والمشهد اليوم غدا مسجداً اسمُه «مسجد الحسنين»، وذلك بعد أن جدّده محمود بن زنكي، ونزع عنه صفة المشهد - فُعِلَ نظيرُه بمشهدِ بعلبك - وسُجّل ذلك [التجديد] على رَقيم حجري في المدخل الخارجي.
ومع ذلك فإنّ هذا التزييف لصِفة المشهد الأساسيّة لم يؤدِّ إلى نسيانها، فبعد ستة قرون من تجديد ابن زنكي له جُدّد أيضاً على يد أحد رجال الدولة العثمانيّة، الذي سجّل رقيماً آخر على المدخل نفسه، قال فيه:
«جدّدَ المشهدَ الشهيرَ برأس الحسين ".." أحمد آغا المعروف بابن الشّرابدار ".." 1023 هـ».
كما وردَ ذكرُه بالصّفة نفسها في قصيدة نوري باشا الكيلاني على التُّرب والقامات الموجودة في «حماة»، ومطلعُها:
دارُ السعادة هذه وحمـاهــا فالـ دارُ أيـنَ غـدتْ وأيـنَ حمـاهـا
إلى أن يقول:
وبتاجِ فخري مَن له ختم العبا مَن جدُّه أسنى الخلائق جـاها
أعني الحسينَ وذاك موضعُ رأ سِه لمّا به قصدوا يزيدَ سفاها
قسماً لحتّى الآن مسكٌ عابقٌ بـمـكانِـه فـيـنـا يُــؤجّـج آهــا
وفي (نفَس المهموم): في بعض الكتب [رياض الأحزان للمولى حسن القزويني] نقلاً عن بعض أرباب المقاتل أنّه قال: لمّا سافرتُ إلى الحجّ فوصلتُ إلى حماه رأيت بين بساتينها مسجداً يُسمّى مسجد الحسين عليه السَّلام. قال: فدخلتُ المسجد فرأيت في بعض عماراته سِتراً مسبلاً من جدار، فرفعتُه ورأيت حجراً منصوباً في جدار، وكان الحجر مؤرّباً فيه موضعُ عنقِ رأسٍ أثّر فيه، وكان عليه دمٌ متجمّد، فسألت من بعض خدّام المسجد ما هذا الحجر والأثر والدّم؟ فقال لي: هذا الحَجر موضع رأس الحسين عليه السَّلام، وضعَه القوم الذين ساروا به إلى دمشق، إلخ.
7- مشهد حمص: أوّل من أشار إلى وجود مشهد للإمام الحسين عليه السَّلام فيها هو ابن شهرآشوب المازندراني أيضاً. مكان المشهد اليوم في شارع أبي الهول بالمدينة القديمة. عُرف لمدّة بـ «الزاوية الحسنويّة»، وهو عبارة عن قطعة أرض موقوفة.
والأمر الذي كان معروفاً بين أهل المدينة حتّى وقتٍ غير بعيد أنّ الزاوية الحسنويّة كانت مِن قبلُ مشهداً للإمام الحسين عليه السَّلام، ثمّ عُرف المكان باسم «جامع عليّ والحسين»، ثمّ جُعل زاوية، وانتهى قطعة أرضٍ بور، محميّةٍ لما لها من صفة وقفيّة.
ويجدر هنا الإلفات إلى التغيّرات الجذريّة التي نزلت بالمدينة بعد أن حال أمرُ التشيُّع في شمال ووسط «سوريا» ومنها «حمص»، على يد العناصر العسكريّة القادمة من أطراف العالم الإسلامي، على موجة جهاد الصليبيّين. وكان من آثاره أن بدّل صفة الكثير من معالمها. وهذا منها.
8- مشهد بعلبك: وفيها مسجدٌ قديم خرِب، موقعه إلى جانب البركة المتكوّنة من نبع «رأس العين» المعروف. وما بقي منه يدلّ على ما كان عليه في الماضي من عَظَمة وجلال.
والمتداول بين أهل المدينة أنّ أصلَه مشهدٌ أُنشىء في المكان الذي نزله موكب السبايا القادم من «حمص» في طريقه إلى «دمشق». ومن الثابت المؤكّد أنّ الرّكب مرّ بـ «بعلبك» ونزلها، وأنّ أهل المدينة المضلّلين استقبلوه بمظاهر الزّينة والفرح. والمكان يتوفّر فيه الشّرط الذي يطلبه قادة الرّكب بكونه بعيداً عن البلد بحيث يمتنع أو يصعب على أهلها الاتّصال بالسبايا، وبالتالي معرفة هويّتهم الحقيقية.
الإسم المتداول على ألسِنة الناس لهذا المكان هو «مسجد/ مشهد رأس الإمام الحسين عليه السَّلام» ولكنّ الإسم المدوّن في سجلّات مديريّة الآثار اللبنانيّة هو «مسجد الظاهر بيبرس»، نسبةً إلى الظاهر بيبرس المملوكي البندقداري (حكم: 658 – 676 هـ).
