عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2011, 09:24 PM   #2
نـــائب المدير


الصورة الرمزية المعارف
المعارف غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 118
 تاريخ التسجيل :  May 2011
 أخر زيارة : 10-30-2012 (10:36 PM)
 المشاركات : 1,850 [ + ]
 التقييم :  10
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



( فصل ) :

وأمّا حديث النُّعمان بن بَشيرٍ ؛ فقد أخرجه أحمد في (مسنده) (61) عن محمّد بن جعفرٍ ، عن شُعبة قال : سمعتُ أبا إسحاق يقول : سمعت النُّعمان بن بشيرٍ - وهو يخطب - يقول : سمعتُ رسول الله‏ صلى الله عليه وآله يقول : إنّ أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لَرجلٌ يوضَع في أَخْمَص قدميه جمرتان يغلي منهما دِماغه .
وفي إسناده : محمّد بن جعفرٍ الهُذَليّ المعروف بغُنْدَر ، وقد حكى الحافظ ابن حجرٍ في (هَدْي الساري) (62) عن أبي حاتمٍ أنّه قال : يُكتب حديثه عن غير شعبة ولا يحتجّ به (اهـ) .
وهذا يُنبى‏ءُ عن أمرٍ مّا في روايته عن شعبة ، وقد روى هذا الحديث عنه ، فينبغي أن لا يُكتب ولا يُحتجّ به - كما يُؤْخذ من كلام أبي حاتمٍ - .
وقال ابن المَدِينيّ: كنتُ إذا ذكرتُ غُنْدَراً ليحيى بن سعيدٍ عَوَّجَ فمه، كأنّه يضعّفه (63) .
ومن خفّة عقله وطَيْشه ما حكاه العُقَيْليّ عن ابن مَعينٍ قال : قَدِمْنا على غُنْدَرٍ فقال : لا أُحدّثكم حتّى تمشوا خلفي فيراكم أهل السوق فيُكرموني (64) (اهـ) .
وأخرجه البخاريّ في (صحيحه) (65) عن محمّد بن بشّارٍ ، عن غُنْدَرٍ به ؛ وكذا مسلمٌ (66) عن محمّد بن المثنّى وابن بشّار عنه به .
وفي هذين الإسنادَيْن : محمّد بن بشّار بن عثمان العبديّ البصريّ أبو بكرٍ بُنْدار ، وقد ضعّفه عمرو بن عليٍّ الفلّاس وقال : إنّ بُنداراً كان يكذب فيما يروي عن يحيى - يعني القطّان .
وقال القواريريّ : كان يحيى بن مَعينٍ يستضعفه ، وقال أبو داود : لولا سلامةٌ فيه لتُرك حديثه ، وقال محمّد بن سيّارٍ : كان يقرأ من كلّ كتابٍ ، وقال عبد الله بن عليٍّ المَدِينيّ : سمعت أبي - وسألته عن حديثٍ رواه بُنْدار عن ابن مهديٍّ بإسناده مرفوعاً - فقال : هذا كذبٌ ، وأنكره أشدّ الإنكار ، وقال : حدّثني أبو داود موقوفاً .
وقال عبد الله بن الدَّوْرَقيّ : كنّا عند ابن مَعينٍ وجرى ذِكْر بُنْدارٍ ، فرأيتُ يحيى‏ لا يَعْبأُ به ويستضعفه ، قال : ورأيت القواريريّ لا يرضاه ، وقال : كان صاحبَ حمامٍ (67) .
وأمّا محمّد بن المثنّى بن عُبيدٍ العَنزيّ أبو موسى البصريّ ، فقد قال صالح بن محمّدٍ : كان في عقله شي‏ءٌ (68) .
وأخرج الترمذيّ في (سننه) (69) عن محمود بن غَيْلان قال : حدّثنا وَهْب ابن جريرٍ ، عن شُعبة ، عن أبي إسحاق ، عن النُّعمان بن بشيرٍ أنّ رسول الله‏ صلى الله عليه وآله قال : إنّ أهون أهل النار عذاباً يومَ القيامة رجلٌ في أخْمَص قدميه جمرتان يغلي منهما دِماغه .
