10-05-2018, 12:41 AM
|
#3
|
المراقبين
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 465
|
تاريخ التسجيل : Mar 2012
|
أخر زيارة : 06-19-2025 (02:27 PM)
|
المشاركات :
5,054 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
وقد ذكَر الإمام عليه السلام بكل المواقع الجغرافية، والمواقف الحاسمة والذكريات العظيمة في الإسلام، و ربط نفسه بكلّ ذلك، فسرد وبِلُغةٍ شخصيّةٍ حوادث تاريخ الإسلام، معبراً بذلك عن أنّه يحمل هموم ذلك التاريخ كلّه على عاتقه، و أنّه حامل هذا العِبْ، بكلّ ما فيه من قدسيّة، ومع هذا فهو يقفُ أسيراً أمام أهل المجلس.
وقد فهم الناسُ مغزى هذا الكلام العميق، فلذلك ضجّوا بالبكاء فإنَ الحكّام الأمويّين إنّما حصلوا على مواقع السلطة من خلال ربط أنفسهم بالإسلام، فكسبوا لأنفسهم قدسيّة الخلافة.
وكان لجهل الناس الأثر الكبير في وصول الأمر إلى هذه الحالة، أن يروا ابن الإسلام أسيراً أمامهم.
ثمّ إنّ جهل أهل الشام بأهل البيت، مضافاً إلى حقد الحكّام على أهل البيت عامّة، و على الذين كانوا مع الحسين عليه السلام في كر بلاء خاصة، كان يدعو إلى الاحتياط، والحذر من أن ينقضَ يزيد على الأسرى في ما لو أحسَ بخطرهم، فيُبيدهم.
فكان ما قام به الإمام من تأطير خطبته بالإطار الشخصي مانعاً من إثارة غضبه وحقده، لكن لم يَفُتِ الإمام اقتناص الفرصة السانحة لكي يبثّ من خلال التعريف، بشخصه و هويته، التنويه بشخصيته و بقضيته و بهمومه، ولو بالكناية التي كانت حقاً أبلغ من التصريح .
فلذلك لم يتعرّض الإمام عليه السلام لذكر مساوي الأمويّين، ولم يذكر شيئاً من فضائحهم، بالرغم من توقّع يزيد نفسه لذلك .
و بذلك نجا من شرّ يزيد، و بقي ليداوم اتّباع الهدف الذي من أجله قُتِلَ الشهداء بالأمس، و أصبح هو يقود مسيرة الأحياء، اليوم، و غداً ...
و موقف آخر: في وسط ذلك الجوّ الخانق، وفي عاصمة الحاكم المنتصر، وفي حالة الأسر، يرفع الإمام صوته، ليُسمع الأذان التي أصمّها الضوضاء والصخب، في ما رواه المنهال بن عمرو، قال: دخلت على عليّ بن الحسين، فقلتُ: كيف أصبحت، أصلحك الله ?.
فقال: ما كنتُ أرى شيخاً من أهل المصر مثلك لا يدري: كيف أصبحنا ?.
قال: فأمّا إذا لم تدْرِ أو تعلم فأنا اُخبرك :
أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون، إذ كانوا (يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم) . و أصبحنا: شيخُنا و سيّدنا يُتقرّب إلى عدوّنا بشتمه، و بسبّه، على المنابر و أصبحت قريش تعدّ (6): أنّ لها الفضل على العرب، لأنّ محمّداً منها، لا يُعَد لها فضل إلا به، و أصبحت العرب مقرّةً (7) لهم بذلك .
و أصبحت العرب تعدّ(8) أن لها الفضل على العجم، لأن محمداً منها، لا يُعدّ لها فضل إلا به، و أصبحت العجم مقرّةً
فإنْ كانت العرب صدقت أنّ لها الفضل على العجم، وصدقت قريش أنّ لها الفضل على العرب لأنّ محمّداً منها: إنّ لنا أهل البيت الفضل على قريش، لأن محمداً منّا .
فأضحوا يأخذون بحقّنا، ولا يعرفون لنا حقّاً .
فهكذا أصبحنا، إن لم يُعلم: كيف أصبحنا ?
