:: منتديات السيد عدنان الحمامي ::

:: منتديات السيد عدنان الحمامي :: (http://www.adnanalhamame.com/vb/index.php)
-   قسم العقيدة الاسلامية والقرآن الكريم (http://www.adnanalhamame.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   إنْ هِبْتَ الموت... فاستعدّ! (http://www.adnanalhamame.com/vb/showthread.php?t=11756)

شجون الزهراء 07-07-2019 01:34 AM

إنْ هِبْتَ الموت... فاستعدّ!
 
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



﴿قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
﴾(1). يتحدّى الله في هذه الآية بعضَ الناسِ بتمنِّي الموتِ، ويعلِّق استعدادهم لتمنِّيه على الصدقِ في دعوى انحصار الدار الآخرة بهم. وبالتالي، يبقى الموتُ والموقفُ منه معياراً للصدق في دعوى الخلوص والإخلاص. ويبقى الموتُ هو السرّ الذي يستعصي على الإنسان فهمُه، ويحار في سبيل الفرار منه، وما من فرارٍ: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾(2). ربّما لا توجد حقيقة أوضح من الموت وأكثر يقيناً منه، ولكنّ الإنسان يغفل عنها أو يتغافل في مجرى الحياة اليومية، وتراه يتابع حياته وكأنّ الموت لا ينتظره عند أحد مفترقات الحياة وتعرّجاتها، ولا يعلم متى يطل برأسه ليستوقف الإنسان ويضع حداً لتلك المسيرة دون أي التفات إلى طولها وقصرها والمسافة التي قطعها الإنسان في سيره نحو الله. ولا يكتمل الحديث عن الاستعداد للموت، ودواعي هذا الاستعداد إلا بمحاولة فهم الموت ووعي حقيقته، وهذا ما سوف نسعى في سبيله أولاً، لنحاول تقديم رؤية القرآن الكريم إلى الموت، ثم ننتقل إلى عنوان المقالة وموضوعها الأساس.

* الموت في القرآن الكريم:

يذكر الله، سبحانه وتعالى، في كتابه الكريم الموتَ بأشكالٍ مختلفةٍ، وفي سياقاتٍ متعددة يحتاج حصرها واستعراضها جميعاً إلى مجالٍ أوسع مما نحن بصدده. فهو مرّةً يتحدّى اليهود المدّعين خلوصَ الدار الآخرة لهم دون الناس بتمنّي الموت، كما في الآية المشار إليها مطلع هذه الكلمة. وتارة يُقنع الإنسانَ ويدعوه إلى عدم تضييع الوقت بمحاولات الفرار من الموت الذي يَطلب مَنْ يُفرّ منه، فيدركه ولو كان في بروج مشيّدة. وثالثةً يعدّه مصيبةً تنزل بالإنسان في قوله تعالى: ﴿...فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ...﴾(3)، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه آيات القرآن الكريم في هذا الموضوع. والملفت في هذا المجال محاولة التعرف على الموت وتعريفه بالمعاينة والاختبار والشهود، وهو ما تقوم به بعض المؤسسات لفهم الموت من خلال ما يطلقون عليه "تجربة الاقتراب من الموت" (Near Death Experience)، وتوجد جمعية دولية متخصصة تهتم بدراسة شهادات الأشخاص الذين مرّوا بتجارب من هذا النوع. وفيها يتحدث بعضهم عن إحساس بالفراغ المَهُوْل، والظلمة المرعبة التي مروا بها أثناء تلك التجربة، ثم تحولت هذه الظلمة إلى نورٍ رحيمٍ حاضنٍ ولقاءاتٍ مع بعض الأصدقاء الذين سبقوا إلى الموت أو سَبَق إليهم، ومعرفةٍ ببعض الأحداث قبل وقوعها. ومن بين هؤلاء مَنْ يتحدث عن فرح غامر لا يشعر به المرء في الدنيا. وعلى الرغم من عدم ميلي إلى تصديق هذه الشهادات بسهولةٍ، إلا أنها محاولات لا بأس من أنْ يسمعها الإنسان ويتأمل فيها، لعل تراكمها ينفع في توضيح الصورة أو جلاء بعض زواياها على الأقل.

