عرض مشاركة واحدة
قديم 10-25-2015, 11:11 PM   #4
عضو مميز


الصورة الرمزية الشيخ عباس محمد
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 762
 تاريخ التسجيل :  May 2015
 أخر زيارة : 08-15-2017 (06:01 PM)
 المشاركات : 475 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



عجولا)*(1). قال ابن عباس وغيره: إن الإنسان ربما يدعو في حال الضجر والغضب على نفسه وأهله وماله بما لا يحب أن يستجاب له فيه، كما يدعو لنفسه بالخير، فلو أجاب الله دعاءه لأهلكه، لكنه لا يجيب بفضله ورحمته (2). ولا يتوقف الأمر عند حدود الأمثلة التي ذكرناها أو التي ذكرتها الروايات، بل يشمل جميع الدعوات المخالفة لسنن الله تعالى في الكون والطبيعة والمجتمع والتاريخ.
3 - الدعاء بلا عمل: الدعاء من مفاتيح الرحمة الإلهية التي جعلها الباري تعالى بأيدينا لنستفتح بها خزائن لطفه ورحمته، ونطلب بها مغفرته وفضله، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (... فأكثر من الدعاء، فإنه مفتاح كل رحمة، ونجاح كل حاجة، ولا ينال ما عند الله عز وجل إلا بالدعاء) (3). والعمل يقترن مع الدعاء في كونه أحد مفاتيح الرحمة الإلهية الواسعة، قال تعالى: *(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره)*(4). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن لله عبادا يعملون فيعطيهم، وآخرين يسألونه صادقين فيعطيهم، ثم يجمعهم في الجنة، فيقول الذين عملوا: ربنا عملنا فأعطيتنا، ففيما أعطيت هؤلاء؟ فيقول: هؤلاء عبادي، أعطيتكم
(هامش)
(1) سورة الإسراء: 17 / 11. (2) مجمع البيان 6: 618. (3) الكافي 2: 341 / 7. (4) سورة الزلزلة: 99 / 7. (*)
ص 91
أجوركم، ولم ألتكم من أعمالكم شيئا، وسألني هؤلاء فأعطيتهم وأغنيتهم، وهو فضلي أوتيه من أشاء) (1). وعلى الرغم من حالة الاقتران بين الدعاء والعمل، إلا أن الدعاء لا يغني عن العمل، ولا يصح الاكتفاء بالدعاء عن السعي والمثابرة والجد، الدعاء مظهر من مظاهر الحاجة الحقة، وإنما يدعو الإنسان عندما لا يكون مطلوبه ميسورا له أو في متناول يده، أو يكون عاجزا ضعيفا لا يمتلك القدرة على تحصيله، أما إذا خوله الله تعالى مفتاح الحاجة فتكاسل عن استعماله، والتجأ إلى الدعاء دون جد واجتهاد، فإن دعاءه لا يستجاب، مثال ذلك المذنب الذي يستغفر الله تعالى ويدعوه التوبة، ولكنه لا يثابر في تغيير ما في نفسه وتهذيبها باقتلاع عناصر الشر والفساد. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيته لأبي ذر (رضي الله عنه): (يا أبا ذر، مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر) (2). وقال الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (الداعي بلا عمل، كالرامي بلا وتر) (3). ولذلك ورد عن أئمة الهدى (عليهم السلام) كثير من الأحاديث التي تخبرنا عن أصناف من الناس لا تستجاب لهم دعوة، لأنهم استغنوا بالدعاء عن السعي والجد والمثابرة.
(هامش)
(1) عدة الداعي: 42. (2) أمالي الطوسي 2: 147. (3) نهج البلاغة، الحكمة (337). (*)
ص 92
قال الإمام الصادق (عليه السلام): (أربعة لا تستجاب لهم دعوة: رجل جالس في بيته يقول: اللهم ارزقني، فيقال له: ألم آمرك بالطلب؟ ورجل كانت له امرأة فدعا عليها، فيقال له: ألم أجعل أمرها إليك، ورجل كان له مال فأفسده، فيقول: اللهم ارزقني، فيقال له: ألم آمرك بالاقتصاد؟ ألم آمرك بالاصلاح؟ ثم تلا قوله تعالى: *(والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)* ورجل كان له مال فأدانه بغير بينة، فيقال له: ألم آمرك بالشهادة؟) (1). وعن عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل قال: لأقعدن في بيتي، ولأصلين ولأصومن، ولأعبدن ربي، فأما رزقي فسيأتيني، فقال (عليه السلام): (هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم) (2). ويضيف الإمام الصادق (عليه السلام) صنفا آخر ممن اتكل على الدعاء تاركا الجد والسعي، وهو الذي يدعو على جاره وقد جعل الله عز وجل له السبيل في الخلاص، يقول (عليه السلام) في حديث الثلاثة الذين لا تستجاب لهم دعوة: (ورجل يدعو على جاره وقد جعل الله عز وجل له السبيل إلى أن يتحول عن جواره ويبيع داره) (3). وهذا الأمر عام لا يقتصر على الأمثلة المذكورة في الأحاديث وحسب، وإنما هي أمثلة لجميع الأحوال التي يكون الإنسان فيها قادرا على حل مشكلته بالعمل والتدبر، ولكنه يتكاسل عن ذلك فيقيم الدعاء
(هامش)
(1) الكافي 2: 370 / 2. (2) مستطرفات السرائر: 139 / 11. (3) الكافي 2: 370 / 1. والفقيه 2: 39 / 173. والخصال: 160 / 208. (*)
ص 93
مقام العمل. والحق أن الدعاء مكمل للعمل ومتمم له، فإذا كان الله تعالى قد حبانا القدرة لتحقيق المطلوب، وهدانا إلى السبيل المؤدي إلى ما نصبو إليه، فلا بد من السعي المقترن بالدعاء، لتكون عاقبة السعي أكثر ثوابا وأجزل أجرا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يدخل الجنة رجلان، كانا يعملان عملا واحدا، فيرى أحدهما صاحبه فوقه، فيقول: يا رب بما أعطيته وكان عملنا واحدا؟ فيقول الله تبارك وتعالى: سألني ولم تسألني، ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): اسألوا الله وأجزلوا، فإنه لا يتعاظمه شيء) (1).
(هامش)
(1) عدة الداعي: 42. (*)
ص 95
الفصل الرابع :
آثار الدعاء


