عرض مشاركة واحدة
قديم 10-25-2015, 11:03 PM   #6
عضو مميز


الصورة الرمزية الشيخ عباس محمد
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 762
 تاريخ التسجيل :  May 2015
 أخر زيارة : 08-15-2017 (06:01 PM)
 المشاركات : 475 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



ص 38
قبل أن يدعوني) (1).
13 - الاقبال على الله: من أهم آداب الدعاء هو أن يقبل الداعي على الله سبحانه بقلبه وعواطفه ووجوده، وأن لا يدعو بلسانه وقلبه مشغول بشؤون الدنيا، فهناك اختلاف كبير بين مجرد قراءة الدعاء وبين الدعاء الحقيقي الذي ينضم فيه القلب بانسجام تام مع اللسان، تهتز له الروح وتحصل فيه الحاجة في قلب الإنسان ومشاعره. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن الله عز وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن بالإجابة) (2).
14 - الاضطرار إلى الله سبحانه: لا بد للداعي أن يتوجه إلى الله تعالى توجه المضطر الذي لا يرجو غيره، وأن يرجع في كل حوائجه إلى ربه، ولا ينزلها بغيره من الأسباب العادية التي لا تملك ضرا ولا نفعا *(قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا)*(3). فإذا لجأ الداعي إلى ربه بقلب سليم وكان دعاؤه حقيقيا صادقا جادا، وكان مدعوه ربه وحده لا شريك له، تحقق الانقطاع الصادق بالاضطرار الحقيقي إلى الله تعالى الذي هو شرط في قبول الدعاء *(أمن يجيب
(هامش)
(1) بحار الأنوار 93: 376. (2) الكافي 2: 343 / 1. (3) سورة الإسراء: 17 / 56. (*)
ص 39
المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)*(1). يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لولده الإمام الحسن (عليه السلام): (وألجئ نفسك في أمورك كلها إلى إلهك، فإنك تلجئها إلى كهف حريز ومانع عزيز، واخلص في المسألة لربك، فإن بيده العطاء والحرمان) (2). قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه، فلييأس من الناس كلهم، ولا يكون له رجاء إلا عند الله، فإذا علم الله عز وجل ذلك من قبله لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه) (3). وروي أن الله تعالى أوحى إلى عيسى (عليه السلام): (ادعني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث: يا عيسى، سلني ولا تسأل غيري، فيحسن منك الدعاء ومني الإجابة) (4).
15 - تسمية الحوائج: إن الله تعالى محيط بعباده يعلم حالهم وحاجاتهم، وهو أقرب إليهم من حبل الوريد، ولكنه سبحانه يحب أن تبث إليه الحوائج وتسمى بين يديه تعالى، وذلك كي يقبل الداعي إلى ربه محتاجا إلى كرمه فقيرا إلى لطفه ومغفرته. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا
(هامش)
(1) سورة النمل: 27 / 62. (2) نهج البلاغة: الكتاب (31). (3) الكافي 2: 119 / 2. (4) عدة الداعي: 134. (*)
ص 40
دعاه، لكنه يحب أن تبث إليه الحوائج، فإذا دعوت فسم حاجتك) (1).
16 - ترقيق القلب: ويستحب الدعاء عند استشعار رقة القلب وحالة الخشية التي تنتابه بذكر الموت والبرزخ ومنازل الآخرة وأهوال يوم المحشر، وذلك لأن رقة القلب سبب في الاخلاص المؤدي إلى القرب من رحمة الله وفضله، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (اغتنموا الدعاء عند الرقة، فإنها رحمة) (2). وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (بالاخلاص يكون الخلاص، فإذا اشتد الفزع، فإلى الله المفزع) (3). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا رق أحدكم فليدع، فإن القلب لا يرق حتى يخلص) (4). وكلما رق قلب الداعي كلما كان مهيئا لاستقبال ذخائر الرحمة الإلهية وتحقق قصده في الاستجابة، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا اقشعر جلدك، ودمعت عينك، ووجل قلبك، فدونك دونك، فقد قصد قصدك) (5). أما القلب القاسي بكثرة الذنوب والمعاصي، والقلب اللاهي عن ذكر الله، المتعلق بعرض الدنيا وزخرفها، فكلاهما مطرودان عن رحاب الله تعالى ورحمته، ولا يستجاب لهما دعاء، لأنه ليس ثمة انسجام بين القلب
(هامش)
(1) الكافي 2: 345 / 1. (2) بحار الأنوار 93: 313. (3) الكافي 2: 340 / 2. (4) الكافي 2: 346 / 5. (5) الكافي 2: 346 / 8. (*)
ص 41
