عرض مشاركة واحدة
قديم 11-13-2019, 05:05 PM   #2
المراقبين


الصورة الرمزية شجون الزهراء
شجون الزهراء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 465
 تاريخ التسجيل :  Mar 2012
 أخر زيارة : 04-21-2024 (10:40 PM)
 المشاركات : 5,025 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي




فقال بعض اليهود لحبر من احبارهم : ما بكاؤكم؟ قال : من هذا الرجل الذي يظهر منه سفك الدماء، وقد جاءكم السفاك الفتاك الذي تقاتل معه الاملاك، المعروف بكتبكم بالماحي، وهذا انواره قد ابتدرت. قال : فبكى اليهود من قوله وقالوا له : يا ابانا، فهل هذا الذي ذكرت نصل الى قتله ونكفى شره؟.

فقال لهم : هيهات، حيل بينكم وبين ما تشتهون، وعجزتم عما تأملون، ان هذا هو المولود الذي ذكرت لكم، يقاتل معه الاملاك في الهواء، ويخاطب من السماء، ويقول : قال جبرئيل عن رب السماء، فقالوا : هذا تكون له هذه المنزلة؟ قال : اعز من الولد عند الوالد، فانه اكرم اهل الارض على الله تعالى، واكرم اهل السموات، فقالوا : ايها السيد الكريم، نحن نسعى في اطفاء ضوء هذا المصباح قبل ان يتمكن ويحدث علينا منه كل مكروه.

واضمر القوم لهاشم العداوة، وكان بدو عداوة اليهود من ذلك اليوم لرسول الله (صلى الله عليه واله)، فلما اصبح هاشم امر اصحابه ان يلبسوا افخر اثوابهم، وان يظهروا زينتهم، فلبسوا ما كان عندهم من الثياب، وما قد اعدوا للزينة والجمال، واظهروا التيجان والجواشن والدروع والبيض، فاقبلوا يريدون سوق بني قينقاع، وقد شدوا لواء نزار على قناة، واحاطوا بهاشم عن يمينه وعن شماله، ومشى قدامه العبيد، وابو سلمى معهم واكابر قومه ومعهم جماعة من اليهود.

فلما اشرفوا على السوق، وكان يجتمع اليه الناس من اقاصي البلاد واقطارها واهل الحضر و سكانها، فنظر القوم الى هاشم واصحابه وتركوا معاشهم، واقبلوا ينظرون الى هاشم، ويتعجبون من حسنه وكماله وجماله، وكان هاشم بين اصحابه كالبدر المنير بين الكواكب، وعليه السكينة والوقار، فاذهل بجماله اهل السوق، وجعلوا ينظرون الى النور الذي بين عينيه، وكان سلمى بنت عمرو واقفة مع الناس تنظر الى هاشم وحسنه وجماله، وما عليه من الهيبة والوقار؛ اذ اقبل عليها ابوها وقال لها : يا سلمى، ابشرك بما يسرك ولا يضرك، وكانت معجبة بنفسها من حسنها وجمالها.

فلما نظرت الى هاشم وجماله نسيت حسنها وجمالها، وقالت : يا أبت، بما تبشرني؟ قال : ان هذا الرجل اليك خاطب، وفيك راغب، وهو يا سلمى من أهل الكفاف والعفاف، والجود والاضياف، هاشم بن عبد مناف، وانه لم يخرج لغير ذلك.

فلما سمعت سلمى كلام ابيها أعرضت عنه بوجهها، وادركها الحياء، فأمسكت عن الكلام، ثم قالت : يا أبت، ان النساء يفتخرن على الرجال بالحسن والجمال، والقدر والكمال، فاذا كان زوج المراة سيدا من سادات العرب، وكان مليح المنظر المخبر، فما اقول لك، وقد عرفت ما جرى بيني وبين احيحة بن الجلاح الاوسي وحيلتي عليه حتى خلعت نفسي منه لما علمت انه لم يكن من الكرام، وان هذا الرجل يدل عظمته ونور وجهه على مروته، واحسانه يدل على فخره، فان يكن القوم – كما ذكرت- قد خطبونا ورغبوا فينا، فاني فيهم راغبة، ولكن لا بد ان اطلب منهم المهر، ولا أصغر نفسي، وسيكون لنا ولهم خطاب وجواب، وكان القول منها لحال ابيها؛ لانها لم تصدق بذلك حتى نزل هاشم قريبا من السوق، واعتزل ناحية منه، فاقبل اهل السوق مسرعين ينظرون الى نوره حتى ضاع كثير من متاعهم ومعاشهم من نظرهم اليه، وقد نصبت له خيمة من الحرير الاحمر، ووضعت له سرادقات.

