في سحر ذات ليلة هادئة.. خاطبت (روحي) قائلاً:
قد صفا جانبُ السَّحَرْ * كلُّ أمرٍ قد اسْتقَر
فإلى أين يا ترى * قلبُكِ يُزمِعُ السَّفَر؟

فأجابتني الروح: إن قلبي عازم السفر إلى الله.. إلى كربلاء!
وهكذا تقتضي رسوم العاشقين في الأسحار.. وها أنا أشد الرحال للسفر معه.
أما أنا، فقد دارت بي الدوائر، واستعر باطني نارا، وأجبت (روحي) بلسان الباطن المستعر:
إن عزمتِ لكربلا * فخذي سمعي والبصر
وخذي عقلي والهوى * ماطواني وما نشر
وخذي ديني والتقى * ورشادي وما أمَر
واتركيني بحَيْرتي * بهوى صانعِ الحير
يومَ نادى بطفِّه * هل معينٌ لنا نصر؟
إن عَزَمتِ حبيبتي * لأراضيهم السَّفَر
فخذي بُردَ راحتي * واتركي ناري والشرر
إن قلبي صبا إلى * ناعسِ الطرفِ ذي حور
كتبوا في جبينِه * يومَ صاغوه (لا وَزَر)
كلما قلتُ: داوني * فلقد ضَرَّني السَّهَر
قال: إن كنتَ عاشقي * سَلِّم الأمرَ للقدَر
وارضَ بالقسمةِ التي * قُسِمتْ كيفما سَطر
قلتُ: يامنيتي ألم * يكْفِ بالصَّد ما سَعَر؟
قال: بالصدِّ عثرةٌ * للمحبينَ تُغْتَفَر
قلتُ: بالوصلِ داوني * ثمّ سُقني إلى سقر
جنّتي أنت لا أرى * بعد لُقياكَ من ضرر
في هواك أرى الذي * أسجَدَ النجْمَ والشَّجَر
* * *
يا مُجيلَ الهوى ألا * ترحَمَنْ مُرهَقَ السَّفر
حبُّه ساح في البِلا * دِ وذاعوه فاشتَهَر
خرَقَ القلبَ سهمُه * واستوى فيه واستَقَر
ليس يدري بدينهِ * مؤمناً فيه أم كَفَر
دينُه العشقُ والهوى * آيُ قرآنِه السَّمَر
ذكرُه ساعةُ اللِّقا * دربُه الوعرُ والخطر
موتُه الصَّدُّ والجفا * ماءُ محياه إن نظَر
لا يبالي إذا ارتَوى * بالذي غابَ أو حظَر
* * *
يومُ أفراحي انطوى * سِفرُ أحزاني انتشر
ما بهذا وعَدْتَني * يومَ أسفَرْتَ عَن قمر
وفؤادي طوى على * هجرِه المُر.. بل أمر
جُنَّ عقلي بحبِّه * ومعانيهِ فاستَعَر
وجَفاني بهجْرِه * ليته حَنَّ أو نظَر
سلبَ اللبَّ حسنُه * مذ شَمَمْتُ به الطُرر
ليس روحي حديدة * لا.. ولا خافقي حجر
كيف صبري وما الهوى * بالذي فيه مصطَبر
سارحُ الروح حائر * هائم القلب بالحَوَر
كلَّما قلت: أرعوي * تتَراءى لي الصُّوَر
إن خَبَتْ نارُ صورةٍ * أوْقَدَتْها بها الفِكَر
يا عذولي أما تَرى * ليَ في الحبِّ ما عَذَر؟
شطَّ عني فما له * من رسولٍ ولا خَبَر
فدَعِ العَذل فالهوى * خَبَلٌ شابه السَّكَر
ليس في الحبِّ حيلة * من جُنون، ولا مَفر