قال المنهال: فظننت أنَه أراد أن يُسمِعَ مَن في البيت
و يصرّح في موقف مماثل يُسأل فيه عن الركب الذي هو فيه، فيقول:
إنا من أهل البيت، الذين افترض الله مودّتهم على كل مسلمٍ، فقال تبارك و تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودّة في القُربى و مَن يقترف حسنةً نزد له فيها حسنا) [ سورة الشورى 42 الآية 23 ] فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت.
إلى غير ذلك من المواقف التي كان لها أثر حاسم في تغيير سياسة يزيد تجاه هذا الركب المأسور، حتّى أرجعه إلى المدينة.
إنّ هذه المواقف لم تكن تصدر من قلب مُلىء رُعباً، أو شخصٍ يفضّل السلامة، أو يميل إلى الهدوء والراحة، بَلْه المسالمة مع العدو أو الركون إلى الظالمين إنّما صاحب هذه المواقف ذو روحٍ متطلّعة و ثّابة هادفة، إذا لم يُتَحْ له بعد كر بلاء أن يأخذ بقائمة السيف، فسنان المنطق لا يزال في قدرته، يهتك به ظلام التعتيم الإعلامي المضلّل.
وقد اتّبع الإمام السجاد عليه السلام هذه الخطّة بحكمة و تدبير عن علم بالأمر، و عمد له، و كشف عن أنه انتهجه سياسة مدبرةً مدروسة .
فلمّا سُئل عن: الكلام، والسكوت أيهما أفضل ? لم يُدْل بما يعتبره الحكماء من: أن الكلام إذا كان من فضة فالسكوت من ذهب، و إنّما قال :
لكل واحدٍ منهما آفات، و إذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت .
ولمّا سئل عن سبب ذلك مع مخالفته لاعتبار الحكماء المستقر في أذهان الناس من فضل السكوت ? قال:
لأن الله عز و جل ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، و إنّما بعثهم بالكلام .
ولا استُحقت الجنة بالسكوت .
ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت .
ولا توقيت النار بالسكوت .
ولا يُجنّب سخط الله بالسكوت .
إنما كلَه بالكلام و ما كنت لأعدل القمر بالشمس.
إنك تصف فضل السكوت بالكلام، ولست تصف فضل الكلام بالسكوت .
و هكذا طبق الإمام عليه السلام هذه الحكمة البالغة، وأدّى رسالته الإلهية من خلال خطبه و كلماته ومواعظه و أحاديثه، في جميع المواقف العظيمة التي وقفها، و هو في الأسر .
و إذا كان الظالمون يعتدون على المصلحين والأحرار بالقتل والسجن، فإنّما ذلك ليخنقوا كل صوت في الحناجر، ولئلا يسمع الناس حديثهم وكلامهم.
و إذا ذبح الحسين عليه السلام وقُتِلَ في كر بلاء، فإنّ نداءاته ظلّت تدوي من حنجرة الإمام السجاد عليه السلام في مسيرة الأسرى، وفي قلب مجالس الحكّام .
وليس من الإنصاف، في القاموس السياسي، أن يوصف مَنْ يؤدّي هذا الدور، بالانعزال عن السياسة، أو الابتعاد عن الحركة والنضال.
بل، إذا كانت حركة الإمام الحسين عليه السلام سياسيةً، كما هي كذلك بلا ريب فكما قال القرشي: إنّ الإمام زين العابدين عليه السلام من أقوى العوامل في تخليد الثورة الحسينية، و تفاعلها مع عواطف المجتمع أحاسيسه، و ذلك بمواقفه الرائعة التي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً في دنيا الشجاعة والبطولات أمّا خطابه في بلاط يزيد فإنه من أروع الوثائق السياسية في الإسلام.
و برز الإمام زين العابدين عليه السلام على مسرح الحياة الإسلامية كألمع سياسي إسلامي عرفه التاريخ، فقد استطاع بمهارةٍ فائقةٍ وهو في قيد المرض والأسر أن ينشر أهداف الثورة العظمى التي فجّرها أبوه الإمام الحسين القائد الملهم للمسيرة الإسلامية الظافرة، فأبرز قيمها الأصلية بأسلوب مشرق كان في منتهى التقنين، والأصالة، والإبداع .
|
|
اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
|