قال أبو عيسى : هذا حديثٌ حسن صحيح (اهـ) .
قلت : قد ذكر العلماء أنّه لا ينبغي الاغترار بتصحيح الترمذيّ وتحسينه ، فكم حسّن من أحاديثَ موضوعةٍ وأسانيدَ واهيةٍ - كما قال ابن دِحْيَة (70) - .
وفي هذا الإسناد : وَهْب بن جرير بن حازمٍ الأزديّ ، وهو قد روى هذا الحديث عن شعبة ، قال أحمد : ما رُئي وَهْبٌ قطُّ عند شعبة ، حدّث - زعموا - عن شعبة بنحو أربعة آلاف حديثٍ ، قال عفّان : هذه أحاديث عبد الرحمن الرصاصيّ ، شيخٌ سمِعَ مِن شعبة كثيراً ثمّ وقع إلى مصر .
وقال عبد الرحمن بن مهديّ : هاهنا قومٌ يحدّثون عن شعبة ما رأيناهم عنده ، يُعرِّض بوَهْبٍ .
وقال العِجْليّ : كان عفّان يتكلّم فيه (71) .
وأخرج البخاريّ أيضاً في (صحيحه) (72) قال : حدّثنا عبد الله بن رجاءٍ ، حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن النّعمان بن بشيرٍ قال : سمعت النبيّ‏ صلى الله عليه وآله يقول : إنّ أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجلٌ على أَخْمَص قدميه جمرتان يغلي منهما دِماغه كما يغلي المِرْجَل والقُمْقُم .
وفي إسناده : عبد الله بن رجاءٍ أبو عمرٍو الغُدَانيّ البصريّ ، قال ابن مَعينٍ : كثير التصحيف ، وقال أيضاً : ليس من أصحاب الحديث ، وقال الفلّاس : كثير الغلط والتصحيف ، ليس بحجّةٍ (73) .
وفيه أيضاً : إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيّ ، قال صالح بن أحمد عن أبيه : إسرائيل عن أبي إسحاق فيه لِيْنٌ ، سمع منه بأَخَرَة ، وقال يعقوب بن شيبة : في حديثه لِيْنٌ ، وقال عليّ بن المَدِينيّ : ضعيفٌ .
وأطلق ابن حَزْمٍ ضعفَ إسرائيل ، وردّ به أحاديثَ من حديثه .
وقال عبد الرحمن بن مهديٍّ : إسرائيل لِصٌّ يسرق الحديث (74) .
وأخرج مسلم أيضاً في (صحيحه) (75) قال : حدّثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَة ، حدّثنا أبو أُسامة ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن النُّعمان بن بشيرٍ ، قال : قال رسول الله‏ صلى الله عليه وآله : إنّ أهون أهل النار عذاباً مَن له نعلان وشِراكان يغلي منهما دِماغه كما يغلي المِرْجَل ، ما يرى أنّ أحداً أشدّ منه عذاباً ، وإنّه لأَهْوَنُهم عذاباً .
وفي إسناده : أبو أُسامة حمّاد بن أسامة بن زيدٍ الكوفيّ ، قال ابن سعدٍ : يدلّس ويبيّن تدليسه ، وحكى الأزديّ في (الضعفاء) عن سفيان بن وكيعٍ قال : كان أبو أُسامة يتتبّع كتب الرواة فيأخذها وينسخها ، قال سفيان : إنّي لأعجب كيف جاز حديث أبي أُسامة ؟! كان أمره بيِّناً ، وكان من أسرق الناس لحديثٍ جيّدٍ (76) ، وقال المُعيْطيّ : كان كثيرَ التدليس (77) .
وفي إسناده أيضاً : سليمان بن مِهْران الأعمش الكاهليّ الأسديّ ، وقد كان يدلِّس تدليسَ التسوية - كما مرّ - وهو جَرْحٌ بلا شكٍّ - كما قال الحافظ ابن حجرٍ - قادحٌ فيمن تعمَّد فعْلَه - كما قال الحافظ العراقيّ ـ .
