نورجهان |
12-17-2012 04:37 PM |
الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) رجل الثورة الصامتة
http://up.arab-x.com/May12/d1B14557.gif
http://www.voice-hussein.com/vb/uplo...1259073352.gif
الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام )
رجُل الثورة الصامتة *
فاضل عباس
طالب في المرحلة الثالثة في معهد الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )
حين نستعرض السيرة الجهادية النيّرة لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، فإنّ القلم يعجز عن التعبير عن تضحياتهم العظيمة في سبيل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى ، ودأبهم على نشر الدين المحمّدي الأصيل ؛ إذ إنّنا نقف أمام مدرسة عظيمة تنوّعت أدوار كلّ فرد من أفرادها ومواقفه ، إلاّ أنّ هدفها واحد ، وهو إقامة حكومة العدل الإلهي وتطبيق السُنّة المحمّدية ، مثل هذا المشروع الإلهي العظيم ، يتطلّب التضحية والفداء بالدم والروح والنفس والأهل ـ أحياناً ـ كما هي كربلاء الحسين ( عليه السلام ) ، وأحياناً أخرى بالكلمة ، والموقف ، والصبر ، والثبات ، كما هي السيرة الجهادية للإمام الحسن ( عليه السلام ) .
والأدوار التي قام بها أهل البيت ( عليهم السلام ) رغم اختلافها الظاهري ـ للوَهلة الأُولى ـ إلاّ أنّها في الحقيقة وحدة متكاملة ومنهجية متناسقة ؛ حيث كلّ عنصر فيها قام بإكمال دَور العنصر الآخر ، وبالتالي هي سلسلة محمدية واحدة تعمل على تحقيق الهدف المنشود ، أَلا وهو إقامة حكومة العدل الإلهي على يدَي صاحب العصر والزمان الإمام الحجّة المهدي ( عجّل الله تعالى فرَجه الشريف ) في آخِر الزمان .
فاختلاف الأدوار في السيرة الجهادية العطرة لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، لا يعني ـ على سبيل المثال ـ أنّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) رجل ثورة وقتال فقط ، بينما الإمام الحسن ( عليه السلام ) رجل مهادنـة وسلـم ، بل الواقع غير ذلك ، فالسيرة الحسنية الجهادية غلَب عليها طابع الصلح مع العدوّ لأسباب وظروف اقتضت ذلك ، بينما السيرة الحسينية غلب عليها طابع الثورة والجهاد لأسباب وظروف أخرى مختلفة ، وخير دليل على ذلك عند استعراضنا الحياة الجهادية للإمام الحسن ( عليه السلام ) ، فهي تارة مليئة بالمواقـف ، والبطـولات ، والتضحيات ، وتارة تستلزم الصلح والمسالمة ، ولكن في كلتي الحالتين يبقى الهدف واحد وهو : مصلحة الإسلام العليا .
( ... وقد يعتقد البعض بأنّ الحسن ( عليه السلام ) صاحب الصلح والمهادنة ، والإمام الحسين ( عليه السلام ) له الثورة والتمرّد ، إلاّ أنّه لو عكسنا الشخصين لقام كلٌّ منهما بنفس الدَور ، أي الظروف هي التي حكمت بأنّ كلّ منهما يتبع نهجاً ما ، أي الظروف هي تحكم بالحرب أو السِلم ، بينما الدافع والهدف هو واحد ، هو فقط المصلحة العامّة لا غير ) (1) .
وعلى هذا الأساس نلاحظ بأنّه عند الحديث عن سيرة الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، فإنّه يتبادر مباشرة للذهن صُلحه مع معاوية ، وكأنّ حياته ( عليه السلام ) كلّها تُختزل في هذا الصلح ـ وذلك بغضّ النظر عن أهمّيتها ـ وبالتالي هو بعيد كلّ البُعد عن ساحات القتال والمواجهة ، لكن سيرته سلام الله عليه تحدّثنا بغير ذلك .
تحدّثنا بأنّه أعَدّ الجيوش والمقاتلين لقتال معاوية عندما سمحت له الظروف بذلك ، لكن عامل المفاجأة الذي برز في صفوف جيشه ( عليه السلام ) ـ كبروز حالات الخيانة والغدر ـ دفعه نحو الصُلح مع معاوية ، أليس هو القائل ( عليه السلام ) مجيباً أحد أصحابه العاتبين عليه بالصلح : ( والله لو وجدت أنصاراً لقاتلت معاوية ليلي ونهاري ) ؟ (2) .
وفي موقع آخر يردّ ( عليه السلام ) على أحد أعدائه ، وهو ( عبد الله بن الزبير ) ، الذي كان يُعلن مناوئته لآل محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فكان ممّا أجابه به قوله ( عليه السلام ) : ( وتزعم أنّي سلّمت الأمر ، وكيف يكون وويحك كذلك ؟ ، وأنا ابن أشجع العرب ، وقد ولدتني فاطمة سيدة نساء العالمين ، لم أفعل ذلك ويحك جُبناً ولا ضعفاً ، ولكنّه باغٍ مثلك ... ) (3) .
ومع كلّ هذا وبعد وقوع الصلح مع معاوية ، استمرّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) في مسيرته الجهادية ضده ، بل عمل على تمهيد الأرضية المناسبة للثورة الحسينية الكربلائية ، وشهادته ( عليه السلام ) ، وقتله مسموماً خيرُ دليل على ذلك ، وإلاّ لماذا قُتل الحسن ( عليه السلام ) لو كان رجل مسالمة وصُلح مع العدوّ ؟! فأيّ تأثير له على نظام معاوية ما دام كذلك ؟! .
