عرض مشاركة واحدة
قديم 11-13-2019, 05:05 PM   #3
المراقبين


الصورة الرمزية شجون الزهراء
شجون الزهراء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 465
 تاريخ التسجيل :  Mar 2012
 أخر زيارة : اليوم (04:51 AM)
 المشاركات : 5,025 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي





ثم ان سلمى خرجت في بعض حوائجها، وهي تحب ان تنظر الى هاشم، فجمع بينهما في الطريق، فوقع في قلبها امر عظيم من محبته، وكان في ذلك الزمان لا تستحي النساء من الرجال، ولا يضرب بينهن حجاب، الى ان بعث الله محمدا (صلى الله عليه واله).

ونزل طائفة من اليهود من جهة خيمة هاشم، ولما اجتمعت سلمى بهاشم عرفته بالنور الذي في وجهه، وعرفها ايضا هو، فقالت : يا هاشم، قد احببتك واردتك، فاذا كان غد فاخطبني من ابي، ولا يعز عليك ما يطلب أبي منك، فان لم تصله يدك ساعدتك عليه.

فلما اصبح تأهب هاشم للقاء القوم فتزينوا بزينتهم، واذا اهل سلمى قد قدموا، فقام من كان في الخيمة اجلالا لهم، وجلس هاشم واخوه وبنوا عمه في صدر الخيمة، فتطاولت القوم الى هاشم فابتدأهم المطلب بالكلام، وقال : يا أهل الشرف والاكرام، والفضل والانعام، نحن وفد بيت الله الحرام، والمشاعر العظام، والينا سعت الاقدام، وانت تعلمون شرفنا وسؤددنا، وما قد خصنا الله به من النور الساطع، والضياء اللامع، ونحن بنو لؤي بن غالب، قد انتقل هذا النور الى عبد مناف، ثم الى اخينا هاشم، وهو معنا من ادم، الى ان صار الى هاشم، وقد ساقه الله اليكم، وقدمه عليكم، فنحن لكريمتكم خاطبون، وفيكم راغبون.

ثم امسك عن الكلام، فقال عمرو ابو سلمى : لكم التحية والاكرام، والاجابة والاعظام، وقد قبلنا خطبتكم، واجبنا دعوتكم، وانتم تعرفون علتنا، ولا يخفى عليكم احوالنا، ولا بد من تقديم المهر كما كان سلفنا واباؤنا، ولولا ذلك ما واجهناكم بشيء من ذلك ولا قابلناكم به أبدا، فعند ذلك قال المطلب : لكم عندي مائة ناقة سود الحدق، حمر الوبر، لم يعلها جمل، فبكى ابليس (لعنه الله)، وكان من جملة من حضر، وجلس عند ابي سلمى، وأشار اليهان اطلب الزيادة، معاشر السادات، ما هذا قدر ابنتنا عندكم.

فقال عبد المطلب : ولكم الف ألف مثقال من الذهب الاحمر، فغمز ابليس (لعنه الله) أبا سلمى، واشار اليه ان اطلب الزيادة، فقال : يا فتى قصرت في حقنا فيما قلت، واقللت فيما بذلت، فقال : ولكم عندنا حمل عنبر، وعشرة اثواب من قباطي مصر، وعشرة من ارض العراق، فقد انصفناكم، فغمز ابليس (لعنه الله) ابا سلمى وأشار اليه ان اطلب الزيادة، فقال : يا فتى، قد قاربت واجملت.

قال له المطلب : ولكم خمس وصائف برسم الخدمة، فهل تريدون اكثر من ذلك؟.

فاشار اليه ابليس (لعنه الله) ان اطلب الزيادة، فقال ابو سلمى : يا فتى، ان الذي بذلتموه لنا اليكم راجع.

فقال المطلب : ولكم عشر اواق من المسكم الاذفر، وخمسة اقداح ما الكافور، فهل رضيتم ام لا؟ فهم ابليس ان يغمز ابا سلمى، فصاح به ابو سلمى وقال له : يا شيخ السوء، اخرج لقد جئت شيئا نكرا، فوالله! لقد اخجلتني، فقال له المطلب : اخرج يا شيخ السوء، فقام الشيطان وخرج وخرج اليهود معه.