ومع ذلك فإنّه عَنْعَنَ في حديثه هذا ، والمدلّس لا يُقْبَلُ من حديثه إلّا ما صرّح فيه بالسَّماع - كما هو مقرَّر في محلّه - .
وأخرج أحمد في (مسنده) (78) أيضاً حديثَ الباب عن يحيى بن سعيدٍ ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السَّبيعيّ الكوفيّ ، وقد عرفت أنّ جميع طرق حديث النُّعمان بن بشيرٍ تنتهي إليه ، وتدور عليه .
قال أبو بكر البرديجيّ في (المراسيل) : قيل : إنّ أبا إسحاق لم يسمع من سليمان ابن صُرَدٍ ولا من النُّعمان بن بشيرٍ ولا من جابر بن سَمُرَة .
وقال ابن حِبّان : كان مدلّساً ، وكذا ذكره في المدلّسين حسين الكرابيسيّ وأبو جعفرٍ الطبريّ .
وقال ابن المَدِينيّ في (العِلَل) : قال شعبة : سمعتُ أبا إسحاق يحدّث عن الحارث ابن الأَزْمَع بحديثٍ ، فقلت له : سمعتَ منه ؟ فقال : حدّثني مُجالِدٌ ، عن الشَّعبيّ عنه ، قال شعبة : وكان أبو إسحاق إذا أخبرني عن رجلٍ قلت له : هذا أكبر منك ؟ فإن قال : نعم ، علمتُ أنّه لقي ، وإن قال : أنا أكبر منه ، تركته .
وقال الجُوزَجانيّ : أبو إسحاق روى عن قومٍ لا يُعرَفون ، ولم ينتشر عنهم عند أهل العلم إلّا ما حكى أبو إسحاق عنهم .
وقال : حدّثنا إسحاق ، حدّثنا جَرير ، عن مَعنٍ ، قال : أفسد حديثَ أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق - يعني للتدليس (79) - .
وبعدُ ، فإنّ النُّعمان بن بشيرٍ كان قد استعمله معاويةُ بن أبي سفيان على الكوفة أشْهُراً ، ثمّ نقله من إمْرَة الكوفة إلى إمْرَة حِمْص (80) ، واستعمله عليها - بعدَه - ابنُه يزيد ، وكان هواه مع معاوية ، وميله إليه وإلى ابنه يزيد - كما قال ابن الأثير بترجمته في «أُسْد الغابة» (81) - فلا غَرْوَ أن يتَحَذْلَق ويتملَّق لبني أُميّة - فراعنة الأمّة - فيُحدّث بمثل هذا الحديث على صَهَوات المنابر ، تقرّباً إليهم وتطييباً لنفوسهم ، كما كان ذلك دأب أهل الشام وغيرهم من أهل الأمصار ممّن اتّخذ إلههُ هواه ، وباع آخرته بدنياه { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (82) } .
ثمّ إنّ في سَماعه من النبيّ‏ صلى الله عليه وآله خلافاً ، فقال يحيى بن مَعينٍ : أهل المدينة يقولون : لم يسمع من النبيّ‏ صلى الله عليه وآله وأهل العراق يُصحّحون سَماعه (83) .
وقال ابن عبد البِرّ في (الاستيعاب) (84) : لا يُصحّح بعضُ أهل العلم سَماعَه من رسول الله‏ صلى الله عليه وآله وهو عندي صحيحٌ ، لأنّ الشَّعْبيّ يقول عنه : سمعت رسول الله‏ صلى الله عليه وآله - في حديثين أو ثلاثة - (اهـ) .
لكن قال ابن مَعينٍ : ليس يروي عن النبيّ‏ صلى الله عليه وآله حديثاً يقول فيه : سمعت ، إلّا في حديث الشَّعْبيِّ : «الجسد مُضْغَة» والباقي من حديثه إنّما هو عن النبيّ‏ صلى الله عليه وآله ليس فيه «سمعتُ» (85) فتنبّه .