فالجواب : واضح وبديهي ، هو أنّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) هو رجل ثورة ضد الظلم بكلّ ما للكلمة من معنى ، سواء كان ذلك الجهاد بالكلمة أو بالسيف ؛ ولهذا أصبح استمرار جهاد الإمام الحسن ( عليه السلام ) ضد معاوية ونظامه المتغطرس عامل خوف ورعب عليهم ، بل شكّل خطراً يهدّد كيان النظام الأموي ، ما دفع معاوية لوضع حدٍّ له ، فكانت الشهادة المباركة .
وبناءً على ذلك ، هو أنّ الكثير من البحوث والدراسات ، يلاحظ بأنّ غالبيّتها تتناول الجانب الفكري والأخلاقي لأئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، بينما الجانب الجهادي والقتالي يبقى غامضاً في كثير من الأحيان ، ومثال على ذلك سيرة الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، حيث أغلَب الدراسات والبحوث التي تناولت حياته المباركة ، تحمِل عنوان ( صلح الإمام الحسن ( عليه السلام ) ) ـ وذلك بغضّ النظر عن أهمية تلك الدراسات ـ ممّا يوحي بأنّ الحسن ( عليه السلام ) رجل صلح ومهادنة فقط .
ولكن واقع وحقيقة سيرته الجهادية أعظم وأشمل من ذلك ، بل هو كما عند بقية الأئمة ( عليهم السلام ) ، كسيرة الإمامين السجّاد والصادق ( عليهما السلام ) ؛ حيث برزت التكتّلات والتشكيلات السرّية تحت إشرافهم وتوجيهاتهم ، رغم أنّ عصر الإمام السجاد ( عليه السلام ) تميّز بنشر الفكر الأخلاقي والعبادي لمدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وتميّز عصر الإمام الصادق ( عليه السلام ) بنشر فقه وعلوم أهل البيت ( عليهم السلام ) .
ويشير إلى تلك الحقيقة سماحة السيد القائد الخامنئي ( دام ظلّه الوارف ) بقوله : إنّ غُربة الأئمة ( عليهم السلام ) لم تقتصر على الفترة الزمنية التي عاشوها في حياتهم ، ولكنّها استمرّت ولعصور متمادية من بعدهم ؛ والسبب في ذلك يرجع إلى إهمال الجوانب المهمّة ، بل والأساسية من حياتهم .
من المؤكّد أنّ هناك كتُباً ومؤلّفات كثيرة قد حظِيَت بمكانةٍ رفيعة وقديرة وذلك ؛ لِما حملته بين طيّاتها من روايات تصف حال الأئمة ( عليهم السلام ) ، ولِما نقلته للأجيال المتعاقبة من أخبار تصف سيرتهم ، ولكن عنصر المواجهة والجهاد المرير ، والذي يمثّل الخطّ الممتد للأئمة ( عليهم السلام ) طوال 250 سنة من حياتهم ، كان قليل الذِكر في هذه الروايات التي تضمّنت فقط عناوين أخرى كالجوانب العلمية أو المعنوية من سيرتهم .
يجب علينا أن ننظر إلى حياة الأئمة ( عليهم السلام ) كأسوة وقدوة نقتدي بهم في حياتنا ، لا كمجرّد ذكريات قيّمة وعظيمة حدثت على التاريخ ، وهذا لا يتحقّق إلاّ بالاهتمام والتركيز على المنهج والأسلوب السياسي من سيرة هؤلاء العظماء ( عليهم السلام ) ...
إنّ مواجهة الأئمة ( عليهم السلام ) كانت واجهة ذات هدف سياسي ، فما هو هذا الهدف ؟ إذن الهدف هو عبارة عن تشكيل حكومة إسلامية ، ولا نستطيع أن نقول إنّه كلّ إمام كان بصدد تأسيس حكومة في زمانه وعصره ، ولكن هدف كلّ إمام كان يتضمّن تأسيس حكومة إسلامية مستقبلية ، وقد يكون المستقبل البعيد أو القريـب .
مثلاً كان هدف الإمام المجتبى ( عليه السلام ) تأسيس حكومة إسلامية للمستقبل القريب ، فقوله ( عليه السـلام ) : ( ما ندري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين ) في جوابه للمسيب بن نجيه ولآخرين عندما سألوه عن سبب سكوته ، هو خير دليل وإشارة إلى هذا المستقبل (4) .
ولذا كان هذا البحث المتواضع ليُسلِّط الضوء على الجانب العظيم من سيرة الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، أَلا وهو الجانب الجهادي لأعداء الإسلام طيلة فترة حياته المباركة ، وسوف نرى ذلك ـ مع القارئ العزيز ـ من خلال عَرْض أبرز المحطّات الجهادية من سيرته ( عليه السلام ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* اقتباس وتصحيح شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي ، والمقالة مقتبسة من : مجلة الكلم الطيب ، العدد 21 ، السنة الخامسة 2005 م . 1 ـ جولة في سيرة الأئمة الأطهار ، الشهيد مطهري ، ص39 .
2 ـ الاحتجاج ، للطبرسي ، ص151 .
3 ـ المحاسن والمساوئ ، للبيهقي ، ج1 ، ص60 و 65 .
4 ـ الدروس العظيمة من سيرة أهل البيت ، الإمام الخامنئي ، ص143 ـ 146 .
|
|