لكن الذي يؤخذ من الأدلّة والوثائق أنّ بيبرس هذا لا شأن له ببناء المشهد من قريب أو بعيد، وإنّما جرى تجديده بأمرٍ منه، يؤيّد ذلك المؤرّخ المعاصر عزّ الدين بن شدّاد (ت: 684 هـ) في الجزء الثاني من كتابه (الأعلاق الخطيرة).
ويُستفاد من نصَّي رقيمَين أحدهما موجود حتّى اليوم على بعض جدران المسجد، والآخر منقول نقلاً موثّقاً أنّ أعمال التجديد الأولى بدأت في العام نفسه الذي مات فيه بيبرس، ومن ثمّ تابعها ابنه الملك السعيد، غايتهما من ذلك كلّه نزع صفة المشهديّة الأصليّة من خلال إضافة المحراب الذي يشهدُ بروزُه عن جسم البناء أنّه مضافٌ على هندستِه الأصليّة. وكذا المنبر الذي ما يزال أساسُه ظاهراً إلى يمين المحراب.
إلّا أنّ الملاحظة الأبرز هي انعدام أثر المئذنة في خرائب هذا المسجد، مع أنّ جسمها من الأجزاء الأساسيّة في أيّ مسجد، كما أنّ أساسها تكون أمتن وأوثق بنياناً، وبالتالي أقدر على مقاومة عوامل الخراب المختلفة، لأنّها تحمل ثقلاً هائلاً على مساحةٍ ضيّقة نسبيّاً. فعدمُ وجود أيّ أثر لمئذنة دليل على أنها لم تكن أصلاً.
فهذه أدلّةٌ على صحّة الإسم المتداول على ألسنة الناس وهو «مسجد/ مشهد رأس الحسين عليه السَّلام». يُضاف إلى هذه الأدلّة أنّه من المستبعد جدّاً ومن غير المألوف أن يُشاد مسجدٌ خارجَ البلد، كان يبعد عن سورها الجنوبيّ مسافة كيلو متر تقريباً.
9- مَشهدا دمشق:
1- «مشهد الرأس» وهو في بناءٍ مستقلّ، ملاصقٍ للجامع الأموي من شرقيّه، وقد بُني مؤخّراً بناءً متقناً وزُيّن من الداخل بهندسة إسلاميّة جميلة، وهو اليوم من المزارات المعروفة المقصودة. ذكرَه ابن عساكر في (تاريخ دمشق)، قال: «يُقال إنّ رأس الحسين بن عليّ عليه السَّلام وُضع به حين أُتي به إلى دمشق»، وذكره الهرَوي في (الإشارات) وسمّاه «مشهد الحسين وزين العابدين» فزاوجَ بينه وبين المشهد الآتي ذكرُه.
2- «مشهد زين العابدين» ومكانه ما بين المسجد الأموي و«مشهد الرّأس»، وله ذكرٌ عريض في تواريخ «دمشق»، وقد يُسمّى في بعضها القليل «مشهد عليّ بن الحسين». والظاهر أنّ تخصيص المشهد باسمه عليه السَّلام لأنّه كان يُشاهد فيه وهو يُصلّي أو يجلس، أثناء المدّة التي قضاها في «دمشق»، فكان أن أطلق أهلُ المدينة اسمَه على المكان بعد أن غادرها. ودلالة ذلك تُدهِش المتأمّل، إذ أنّها تكشف عن مودّةٍ مضمرةٍ تجاه أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله في قلب عاصمة الأمويّين.
10- مشهد عسقلان: وأمّا «مشهدُ عسقلان» الذي ذكرَه ابنُ شهراشوب، فقد ورد ذِكرُه أيضاً في تاريخ ابن خلّكان، وأيّده ابن بطوطة فذكره في رحلتِه، وقال: «مسجد عظيم سامي العلوّ»، مشيراً إلى أنّ الرّأس الشريف دُفن فيه قبل نقله إلى القاهرة [على الرواية التي تقول بذلك]، وكذا قال الهرَوي في (الإشارات)، وأنّ الرأس الشريف نُقل إلى القاهرة عندما استولى الفرنجة على عسقلان سنة 549 للهجرة.
نستطيع ان نستنتج ان عبيد الله بن زياد وسيده يزيد بن معاوية بن اي سفيان أرادوا التنكيل بآل رسول الله من خلال هذا المسير الذي سلكوهم به وللتشهير بهم امام الملأ بأنهم خوارج لهذا طافوا بهم هذه البلدان والمدن وأرهقوهم أيما إرهاق، إلا أن النتيجة كانت على عكس ما خطط له أعداء الله، حيث أتضح لجمهور الناس كذب يزيد بن معاوية والطاغية عبيد الله بن زياد.
اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|