( فصل ) :

وأمّا حديث عبد الله بن عبّاسٍ ‏رضى الله عنه فقد أخرجه أحمد في (مسنده) (86) قال : حدّثنا عفّان ، حدّثنا حمّاد ، أخبرنا ثابت ، عن أبي عثمان النَّهْديّ ، عن ابن عبّاسٍ أنّ رسول الله‏ صلى الله عليه وآله قال : أهون أهل النار عذاباً أبو طالبٍ ، وهو متنعِّل نعلَيْن من نارٍ يغلي منهما دِماغه .
ورواه مسلم في (صحيحه) (87) عن أبي بكر بن أبي شَيْبة ، عن عفّان ، به .
وفي إسناده : حمّاد بن سَلَمة بن دينارٍ البصريّ ، قال الحافظ ابن حجرٍ في (هَدْي الساري) (88) : استشهد به البخاريّ تعليقاً ، ولم يخرّج له احتجاجاً ولا مقروناً ولا متابعةً إلّا في موضعٍ واحدٍ قال فيه : قال لنا أبو الوليد : حدّثنا حمّاد بن سَلَمة ، فذكره ، وهو في (كتاب الرِّقاق) .
قال ابن حجرٍ : وهذه الصيغة يستعملها البخاريّ في الأحاديث الموقوفة ، وفي المرفوعة أيضاً إذا كان في إسنادها من لا يُحتجّ به عنده (اهـ) .
قلت : أبو الوليد هو الطيالسيّ ، هشام بن عبد الملك البصريّ ، احتجّ به الجماعة ومنهم البخاريّ ، وقد روى عنه في (صحيحه) مائةً وسبعة أحاديث (89) .
وقال الحاكم : لم يحتجّ به مسلم - يعني حمّاداً - إلّا في حديث ثابتٍ عن أنسٍ (90) ، وأمّا باقي ما أخرج له فمتابعة (91) .
وقال ابن سعدٍ : ربّما حدّث بالحديث المنكر (92) .
وقال ابن حجرٍ في (التقريب) (93) : تغيّر حفظه بأَخَرَة .

( فصل ) :

وأمّا حديث أبي هُرَيْرة الدَّوْسيّ ؛ فقد أخرجه أحمد في (مسنده) والدَّارِميّ في (سننه) وابن حِبّان في (صحيحه) والطبرانيّ في (الأوسط) والحاكم في (المستدرك) (94) بطرقهم عن محمّد بن عَجْلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ‏ صلى الله عليه وآله قال : أهون أهل النار عذاباً عليه نعلان يغلي منهما دِماغه .
قلت : مَن كان عارفاً بأحوال أبي هريرة وأقواله ، واقفاً على سيرته في التزلّف إلى طغاة بني أميّة ، والتقرّب إلى أُمراء بني مروان وحكّامهم ؛ بوضع الأحاديث التي فيها إزراءٌ على آل أبي طالبٍ وانتقاصٌ لهم - شأن غيره من النواصب - لم يَرْتَبْ في اتّهامه بهذا الحديث وإلصاقه به ، وعدم انفكاكه عن وَضْعه .
وإذا الفِرْية في آفاقنا ذُكِرَتْ‏
فإنّما به فينا يُضرب المَثَلُ‏
وإن ابتغيتَ تحقيقَ ذلك ، ورُمْتَ الوقوفَ على حقيقة ما كان عليه (أبو هريرة) فعليك بما جمعه الإمام ابن شرف الدين العامليّ رحمه الله تعالى في سيرته ، وانتقده من أحاديثه ، والله يتولّى هُداك .