ثم قال ارمون بن قيطون رئيس اليهود : يا قوم، ان هذا الشيخ يعني ابليس (لعنه الله) احكم الحكماء، وهو معروف في بلادنا بالحكمة، وفي الشام والعراق، وبعد ذلك اننا ما نزوج ابنتنا برجل غريب من غير بلدنا، فقامت اليهود وهم أربعمائة يهودي، وأهل الحرم أربعون سيدا وجردوا سيوفهم، وقال هاشم لأصحابه : دونكم القوم، فهذا تأويل رؤياي، فقامت الصيحة فيهم، فوثب المطلب على أرمون بن قيطون، ووثب هاشم على ابليس (لعنه الله)، فانحاز يريد الهرب، فادركه هاشم وقبضه ورفعه وجلد به الارض، فصرخ صرخة عظيمة لما غشاه نور رسول الله (صلى الله عليه واله) وصار ريحا، فالتفت هاشم الى اخيه المطلب فوجده قد قتل أرمون بن يقطون وقسمه نصفين، وقتل هاشم واصحابه جمعا كثيرا من اليهود، ووقعت الرجفة في المدينة، وخرج الرجال والنساء، وانهزم اليهود على وجوههم، ورجع ابو سلمى وقال لقومه : مزجتم الفرح بالترح، وما كان سبب الفتنة الا من إبليس (لعنه الله)، فوضع السيف عن اليهود بعد ان قتل منهم اثنين وسبعين رجلا، وكانت عداوة اليهود لرسول الله (صلى الله عليه واله) من ذلك اليوم.

ثم ان هاشما قال لاصحابه : هذا تأويل رؤياي.

فقال هاشم : يا معاشر اليهود، انما اغواكم الشيطان الرجيم، فانظروا الى صاحبكم، فان وجدتموه فاعلموا انه كما زعمتم حكيم من حكمائكم، وان لم تجدوه فقد حيل بينكم وبينه، وظننتم انه من احباركم، وما هو الا الشيطان اغواكم.

ثم ان ابا سلمى عمد الى اصلاح شانه، ورجع القوم الى أماكنهم وقد امتلأوا غيظا على اليهود، فاقبل هاشم الى منزله وأصلح الولائم، وأمر العبيد ان يحملوا الجفان المترعة باللبن ولحوم الضأن والابل، ثم ان عمرا مضى الى ابنته وقال لها : ان الرجل الذي يقول لك ان هاشما لجبان قد نطق بالمحال، والله! لولا ان امسكه وألحف عليه ما ترك من القوم واحدا، فقالت : يا أبت، امض معهم على كل حال ولا ملامة للائم.

قال : فلما اكلوا ورفعوا ايديهم، قال لهم ابو سلمى : يا معاشر السادات، اصرفوا عن قلوبكم الغيظ وكل هم، فنحن لكم وابنتنا هدية.

فقال المطلب : لك ما ذكرناه وزيادة، ثم قال : يا اخي هاشم، أرضيت بما تكلمت به عنك ؟ .

قال : نعم، فعند ذلك تصافحوا، ومضى ابو سلمى واخرج من كمه دنانير ودراهم فنثر الدنانير على هاشم واخيه المطلب، ونثر الدراهم على اصحابه، ونثر عليهم المسك الاذفر والكافر والعنبر حتى غمر اطمارهم، ثم قال : يا هاشم، تحب الدخول على زوجتك هذه الليلة، او تصبر لها حتى نصلح لها شانها؟.

قال : بل اصبر حتى تصلح شانها، فعند ذلك امر بتقديم مطاياهم، فركبوا وخرجوا.

ثم ان هاشما دفع الى اخيه المطلب ما حضره من المال، وامره ان يدفعه الى سلمى، فلما جاءها المطلب فرحت به وبذلك المال ، وقالت : يا سيد الحرم، وخير من مشى على قدم، سلم على اخيك وقل له : ما الرغبة الا فيك، فاحفظ منا ما حفظنا منك .

ثم اقام هاشم اياما ودخل على زوجته سلمى في مدينة يثرب، وحضر عرسها الحاضر والبادي من جميع الافاق، فلما دخل بها رأى ما يسره من الحسن والجمال والهيبة والكمال.

ثم ان سلمى دفعت اليه جميع المال الذي دفعه اليها وزادته اضعافا فلما واقعها حملت منه في ليلتها بعبد المطلب جد رسول الله (صلى الله عليه واله)، ولما انتقل النور الذي كان في وجهه الى سلمى زادها حسنا وجمالا وكمالا، حتى شاع حسنها في الافاق، وكان يناديها الشجر والحجر والمدر بالتحية والاكرام، وتسمع قائلا يقول عن يمينها : السلام عليك يا خير البشر، ولم تزل تحدث بما ترى حتى حذرها هاشم، فكانت تكتم امرها عن قومها حتى اذا كان ذات ليلة سمعت قائلا يقول : لك البشرى اذا اوتيت أكرم من مشى وخير النساء من حضر وبدا، فلما سمعت ذلك لم تدع هاشما يلامسها بعد ذلك.