لقد اهتم الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) بالدعاء اهتماما بالغا، ذلك لما يترتب عليه من آثار تعود لصالح الداعي في الدنيا والآخرة، فهو من أنجع الوسائل وأعمقها في تهذيب النفوس، وهو مفتاح الرحمة ونجاح الحاجة، وهو شفاء من كل داء، وبه يرد القضاء ويدفع البلاء، ولا يدرك ما عند الله تعالى إلا بالدعاء والابتهال. وقد حفلت كتب الدعاء الكثيرة بتراث غزير من أدعية أهل البيت (عليهم السلام)، التي تعتبر صفحة مشرقة من صفحات التراث الإنساني، وذخيرة فذة من ذخائر المسلمين، فهي من حيث الصياغة والبلاغة آية من آيات الأدب الرفيع، ومن حيث المضمون فقد أودع الأئمة (عليهم السلام) في أدعيتهم خلاصة المعارف الدينية، وهي من أرقى المناهل في الإلهيات والأخلاق، وهي وسيلة لنشر تعاليم القرآن وآداب الإسلام وبيان أدق أسرار التوحيد والنبوة والمعاد وغيرها من المضامين التي يترتب عليها آثار واضحة في تعليم الناس روحية الدين والزهد والأخلاق. وفيما يلي نبين بعض الآثار المترتبة على الدعاء في الدنيا والآخرة:
ص 96
أولا: الآثار العاجلة:
وهي الآثار التي تعود لصالح الداعي في دار الدنيا، ويمكن حصرها بما يلي:
1 - الدعاء مفتاح الحاجات: الدعاء باب مفتوح للعبد إلى ربه سبحانه، يطلب من خلاله كل ما يحتاجه في الدنيا من زيادة الأعمار وصحة الأبدان وسعة الأرزاق والخلاص من البلاء والغم، وذلك من أبرز القيم الرفيعة عند الأنبياء والأوصياء والصالحين، ومن أهم السنن المأثورة عنهم. فقد كان خليل الرحمن إبراهيم (عليه السلام) معروفا بالدعاء والمناجاة، وقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) في قول تعالى: *(إن إبراهيم لأواه حليم)*(1) أنه قال (عليه السلام): (الأواه هو الدعاء) (2). ومما جاء في الكتاب الكريم من دعاء الأنبياء، قال تعالى: *(وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين)*(3). وقال تعالى: *(وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين)*(4).
(هامش)
(1) سورة التوبة: 9 / 114. (2) الكافي 2: 338 / 1. (3) سورة الأنبياء: 21 / 83 - 84. (4) سورة الأنبياء: 21 / 89 - 90. (*)

يتبع


 

رد مع اقتباس