( فصل ) :

وأمّا حديث عُبيد بن عُمير بن قَتادة الجُندعيّ؛ فقد رواه البزّار عنه قال : قال رسول الله‏ صلى الله عليه وآله : إنّ أدنى‏ أهل النار عذاباً لرجلٌ عليه نعلان يغلي منهما دِماغه ، كأنّه مِرْجَلٌ ، مسامعه جَمْرٌ ، وأضراسه جَمْرٌ ، وأشفاره لَهَبُ النار ، وتخرج أحشاء جَنْبَيه من قدميه ، وسائرهم كالحبّ القليل في الماء الكثير ، فهو يفور .
قال المنذريّ (95) : رواه البزّار مرسلاً بإسنادٍ صحيح .

( فصل ) :

وأمّا حديث عامر بن شُراحيل الشَّعْبيّ ؛ فقد أخرجه ابن جريرٍ في (تفسيره) (96) قال : حدّثنا ابن حُميدٍ ، قال : حدّثنا جَريرٌ ، عن عطاءٍ ، عن عامرٍ : لمّا حضر أبا طالبٍ الموتُ قال له النبيّ‏ صلى الله عليه وآله : يا عمّاه ، قل : لا إله إلّا الله ، أشهد لك بها يومَ القيامة ، فقال له : ياابن أخي ، إنّه لولا أن يكون عليك عارٌ لم أُبالِ أن أفعل ، فقال له ذلك مراراً ، فلمّا مات اشتدّ ذلك على النبيّ‏ صلى الله عليه وآله وقالوا : ما تنفع قرابة أبي طالبٍ منك ؟ فقال : بلى‏ ، والذي نفسي بيده إنّه الساعةَ لفي ضَحْضاحٍ من النار ، عليه نعلان من نارٍ تغلي منهما أُمّ رأسه ، وما من أهل النار من إنسان هو أهون عذاباً منه .
قلت : ذا حديثٌ مرسلٌ ، ومحمّد بن حُميدٍ الرازيّ - شيخ ابن جريرٍ - كذّبه الجمّ الغفير من أئمّة الجرح والتعديل (97) .
وفي طريقه أيضاً : جرير بن عبد الحميد بن قُرْطٍ الضَّبّيّ أبو عبد الله الرازيّ ، وقد حكى الشاذكونيّ عنه ما يدلّ على التدليس ، قال : حدّثنا - يعني جريراً - عن مُغِيرَة ، عن إبراهيم ؛ في طلاق الأخرس ، ثمّ حدّثنا به عن سفيان ، عن مُغِيرة ، ثمّ وجدته على ظهر كتابٍ لابن أخيه ، عن ابن المبارك ، عن سفيان ، عن مُغِيرَة .
قال : سليمان الشاذكونيّ : فوقّفتُ جريراً عليه فقال لي : حدّثنيه رجلٌ عن ابن المبارك ، عن سفيان ، عن مُغِيرَة ، عن إبراهيم .
قال الحافظ ابن حجرٍ : إنْ صحّت حكاية الشاذكونيّ فجريرٌ كان يدلّس (98) (اهـ) .
ثمّ إنّ جريراً قد سمع من عطاء بن السَّائب بعدَ اختلاطه ، فليس سَماعه بشي‏ءٍ - كما قال الإمام أحمد - وقال ابن مَعينٍ : ما سَمِعَ منه جَريرٌ وذووه ليس من صحيح حديثه ، وقال أيضاً : جميع من سمع من عطاءٍ سمع منه في الاختلاط إلّا شعبة والثوريّ (99) .
وقال ابن الجارود في (الضُّعفاء) : حديث سفيان وشعبة وحمّاد بن سَلَمة عنه جيّدٌ ، وحديث جريرٍ وأشباه جريرٍ ليس بذاك (100) .
وفي الطريق أيضاً : أبو عمروٍ عامر بن شُراحيل الهَمْدانيّ الشَّعْبيّ ، وقد كذّبه إبراهيم النخعيّ ، قال ابن عبد البَرّ في (جامع بيان العلم وفضله) (101) : ذكر الحسن بن عليٍّ الحلوانيّ ، قال : حدّثنا نعيم بن حمّادٍ ، حدّثنا أبو معاوية ، عن الأعمش قال : كنتُ عند الشَّعبيّ فذكروا إبراهيم ، فقال : ذاك رجلٌ يختلف إلينا ليلاً ويحدّث الناس نهاراً ، فأتيتُ إبراهيم فأخبرته ، فقال : ذاك يحدّث عن مسروقٍ ، والله ما سمع منه شيئاً قطّ .