* أسباب خشية الموت:

ولكنّ استعصاء الموت على الفهم لا يعفينا من الجواب عن سؤال: لماذا يخشى الإنسان الموت؟ ربّما يبدو هذا السؤال أقربَ إلى الحلِّ من محاولة فهم الموت نفسه. فمن الناس من يخشى الموت؛ لأنه يراه عدماً، وفناءً لا عودة بعده إلى الحياة من جديد. ومنهم يخشى الموت لجهله بما يحصل أثناءه وبعده وفيه، ومنهم من يخشاه لأنسه بالحياة الدنيا وإلفته إياها، أو لغير ذلك من الأسباب. وكي لا نُشهِد الإنسان على نفسه أو لها، يحسن بنا العودة إلى القرآن الكريم لنستفتيه في سبب رغبة الإنسان بالفرار من الموت ولو إلى أجل مسمى.

* أسباب خشية الموت في القرآن:
في القرآن آيات عدة يمكن أن تهدي الإنسان إلى دوافع خشية الموت عند الإنسان يمكن أن نكتفي بالإشارة إلى بعضها:
- عدم اليقين بالخلاص: يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾(4)، تشير هاتان الآيتان إلى عدم الاعتقاد الجازم بالخلاص في الدار الآخرة، ولا بخلوصها للمدّعين ذلك. ولإثبات عدم صدق الدعوى، يأمرهم الله بتمنّي الموت ولو باللسان؛ ولكنّه يجزم بأنّهم لا يتمنّونه أبداً.

- المعاصي: كما تشير الآية إلى المعنى المذكور أعلاه تشير أيضاً إلى أنّ علمَ الإنسان بما قدّمت يداه في الدنيا والعقوبة التي تنتظره على ما قدّم يدعوانه إلى الرغبة في تأجيل الموت أو الفرار منه.
- التسويف: التسويف وتأجيل ما ينبغي التعجيل به، من الأسباب التي تدعو الإنسان إلى السعي في تأجيل الموت إن أمكن لتدارك ما فات، وذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾(5)

- الخوف من العدم: يعتقد كثير من الناس أنّ الموت هو نهاية المطاف، وقد كان التأكيد على البعث والعودة إلى الحياة بعد الموت واحداً من الآمال التي أحياها الدين في نفوس بني البشر. يقول الله سبحانه: ﴿وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾(6).

هذه هي بعض الأسباب التي تولّد في الإنسان الشعور بالخشية والرهبة من الموت، وربما يكون الإنسان في بعضها محقاً؛ ولكن لا يغني حذر من قدر ولا تعفي الخشية الإنسان من اتخاذ موقف مما يخشاه، فالخشية شعور لا يكفي لتشكيل قناعة وممارسة سلوك.

* الموقف من الموت:
في تكوين الموقف من الموت لا بد من ملاحظة مجموعة الأمور تمثّل - بعد ضَمّ بعضها إلى بعضها الآخر -، أسساً وركائز لتحديد الموقف الواجب اتخاذه من الموت، وفي ما يأتي شيء منها:
1- حتمية الموت: إنّ الموت حقيقة حتمية لا تقبل الجدل والنقاش، وهو محطة لا بد من المرور بها في رحلة الكدح إلى الله كما يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾(7).

2- الموت ليس نهاية المطاف: من الأمور التي تساعد على اختيار السلوك الأنسب تجاه الموت هو النظرة التي يحملها الإنسان إليه. فتارة، نعتقد أنّ الموت نهاية وعدم مطلق لا حياة بعده، وأخرى، نرى أن الموت ما هو سوى نقلة من نمط من الحياة إلى نمط آخر.

3- مفاجأة الموت وتعدُّد أسبابه: من الخصائص الواضحة في الموت هو تعدُّد أسبابه وعدم القدرة على توقعه في أكثر الحالات، وكل التطور العلمي في مجال العلوم الطبية الذي بلغه الإنسان في هذا العصر لم يستطع سوى تأجيل الموت وتطويل فترة الانتظار. وهذه العلوم مهما تطورت، فإنها لن تخدم الإنسان في تأجيل الموت الذي يزورنا في بعض الحالات دون سابق إنذار.

