي لعنه الله في ليلة ضربة وشهادة أميرالمؤمنين علي 7 في محراب الكوفة سحر ليلة التاسع عشر من شهر رمضان عام أربعين من الهجرة النبويّة ، فالايمان والكفر أو النفاق يترتّب عليها آثار وضعيّة وأحكام تكوينيّة وتشريعيّة ، كما يترتّب عليها حالات ، ربما لم يصل العلم إلى حلّ لغزه وكشف سرّه ، فانّ المؤمن ينام على الأيمن والمنافق أو الكافر وابليس واخوانه من الجن والانس ينامون على وجوههم فأيّ سرّ في ذلک ؟!

فلماذا ينام المؤمن على يمينه ، وابليس واخوانه على بطنه ؟ وان لله في خلقه شؤون ، وسبحان الله عمّا يصفون .

22 ـ عن أميرالمؤمنين علي 7: من أراد أن ينام فانه يضع يده تحت خدّه الأيمن ، ويقرء هذه الدعاء: (بسم الله وضعت جنبي لله على ملّة ابراهيم ودين محمّد، وولاية من افترض الله طاعته ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ) فانّ الله يحفظه من السرّاق والاغتيال وهدم الدار وتستغفر له الملائكة .

انّ الدعاء مخّ العبادة ومفتاح كلّ صلاح وفلاح ، وإنه سلاح المؤمن والأنبياء، وإن الله لا يعبأ بالانسان لو لا دعائه (قُلْ ما يَعْبَوُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاوُكُمْ )[9] ثمّ من

فلسفة الحياة وسرّ الخليقة العبادة كما في قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ )[10] والدعاء هو الانقطاع الكامل إلى الله سبحانه وتعالى ، وإنّ الأدعية

والأوراد يُتداعى منها التركيز الباطني على الانقطاع المذكور، وما من شيء إلّا وله دعاء خاص كما لنا أدعية عامّة ، ومن الأدعية عند المنام ما أشار إليه أميرالمؤمنين 7 فان في هذا الدعاء يتبع منه الاخلاص في التوحيد الكامل بالنبوة والامامة ، أي الولاية العظمى لمن افترض الله علينا طاعته ، فنضع جنبنا لله أوّلاً على خطى ونهج ملّة ابراهيم الخليل ، وعلى الدين الاسلامي الحنيف ، دين الله الذي ختم بمحمّد 6 وعلى ولاية من افترض الله طاعته من الأئمّة الأطهار من آل محمّد: ثمّ التسليم إلى الله والرضا بقضاءه وقدره فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، والحمد لله ربّ العالمين .

23 ـ ورد في الحديث الشريف : من أراد أن ينكشف له أمراً في منامه فانه بعد الوضوء ولبس الثياب الطاهرة والنوم على يمينه في مكان طاهر مستقبل القبلة (كما يوضع الميت في قبره ) ناوياً حاجته ، ويقرء السور التالية ، كلّ سورة سبع مرّات وهي: والشمس ، والليل ، والتين ، والتوحيد، والناس ، والفلق ، فانه يصل إلى مراده في الليلة الاولى ، وإلّا فانّه يكرّر العمل إلى سبع ليالٍ .

لقد ورد في الخبر الصادقي 7: خذ من القرآن كلّ شيء لكلّ شيء، فانّه كتاب ينطق بالحق ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، الا أنه إنما يعرف القرآن بتمامه وكماله من خوطب به ، ومن في بيتهم نزل الكتاب ، وهم محمد آل محمّد : الذي بهم عرف الصواب ، فمثل هذه الأحاديث الشريفة تخبر عن واقع بأن العترة الهادية عدل القرآن الكريم . كما ورد في حديث الثقلين المتواتر عند الفريقين ـ السنّة والشيعة ـ فمثل هذه السور الكريمة بعددها الخاص ، لها ارتباط بعالم الغيب ، وما ينزل من الحوادث من عرش التدبير الإلهي ، حيث المؤمن يصل إلى مقصوده وسؤاله في عالم الرؤيا بمنام صادق فينال بغيته وحاجته ، وهذا من أسرار القرآن الكريم وسوره المباركة .