وقال ابن عبد البَرِّ أيضاً : حدّثنا أحمد بن محمّدٍ ، حدّثنا أحمد بن الفضل ، حدّثنا محمّد بن جريرٍ ، حدّثنا زكريّا بن يحيى ، حدّثنا قاسم بن محمّد بن أبي شَيْبة ، حدّثنا أبو معاوية ، عن الأعمش قال : ذُكر إبراهيم النخعيّ عند الشَّعْبيّ فقال : ذاك الأعور الذي يستفتي بالليل ويجلس يُفتي الناسَ بالنهار ، قال : فذكرتُ ذلك لإبراهيم فقال : ذاك كذّابٌ ، لم يسمع من مسروقٍ شيئاً .
قال ابن عبد البَرّ : وذكر ابن أبي خَيْثَمة هذا الخبر عن أبيه ، قال : كان هذا الحديث في كتاب أبي معاوية ، فسألناه عنه فأبى‏ أن يحدّثنا به (102) (اهـ) .
على أنّ الشَّعْبيّ ممّن والى‏ بني أميّة اللئام - الشجرةَ الملعونةَ في القرآن - فكان من قضاة بني مروان ، وقد حُكي أنّ جميلة بنت عيسى بن جرادٍ - وكانت جميلةً كاسمها - ارتفعت إليه مع خصمٍ لها ، وكان الشَّعْبيُّ قاضي عبد الملك فقضى‏ لها ، فقال هُذَيْل الأشجعيّ :
فُتِنَ الشَّعْبيُّ لَمّا
رَفَع الطَّرْفَ إليها
فَتَنَتْهُ بثنايا
ها وقَوْسَيْ حاجِبَيْها
وَمَشتْ مَشْياً رُوَيْداً
ثمّ هزّت مَنْكِبَيْها
فقضى‏ جَوْراً على الخص
-م ولم يقضِ عليها
فقبض الشعبيّ عليه وضربه ثلاثين سوطاً (103) .
وكان من المتحاملين على أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، فقد دخل على الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ونال من أمير المؤمنين‏عليه السلام فغضب منه الحسن البصريّ وجعل يعظه (104) .
وقال شمس الدين أبو الخير محمّد بن الجَزَريّ في (طبقات القرّاء) (105) : رُوِّينا عن أبي عبد الرحمن السُّلَميّ أنّه قال : ما رأيتُ ابنَ أُنثى أَقْرَأ لكتاب الله تعالى‏ من عليٍ‏ عليه السلام .
وقال أيضاً : ما رأيتُ أقرأَ من عليٍ‏عليه السلام عرض القرآن على النبيّ‏ صلى الله عليه وآله .
قال ابن الجَزَريّ : وهو من الذين حفظوه أَجْمَعَ بلا شكٍّ عندنا ، وقد أَبْعَدَ الشَّعْبيُّ في قوله : إنّه لم يحفظه .
قال يحيى بن آدم : قلت لأبي بكر بن أبي عيّاشٍ : يقولون : إنّ عليّاً رضى الله عنه لم يقرأ القرآن ، فقال : أبطل مَن قال هذا ، عرض عليه أبو عبد الرحمن السُّلَميّ وأبو الأسود الدُّؤَليّ وعبد الرحمن بن أبي ليلى (اهـ) .
فإذا كان هذا قوله في أمير المؤمنين ؛ فما ظنّك بقوله في أبيه ، فلا بِدْعَ أن يتجاهر بعداوة آل أبي طالبٍ ، فيروي مثل هذا الإفك البيِّن في حقّ شيخهم و{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (106) } .
على أنّه قد روى عبد الله بن أبي الصَّقر ، عن الشَّعْبيّ يرفعه عن أمير المؤمنين عليٍ‏عليه السلام قال : كان - والله - أبو طالبٍ عبد مناف بن عبد المطّلب مؤمناً مسلماً ، يكتم إيمانه مخافةً على‏ بني هاشمٍ أنْ تُنابذها قريش (107) .