واللسان، جاء في وصية النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام علي (عليه السلام): (لا يقبل الله دعاء قلب ساه) (1). وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا يقبل الله عز وجل دعاء قلب لاه) (2). وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (إن الله عز وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلب قاس) (3).
17 - البكاء والتباكي: خير الدعاء ما هيجه الوجد والأحزان، وانتهى بالعبد إلى البكاء من خشية الله، الذي هو سيد آداب الدعاء وذروتها، ذلك لأن الدمعة لسان المذنب الذي يفصح عن توبته وخشوعه وانقطاعه إلى بارئه، والدمعة سفير رقة القلب الذي يؤذن بالاخلاص والقرب من رحاب الله تعالى. قال الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي بصير: (إن خفت أمرا يكون أو حاجة تريدها، فابدأ بالله ومجده واثني عليه كما هو أهله، وصل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسل حاجتك، وتباك ولو مثل رأس الذباب، إن أبي كان يقول: إن أقرب ما يكون العبد من الرب عز وجل وهو ساجد باك) (4). وفي البكاء من خشية الله من الخصوصيات والفضائل ما لا يوجد في غيره من أنصاف الطاعات، فهو رحمة مزجاة من الخالق العزيز لعباده تقربهم من منازل لطفه وكرمه، وتتجاوز بهم عقبات الآخرة وأهوالها.
(هامش)
(1) الفقيه 4: 265. (2) الكافي 2: 344 / 2. (3) الكافي 2: 344 / 4. (4) الكافي 2: 350 / 10. (*)
ص 42
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا أحب الله عبدا نصب في قلبه نائحة من الحزن، فإن الله لا يدخل النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن إلى الضرع) (1). وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (بكاء العيون وخشية القلوب من رحمة الله تعالى ذكره، فإذا وجدتموها فاغتنموا الدعاء، ولو أن عبدا بكى في أمة لرحم الله تعالى ذكره تلك الأمة لبكاء ذلك العبد) (2). وإذا كان البكاء يفتح القلب على الله تعالى، فإن جمود العين يعبر عن قساوة القلب التي تطرد العبد من رحمة الله ولطفه وتؤدي إلى الشقاء. وكان فيما أوصى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام علي (عليه السلام): (يا علي، أربع خصال من الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب، وبعد الأمل، وحب البقاء) (3). واعلم أن البكاء إلى الله سبحانه فرقا من الذنوب وصف محبوب لكنه غير مجد مع عدم الاقلاع عنها والنوبة منها. قال سيد العابدين الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): (وليس الخوف من بكى وجرت دموعه ما لم يكن له ورع يحجره عن معاصي الله، وإنما ذلك خوف كاذب) (4). وإذا تهيأت للدعاء ولم تساعدك العينان على البكاء، فاحمل نفسك على البكاء وتشبه بالباكين، متذكرا الذنوب العظام ومنازل مشهد اليوم
(هامش)
(1) عدة الداعي: 168. (2) بحار الأنوار 93: 336. (3) بحار الأنوار 93: 330 / 9. (4) عدة الداعي: 176. (*)
ص 43
العظيم، يوم تبلى السرائر، وتظهر فيه الضمائر، وتنكشف فيه العورات، عندها يحصل لك باعث الخشية وداعية البكاء الحقيقي والرقة وإخلاص القلب. وقد ورد في الحديث ما يدل على استحباب التباكي ولو بتذكر من مات من الأولاد والأقارب والأحبة، فعن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أدعو فاشتهي البكاء ولا يجيئني، وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق وأبكي، فهل يجوز ذلك؟ فقال (عليه السلام): (نعم، فتذكرهم، فإذا رققت فابك، وادع ربك تبارك وتعالى) (1).
18 - العموم في الدعاء: ومن آداب الدعاء أن لا يخص الداعي نفسه بالدعاء، بل يذكر إخوانه المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، وهو من أهم آداب الدعاء، لأنه يدل على التضامن ونشر المودة والمحبة بين المؤمنين، وإزالة أسباب الضغينة والاختلاف فيما بينهم، وذلك من منازل الرحمة الإلهية، ومن أقوى الأسباب في استجابة الدعاء، فضلا عن ثوابه الجزيل للداعي والمدعو له. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا دعا أحدكم فليعم، فإنه أوجب للدعاء) (2). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا قال الرجل: اللهم اغفر للمؤمنين
(هامش)
(1) الكافي 2: 350 / 7. (2) الكافي 2: 354 / 1. (*)

يتبع


 

رد مع اقتباس