فلما دخل هاشم و اصحابه الخيمة تفرق اهل السوق عنهم، وجعل يسال بعضهم بعضا عن امر هاشم وقومه، وما اقدمهم عليهم من مكة : انه جاء خاطبا لسلمى، فحسدوها عليه، وكانت اجمل اهل زمانها، واكملهم حسنا وجمالا، وكانت جارية تامة معتدلة، لها منظر ومخبر، كاملة الاوصاف، معتدلة الاطراف، سريعة الجواب، حسنة الاداب، عاقلة، ظريفة، عفيفة، لبيبة، طاهرة من الادناس، فحسدوها كلهم على هاشم حتى حسدها ابليس (لعنه الله)، وكان قد تصور لها في صورة شيخ كبير، وقال : يا سلمى، انا من اصحاب هاشم، قد جئتك ناصحا لك، اعلمي ان لصاحبنا هذا من الحسن والجمال ما رأيت، الا انه رجل ملول للنساء، لا تقيم المرأة عنده اكثر من شهرين اذا اراد، والا فعشرة ايام، وقد تزوج نساء كثيرة، وع ذلك انه جبان في الحروب، فقالت سلمى : اليك عني، فوالله! لو ملا لي حصنا من المال ما قبلته، ولو ملأ لي حصون خيبر ذهبا وفضة ما رغبت فيه لهذه الخصال التي ذكرت، ولقد كنت احببته ورغبت فيه، وقد قلت رغبتي فيه لهذه الخصال، اذهب عني، فانصرف عنها وتركها في همها وغمها.

ثم ان ابليس (لعنه الله) تصور لها بصورة اخرى، وزعم انه من اصحاب هاشم، وذكر لها مثل الاول، فقالت : اولست الذي أرسلت اليك ان لا يرسل الي رسولا بعد ذلك.

فسكت ابليس (لعنه الله) فقالت : ان أرسل رسولا بعدك أمرت بضرب عنقه، فخرج ابليس فرحا مسرورا، وقد القى في قلبها البغضة لهاشم، وظن ان هاشما يرجع خائبا، فعند ذلك دخل عليها أبوها فوجدها في سكرتها وحيرتها، فقال : يا سلمى، ما الذي حل بك هذا اليوم، وهذا يوم سرورك!؟.

فقالت : يا أبت، لا تزدني كلاما، فقد فضحتني، وشهرت امري، اردت ان تزوجني رجلا ملولا للنساء، كثير الطلاق، جبانا في الحروب، فضحك ابوها وقال : يا سلمى والله! ما لهذا الرجل شيء من هذه الخصال الثلاث، وان الى كرمه الغاية، والى جوده النهاية، وانما سمي هاشما لانه اول من هشم الثريد لقومه، واما قولك : كثير الطلاق، فانه ما طلق امراة قط، واما قولك : جبان، فهو واحد أهل زمانه في الشجاعة، وانه لمعروف عند الناس بالجواب والخطاب والصواب، فقالت : يا أبت، لو انه ما جاءني عنه الا واحد كذبته وقلت انه عدو له، وقد جاءني ثلاثة من نفر كل واحد منهم يقول مثل مقالة الاخر فقال ابوها : ما رأينا منه رسولا : ولا جاءنا منه خبر، وكان الشيطان يظهر لهم في ذلك الزمان ويأمرهم وينهاهم، وقد صح عندها ما قال الرجيم، وهي تظن انه من بني آدم، وهاشم لا يعلم شيئا من ذلك، وكان قد عول على خطبتها في غد في جمع من قومه.


 
 توقيع : شجون الزهراء

اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.


رد مع اقتباس