عند النظر إلى هذه الإشارات بعين الاعتبار، يبدو أن الموقف الأمثل من الموت هو انتظاره وعدم الخشية منه، والانتظار الحقيقي لا يكون إلا بالاستعداد وأخذ الحيطة والحذر، وما أجمل القول المنسوب إلى الإمام الحسن عليه السلام، في التعبير عن هذا التوازن: "إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً"(8). ونجد في القرآن الكريم إشارات بالغة الدلالة على كيفية الاستعداد للموت وانتظاره.

* الاستعداد للموت في القرآن:

في مقابل ما يدعو إلى الخشية من الموت، فإنّ الدِّين من أفضل الأمور التي تساهم في رفع قلق الموت أو التخفيف منه، على الأقل، وذلك لأنه أولاً يؤسّس عند الإنسان فكرة العودة إلى حياة أفضل من الحياة الدنيا، وأجمل ما فيها أنّه يقدّم للإنسان الموت على أنّه لقاء المحبوب ومحطّ الآمال والأشواق لكل مؤمن، ألا وهو الله تعالى. وقد ترك التديُّن أثره في عدد كبير من المؤمنين في مواجهتهم الموت باطمئنان ليس بعده اطمئنان؛ ومن التعبيرات البالغة عن هذا الرضا والترحيب الكامل بالوصول إلى الفوز بجنة اللقاء الإلهي، قول أمير المؤمنين: "فزت ورب الكعبة"(9). وهذا الرضا والأنس لا يحصلان فجأة، وإنما هما نتيجة للتربية الدينية، وأثر يلحق بمجموعة من الإجراءات التي يمكن استنباطها من القرآن الكريم، على النحو الآتي:

1- الإجراء الأول الذي لا بد من اتخاذه للوصول إلى حالة الرضا والاستعداد للموت هو الإسلام، بأي معنى أخذناه، سواء كان بمعنى التسليم لله تعالى كما يفهم من بعض الآيات، أو بمعناه الاصطلاحي الذي يدل على الدين الإسلامي نفسه. وهذا الإجراء تشير إليه الآيات الآتية: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾(10).

2- والإجراء الثاني الذي يطوّر الاستعداد للموت، هو التوبة والرجوع إلى الله حال الحياة قبل الرجوع إليه بعد الممات. ويشمل ذلك أداء حقوق الناس التي اعتدى عليها الإنسان في علاقاته الاجتماعية. كما يشمل الخروج من عُهْدة ما فات من حقوق الله بترك المعصية وتدارك ما فات. وقد فتح الله باب التوبة ودعا إليها عباده دعوة الأب الرحيم؛ ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾(11).

3- التدبير الثالث الذي يشير إليه القرآن الكريم في مجال مواجهة الموت هو ما يعبَّر عنه في المصطلح الإسلامي بالهجرة. ويمكن أن نفسّر الهجرة بالانتقال من حيث لا يريد الله إلى حيث يريد. وبالتالي، فهي إجراء صالح لكل مضطهد لا يقدر على تغيير الواقع الذي يعيش فيه ويُكْرهه على مخالفة قناعاته المحقّة، وفي مجال الربط بين الهجرة والموت قوله تعالى: ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾(12).








-----------------------------
(1) سورة البقرة: الآية 94.
(2) سورة النساء: الآية 78.
(3) سورة المائدة: الآية 106.
(4) سورة الجمعة: الآيتان 6-7.
(5) سورة المنافقون: الآية 10.
(6) سورة النحل: الآية 38.
(7) سورة الانشقاق: الآية 6.
(8) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج13، ص58.
(9) التحفة السنيّة، السيد عبد الله الجزائري، ص45.
(10) سورة البقرة: الآية 132.
(11) سورة الزمر: الآية 53.
(12) سورة النساء: الآية 100.



الساعة الآن 01:40 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010

Security team