وهذه دعوة نبويّة صادقة تخبرنا عن صدق مقولة اُمّ سليمان ، بل ورد في الحديث الصادقي الشريف أيضآ.
8 ـ قال أبو عبدالله 7 في وصيّته لعبدالله بن جندب : يابن جندب أقلّ النوم بالليل والكلام بالنهار، فما في الجسد شيء أقلّ شكراً من العين واللسان ، فان أُمّ سليمان قالت لسليمان 7: يا بنيّ إيّاک والنوم فانه بفقرک يوم يحتاج الناس إلى أعمالهم[6] .
فلابدّ من يقظة مع العمل الصالح ، والّا فكما قال رسول الله 6 لما رأى شابّاً وسيماً، فسأل عن شغله فاُخبر أنه لا يشتغل ، فقال 6 سقط من عيني .
9 ـ قال الامام الباقر 7: قال موسى 7 لله سبحانه : أيّ عبادک أبغض إليک ؟ قال : جيفة بالليل ـ كناية عن كثرة النوم وانه كالجيفة الميتة والنتنة من أكل الحرام وغير ذلک ـ بطّال بالنهار ـ لا يعمل ولا يشتغل عاطل باطل ، فيعيش في هامش الحياة سفيهاً خفيف العقل ، مستخفاً بحقوق الله وحقّ الناس والأُسرة .
ثمّ من خاف يوم القيامة وخاف أهوال يوم المطلع وعقابها المروعة وخاف الهجوم المباغت في الليل من قبل الأعداء من الجنّ والانس المعبّر عنه بالبيات كيف ينام الليل ؟
10 ـ قال أميرالمؤمنين 7: من خاف البيات قلّ نومه[7] .
وعلى المرء والعبد أن يكون شاكراً لربّه ، وإن شكر فان الله يزيده النعم والآلاء، وانما يشكره بكلّ وجوده بأن يعرف النعمة والمنعم ، وأن يستخدمها في خدمة المنعم ، فكل ما للانسان إنما هي من نعم الله التي لا تعدّ ولا تحصى ، ومن أجمل وأعظم نعمه الحسيّة والشهوديّة العين في جسد الانسان ، فشكرها أن تكون في طاعة الله، وذلک باليقظة الواعية .
11 ـ قال الامام الكاظم 7: (لا تعوّد عينيک كثرة النوم ، فانها أقلّ شيء في الجسد شكراً، فكثير ما تكفر وتستر النِّعم الاخرى .
12 ـ قال الصادق 7: إن الله عزّوجلّ يبغض كثرة النوم وكثرة الفراغ ـ فلا يستغل أوقاته بالعلم والعمل ـ.
13 ـ وقال 7: كثرة النوم مذهبة للدين والدنيا.
فمن كثر نومه خسر الدين والدنيا، فانه يقصر في حياته المعاشية بكثرة نومه ، كما يتهاون في حياته المعاديّة فيذهب الدين والدنيا، كما ورد في المثل يكون كالمستكدى والمستعطي اليهودي ، فلا دين له ولا دنيا، خسر الدنيا والآخرة ، وذلک هو الخسران المبين .
فالحذار الحذار من كثرة النوم ، فانه من طلب العلى سهر الليالي ومن سهر الليالي فاز بالمعالي .
14 ـ عن النبي 6: أنين المؤمن تسبيح ، وصيامه تهليل ، ونومه عبادة .
من لطف الله سبحانه على عباده وخلقه أنه من كان مؤمناً من الرجال والنساء، أن يثيبه على أعماله الصالحة ، ويجزيه بما وعده من الجنّات النعيم ، ويزيد عليه لطفاً، أن يعطيه ويهبه على حالاته ، وإن لم يعمل من فعل أو قول ، فاذا كان صائماً في شهر رمضان المبارک ونام ، فان الله يجعل نومه عبادة ، ومن خصائص العبادة أن تمهد الطريق وتعبّده الى الله سبحانه ، كمن كان راكباً في الطائرة ، فانها يصل من فيها إلى مقصده سواء أكان مستيقظاً أو نائماً، فكما ان المستيقظ يصل إلى مقصوده ، كذلک النائم ، وكذلک الصائم في طائرة صومه ، يحلّق إلى ربّه وإن كان نائماً في ساعات نهاره ، وكذلک أنين المؤمن من آلامه وأوجاعه ، فانّه يُثاب عليه بثواب التسبيح وكمن قال (سبحان الله) وصيامه كمن قال (لا اله إلّا الله) ونومه عبادة ، تُقرّبه إلى الله سبحانه ، وبمثل هذا يتكامل الانسان ويصل إلى فلسفة حياته وسرّ وجوده .
15 ـ قال النبي 6: النوم على سبعة أوجهٍ : نوم الغفلة فهو الذي في مجلس الذكر، ونوم الشقاوة فهو الذي وقت الصبح ، ونوم العقوبة فهو النوم الذي وقت الصلاة ، ونوم اللّعنة وهو الذي فيه بعد صلاة الفجر، ونوم الراحة فهو النوم عند استواء النهار، ونوم الرخصة فهو نوم العشاء، ونوم الحسرة فهو نوم ليلة الجمعة .