( فصل ) :

وأمّا حديث يزيد بن أبان الرقاشيّ ، فقد رواه أحمد بن عبد الجبّار ، عن يونس ابن بُكَيْرٍ ، عن سِنان بن إسماعيل الحنفيّ ، عن يزيد الرقاشيّ ، قال : قيل لرسول الله‏ صلى الله عليه وآله : يارسول الله ، أبو طالبٍ ونُصْرته لك وحَيْطَته عليك ، أين منزلته ؟ فقال رسول الله‏ صلى الله عليه وآله : هو في ضَحْضاحٍ من نارٍ ، فقيل : وإنّ فيها لضَحْضاحاً وغَمْراً ؟! فقال رسول الله‏ صلى الله عليه وآله : نعم ، إنّ أدنى‏ أهل النار منزلةً لمن يُحذى له نعلان من نارٍ يغلي من وَهَجِهما دِماغُه حتّى يسيل على قوائمه (108) .
قلت : هذا حديثٌ مرسَلٌ مطعونٌ في إسناده ، وذلك أنّ أحمد بن عبد الجبّار بن محمّدٍ التميميّ العطارديّ كان يكذب - كما قال مطيّن - وقال ابن أبي حاتمٍ : كتبتُ عنه وأمسكتُ عن الرواية عنه لكثرة كلام الناس فيه ، وقال أبو أحمد الحاكم : ليس بالقويّ عندهم ، تركه ابن عُقْدَة ، وقال ابن عَدِيٍّ : رأيتُ أهلَ العراق مجمعين على ضَعْفه (109) .
وأمّا يونس بن بُكَيْر بن واصلٍ الشيبانيّ ؛ فقد قال أبو داود : ليس هو عندي بحجّةٍ ، كان يأخذ ابنَ إسحاق فيوصله بالأحاديث ، وقال النسائيّ : ليس بالقويّ ، وقال مرّةً : ضعيفٌ ، وقال الجُوزَجانيّ : ينبغي أن يُتَثَبَّت في أمره ، وقال الساجيّ : كان ابن المَدِينيّ لا يحدّث عنه ، وقال أحمد بن حنبلٍ : ما كان أزهدَ الناس فيه وأَنْفَرَهم عنه ، وقال ابن أبي شيبة : كان فيه لِيْنٌ (110) .
وأمّا سِنان بن إسماعيل الحنفيّ ؛ فلم أعرفه .
وأمّا أبو عمروٍ يزيد بن أبان الرقاشيّ البصريّ ، فقد قال ابن سعدٍ : كان ضعيفاً قَدَريّاً ، وقال الفلّاس : كان يحيى بن سعيدٍ لا يُحدّث عنه ، وقال البخاريّ : تكلّم فيه شعبة ، قال شعبة : لئن أزني أحبّ إليّ من أنْ أُحدّث عن يزيد الرقاشيّ ، وقال أحمد : لا يُكتب حديث يزيد ، وقال أيضاً : كان منكرَ الحديث ، وقال ابن مَعينٍ : ليس حديثه بشي‏ءٍ ، وقال أيضاً : ضعيفٌ ، وكذا قال الدارقطنيّ والبرقانيّ .
وقال يعقوب بن سفيان : فيه ضَعْفٌ ، وقال أبو حاتمٍ : في حديثه ضَعْفٌ ، وقال النسائيّ والحاكم أبو أحمد : متروك الحديث ، وقال النسائيّ أيضاً : ليس بثقةٍ ، وقال ابن حِبّان : لا تَحِلُّ الرواية عنه إلّا على جهة التعجّب (111) .


 
 توقيع : المعارف




رد مع اقتباس