24 ـ روى إنّ النبي 6 قال لعليّ 7: ما فعلت البارحة يا أبا الحسن ؟ فقال 7: صلّيت ألف ركعة قبل أن أنام ! فقال النبي 6 كيف فعلت ذلک ؟ فقال 7: سمعتک يا رسول الله تقول : من قال عند نومه ثلاثاً: (يفعل الله ما يشاء بقدرته ويحكم ما يُريد بعزّته ) فقد صلّى ألف ركعة ، قال 6: صدقت يا علي[11] .



مثل هذا الثواب الجزيل إنّما هو من باب الجزاء الجسيم ، الذي يناط بكرم الله وجوده وسخائه ، فاذا كانت ليلة القدر الواحدة خير من ألف شهر، فلم لا يعطي لمن يقول هذا الدعاء المختصر عند نومه ثلاث مرّات خالصاً مخلصاً ثواب ألف ركعة في ليلة واحدة ؟ فلا تعجب فانه لا ينقص من خزائنه سبحانه ، بل يزداد جوداً وعطاءً، فانّه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين ، ونعم الربّ الكريم العليم العظيم جلّ جلاله وعمّ نواله ، فلا تغفل عن مثل هذه المندوبات والمستحبّات ، فانها تكمل لنا النواقص في الفرائض والواجبات ، كما توجب غفران الذنوب ، وتعديل ما أحدثناه من المطبّات في شوارع حياتنا المعاشيّة والمعاديّة ، وإملاء الحُفر التي أوجدناها في مساحات أعمارنا وأفعالنا.

25 ـ قال الصادق 7: النوم راحة للجسد، والنطق راحة للروح ، والسكوت راحة للعقل[12] .



انّ من أحاديث أهل البيت : لهى من جوامع الكلم ، فيها معاني سامية غزيرة ، فترى حديثاً من كلمتين فقط الّا انّ وراءه خزين عظيم من العلوم والمعارف كقول أميرالمؤمنين علي 7 بالاخلاص يكون الخلاص ، وقال : أخلص تنل ، فخلاص الانسان ونيله معالي المنازل ورفيع المقامات يكون بالاخلاص ، إلّا انّه كما ورد في الحديث الشريف : «الناس كلّهم هلكى إلّا العلماء، والعلماء كلّهم هلكى إلّا العاملون ، والعاملون كلّهم هلكى إلّا المخلصون ، والمخلصون على خطر عظيم » وان الشيطان أقسم بعزّة الله يغوي الناس والبشريّة جميعاً إلّا عباد الله المخلصين ، فانه لا سلطان عليهم فقال : (قالَ فَبِعِزَّتِکَ لاَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعيüنَ * إِلّا عِبادَکَ مِنْهُمُ الُْمخْلَصيüنَ )[13] بفتح اللام وهو من طوى مراحل

الاخلاص السبعة كما في علم الأخلاق ، واستخلصه الله خالصة الذكرى الدار الآخرة .

ومن جوامع الكلم هذا الحديث الصادقي الشريف : فان الدنيا دار بلاء وإختبار وفتنة ، ولا راحة فيها، إنما دار الاستراحة المطلقة تلک الجنّة التي عرضها السماوات والأرض ، ولكن مع ذلک الراحة النسبية تتحقّق في دار الدنيا، إذ ان سرورها مشوبة بالحزن ، وراحتها ممزوجة بالتعب ، فمن يتعب في نهاره أو ليله ويرهق جسده بأعمال وأفعال ، فانه يبحث عمّا يريح جسده المنهک والمتعب . فان الله سبحانه جعل راحة جسده في نومه ، فاذا نام استراح جسده ، والنوم بعد النصب والتعب والارهاق والمشاق يكون من ألذّ اللذائذ. ثمّ الانسان مركّب من روح وجسد، فراحة جسده في نومه ، وأمّا راحة روحه أي اذا أراد ان ينفّس عن همومه وغمومه ، فان راحة الروح في النطق والكلام كما ثبت في علم النفس ذلک ، فان الانسان عند ما يتكلّم يخفّف من وطأة الروح وأتعابها.

ثمّ البعد الثالث للانسان عقله الذي إمتاز به عن الحيوانات ، فشرّفه الله بذلک ، فانه يتعب كما يتعب الجسد والروح ، ومن أهم أسباب التعب العقلي الّا هذار والثرثرة في الكلام ، فاذا أراد أن يريح عقله فانّ السكوت راحة العقل


 
 توقيع : شجون الزهراء

اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.


رد مع اقتباس