ثم ان هاشما اقام في المدينة اياما حتى اشتهر حمل سلمى، فقال لها : يا سلمى، اني اودعتك الوديعة التي وادعها الله تعالى آدم، واودعها ادم ولده شيتا، ولم يزالوا يتوارثها من واحد الى واحد الى ان وصلت الينا، وشرفنا الله بهذا النور، وقد اودعته اياك، وها انا اخذ عليك العهد والميثاق بان تقيه وتحفظيه، وان اتيت به وانا غائب عنك فليكن عندك بمنزلة الحدقة من العين، والروح بين الجنبين، وان قدرت على ان لا تراه العيون فافعلي، فان له حسادا واضدادا، واشد الناس عليه اليهود، وقد رأيت ما جرى بيننا وبينهم يوم خطبتك، وان لم ارجع من سفري هذا، او سمعت اني قد هلكت، فليكن عندك محفوظا مكرما الى ان يترعرع، واحمليه الى الحرم الى عمومته في دار عزه ونصرته، ثم قال لها : اسمعي واحفظي ما قلت لك، قالت : نعم قد سمعت واطعت، ولقد أوجعتني بكلامك، فانا اسال الله ان يردك سالما.

ثم خرج هاشم واخوه المطلب واصحابه، واقبل عليهم وقال : يا بني ابي وعشيرتي من بني لؤي، ان الموت سبيل لا بد منه، وانا غائب عنكم ولا أدري اني ارجع اليكم ام لا، وانا اوصيكم : اياكم والتفرق والشتات فتذهب حميتكم، وتقل قيمتكم، ويهون قدركم عند الملوك، ويطمع فيكم الطامع، فهل انت يا اخي لما اقول لك سامع؟ واني مخلف فيكم، ومقدم عليكم اخي المطلب دون اخوتي، لانه من أبي وامي، وأعز الخلق عندي، وان سمعتم وصيتي وقدمتوه وسلمتم اليه مفاتيح الكعبة وسقاية الحاج ولواء نزار وكل ما كان من مكارم الانبياء؛ سعدتم، واني اوصيكم بولدي الذي اشتملت عيله سلمى، فانه سيكون له شأن عظيم، ولا تخالفوا قولي، قالوا : سمعنا واطعنا، غير انك كسرت قلوبنا بوصيتك، وازعجت افئدتنا بقولك.

قال : ثم ان هاشما سافر الى غزة الشام، فحضر موسمها، وباع امتعته، واشترى ما كان يصلح له، واشترى لسلمى طرفا وتحفا، ثم انه تجهز للسفر، فلما كانت الليلة التي عزم فيها على الرحيل طرقته حوادث الزمان، واتته العلة، فأصبح مثقلا، وارتحل رفقاؤه وبقي هاشم وعبيدة واصحابه.

فقال لهم : الحقوا بأصحابكم، فاني هالك لا محالة، فارجعوا الى مكة، وان مررتم على يثرب فاقرؤوا زوجتي سلمى عني السلام، وخبروها بخبري، وعزوها شخصي، واوصوها بولدي، فهو أكبر همي، ولولاه ما نلت أمري، فبكى القوم بكاء شديدا، وقالوا : ما نبرح عنك حتى ننظر ما يكون من امرك، واقاموا يومهم، فلما اصبحوا ترادفت عليه الامراض، فقالوا له : كيف تجد نفسك؟.

فقال : لا مقام لي معكم اكثر من يومي هذا، وغدا توسدوني التراب، فبكى القوم بكاء شديدا، وعلموا انه مفارق الدنيا، ولم يزالوا يشاهدونه حتى طلع الفجر الاول، فاشتد به الامر، فقال لهم : أقعدوني وسندوني واتوني بدواة وقرطاس، فأتوه بما طلب، وجعل يكتب واصابعه ترتعد، فكتب : باسمك اللهم، هذا كتاب كتبه عبد ذليل جاءه امر مولاه بالرحيل، اما بعد، فاني كتبت اليكم هذا الكتاب وروحي بالموت تجاذب؛ لانه لا لاحد من الموت مهرب، واني قد انفذت اليكم اموالي فتقاسموها بينكم بالسوية، ولا تنسوا البعيدة عنكم التي اخذت نوركم، وحوت عزكم، سلمى.

وأوصيكم بولدي الذي منها، وقولوا لخلادة وصفية ورقية يبكين علي ويندبنني ندب الثاكلات، ثم بلغوا سلمى عني السلام، وقولوا لها : آه، ثم آه، اذ لم اتزود من قربها، والنظر اليها والى ولدها، والسلام عليم ورحمة الله وبركاته الى يوم النشور.

ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه الى اصحابه، وقال : اضجعوني، فاضجعوه، فشخص ببصره نحو السماء، ثم قال : رفقا رفقا ايها الرسول بحق ما حملت من نور المصطفى، فكانه كان مصباحا فانطفى.

ثم لما مات جهزوه ودفنوه، وقبره معروف هناك.


 
 توقيع : شجون الزهراء

اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.


رد مع اقتباس