الحديث الشريف واضح المعنى ، فان انقسام النوم انماهو باعتبار متعلّقة ، كما أن بعض الأقسام انما استعمل فيه الكناية والمجاز، فمن كان في مجلس الذكر الذي يذكر فيه اسم الله سبحانه أو يذكر فيه العلم والحكمة ، فانّه مَن نام عن مثل هذا المجلس ، فإنّه يعد من الغافلين المبعدين عن الرحمة الالهيّة ، ومن ثمّ لا يفوز بالمكارم والعُلى والمفاوز، وأمّا نوم الشقاء وحرمانه من السعادة ، فانه لمن نام وقت الصبح أي وقت تقسيم الأرزاق كما مرّ، ومن نام عن صلاته كيف لا يعاقب على نومته ؟ ويبعد عن الرحمة الالهيّة ، والذي يكون بمعنى اللعنة من نام بعد صلاة الفجر، فان المؤمن النشط يبكر في طلب رزقه أو علمه ، فكيف ينام وقت الفجر، وانّما تتمدّد أعصابه وينام براحة وهناء عند إستواء النهار قبل الزوال بساعة والتي يسمى بنوم القيلولة ويرخص له أن ينام بعد صلاة العشاء، وأمّا نوم الحسرة ، فانه يتحسّر يوم القيامة على ساعة نامها في ليالي الجُمع ، فان ليلة الجمعة ليلة مباركة لمن استيقظها بالعبادة والطاعة وطلب العلم النافع والعمل الصالح .
16 ـ في الحديث القدسي : يا موسى كذب من زعم انه يُحبّني وهو ينام طول ليلته ، أليس كلّ حبيب يُحبّ الخلوة مع حبيبه ؟
إنّ العلاقة بين العبد وربّه علاقة في أسمائه الحسنى وصفاته العليا، علاقة الربّ والمربوب ، ومن ثمّ تكون التجلّيات الربوبيّة والظليّة ، فانت الرازق وأنا المرزوق ، وأنت الخالق وأنا المخلوق ، وأنت المالک وأما المملوک ، وأنت السيّد وأنا العبد، وهكذا باقي الأسماء والصفات ، إلّا الحبّ والولاية : فأنت الحبيب الولي وأنا الحبيب الولي ، فكما ان الله يتّصف بالولاية والحبّ ، وانّه ولي عبده المؤمن ، كذلک العبد يتّصف بالولاية والحب وانه ولي ربّه(يُحبُّهُمْ وَيُحبُّونَهُ )[8] ، وهذا ان
دلّ على شيء فانّه يدلّ على عظمة الحبّ بين العبد وربّه ، ثمّ للحب علامات ومن أبرز علاماته : أنّ الحبيب يحب خلوة حبيبه ، ويأنس به ، كما في دعاء صلاة الليل «غارَتِ النُّجُومُ وَنامَتِ الْعُيُونُ وَ خَلا كُلُّ حَبيüبٍ بِحَبيüبِهِ وَ خَلَوْتُ بِکَ اَنْتَ الَْمحْبُوبُ اِلَىَّ » فمن أحبّ الله فانّه لا ينام كلّ الليل كالبهائم ، بل يتهجّد فيه ويقوم نصفه أو يزيد أو ينقص ، وكما قال الامام الصادق 7 عجبت لمن يدّعي حبّ الله كيف ينام الليل ، فانّ النوم على المحبّين حرام ، فمن يزعم انّه يحبّ الله إمّا أن يكون صادقاً في زعمه ودعواه أو كاذباً، ولكلّ شيء بيّنة ودليل ، وبينة صدقه أن يقوم ليله بمناجات ربه ، كذب من زعم أنّه يحبّ الله وهو ينام طول ليلته ، أليس من الوجدان أن كلّ حبيب يحبّ الخلوة مع حبيبه ؟ اللّهمّ أرزقنا حبّک وحبّ من يحبّک ، وحبّ كلّ عمل يوصلنا إلى قربک ، آمين .
17 ـ وكان الامام الرضا 7 قليل النوم بالليل كثير السهر، يُحيى أكثر لياله من أوّلها إلى الصبح ، ولكم في رسول الله 6 وعترته الأطهار : اُسوة حسنة وقدوة صالحة ، فإن من سيرتهم الذاتيّة ان يسهروا الليالي ، ويقومونها بالعبادة والزلفى إلى الله سبحانه ، فهذا ثامن الحجج مولانا الامام علي بن موسى الرضا 7 قليل النوم بالليل كثير السهر، ومن أن أراد أن يحشر معه ، لابدّ أن يكون في خطّه ونهجه ويتحلّى بأفعاله وأقواله ، وأن يشبهه في سلوكه ، فان الجنس مع الجنس يميل ، والسنخيّة علّة الإنضمام ، فكيف يكون جيرانه يوم القيامة اذا لم يشبّه به ، ويقتدي بهديه ، وكيف يدّعي المؤمن انّه من شيعته ولا يتّبع خطاه ، ولا ينهج مناهجه القويمة ، فان المحب لمن يحب مطيع ، وهذا أمر واضح لا غبار عليه .
18 ـ عن رسول الله 6: ما زال جبرئيل يوصيني بقيام الليل حتّى ظننت أنّ خيار اُمّتي لن يناموا.
هذا الحديث النبوي الشريف صريح بأنّ اُمّة محمّد المصطفى 6 ليسوا سواء، فمنهم الأخيار الأبرار ومنهم عامّة الناس ، واذا كان حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين ، فما بالک بالعامّة والخاصة الأبرار.
|